وضع داكن
30-11-2024
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 1996 - الدرس : 04 - اسم الله المؤمن .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة المؤمنون:
 مع الدرس الرابع من دروس أســـماء الله الحسـنى، يا أيها الأخوة الأكارم: أن تؤمن بوجود الله عز وجل يعني أنك لم تفعل شيئاً، لأن الشيطان نفسه ماذا قال حينما خاطب الله عز وجل ؟ قال: " ربِّ فبعزتك " فعبارة الشيطان تدل على إيمانه بالله، ورغم ذلك فهو رأس الكفر كله. فأن تؤمن بوجود الله فقط من دون أن تتعرف إلى أسمائه، إلى ربوبيته، إلى أُلوهيته، إلى أسمائه الحسنى، إلى صفاته الفضلى، إلى مناحي عظمته ليس كافياً، أن تؤمن بالله خالقاً وكفى الأمر ليس كافياً أيضاً، فإنَّ ربنا سبحانه وتعالى قال:

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)﴾

(سورة العنكبوت )

 إذاً من لوازم الإيمان بالله ومما يجب على المؤمن، أن يتعرف إلى أسماء الله الحسنى، أي أحياناً تعرف أنّض فلاناً جارٌ لك غير كافٍ لكن تحب أن تعرف عنه تفصيلات، تعرف عنه شيئاً من علمه، وشيئاً من أخلاقه، من أعماله، من تفوقه، هذا فيما بين الناس، فلا تكون المعرفة صحيحة إلا إذا عرفت الصفات و الأسماء، فلذلك من لوازم الإيمان بالله عز وجل أن تتعرف إلى أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى.
 في الدرس الماضي وفي درس اسم السلام بينت لكم بعض النواحي التي تبرز عظمة هذا الاسم و كلفتكم أن تفكروا بهذا الاسم بالذات وأن تأتوني بآيات دالة على اسم السلام: إنْ من خَلْقِ الإنسان أو من خلق المخلوقات الأخرى أو من النبات أو من عوامل الطبيعة، فهل عند أحدكم شيءٌ من هذا القبيل ؟
 جعل الدماغ في صندوق عظمي تحقيقاً لسلامته ولو جعله كرة متصلة ما الذي يحدث ؟ عند أول صدمة تنكسر الجمجمة، أما عندما جعل هذه الجمجمة عدة قطع وجعل العلاقة فيما بين هذه القطع مفاصل متحركة ثابتة أي هناك تمفصل لا يزيد عن نصف ميلي فأية صدمة أصابت الرأس. فهذه الفواصل الدقيقة تمتص الصدمات وتنجو الجمجمة.
 ولو جعل الدماغ في هذه الجمجمة مباشرة لانتقلت له الصدمات !! ماذا جعل الله عز وجل تحقيقاً لاسم السلام ؟ جعل سائلاً بين الجمجمة وبين الدماغ وهذا السائل يمتص الصدمة من جهة ويوزعها على كافة سطح الدماغ عندئذ لا تؤذيه، هذا من اسم السلام، الحقيقة ؛ أنَّ الكون كله تجسيدُُ وإظهار لأسماء الله الحسنى، كل أسماء الله تبدو لك من خلال الكون، ذات الله عز وجل لا نستطيع أن ندركها لقول الله عز وجل:

 

﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾

 

(سورة الأنعام )

 أن ترى ذات الله مستحيل، لكنك تستطيع أن تتعرف إلى ذاته من خلال خلقه، فالكون يدل على المكون، و النظام يدل على المنظم، والتسيير يدل على اُلمسِّير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، والبعر يدل على البعير، أَفَسماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟
 يا أيها الأخوة الأكارم لماذا يجب أن نعرف الله ؟ كي نعبده، ولماذا نعبده ؟ كي نسعد بقربه في الدنيا و الآخرة لأن الله سبحانه وتعالى في الأصل خلقنا ليسعدنا ولا نسعد إلا به ولا نستطيع أن نقبل عليه حتى نسعد، ولا نسعد إلا إذا كان عملنا طيباً، ولن يكون عملنا طيباً إلا إذا تعرفنا إلى عظمته، لذلك قال ربنا عز وجل في وصف بَعْضِ أهل النار:

 

﴿إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾

 

(سورة الحاقة )

 أي يجب أن تعرف عظمة الله، إن لم تعرف عظمة الله لابد من أن تخترق حدوده ولابد من أن تتجاوز أوامره، أما إذا عرفت عظمة الله عز وجل وكنت أضرب لكم أمثلة كثيرة منها: جاءك أمر مكتوب والتوقيع للعريف فلان بسبعة واحدة، إن احترامك لهذا الأمر على قدر هذه السبعة وإذا كان سبعتين قد يكون الاحترام أكثر، وإذا كان ثمانية واحدة أو ثمانيتين أو نجمة.... كُلَّما عَلَت الرتبة يصبح الاهتمام أكبر، فكيف إذا كان قائد الفرقة أعطاك أمراً مثلاً. فالقصة كلها يجب أن تعرف من هو الله، كي تطيعه وتقبل عليه وترجو ما عنده، وتخاف وعيده، لن تخاف وعيده ولن ترجو ما عنده ولن تقبل عليه ولن تسعى إليه ولن تستسلم لقضائه ولن ترضى بحكمه إلا إذا عرفته، إذا عرفته رضيت بقضائه ورأيت حكمةً ما بعدها حكمة، ورأيت علماً ورأيت رحمة ورأيت لطفاً ورأيت عطفاً ورأيت عدلاً، فكلما عرفته كلما استسلمت له وأقبلت عليه وخضعت له وائتمرت بأمره وانتهيت عن ما نهى عنه، أقبلت على عبادته وخدمت عباده، فنحن يجب أن نعرف الله، أما أن تقولوا: الله خالق الكون، هذه معرفة بسيطة لا تقدم ولا تؤخر، وهذه المعرفة لا تحجزك عن محارم الله، هذه المعرفة في مجموعها لا تحملك على طاعة الله، تقول الله خالق الكون ولك مخالفات كثيرة، تقول الله خالق الكون ولك انحرافات كثيرة، تقول الله خالق الكون ولك طموحات دنيوية كثيرة، أمّا إذا عرفت من هو الله وهذا هو الهدف من هذا الدرس وأن تزداد معرفتنا بالله لأنه كلما ازدادت هذه المعرفة كلما ازداد الخشوع والطاعة والخوف والإقبال والاستسلام و الرضا والانصياع والفداء والتضحية والإخلاص، أي إن حجم عملك بحجم معرفتك وحجم سعادتك بحجم عملك أي إنَّ الدين كله يمكن ينضغط بثلاث كلمات: معرفة، طاعة، سعادة، على قدر معرفتك تطيع الله عز وجل وعلى قدر طاعتك تسعد به.
 إذاً هذه الأسماء الحسنى لا ينبغي أن نعرف تعريفاتها الدقيقة فقط بل يجب أن نملك عشرات بل مئات بل ألوف الأدلة النابعة من الكون على هذه الأسماء، لذلك من علامة معرفتك بالله عز وجل أن ينطلق لسانك في الحديث عن أسمائه ساعات طويلة، حدَّثنا عن اسم اللطيف أو عن اسم الرحيم أو عن اسم الملك أو عن اسم القدوس أو عن اسم السلام، فالذي أرجوه وأتمناه على الله عز وجل أن يملك أحدكم بحثاً ذاتياً وأن يكون له جولات في هذا الكون ليكتشف من هذا الكون الأدلة الناصعة على أسماء الله والأولى أن نبقى نجول في كل فترة أو في كل حين مع اسم من أسماء الله الحسنى، فيا أيها الأخ الكريم: إن وجود الدماغ في هذا الصندوق العظمي هذا من اسم السلام، و النخاع الشوكي في العمود الفقري من اسم السلام، ومعامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام من اسم السلام، والقلب داخل القفص الصدري من اسم السلام والعين في محجر العين من اسم السلام و الرحم في حوض المرأة من اسم السلام والجلد من اسم السلام والشريان في داخل العضلات والوريد في خارجها من اسم السلام وأول مولد كهربائي في القلب والثاني والثالث فإنْ تعطل الأول يعمل الثاني وإنْ تعطل الثاني يعمل الثالث هذا من اسم السلام وكلما سُدَّ شريان فُتح شريان آخر هذا من اسم السلام و التئام العظام بعد طول نوم من اسم السلام و التئام الجروح من اسم السلام هذه أدلة كثيرة في خلق الإنسان، ومثال آخر من عالم النبات: الشجرة إذا انقطع الماء عنها تستهلك ماء الأوراق أولاً ثم ماء الفروع ثم ماء الأغصان ثم ماء الجذع ثم ماء الجذر من اسم السلام ولكل حيوان ما يقيه الحر والقر صوف الخروف من اسم السلام، أي أتمنى عليكم أن يجول هذا الفكر في الكون حتى تنتهوا من هذه الجولات إلى معرفةً عميقةً أو إلى مزيد من معرفة أسماء الله الحسنى.
 ولو تكلم آخر على اسم السلام، فقال هناك قصة سيدنا موسى أيضاً من أفعال الله عز وجل عن اسم السلام لقوله تعالى:

 

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

 

(سورة القصص)

 لكان هذا المتكلم مصيباً ومنبهاً لغيره ومعلماً.
 وهذه آية قرآنية تؤكد أيضاً اسم السلام الموجه لسيدنا إبراهيم قوله تعالى:

 

﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾

 

(سورة الرعد)

 هذا الحفظ أيضاً من اسم السلام.
 والآن ننتقل في هذا الدرس إلى اسم آخر من أسماء الله الحسنى وهو المؤمن.
 يا أيها الأخوة الأكارم:
 لا يرضى ملك من الملوك أن يسمى أحد أفراد رعيته باسمه وهو من بني البشر يأكل كما نأكل ويشرب كما نشرب وينام كما ننام وله جسم ويعطش ويجوع و يغضب ويثور و يمرض ويموت أيْ فرقَ بين الملك وبين أحد الرعايا عنده من حيث التكوين الجسمي. ومع ذلك تأبى عزته و تَأبى كبرياؤه أن يُسمِّي أحد من أفراد رعيته اسمَهُ باسمه، ولكن الله سبحانه وتعالى سمانا بعد أن عرفناه وطبقنا أمره سمانا مؤمنين والمؤمنون جمع مؤمن وسمى نفسه المؤمن وذلك بقوله تعالى:

 

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾

 

(سورة الحشر)

 لكن هذا الاسم يحتاج إلى وقفة، الله عز وجل مؤمن، ولكن مؤمن بماذا ؟ نحن مؤمنون بالله، ونحن مؤمنون برسول الله، مؤمنون باليوم الآخر، الله عز وجل مؤمن بماذا ؟ قالوا: المؤمن اسم فاعل من فعل أمِنَ يأمن أمناً وأماناً، فعل أمن له معنيان: المعنى الأول التصديق فعندما يقرأ الإمام سورة الفاتحة وعند انتهائه يقول المصلين جميعاً آمين أي يا رب نحن نصدق ما قال هذا الإمام ونحن معه، فإما من التصديق وإما من الأمن، فعل أمن إما من التصديق وهناك آية تؤكد على ذلك قال تعالى:

 

﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)﴾

 

( سورة يوسف )

 هذا من التصديق، وأما المعنى الآخر فمن الأمن قال تعالى:

 

﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)﴾

 

(سورة قريش)

 فاسم الله تعالى المؤمن مأخوذ من التصديق أو من الأمن ؟ وكيف نفهم هذا الاسم بالمعنى الأول ؟
 الحقيقة الإنسان قد يعرف ذاته وقد لا يعرف ذاته، فإذا لم يعرف ذاته وخاض في شيءٍ ولم يكن من مستواه يخسر خسارة كبيرة، نقول: آه لو عرفت ما عندك لما دخلت في هذه الورطة، فهذا الذي يقدم على شيء ليس في مستواه لا يعرف حقيقة ما عنده لا يعرف حقيقة إمكاناته، هذا لا يعرف ذاته أما هناك من يعرف ذاته حق المعرفة فتأتي الأفعال كلها وفق ما عنده هذا مثل ضربته لكم لتوضيح الحقائق فمن أول معاني المؤمن أن الله سبحانه وتعالى يعرف ذاته ويعرف أسماءه ويعرف كل ما عنده هذا معنى أوَّل.
 المعنى الثاني: أن الله سبحانه وتعالى يصدق رسله، بعث النبي محمداً رسولاً، صدقه أي جعل الناس يصدقونه بالمعجزة، بعث موسى نبياً وصدقه، أي جعل الناس يصدقونه بالمعجزة، أرسل سيدنا عيسى رسولاً فأعطاه معجزة كي يصدقه الناس بها، إذاً المعنى الثاني صدق. أي كل شيء وعد الله به المؤمنين يأتي فعله مصداقاً لوعده، وعدك بالحياة الطيبة فإذا عشت الحياة الطيبة فقد َصَدَقك بمعنى أن فعله جاء مصداقاً لوعده، أن يأتي فعل الله عز وجل مصداقاً لوعده يصدق أنبياءه أي يعطيهم الدلائل يجعل الناس يصدقونهم يعطي المؤمن دلائل، أنت أيها الأخ الكريم تقرأ القرآن ما الذي يجعلك تتشبث به وتتعلق به وتتمسك به ؟ لأن الأحداث التي تعيشها تأتي كلها مصدقة لهذا القرآن، إذا استقمت في البيع والشراء شعرت براحة ووفر الله لك دخلاً طيباً وساق الناس إليك وإذا كنت أميناً رفع الله اسمك بين الناس، فأي وعدٍ وَعَدَك الله به إذا أنت طبقت ما أنت مأمور به تأتي الحوادث كلها لتصدق لك هذا الوعد أو لترى أن هذا الوعد صادقاً، فمن معاني المؤمن أنه يجعل أنبياءه مُصَدَّقين يدعمهم بالمعجزات يجعل قرآنه مُصَدَّقاً بمعنى أنك إذا آمنت به وعملت عملاً صالحاً أذاقك الحياة الطيبة، ما الذي جعلك تصدق بكلامه هذه الحياة الطيبة، المعيشة الضنك تجعلك تصدق بهذه الآية، إذا اهتديت بهدى الله عز وجل في كل مناحي حياتك ترى أن الحوادث كلها تصدق ما جاء به القرآن الكريم، إذاً الله عز وجل مؤمن أي يجعل عباده مُصَدِّقين، لأن أفعال الله عز وجل كلها تأتي مصداقاً لوعده ولوعيده، قال:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

 

(سورة الحج)

 لابد من أن تشعر بأن هناك حالات كثيرة تواجهك فَيُقَيّضُ الله لك إنساناً لا تعرفه يدافع عنك بإلهام من الله عز وجل، وحينما يقول الله عز وجل:

 

﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

 

(سورة طــه)

 تشعر أَنَّكَ مهتدٍ وأن لك رؤية صحيحة وأن لك بصيرة نافذة وأن تفسيرك للحوادث صحيح لأنك اتبعت أمر الله عز وجل فجاءت الحوادث مصداقاً لما قاله الله عز وجل.
 هذا معنى من معاني المؤمن، الحقيقة كما قلت قبل قليل أروع ما في الدين أنه يعطيك تفسيراً للكون والحياة والإنسان، ومهما عشت ومهما تبدلت الظروف ومهما ظهرت معطيات جديدة ومهما ظهرت أحداث جديدة كلها ضمن تأويل الله عز وجل لهذا الكون والحياة والإنسان، فأنت حينما تقرأ القرآن لن تُفَاجَأ بحادث لم يرد معك بالقرآن، لو مثلاً أَعطيْتَ تفسيراً لظاهرة من الظواهر قد تُفاجَأ بعد حين أن هناك حدثاً أبطل نظريتك، وما أكثر ما جاء العلم بنظريات ثم جاءت الحوادث فأبطلتها، أما إذا قرأت القرآن وهو من عند الله عز وجل لن يأتي حادث يكذب ما قرأت في القرآن، هذه نقطة دقيقة جداً فالقرآن جاء قبل أربعة عشر قرناً والعلم تطورَ تطوراً كبيراً جداً، ومعطيات القرآن صحيحة وثابتة منذ أن خلقت البشرية وإلى ما قبل خمسين عاماً في كفة ومنذ خمسين عاماً إلى الآن حدث تطور علمي رهيب جداً تجده في الكفة الأخرى، ومع كلِّ هذا التطور فليس في العلم حقيقة تخالف هذا القرآن.
 معنى ذلك أنك إذا قرأت القرآن تطمئن، الأمور وحوادث الكون والمجرات والأنواء والنبات والحيوان والإنسان كل هذه الحركات تأتي مصدقة لكلام الله عز وجل، فالله مؤمن أي كلامه يجعلك تصدقه لأن أفعاله تصدق كلامه، هذا معنى من معاني المؤمن.
 وإليك معنى آخر: هو أن الله سبحانه وتعالى يهب الأمن للإنسان، كيف ؟ هنا المعنى الدقيق، فلو أن الحديد تارة يكون قاسياً وتارة يكون ليناً تُنْشِئُ البناء وأنت خائف، لعل هذا الحديد بعد حين يصبح ليناً فيتداعى البناء، لقد جعل الله للحديد خصائص ثابتة دائماً فإذا وضعت هذا الحديد مع الأسمنت وأَشَدْت البناء وأنت في الطابق التاسع تنام مطمئن، ما الذي جعلك تطمئن ؟ ثبات صفات الحديد لو أن صفات الحديد تبدلت لانهارَ البناء.
 فيمكن أن نقول: ثبات خصائص المواد هو الذي يهب الأمن للناس، ثبات حركة الأرض هذا الجامع شُيد منذ سنوات عديدة فلو أن هناك اهتزاز أثناء الدوران كل هذه الأبنية سوف تنقض وتقع، فالأرض تتحرك بسرعة 30 كيلو متر بالثانية وهناك سكون رهيب ومن أجل أن تعرف قيمة السكون الحركي تأتي الزلازل أحياناً على مدينة بأكملها ويصبح عاليها سافلها بثوانٍ قليلة، إذاً حركة الأرض مع سكونها واستقرارها مصداقاً لقوله تعالى:

 

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)﴾

 

(سورة النمل)

 أعطاك الأمان، اشتريت بيتاً في الطابق العاشر، تعرف أنه بيت مستقر، أما لو كان هناك اهتزاز ينتهي الأمان كله. ثم إنك لو اشتريت بذوراً تنبت نوعاً من النبات، ولا تستقيم الحياة لو لم يكنْ ثبات، وقمت بزراعة البطيخ مثلاً وكان الإنتاج بندورة لاختلطت الأمور وفسدت الحياة، فثبات البذور حيث كل بذر له خصائِصُهُ نِعمة ومِنّة وأمان، هناك شيء آخر غير الثبات، هناك آلاف الأنواع لكل نبات: هذا النوع إنتاجه مديد، وهذا النوع إنتاجه مبكر، وهذا النوع إنتاجه صناعي، هذا للنقل، هذا للاستهلاك، هذا للمائدة، هذا يقاوم أمراض معينة.... فحتى البذر نفسه له خصائص و الخصائص ثابتة، ما الذي يهبك الأمن وأنت تزرع ؟ ثبات الخصائص.
 إذاً يمكن أن نقول إن ثبات خصائص المواد هو الذي يهب الإنسان الأمن، الشمس تشرق دائماً من الشرق لا يوجد مفاجآت لا يوجد دعاء شروق، يا رب الشمس لم تظهر اليوم أظهرها لنا! طمأنك، الشمس دائماً تشرق ودائماً تغيب و الأرض دائماً تدور ويكفي أن تأخذ ورقة من التقويم وأن تقرأ: الفجر الساعة الخامسة وثماني عشرةَ دقيقة و الشمس الساعة السادسة وثلاثين دقيقة، هذه منذ متى ؟ منذ خمس أو ستين عاماً و لمئة سنة قادمة ولألف سنة قادمة ولمئة ألف سنة قادمة إلى أن تنتهي الدنيا، دقة ما بعدها دقة على مستوى الدقائق والثواني.
 أرض بأكملها تدور حول الشمس وهناك نجوم تضبط عليها الساعات هذه الساعات الشهيرة في العالم. يقول القائل ضبطتها على "بيغ بن"، هذه الساعات الشهيرة كيف تضبط ؟ إذا كانت هذه الساعات التي في أيدينا تضبطها على هذه الساعة الشهيرة، وهذه الساعة الشهيرة كيف تضبطها ؟ تضبط على حركة نجمٍ من النجوم.
 إذاً ثبات الدوران، ثبات السرعة، ثبات الحركة، ثبات الزاوية، هذا يعطي الإنسان النظام الثابت يجعل فيه الأمن، إذاً من الممكن أن نقول: صفات المواد الحديدية ثابتة، شخص اشترى سواراً ذهبياً ودفع ثمنه عشرين ألفاً، بعد فترة تبدل نوع المعدن أصبح تَنَكاً. والله هذه مشكلة، الذهب ذهب والتنك تنك والحديد حديد والفضة فضة و القصدير قصدير والألمنيوم ألمنيوم، ثبات صفات المعادن هذه تهب الأمن للإنسان هذه نعمة لا نعرفها نحن لأنها مألوفة، يقولون: شدة القرب حجاب لأن هذه النعمة مألوفة جداً كأنها لم تكن مع أنها نعمة عظيمة، من أسماء الله عز وجل أنه مؤمن فهو مؤمن إذا قرأت كتابه جاءت الحوادث كلها مصداقاً لكلامه ومؤمن يهب الأمن للإنسان عن طريق ثبات صفات المواد.
 ثبات الأنظمة، قانون الحركة ثابت، التمدد ثابت، قوانين الجسم كذلك تجد طبيباً في آخر الدنيا يصنع دواءً يستعمل في طرف آخر من أطراف الدنيا هذا الدواء يؤثر في هذا الجسد ما معنى ذلك ؟ أي أن كل أجساد بني آدم من بنية واحدة، فهناك أمن وأمان. مثلا القلب ؛ تجد طبيباً ذهب إلى أمريكا درس عن القلب، لو ذهب إلى إفريقيا إلى آسيا إلى أوقيانوسيا إلى أوروبا إلى أي مكان في العالم وفتح قلباً وجد شرايينه وأعصابه ومراكزه الكهربائية كلها بدقة تامة. هذا الثبات يكفي أن تُشَرِّح إنساناً واحداً فكل إنسان إذا عالجته تكون بنيته وأعصابه وأوردته وشرايينه و عضلاته وفق هذا النموذج، ومع هذا أيضاً ثباتُ الأنظمةِ ثباتُ خصائصِ المواد، أحياناً الله عز وجل يعطي للمواد مضادات، النار محرقة والماء يُطفئ النار، أي أعطاك لكل شيء خطرَ ما يقضي عليه، كل شيء، الأدوية ! وباء نباتي هناك أدوية بإمكانها أن تقضي على هذا العنكبوت أو على هذا الفطر أو على هذه الحشرة، فالله عز وجل من أسمائه المؤمن أنه يهب الأمن للإنسان.
 الألم سماه العلماء جهاز إنذار مبكر، فالإنسان يتلف سنه جزئياً فيتألم ألماً شديداً فيذهب إلى الطبيب فيصون هذا السن، لو لم يكن هناك عصب لما كان هناك وقاية لهذا السن، إذاً الألم من أجهزة الإنذار المبكر. فكل خطر من أخطار الدنيا جعل الله له وقاية.
 الإنسان إذا استعان بالله عز وجل يقيه من زلات المعاصي لقوله تعالى:

 

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾

 

(سورة الفاتحة)

 لذلك قال الأمام الشافعي: " والله لو أن السماء من نحاس والأرض من رصاص والخلق كلهم عيالي لما خشيت فقرا "، والحقيقة لو أردت أن ترى الفرق الجوهري بين حياة المؤمن وحياة غير المؤمن، لوجدت أن الصفة الأساسية الأمن قال تعالى:

 

﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾

 

(سورة الأنعام)

 تجد قلوبَ أهل الدنيا فارغة، عرضة للمخاوف، عرضة للمقلقات، عرضة للذعر، للخوف، لتوقع المصيبة، لكن ربنا عز وجل إذا آمنت به ملأ قلبك اطمئنانا، ملأ قلبك استقراراً، ملأ قلبك رضىً بقضائه، ملأ قلبك معرفة بكماله، هذا كله من أسماء المؤمن.
 وهناك أمر آخر: كيف تأمن عذاب الله في الآخرة ؟ أعطاك الكون وأعطاك العقل وأعطاك الفطرة وأعطاك الشهوة وأعطاك الاختيار وأعطاك القوة وهذه كلها مقومات النجاة في الآخرة، أحيانا تشعر أن الله عز وجل إذا أقبلت عليه تأمن القلق وتأمن المرض وتأمن الضيق وتأمن التعب وتأمن الخوف فالله سبحانه وتعالى مصدر أمنٍ وأمانٍ للبشر، بعض الجهات تُقْلِقك ولكن اسم الله المؤمن، أي إذا سرت معه واتبعت أمره فأنت في أمن وسلام هذا المعنى الذي يليق بالله عز وجل فيما يتعلق بالمؤمن، هو يعرف ذاته.
 يوجد إنسان لا يعرف إمكاناته بالضبط فقد يقدم على شيء ثم يندم يقول لم أكن أعلم، لكن ربنا عز وجل أسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها فضلى وهو يعرفها كلها هذا المعنى الأول، مؤمن بذاته. كيف أنت مؤمن به هو مؤمن بذاته.
 من الناس من يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه، منهم من يدري ولا يدري أنه يدري فهذا غافل فنبهوه، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه، ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه.
 أنا أريد منهم من يدري ويدري أنه يدري، أنّ اللهَ عز وجل مؤمن، والمعنى الثاني من التصديق أي شيء وعدك الله سبحانه وتعالى به في القرآن فزوال الكون أهون على الله من أن تأتي الأحداث مخالفة لما وعدك به، وعدك بالنصر والنصر واقع لا محالة، وعدك أن يدافع عنك، وعدك أن يحفظك، وعدك أن يرزقك، وعدك أن يطمئنك، وعدك بالأمن وعدك بالتمكين وعدك بتمكين دينك وعدك بالاستخلاف وعدك أن يكون معك، قلت لكم في درس سابق أتمنى على الله عز وجل أن تستنبط من كتاب الله الآيات التي هي ثمار الإيمان في الدنيا، فكلما قرأت آية رأيت الحوادث جاءت لتحققها، إذاً فكلام الله حق، الأفعال كلها تصدق كلام الله عز وجل هذا المعنى الثاني.
 المعنى الثالث أنه يهب الأمن، وبشكل بسيط نذكر العين فإذا قدت مركبتك في النهار تشعر بأنك مطمئن لأن الرؤيا بعيدة جدا، أما في الليل فيوجد الانبهار والأضواء فتشعر بقلق. فالقيادة في الليل يرافقها القلق وفيها مفاجآت فالضوء الموجود في المركبة لا يكشف كل شيء وأمده محدود فكلما كانت الرؤية أطول كان الأمن أكثر إذاً أعطاك العين كي ترى طريقك، أعطاك الأذن فإذا وجدت حركة في الليل فالأذن تكشفها. إذاً السمع المرهف أحد وسائل الأمان، العين أحد وسائل الأمان، الشم إذا أصدر الطعام رائحة كريهة معنى هذا أن الطعام فاسد فجعل الأنف فوق الفم كي يحصل لك الأمن الغذائي، أعطاك يداً تدفع بها الضر، أعطاك رجلاً تنتقل بها من مكان إلى آخر هذه كلها لتوفير الأمن لك، وهذا معنى آخر من معاني المؤمن.
 الحقيقة كل درس كما تلاحظون نسأل أنفسنا هذا السؤال، يا رب أنت مؤمن أنا ما علاقتي بهذا الاسم ؟ أنت مؤمن كل الحوادث وكل الأفعال جاءت مصداقا لقرآنك شيء مريح هذا معنى والشيء الثاني وهبتني الأمن يا رب، وهبتنا الحواس، وهبتنا الأجهزة، ثبات خصائص المواد وثبات الأنظمة، قال لي طبيب قلب منذ يومين: لو كان قلب إنسان نحو اليمين وقلب إنسان آخر نحو اليسار وقلب بمكان آخر، درس هذا الطبيب القلب بأمريكا نحو اليسار وعند إجراء العملية وجد القلب على اليمين هذه لم يدرسها ! فَبِنْيَةٌ واحدة للبشر كلهم حتى على مستوى الأعصاب الدقيقة جدا وهذا يعطينا قدرا كبيرا من الأمن، وكما قلت قبل قليل الأرض في دورتها حول نفسها دورانُها ثابت، في شروقها وغروبها ثابت، لكن الأمطار لم يجعلها ثابتة جعلها متبدلة هذا من أجل أن لا ننساه من أجل أن نصلي له من أجل أن نتوب من ذنوبنا، ربنا عز وجل ثبت أشياء وحرك أشياء، ثبت دورة الأرض حول نفسها ودورتها حول الشمس وثبت الشروق والغروب وثبت القمر وثبت الأنظمة والبذور والخصائص والبنى هذه كلها ثبتها و جعل الرزق بيده، فجعل الرزق وسيلة كي تعود إليه كي تقبل عليه كي تتوب من ذنبك هذا معنى.
 السؤال الجديد: أن المؤمن ماذا ينبغي له أن يتخلق من أخلاق الله ؟
 كما قال ورد في الحديث:

 

(( تخلقوا بأخلاق الله ))

 أنت كمؤمن قالوا: أول شيء يجب عليك أن تفعله أن تأتي أفعالك كلها مصداقا لأقوالك، أنت كمؤمن حينما يكون هناك ازدواجٌ، شيء داخلي وشيء خارجي، شيء تعتقده وشيء تقوله موقف داخلي ربنا عز وجل ماذا قال:

 

 

﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)﴾

 

(سورة الأنعام)

 ظاهرك: أنت مستقيم: صلاة، صوم، حج، زكاة، لكن باطنك أحياناً: الحسد، الغيبة، الكبر، النميمة، الكذب، الحقد، الضغينة هذه كلها من بواطن الإثم، إذاً أنت كمؤمن يجب أن يأتي عملك مصداقا لقولك بالضبط، يجب أن تكون موحداً، فلا يوجد ظاهر وباطن، ولا يوجد سريرة وعلانية، ولا يوجد موقف غير معلن وموقف معلن، أنت مؤمن يجب أن تأتي أفعالك كلها مصداقا لأقوالك، إذا أردت أن تتخلق بأخلاق الله وإذا أردت أن تكون بالمستوى الراقي يجب أنت تكون أفعالك كلها مصداقا لأقوالك هذه واحدة، الشيء الثاني يجب أن يأمنك الناس:

 

((عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ.))

 

(صحيح البخاري)

 هناك أشخاص مخيفون إذا تكلمت كلمة مثلاً لن تنام الليل خوفاً من عاقبتها يقال لأحدهم مثلا ابن حرام، والمؤمن مصدر أمن لا يمكن أن يأتيك من طرفه ضرر أو أذى أو مكيدة أو غدر أو قنص... أبداً، فهو مصدر أمان، تنام ناعم البال مطمئن النفس مرتاح الضمير حتى ولو زلت قدمك أمامه ولو تكلمت بكلمة غير لائقة أمامه لا يتخذ منك موقفاً، وفي الحديث القدسي يؤذيني ابن آدم، كيف يؤذيه ؟ يؤذيني إذ يسب الدهر وأنا الدهر أقلبه كيف أشاء ومع ذلك تجد الناس يعصونه جهرا ويسترهم والعبد ينسى وربي لا ينسى يعصونه جهراً ويسترهم ويرزقهم ويحفظهم أحياناً هذا شأن الله مع عباده، فأنت كمؤمن أول صفة من صفاتك يجب أن يأتي فعلك مصداقاً لقولك وأن تلغي من حياتك الازدواجية: الظاهر والباطن، العلانية والسريرة، أن تكون في جلوتك كخلوتك، هذا المعنى الثاني أن يأمن كل الناس جانبك، مثلاً زَوَّجْتَ ابنتك لمؤمنٍ لا تخاف أن يجيع ابنتك ولا تخاف أن يظلمها ولا تخاف أن يفضحها ولا تخاف أن يضربها، المؤمن ما يأتي من جانبه كله خير، إنْ شاركتَ مؤمناً مرتاح، لا تخاف أن يلعب بالحسابات، يعمل لنفسه حساب خاص يعقد صفقة من وراء ظهرك لا تخاف، أصلحت جهازاً عند مؤمن لا تخاف أن يبدل هذه القطعة بقطعة أخرى وأنت لا تدري، يأخذ القطعة الجيدة ويعطيك القطعة السيئة، يكذب عليك، المؤمن مأمون الجانب في صنعته، في حديثه، في عمله، في مهنته، في حرفته، في زواجه، في شراكته، هكذا المؤمن يؤمن جانبه،

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ))

 

(سنن الترمذي)

 لا تخاف أن ينكر عليك المبلغ ولا يخطر لك هذا أبداً، لا تخاف أن يقول لك ليس لك عندي شيء ولو لم يكن معك وصل فذمته دقيقة جداً ويخاف الله عز وجل، إذاً أنت كمؤمن تؤمن بقوله تعالى:

 

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾

 

(سورة الحشر)

 فالله مصدر أمان للعباد في أفعاله وفيما أعد لهم في الآخرة قال تعالى:

 

﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)﴾

 

(سورة الحجر )

 فأنت مؤمن إذا قيل لك هذه جهنم، تتقيها بالتفكر بالكون وبطاعة الله عز وجل، وفي الإقبال عليه في خدمة الخلق وبالبذل والتضحية وبأداء الصلوات وبصيام رمضان، فجعل لجهنم وسائِلَ تأمن عذابها، وكذلك المؤمن مأمون الجانب، جارك يطمئن لك، زبون لك يطمئن لك تنصحه لا تكذب عليه لا تغشه، أتعطيه الحاجة وقد انتهى مفعولها وزورت التاريخ ؟ لا، أنت مأمون، الأنبياء مأمونون على رسالة السماء، والمؤمن مأمون على ما أتمن به، ابنتك أمانة عندك، زوجتك أمانة، أولادك أمانة، وهكذا، لكن الشيء الذي أتمناه عليكم أن تدعو الناس إلى الله عزوجل بحيث يأمنوا عذابه يوم القيامة حيث قيل: هذه صنعة الأنبياء وهذا أعظم أمن، ولو فرضنا شخصاً خائفاً أمَّنته من الذي يخيفه، قلت فلان دعه لي يعني أنك أَجَرْتَه، شخص خائف لا يملك أجور عملية جراحية، قلت له تَكْلِفَتُها سأدفعها لك اطمئِنْ. شيء جميل، فأنت ممكن أن تمنحه الأمن في الدنيا. لكن إن لم يكن مستقيماً يموت ولجهنم مصيره، فأعظم عمل تفعله أن تؤمنه من عذاب النار، أي أن تعرفه بالله عز وجل فإذا عرف الله واستقام على أمره وعمل الصالحات دخل الجنة، إذاً أعظم عمل تفعله في الدنيا أن تدعو الناس إلى الله عز وجل وإلى طاعته كي يأمنوا من عذابه يوم القيامة، إن عذاب الدنيا صعب جداً ولكن إذا أفضى بك عذاب الدنيا إلى جنة عرضها السماوات والأرض مقبول. أما أخطر شيء أن يقع الإنسان في النار لذلك أعظم عمل كما قلت قبل قليل وهي صنعة الأنبياء أن تكون سبباً لنجاة الناس من النار، إن الله عز وجل هو المؤمن وسمّى عباده الطائعين مؤمنين قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)﴾

 

(سورة آل عمران )

 هو ملك الملوك ومع ذلك سمح لك أن تسمي نفسك مؤمناً وهو مؤمن مؤمن بذاته أولاً ثانياً تأتي أفعاله كلها مصدقة لأقواله، فأنت إذا قرأت القرآن لا تخشى المفاجآت لا تخشى أن تأتي الأحداث خلاف القرآن فتنفضحَ أمام الناس لا، لا تخشى إذا اعتقدت بما قاله الله عز وجل أن تأتي حقيقة علمية في المستقبل تكشف لك زيف هذه الآية. أعوذ بالله هذا شيء مستحيل لأن الله عز وجل مؤمن أفعاله تأتي مصداقاً لأقواله، المعنى الثالث يهبك الأمن: إنْ في حواسك وإن في أجهزتك و إن في أعضائك، إن في طعامك شرابك وإن في الهواء. الشيء الثمين موفور إن في ثبات خصائص المواد إن في ثبات طريقة النبات إن في بنية الأشياء إن في عملها في كل شيء.
 الآن أنت كمؤمن يجب أن تأتي أفعالك مصدقة لأقوالك ويجب أن يأمن الناس جانبك، أي أنت مأمون لا يوجد مفاجآت من قبلك ولا غدر ولا إيقاع ولا فعل شيء من خلف ظهور الناس، أو تغدر بهم أو تفاجئهم بموقفك لا فالمسلمون على شروطهم.
 نسمع كل يوم آلاف القصص عن غدر الناس بعضهم لبعض، نسمع مئات القصص عن خيانة الشركاء لشركائهم، عن خيانة الأزواج لأزواجهم، عن أفعال يندى لها الجبين، عن مقالب وغدر وإيقاع الأذى فليس هذا من أخلاق المؤمن لأن المؤمن جانبه مأمون.

 

((عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ.))

 

(صحيح البخاري)

 الآن آخر شيء، كيف نوفق بين اسم المؤمن وأن الله سبحانه وتعالى يقذف الخوف في قلوب العباد، هو مصدر أمن للخلق وفي الوقت نفسه قد يملأ قلوبهم خوفا:

 

﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)﴾

 

(سورة القصص )

 هنا السؤال دقيق جدا فالإنسان إذا أمن اطمأن للدنيا ونسي الله عز وجل وركن إليها، أعجبه ماله أعجبته قوته أعجبته مكانته أعجبه بيته، وشعر أن الدنيا مديدة وأنه في مركز قوي هذا أمن للدنيا، ما علاجه ؟ أن يقذف الله في قلبه الخوف، فإذا خاف هذا العبد والتجأ إلى الله عز وجل عندئذ يطمئن بالله، أي يخيفك كي يؤمنك ويفقرك كي يغنيك ويمنعك كي يعطيك ويضرك كي ينفعك ويُذِلك كي يعزك.
 أسماء الله عز وجل المزدوجة قال العلماء: لا ينبغي إلا أن تذكر مثنى مثنى، أخذ منك بعض صحتك يقول الله عز وجل:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ،....))

 

(صحيح مسلم)

 فإن أخذ بعض صحتك فيعوضك عن هذه الصحة التي أخذها بشيء من رحمته، تزور المريض فتجد نفسه صافيةً جداً ووجهه متألقاً إنه قريب من الله عز وجل، أخذ صحته قليلا وأعطاه الرحمة مقابلها، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي يضر لينفع ويذل ليعز ويخفض ليرفع ويمنع ليعطي ويخيف ليطمئن، يخوفك فإذا ابتعد الإنسان عنه وشرد على شرعه يمتلئ قلبه خوفا وهذا الخوف هو الدافع هو الذي يدفعه إليه، تخاف فإذا اقتربت من ظله شعرت بالطمأنينة إذاً نريد من الأخوة الأكارم بعض الأدلة من الآيات الكونية من خلق الإنسان ومن خلق الحيوان ومن خلق النبات شيئاً يبعث الطمأنينة في القلب، من فعل الله عز وجل أنه يبعث في قلب عباده الطمأنينة.
 وأنا أنصح لكم أن هذه الأسماء الحسنى كتعاريف: موضوعٌ صغير جدا. كأدلة من الكون فهي موضوع كبير جداً، موضوع له آفاق واسعة لا تنتهي لأن الكون كله يؤكد أسماؤه الحسنى فكلما عَوّدت هذا الفكر أن يجول في الكون ليستنبط نمت قدراته وإمكاناته مثلا لو سألنا الأخوان الآن عن اسم اللطيف هل عندك دليل من خلق الإنسان على اسم اللطيف. فمثلا سقوط السن من الطفل الصغير بمنتهى اللطف. الهواء يحمل طائرة تحمل ثلاثمائة راكب ووزنها ثلاثمائة وخمسون طن، الهواء بيننا لا يحجب رؤية لا يعيق حركة لا تحس بثقله الهواء لطيف ومع أنه لطيف له وزن كبير جدا والدليل أنه له وزن كبير يحمل أوزاناً كبيرة. طائرة ثلاثمائة وخمسون طن ترتفع في الهواء فالهواء شيء لطيف وذو قوة اركب مركبة وأخرج يدك من نافذتها تشعر بقوة كبير جدا ومع ذلك الهواء لطيف فالهواء يؤكد اسم اللطيف، والماء شفاف لا لون له ولا طعم له ولا رائحة له نفوذ يتبخر بدرجات دنيا يعينك على كل حاجاتك هذا يؤكد اسم اللطيف، فيجب أن يكون عندنا لكل أسم أدلة كثيرة جدا ومشاهدات وآيات ووقائع وبينات وعلامات على هذا الاسم ونحن كلما مشينا في هذا الطريق تَوَسَّعَ الأفق وازدادت عظمة الله في أعيننا وازداد خشوعنا له وازدادت طاعتنا له وإقبالنا عليه وهذا هو سر الإيمان، الإيمان شيء يستقر في القلب وينطق به اللسان وتؤكده الأعمال، الإيمان له ثلاث مظاهر: قناعة في القلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان، تجد المؤمن أخلاقاً، المؤمن عفيفاً، المؤمن صادقاً، المؤمن أميناً، المؤمن رحيماً، والمؤمن عند وعده، المؤمن نظيف، المؤمن لا يبتغي رفعة. وصفات المؤمن صارخة، هذا من ناحية السلوك، أما لو شق على قلبه فتجد الطمأنينة والأمن والراحة النفسية والاستسلام لله والرضاء بقضاء الله والتوكل على الله عز وجل، لسانه ينطق بذكر الله ولسانه يبعث الأمن بالناس ويطمئنهم ويبث فيهم الحقائق ويدلهم على الله عز وجل فلذلك اسم المؤمن هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن، ثلاثة معانٍ.
 الخلاصة:
 يعرف ذاته، وأفعاله تأتي مصدقة لأقواله، فأنت إذا آمنت بالله وقرأت كتابه لن تفاجأ بحوادث مخالفة لما في كتابه، الشيء الثابت يهبك الأمن من خلال خلقه ومن خلال أفعاله فأنت كمؤمن ينبغي أن تكون على صفتين أولاً أن تكون أفعالك مصدقة لأقوالك وثانياً أن يأمن الناس جانبك وإذا رأيت نقيض الأمن وهو الخوف، فهو من أجل أنْ يخيفك كي يؤمنك يأخذ منك كي يعطيك يخفضك كي يرفعك يذلك كي يعزك وهكذا......

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور