وضع داكن
30-11-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة المائدة - تفسير الآية 3 ، الحكمة من التحريم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحكمة من التحريم في الآية التالية :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع من دروس سورة المائدة ومع قوله تعالى:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 أيها الأخوة:
 السؤال الأول: من الذي حرم الميتة والدم ولحم الخنزير؟ الله جل جلاله، لما قال: حُرِّمت عليكم، على البناء للمجهول؟ هذا سؤال يقتضي الجواب، ذلك أن المؤمن حينما آمن بالله، وحينما عرفه، يتلقى عنه كل شيء، فهو قانع أن هذا الشيء من عليم، وأنه من خبير، وأنه من رحيم، وأنه من محب، فكأن هناك مشاركة في هذا التحريم، الله عز وجل حرَّم وأنت قبلت، فالقضية ليست قصراً وليست ضغطاً ولكنها قضية مبنية على قناعة، فقال تعالى: حُرمتْ عليكم، لم يقل: حَرَّمتُ عليكم، أنت حينما تتلقى أمراً ممن لا تحب، أو ممن يظلمك، أو ممن يريد أن يأخذ كل ما عندك تشعر بقسوة هذا الأمر، أما عندما تتلقى أمراً ممن تحب، من أحب الناس إليك، وأنت واثق من علمه، ومن حكمته، ومن خبرته، ومن رحمته، ومن محبته، لا تأخذ هذا الأمر على أنه أمر ضاغط لكن على أنه أمر أنت محتاج إليه، وهو ينبع من مصلحتك ويصب في نتائج نجاحك في الدنيا والآخرة، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ﴾

الفرق الكبير بين الموت وبين القتل :

 قال تعالى:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾

 أيها الأخوة، لعلي ضربت مثلاً قبل أشهر أن مصباح الكهرباء ينطفئ لحالتين؛ ينطفئ إذا قطعت عنه الكهرباء، أو إذا كسرته، الحالة الأولى هي الموت، انقطاع الإمداد الإلهي يموت الإنسان، أما إذا كانت العضوية قد اختلت وليست صالحةً لاستيعاب هذه الروح تقتل فيموت الإنسان، إما أن يموت حتف أنفه على فراشه، وإما أن يموت بتخريب عضويته بحيث لا تستطيع أن تستقبل إمداد الله عز وجل، فرق كبير بين الموت وبين القتل، القتل عطب يصيب العضوية فلا تستطيع أن تستقبل إمداد الله عز وجل فيموت الإنسان، أما الموت حتف الأنف، الموت على فراش الموت أساسه انقطاع الإمداد الإلهي، فهذه الدابة الميتة محرم أكلها لأن دمها فيها، والدم هذا السائل الذي ينقل المواد الغذائية والأكسجين ويأخذ نتائج الاحتراق من حموض سامة كحمض البول ومن مواد سامة ومن ثاني أكسيد الكربون هو يأخذ الغذاء والأكسجين ويعود بثاني أكسيد الكربون ونواتج الاحتراق، ولاسيما حمض البول، فما من سائل في جسم الإنسان هو بؤرة لنمو الجراثيم كالدم، كل عوامل المرض في الدم، وكل المواد السامة في الدم، وكل المواد التي تؤذي في الدم، وفيه المواد النافعة، وفيه الأكسجين.
 لكن الدم في الجسم يصفى بأجهزة ثلاثة بالغة التعقيد؛ يصفى عن طريق الرئتين، فالرئتان تعطيان الدم الأكسجين، والدم يطرح في الرئتين غاز الفحم، فالشهيق أخذ الأكسجين والزفير طرح غاز الفحم، فالدم يصفى من السموم الغازية عن طريق الرئتين، ثم إن الدم يمر على الكليتين في اليوم خمس مرات، ويمشي في طريق طوله مئة كيلو متر في الكليتين كي يأخذ منه حمض البول، فالإنسان يطرح في بوله المواد السامة المؤذية، فهذا الدم مادام في الجسم فهو طاهر لأنه يصفى، أما إذا سفح فهو بؤرة فيها من الجراثيم والمواد السامة وحمض البول الشيء الكثير، لذلك لا يصح أكل الدابة إلا إذا زكيت، زكيت بمعنى خرج منها دمها كلياً.

 

الحكمة من إبقاء رأس الدابة متصلاً بجسمها بعد ذبحها :

 حدثتكم من قبل وهذه الآية مناسبة لإعادة هذا الموضوع وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام نهانا أن نقطع رأس الدابة في أثناء ذبحها، أمرنا أن نبقي رأسها متصلاً بجسمها وأن نقطع أوداجها فقط، لا في حياة النبي ولا في أي مركز علمي في الأرض في عصر النبي ولا بعد مئة عام ولا بعد خمسمئة عام ولا بعد ألف عام ولا بعد ألف وثلاثمئة عام ولا بعد ألف وأربعمئة عام في العالم من بحوث علمية يمكن أن تكشف حكمة هذا التوجيه النبوي، والشيء القطعي الثابت أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، لا ينطق لا عن تجربة، ولا عن ثقافة، ولا عن خبرة، ولا عن معطيات بيئة، إنما ينطق من وحي السماء، الآن اكتشف أن مهمة القلب ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم، هذا الضخ يعتمد على نبض، وهذا النبض يتلقى أمر من القلب نفسه، لأن القلب أخطر أعضاء الجسم لا يمكن ربطه بالشبكة العامة الكهربائية، لا بد من مولد ذاتي، ففي قلب الإنسان مولد كهربائي أساسي، فإذا تعطل هناك مولد احتياطي آخر، فإذا تعطل هناك مولد احتياطي ثالث، ثلاث مولدات كهرباء في القلب تمد القلب بالنبض النظامي ثمانين نبضة في الدقيقة، أما الإنسان حينما يواجه جهداً طارئاً، أو يتبعه عدو مخيف، لا بد من بذل جهد عضلي عالٍ جداً؛ النبض النظامي لا يكفي لإمداد العضلات بالدم فلا بد من أن يرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة، بالمناسبة القلب ينبض من ستين إلى ثمانين نبضة بشكل نظامي، أما إذا واجه الإنسان خطراً قد يرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة، كيف يرتفع النبض؟ العينان ترى الخطر، ينطبع الخطر كأفعى أو كحيوان أو كعدو أو إنسان يشهر مسدس، ينطبع الخطر على شبكية العين إحساساً ثم ينتقل إلى الدماغ إدراكاً، الدماغ فيه مفهومات؛ لو أن الإنسان رأى أفعى، الأفعى لها ملف في الدماغ، هذا الملف ما الذي أملاه؟ قصص سمعها أو دراسة درسها أو شيء رآه، يتكون من مجموعة الدراسات مفهوم الأفعى، فالدماغ يدرك الخطر يعطي أمراً عن طريق تحت السرير البصري إلى ملكة الغدد، الغدة النخامية، الغدة النخامية ملكة الغدد، ملكة النظام الهرموني تعطي أمراً إلى الكظر فوق الكليتين، الكظر مسؤول عن مواجهة الخطر، يعطي أمراً إلى القلب برفع النبض، وأمراً إلى الرئتين لرفع الوجيب، وأمراً إلى الأوعية المحيطة بتضييق اللمعة، فالخائف يلهث ويرتفع نبض قلبه ويصفر لونه، ويعطي أمراً إلى الكبد بطرح كمية من السكر زائدة ويعطي أمراً إلى الكبد أيضاً لطرح هرمون التجلط هذا كله يتم في ثوان، فالإنسان حينما يدرك الخطر يرتفع نبض قلبه إلى مئة وثمانين ولحكمة بالغة بَالغة بالغة أرادها الله جعل نظام الحيوان مشابهاً لنظام الإنسان، إنك ترى أدق الأجهزة عند القصاب، ترى القلب والكليتين والكبد والطحال، وترى الأوتار والعضلات والعظام، فالدابة إذا قطعت أوداجها فقط وبقي رأسها متصلاً يأتي الأمر الاستثنائي من الدماغ إلى الكظر إلى القلب فيرتفع نبض القلب.
 ما مهمة القلب بعد الذبح؟ إفراغ الدم بالنبض النظامي، الدم لا يخرج إلا قسم منه أما بالأمر الاستثنائي يخرج الدم كله من الدابة، فإذا هي وردية اللون طاهرة، وهذا ما يسمى بالتزكية؛ أي إخراج الدم من الدابة، أما الدابة التي تصعق كما في المسالخ الغربية، أو الدابة التي يقطع رأسها وتعلق من أرجلها، هذه الدابة ليست مزكاة لأن معظم الدم يبقى فيها، ويبقى فيها معظم عوامل المرض، والدم فيه مواد سامة، فإذا أكل الإنسان لحماً غير مزكىً انتقلت إليه المواد السامة، وربما ترسبت في مفاصله وفي أجهزته الحساسة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، أمرنا أن نقطع أوداج الدابة دون أن نقطع رأسها.

الدم هو سبب تحريم أكل الدابة :

 هذه الميتة لماذا حرم أكلها؟ لأن دمها فيها إذاً ليست مزكاة.

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾

 الدم هو أصل التحريم، كان العرب في الجاهلية يأخذون دم الدابة ويضعونه في الأمعاء، ثم يأكلون هذه الأمعاء مع الدم، وحينما أعطي البقر الدم المجفف وطحين اللحم جن البقر، وما جنون البقر إلا من جنون البشر. بريطانيا اضطرت إلى إتلاف ثلاثة عشر مليون بقرة إحراقاً، وقيمة هذه الأبقار التي تم إحراقها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني، ومرض جنون البقر ليس عنا ببعيد، وكل منتجات البقر تؤذي الإنسان أشد الإيذاء، هذا الذي جن. والله عز وجل يقول:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾

 لأن دمها فيها، ولأن كل عوامل المرض في الدم، والدم فيها، حدثني صديق ذهب ليشتري صفقةً من اللحوم من بلاد شرق آسيا، فكان لهذه الدواب سعران؛ سعر دمها فيها، وسعر إذا ذبحت على الطريقة الإسلامية، لأن الدم قد يصل وزنه إلى خمسة كيلو غرام.

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾

 لأنه الأصل في التحريم، ولحم الخنزير، الآن إذا أرادوا أن يستنبتوا الجراثيم يضعونها في جزر من الدم، ما من وسط مساعد على نمو الجراثيم كالدم؛ السائل الأول الذي يرعى الجراثيم وينميها بأعداد، بسلسلة هندسية وليست حسابية.

 

علة أي أمر أنه أمر :

 لحم الخنزير؛ يمكن أن نتحدث عن لحم الخنزير وعن حكمة التحريم، ولكن لو أنك أردت أن تفهم التحريم بتفسير علمي فقط هذا طريق مسدود، تقول لمن تحاوره: إن في الخنزير دودةً شريطية، يقول لك: عقمناه، تقول له: إن الخنزير يعيش في الأماكن الموبوءة، في القمامة، يقول: لا نحن نربيه في مزارع نظيفة جداً، أما قل له: إن الذي خلقنا والذي أوجد هذا الكون والذي أنزل هذا القرآن والذي شرع لنا حرمه علينا، لذلك أروع جواب سمعته من عالم غربي أسلم، التقى بعالم من بلاد المشرق وجرى حوار طويل حول حرمة لحم الخنزير، فهذا العالم المشرقي أسهب وأفاض في الحديث عن حكمة التحريم، فأجابه العالم الغربي إجابةً جامعةً مانعةً قاطعةً شافيةً قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرَّمه، لأن المحرم هو خالق الأكوان، أنت دون أن تشعر إن دخلت إلى عيادة دكتور وقال لك: دع الملح، لا تفكر لثانية واحدة أن تناقشه، إنك مستسلم لعلمه، وقد يقول لك: بع بيتك الذي في الطابق الرابع واشتري بيتاً أرضياً، لا تتردد ساعةً، تعرض البيت للبيع، أيعقل أن تصدق الطبيب وألا تناقشه وألا تحاوره وألا تصدق الله عز وجل؟!!
 فعلة أي أمر أنه أمر، الحقيقة الخنزير له وظائف، أي مجهز بجهاز هضمي بالغ التعقيد يمكن أن يأكل الجيف، وكأن هذا الحيوان سخره الله لتنظيف الفلاة من الجيف ومن الحيوانات الميتة، ولكن الطرف الآخر أعجبه ولم يجد طعاماً أطيب منه.
 حدثني أخ درس في بلاد الشرق يحمل دكتوراه وصار عميد كلية الطب، قال لي: هناك بحوث كثيرة جداً عن انتقال طباع الحيوان إلى آكليه، فهناك حيوانات لا تسمح لأحد أن يرى لقاءها مع أنثاها، وهناك حيوانات تمارس هذا اللقاء أمام جمع غفير؛ منها الخنازير، فالذي يأكل هذا اللحم لعله يأخذ من طباع هذا الحيوان، على كل نحن مسلمون، نحن متبعون.

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ﴾

الخنزير محرم لذاته بينما الشاة الميتة محرمة لعلة الموت :

 هناك حقيقة دقيقة جداً وهي: أنك إذا اقتنيت مكيفاً وأنت تحمل دكتوراه في الفيزياء، أو في التبريد، من أرقى جامعات العالم، فإذا ضغطت على الزر وعمل هذا المكيف، وجاءك الهواء البارد، أنت تعلم بدقة بالغة ماذا يجري في هذا المكيف؟ مبدأ الغاز، ومبدأ التبريد، ومبدأ التبديل، ومبدأ الدفع، لكن إذا جاء إنسان لا يقرأ ولا يكتب، أمِّي، ووضعت في غرفته هذا المكيف، وضغط على الزر وجاءه الهواء البارد، ألا ينتفع هذا الذي لا يعلم كما ينتفع الذي يعلم، لذلك قالوا: الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، أي أنت بمجرد أن تطيع الله عن فهم عميق أو عن عبادة لله فأنت تقطف ثمار هذا المنهج، السلف الصالح شأن الدين عندهم كبير جداً، فإذا حرم الله شيئاً انتهى، هذا محرم.
قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه، أنا لا أنصح أن تدخل مع الطرف الآخر في مناقشة علمية حول حكمة تحريم لحم الخنزير، كلما جئته بعلة نقضها لك، الخنزير حرمه الله علينا، والله هو العليم، وهو الحكيم، وهو الخبير، مضطر لمثل جزئي ولكن معبر: كنت مرةً عند إنسان لتصليح مركبتي، فوجد قطعة حديدية رماها أرضاً، وقال: لا لزوم لها في هذا المكان، قلت له: أعدها، قلت له: أنا لا أستطيع أن أناقشك فيما تفعل، ولكن لا أصدق أن خمسة آلاف مهندس في هذه الشركة الصانعة أنت أفهم منهم، أعدها إلى مكانها.
 غير معقول خالق الأكوان يقول لكم:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ﴾

 وأنا أناقش! علة أي أمر أنه أمر.
 أيها الأخوة، هذه الأشياء الثلاث محرمة؛ الميتة والدم ولحم الخنزير، طبعاً لحم الشاة حلال أكله، أما إذا ماتت محرم أكله، لكن لحم الخنزير سواء أذبح أو لم يذبح، أريق دمه أو لم يرق محرم أكله، يقول العلماء: الخنزير محرم لذاته بينما الشاة الميتة محرمة لعلة الموت، ليست محرمة لذاتها محرمة لغيرها.

 

ينبغي أن تُذبح الدابة على اسم الله تعالى وأن نقول الله أكبر :

 يوجد عندنا تحريم عقدي أو عقائدي قال تعالى:

﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾

 أي دابة ذبحت على شرف فلان؛ باسم اللات والعزة نذبح هذه الدابة، من اللات والعزة هنا؟ ليس التحريم تحريم ضرر لكن تحريم عقدي، بمعنى الآن أنت مشرك أنت حينما تذبح دابة ولم تقل: الله أكبر، معنى الله أكبر أي أن الله سخرها لي وسمح لي أن آكل لحمها لأنني مخلوق مكلف، وهذه الدابة مخلوق مسخر، ولعل ما ينتظرها من عطاء إلهي لأنها سخرت لهذا الإنسان، فأنا حينما آكل دابةً وأذبحها أنا أفعل ما أمرني الله به، فأقول: الله أكبر الذي سخرها لي، الله أكبر الذي ذللها لي، الله أكبر الذي سمح لي أن آكلها.
 لا تأكلوا مما عليه أما إذا ذبحنا هذه الدابة لزيد أو عبيد أو فلان أو علان أو تعظيماً لهذا هذا تحريم لأنه مبني على شرك.

﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾

 ينبغي أن تُذبح الدابة على اسم الله تعالى، أن تقول: الله أكبر.

﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾

 التي خنقت بقي دمها فيها، إذاً هي تشبه الميتة.

﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾

 التي وقذت أي ضربت فكانت على وشك الموت.

﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾

 التي وقعت من مكان مرتفع.

﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾

 التي نطحت إذاً حرمت أيضاً.

 

خمسة أنواع من الدواب محرم أكلها :

 قال تعالى:

﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾

 أي حيوان مفترس نهش شاةً فبين الموت والحياة، خمسة أنواع من الدواب محرم أكلها؛ المنخنقة دمها فيها، والموقوذة التي ضربت، والمتردية التي وقعت، والنطيحة التي نطحت، وما أكل السبع:

﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾

 كيف؟ للفقهاء رأي دقيق في الموضوع، أنت حينما ترى دابةً نطحت وهي على وشك الموت، فإذا ذبحتها وسال الدم منها وتحركت، فهي مزكاة وكأنها ليست نطيحة، أما إذا ذبحتها والدم لم يسل منها ولم تتحرك فهي ميتة، علامة تزكية النطيحة والمتردية والموقوذة وما أكل السبع والمنخنقة أن الدم يسيل منها بغزارة، وأنها تتحرك، فإن لم تتحرك ولم يخرج الدم منها بغزارة فهذه ميتة محرم أكلها، لذلك في بعض المسالخ يخففون عن الدابة ألمها فتصعق بمخدر، عندنا جيء ببعض العلماء ليأخذوا رأيه في هذه الطريقة في الذبح فأجاب الإجابة التالية: إذا صعقت ولم تذبح فماتت محرم أكلها، أما إذا صعقت وذبحت فانهار الدم منها وتحركت معنى ذلك أنها لم تمت، علامة تزكية الدابة المنخنقة أو الموقوذة أو المتردية أو النطيحة أو ما أكل السبع علامة تذكيتها أن ينهمر الدم منها وأن تتحرك، لو تحرك ذيلها أو رجلها أو رأسها فالحركة دليل الحياة، وخروج الدم منهمراً دليل الحياة.

 

الذبح على النصب والاستقسام بالأزلام :

 إذاً:

﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾

 قال بعض العلماء: إلا ما زكيتم لا تنسحب على الميتة والدم ولحم الخنزير، إلا ما زكيتم فقط للمنخنقة والموقوذة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، ولم يذكر الله عز وجل أن هذا الوقت الضرب كان على رأسها أو في بطنها أو في أي مكان آخر، أي مكان إذا ضربت الدابة بدت كأنها ميتة سارعنا إلى ذبحها، فإذا انهمر الدم منها وتحركت فهي دابة مزكاة وكأنها لم توقذ ولم تخنق. والعرب كانوا يضعون الحجارة فوق بعضها بعضاً على شكل هرم ويذبحون الدابة باسم اللات والعزة.

﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾

 حينما يقدس الناس إلهاً غير الله عز وجل، يعبدونه من دون الله، فالدابة التي ذبحت على نصب تعظيماً لغير الله أيضاً محرم أكلها، لكن هذا التحريم عقائدي، تحريم بالتعبير الدقيق عقدي لا تحريم علمي.

﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾

 الاستقسام بالأزلام أي العرب كانوا في جاهليتهم يأتون بسهام أو نبال يكتبون على أحدها أمرني ربي، وعلى الثاني نهاني ربي، وعلى الثالث لا شيء، فيأتي هذا الإنسان إن أراد السفر، أو أراد الزواج، أو أي عمل، يأتي إلى الكاهن يعطيه كيساً فيه الأسهم فيسحب، فإن جاء أمرني ربي يسافر، وإن جاء نهاني لا يسافر، وإن جاء بسهم فارغ يعيد القرعة، يعيد السحب، كلام لا معنى له إطلاقاً، نحن عندنا ضوابط، فالإسلام جاء بمنهج، جاء بضوابط، جاء بأمر ونهي، أما أنا أن أفعل لصدفة لا تستند لأي شيء علمي هذا شيء محرم.

﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾

 أيضاً كانوا يذبحون ناقةً وفي عدد من السهام كبير، يقطعون هذه الناقة إلى ثلاثين جزءاً تقريباً، ففي سهم عليه جزء واحد له اسم معين يأخذ من أصابه هذا السهم قطعة من لحم هذه الناقة، وسهم عليه جزأين له اسم خاص لم أحفظه يأخذ قطعتين، وسهم يأخذ ثلاثة، وسهم أربعة، وسهم خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، ومن يدفع ثمن الناقة لا يأخذ شيء، هذا ظلم، إنسان أخذ معظم الناقة صدفةً، والثاني دفع ثمنها ولم يأخذ شيئاً، هذا كان سائداً في الجاهلية.

 

أمور الدين تناقش في أصولها أما في فروعها فهي أمر ونهي لحكمة أرادها الله عز وجل:

 قال الله عز وجل:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾

 إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام شرع لنا القرعة في المباحات لا في التحريم والتحليل، أول خصائص القرعة أنها في المباحات، أي عندك ولدان لهما غرفة، فسرير إلى جانب النافذة وله إطلالة وسرير داخلي فاختصما الحل القرعة، عندك سفر ولك زوجتان وتنافستا على أن ترافقانك في هذا السفر، كان عليه الصلاة والسلام يستخدم القرعة، القرعة تطيب القلوب لا تحرج أحداً، فهناك أشياء مباحة في عليها تنافس؛ إما تنافس شرف، أو تنافس مصلحة، على كلٍ يمكن أن تستخدم القرعة لحل بعض المشكلات لا لتحليل الحرام أو تحريم الحلال، الشيء الآخر نحن في هذه التحريمات:

 

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ﴾

 هذا التحريم تَحريم تفصيلي، المحرمات لا تناقش لكن يناقش أصل الدين، أنت إذا آمنت بالله خالقاً، مربياً، مسيراً، موجوداً، واحداً، كاملاً، آمنت بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى قال:

 

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ﴾

 انتهى كل شيء، كما لو دخلت على طبيب وقبل أن تأتيه سألت عنه آلاف الأشخاص، تأكدت من علمه، ومن إخلاصه، ومن تدينه، ومن خبرته، ومن مهارته، دخلت إليه لا ينبغي أن تناقشه، عقلك أوصلك إليه، لكن عقلك ينبغي أن يتوقف عن العمل حينما تأتيك التوجيهات منه، فأمور الدين تناقش في أصولها أما في فروعها فهي أمر ونهي لحكمة أرادها الله عز وجل.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور