وضع داكن
30-11-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الواقعة - تفسير الآيات 1-40 - يوم القيامة آت لا محال
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

يوم القيامة آت لا محال:


أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الأول من سورة الواقعة، يقول الله عز وجل في هذه السورة:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)﴾

[  سورة الواقعة  ]

وكلكم يعلم أن إذا أداة تفيد تحقق الوقوع، أي لابد من أن تقع الواقعة، أما لو قيل: إن وقعت الواقعة، تقع أو لا تقع، لذلك قال الله تعالى:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾

[ سورة الفتح ]

وقال في آية أخرى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

[ سورة الحجرات ]

فالفاسق قد يأتي وقد لا يأتي، لكن نصر الله لا محالة آت، وهذه أيضاً على تلك الشاكلة، ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ الواقعة يوم القيامة. 
 

أشقى الناس من عدّ الدنيا دار إقامة:


الحقيقة أركان الإيمان خمسة: الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، الركنان المتلازمان دائماً هما الإيمان بالله واليوم الآخر، كل منهما يُكمِّل الآخر، أنت إذا آمنت بوجود الله، وأنه لن يحاسبك، وليس في الدنيا إلا هذه الدنيا لن تستقيم على أمره، إنك إن أيقنت أن الله موجود أولاً، ويعلم ثانياً، وسيحاسب، والجزاء أبدي، إما في جهنم إلى الأبد وإما في نعيم مقيم إلى الأبد، عندئذ تستقيم.
فسورة الواقعة اليوم كلها حول اليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر لب الإيمان، وما لم تنقل كل اهتماماتك، وكل رغباتك، وكل مطامحك، وكل أهدافك إلى الدار الآخرة فالدنيا تغدو دار شقاء، إن أشقى الناس فيها أرغبهم فيها، إن اعتبرتها دار إقامة، إن جعلتها محط الرحال، نهاية الآمال، شقيت بها، أما إن جعلتها ممراً إلى الدار الآخرة، أما إن جعلتها طريقاً إلى الدار الآخرة تسعد بها.
 

معرفة الإنسان بأن إقامته في الدنيا مؤقتة تريحه:


تقريباً الإنسان حينما يقيم في بيت أشهراً ثلاث في الصيف لا يعلق أهمية على بعض الخلل، مؤقت، شعوره أن إقامته هنا مؤقتة تريحه، لكن لو رأى مثل هذا الخلل في بيته الأساسي يتألم، فالشعور أننا هنا ضيوف، أننا هنا عما قريب سنرتحل وسنغادر ولن نرجع، هذا الشعور يُسعد الإنسان، لذلك الآية الكريمة: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ ولم يأت الجواب، لهول وقوع الواقعة لم يُذْكَر الجواب.

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)﴾

[ سورة الواقعة  ]

وجاء الفعل بالصيغة الماضية، أي إذا أخبرنا الله عن المستقبل هو وحده يستخدم ضرورة الفعل الماضي لتحقق الوقوع قال تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)﴾

[ سورة النحل ]

هو لم يأت بعد، ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ لا تستعجلوه قرينة على أنه لم يأت، لكنه قال أتى. 

إخبار الله للإنسان يجب أن يقع:


إخبار الله لنا ينبغي أن يقع منا موقع الرؤية، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾

[ سورة الفيل ]

إخبار الله لنا ينبغي أن يقع في قلوبنا موقع الرؤية، وأفعال الله المستقبلية ينبغي أن تقع في قلوبنا وكأنها وقعت في الماضي، المتكلم هو الله، هو خالق الكون:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

[ سورة التوبة ]

فإخبار الله لنا يجب أن يقع موقع الرؤية، وحديث الله عن أفعاله المستقبلية ينبغي أن تقع فينا موقع أفعاله المتحققة.
 

المتكلم هو الله عز وجل وكلامه سيتحقق إن عاجلاً أم آجلاً:


لذلك قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)﴾

[ سورة المائدة ]

هذا الكلام لم يقع بعد: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى﴾ فإذا كان المتكلم هو الله فكلامه عن أفعاله المستقبلية يأتي بصيغة الماضي وكأنها وقعت وانتهت، وإذا أخبرنا الله عن شيء مضى لا يُتاح لنا أن نراه ينبغي أن يقع هذا الخبر منا موقع الرؤية.
 

الشيء المحقق الوقوع لابدّ من أن يقع يوم القيامة:


الآية الكريمة: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)﴾ أي يوجد أشياء كثيرة جداً في حياتنا قد تقع وقد لا تقع، لكن الشيء المحقق الوقوع الذي لابد من أن يقع هو أن تقع الواقعة، أن يأتي يوم القيامة.
 

أوصاف يوم القيامة:


﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ لكن أيها الأخوة من أدق وأبلغ أوصاف يوم القيامة هذا الوصف:

﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾

[ سورة الواقعة  ]

الحياة الدنيا درجات:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾

[ سورة الإسراء ]

أضرب لكم بعض الأمثلة؛ معلم في قرية يحمل طعامه كل أسبوع، والحياة خشنة جداً، والمواصلات قليلة، والطلاب في جهل كبير، والخدمات ضعيفة، والإمكانات محدودة، والمشقة بالغة كأستاذ في الجامعة ذو كرسي؟! مسافة كبيرة جداً، جندي غر كرئيس أركان؟! ممرض كطبيب جراح؟! بائع متجول كعضو غرفة تجارة؟! يوجد فرق كبير، الحياة فيها مقاييس، الحياة كلها مراتب.
 

المؤمن يغدو يوم القيامة في أعلى مرتبة والمتفلت في الحضيض:


لكن ما قولكم أن هذا اليوم الذي لابد من أن يقع سيقلب كل المقاييس، إنسان يقيم عرساً لابنه بعشرين مليوناً وإنسان ليس معه ثمن رغيف خبز، ما قولكم إذا وقعت الواقعة أن تنعكس الآية: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾ الذين كانوا في أوج الغنى أصبحوا في حضيض الفقر، والذين كانوا في أوج الصحة والتمكن أصبحوا في عذاب أبدي، والذين كانوا في الفقر المدقع، وقد قبِلوا من الله حكمه، ورضوا بأفعاله، ورضوا بقضائه وقدره، وتعففوا، وتجملوا، ما قولكم أن هؤلاء سيصبحون في نعيم مقيم إلى أبد الآبدين؟! فالعبرة ما نؤول إليه لا ما نحن فيه، فهذه الواقعة: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾ الدنيا مراتب، لكن المستقيم والمطيع سوف يغدو في أعلى مراتب الآخرة، والمتفلت من منهج الله، الشارد عن ربه، المقيم على المعاصي، ولو كان في أعلى درجات المجتمع غنى وقدرة وتألقاً وشهرة سوف يغدو في الحضيض، فالعبرة لا فيما نحن عليه ولكن فيما سنكون عليه، فيما سنغدو عليه، لذلك قال تعالى:

﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾

[ سورة الأعراف ]

ألا يا رُبَّ نَفْسٍ جائعةٍ عاريةٍ في الدنيا طاعمةٍ ناعمةٍ يوم القيامة، ألا يا رُبَّ مُكْرِمٍ لنفسه وهو لها مُهين، ألا يا رُبَّ مُهينٍ لنفسه وهو لها مُكرم، ألا يا رُبَّ نَفْسٍ طاعمةٍ ناعمةٍ في الدنيا جائعةٍ عاريةٍ يومَ القيامةِ.
 

العقل أساس التدبر:


لذلك الله سبحانه وتعالى أعطانا هذا العقل كي نتدبر أمورنا، كي نسعى لمستقبلنا، كي نسلك طريق سعادتنا، كي نصل إلى الجنة: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾ وإذا الله عز وجل أكرم إنساناً في الدنيا، ورفع شأنه، وكان مستقيماً، منضبطاً، ورعاً، منفقاً، محسناً، نِعَمُ الآخرة تتصل بِنِعَمِ الدنيا، هو في الدنيا في نعيم، وفي الآخرة في نعيم، إذا كان الإنسان منحه الله حظاً من حظوظ الدنيا، وتعامل معه وفق منهج الله، وشكر نعمة الله، ولم يحجبه عن طاعة الله؛ اتصلت نِعَمُ الدنيا بِنِعَمِ الآخرة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويقول:

(( اللهم اجعل نِعَمَ الآخرة متصلة بنعم الدنيا. ))

[ دعاء مأثور ]

أما إذا الإنسان شرد، وانحرف، وأغوته الدنيا، وانصرف إليها، وجاءه الموت تنعكس الآية، أبسط مثل: إذا أنت ركبت بسيارة عامة بمكان فيه شمس، وبعد دقيقة انعكس اتجاه المركبة، الآية انعكست، الذي كان في الظل أصبح في الشمس والذي كان في الشمس أصبح في الظل.
 

من خصائص يوم القيامة قلب الموازين:


أحياناً يرتفع الإنسان فجأة أو يسقط فجأة لكن يوم القيامة من خصائصه أنه يقلب الموازين، موازين الأرض: الغنى، الغني محترم في الأرض، القوة، الأقوياء يُرْهب جانبهم، والأغنياء يطمع في مالهم، من أوتوا حظاً من الوسامة يتألقون في المجتمع، ومن أوتوا حظاً من طلاقة اللسان، هذه كلها حظوظ الدنيا فإذا جاءت الواقعة انقلبت الموازين، من هو المحسن؟ من هو المستقيم؟ النبي عليه الصلاة والسلام مرّ مع أصحابه على قبر فقال:

(( عن أبي هريرة: رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ. ))

[ صحيح الجامع :خلاصة حكم المحدث : صحيح : أخرجه ابن المبارك في الزهد ]

الدنيا فيها أموال، فيها معامل، فيها فنادق، فيها شركات، فيها متنزهات، فيها أماكن جميلة، فيها نساء، فيها كل شيء جميل، قال: ((رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ)) .
 

ما يحدث في الدنيا ما هو الا نماذج مصغرة عن يوم القيامة:


﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾ ، ماذا سيكون: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ قال:

﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4)﴾

[ سورة الواقعة  ]

الله عز وجل يعطينا نماذج مصغرة جداً في الدنيا، بعض الزلازل، صور الزلازل مخيفة، انهيار الأبنية، تصدع الجسور، التواء الطرق، انشقاق التربة، أن يدفن الناس تحت الأرض، هذا زلزال أرضي لمدة أربع ثواني وست درجات على مقياس ريختر فعل ما فعل، فكيف:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)﴾

[ سورة الواقعة  ]

معنى بست أي فتتت، جبال هملايا ارتفاعها ما يقارب اثني عشر ألف متر تصبح هباء منثوراً، رمل: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً﴾ أي تفتتت.
 

تفتت الجبال يوم القيامة لتصبح هباء منثوراً:


﴿ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6)﴾

[ سورة الواقعة ]

الهباء إذا دخل ضوء الشمس في الشتاء، وكنست أرض الغرفة، ترى ذرات عالقة في ضوء الشمس في جو الغرفة، هذا الهباء، فهذه الجبال الشامخة، الجبال العملاقة، هذه الجبال تغدو هباءً منثوراً: ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6)﴾ هباء منتشر في كل مكان، تصور من أربعين أو خمسين سنة يؤخذ من بعض الجبال رمل والجبل هُوَ هُوَ، يوجد جبال بجنوب دمشق، جبل يؤخذ منه رمل أسود أي من أربعين أو خمسين سنة يومياً تأخذ الشاحنات من هذا الجبل رملاً أسود، إذا نظرت إليه هُوَ هُوَ، لم يتغير شكله إطلاقاً، فكيف إذا أصبحت كل هذه الجبال هباء منبثاً؟ ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6)﴾ ذرات عالقة في الجو، موزعة في كل مكان.
 

البشر على اختلاف أنواعهم ومللهم يوم القيامة ثلاثة أصناف: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7)


نحن في الدنيا مِلَل ونِحَل وأعراق وشعوب، وطوائف، وأنجلوسكسوني، والشعوب السامية، والشعوب الإفريقية، وهذه شعوب متفوقة وهذه شعوب متخلفة، هذه شعوب منتجة، هذه شعوب مستهلكة، هذه شعوب راقية متمدنة، هذه شعوب جاهلة، على مستوى البلد، على مستوى القرية، على مستوى الأسرة؛ ملل ونحل وجهات وأعراف وأنساب، هؤلاء البشر على اختلاف أنواعهم وانتماءاتهم ومللهم ونحلهم يوم القيامة ثلاثة أصناف:

﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أصحاب اليمين: هم المقتصدون الذين أخذوا بالمُبَاحات، وأطاعوا الله عز وجل.
أصحاب الشمال: خرجوا عن منهج الله، وانهمكوا في الملذات المحرمة، أصحاب اليمين طبقوا منهج الله، واستعملوا المُبَاح، أصحاب الشمال خرجوا عن منهج الله، وانغمسوا في الملذات المحرمة.
لكن السابقين السابقين صنف آخر، هؤلاء باعوا أنفسهم في سبيل الله، هؤلاء وقتهم ومالهم وأهلهم وخبراتهم وعلمهم وذهابهم، غدوهم ورواحهم، سفرهم وإقامتهم كلها في سبيل الله، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، لا يطؤون موطئاً يُغيظ الكفار إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح، لا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح.

السابقون هم المقربون من الله عز وجل:

 

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)﴾

[ سورة الواقعة ]

 ربنا عز وجل بدأ بوصف حال السابقين السابقين، هؤلاء المتفوقون، هؤلاء قمم المجتمع، عند الله لا عند الناس، هناك قمم عند الناس، وهناك قمم عند الله، هؤلاء السابقون السابقون قمم المجتمع عند الله، قال: أول نعيم، وأعظم نعيم، وأجدر نعيم سعوا إليه أنهم مقربون، كلمة مقرب مُقرب ممن؟ من خالق الكون.

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾

[ سورة القمر ]

الإنسان أحياناً يتقرب من شخص قوي يزهو بهذا القرب، يُظْهِرُ للناس قربه منه، يذكر تفاصيل لقاءاته، تفاصيل ندواته، تفاصيل زياراته، يزهو يقول: أنا قريب من فلان، أنا صديق فلان، أنا صديق حميم لفلان، أنا أدخل عليه بلا استئذان، أسهر عنده، أسافر معه، إذا كان شخصاً من أشخاص الدنيا الأقوياء أو الأغنياء لك معه صلة تزهو بها أمام الناس، هؤلاء السابقون السابقون من الله مقربون: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ولا يخفى عليكم أن أصل الجمال هو الله عز وجل، فإذا كنت مقرباً من الله فأنت أسعد الناس، ألسنا في صلاتنا على النبي نقول: اللهم صلّ على أسعدنا محمد، هو أسعد الخلق قاطبة، فأكبر عطاء وأكبر فوز وأكبر نجاح أنهم مقربون من الله.
 

أعظم عقاب من الله هو حجب الإنسان عنه:


أكبر عقاب:

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾

[ سورة المطففين ]

أعظم عطاء القرب، أعظم عقاب الحجب: ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)﴾.
إخواننا الكرام؛ في الدنيا أشخاص كثيرون، لا تستطيع أن تتقرب منهم، طريق مغلق، طريق مسدود، لا سبيل إلى التقرب منهم.
 

التقرب من الله لا يكون إلا بطاعته:


رب العزة، خالق الكون، من بيده ملكوت السماوات والأرض، هو الخالق العظيم، إذا كان مجرة تبعد عنا ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، مع هذه العظمة هو قريب منك:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[ سورة الكهف ]

قال: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ مقربون ومعهم وسائل القرب من الله، مقربون وبإمكانهم أن يقتربوا، أنت تقترب من الله بطاعته:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات ]

دخل على النبي الكريم رجل أشعث أغبر فقال: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال: أَوَمِثْلِي؟ قال: نعم يا أخي، خامل في الأرض علم في السماء، كلنا جميعاً طريق القرب من الله بين أيدينا، غني، فقير، خطير، مغمور، قوي، ضعيف، صحيح، مريض، ذكي، أقل ذكاء، في أية حالة كنت باب القرب من الله بين يديك، أطعه يتجلَّ على قلبك، أطعه يقربك.
 

أسمى شعور على وجه الارض أن تشعر أن الله يحبك:


والله الذي لا إله إلا هو ما من مؤمن على وجه الأرض يعمل عملاً يبتغي به وجه الله إلا ويلقي الله في قلبه شعوراً أن الله يحبه، وما من شعور على وجه الأرض أسمى من أن تشعر أن الله يحبك:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾

[ سورة الطور ]

وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ ليس معك أحد، لذلك غني، فقير، قوي، ضعيف، شاب، فاتني أن أذكر في الندوة وقد ذكرتها لكم سابقاً أن إنساناً من صعيد مصر، جاهل، أمي، لا يقرأ ولا يكتب، تاقت نفسه أن يكون عالماً، عمره خمسة وخمسون عاماً، وفقير فقراً مدقعاً، ركب دابته واتجه إلى القاهرة ليطلب العلم في الأزهر، فلما وصل إلى أطراف المدينة، سأل: أين الأزعر؟ لا يعرف اسم هذا الجامع فدلوه عليه - القصة رواها لي أحد علماء دمشق وذكر لي قصته-قال لي: هذا الإنسان في الخامسة والخمسين، الجاهل، الذي لا يقرأ ولا يكتب، تاقت نفسه أن يطلب العلم، ركب دابته واتجه إلى القاهرة وسأل عن الأزعر فدلوه عليه وبدأ يتعلم القراءة والكتابة، ثم بدأ يقرأ القرآن، وما زال يطلب العلم حتى صار شيخ الأزهر، مات في السادسة والتسعين، اسمه زكريا الأنصاري، في السادسة والتسعين لم ينته به المطاف إلا وهو شيخ الأزهر، باب القرب مفتوح، مبذول، افتح كتاب الله، اقرأ كتاب الله، تعلَّم أحكام الشرع، غض بصرك عن محارم الله، أنفق من مالك، الله هو الغني.
 

من طَلَب العلم وظفه الله عز وجل بالحق:


ذكرت في الخطبة حديثاً، الحقيقة قيل: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ تكَفل اللهُ لهُ برزقهِ، ليس معنى هذا أن يدع العمل، لا، اعمل، لكن بين أن تعمل عملاً شاقاً طويل المدة، قليل المردود، وبين أن تعمل عملاً مريحاً قليل الدوام، كثير المردود، إذا أنت طلبت العلم، الله عز وجل يعطيك الوقت الكافي لطلب العلم، طلبت العلم يوظفك الله عز وجل، لا يوجد إنسان طلب العلم إلا وأنطقه الله عز وجل بالحق، وسمح له أنْ يؤثر بالآخرين، وجمع الناس حوله، العلم ثمين جداً.
 

أثمن عطاء للإنسان أن يكون مع الله:


لذلك أيها الأخوة؛ 

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)﴾

[ سورة الواقعة ]

 والقرب من الله بين يديك: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾، ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ومع هذا القرب من الله:

﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أحياناً يكون هناك وليمة، الطعام نفيس جداً، ولكن هناك شيئاً أهم من الطعام الترحيب، التكريم، التوقير، هذا تقريب، يوجد تقريب ويوجد إطعام، فكيف إذا اجتمع القرب مع الطعام: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)﴾ أي أثمن عطاء أن تكون مع الله، ومع هذه المعيّة الطيبة أنت في جنات النعيم، أهذا القرب وذاك النعيم المقيم يُزْهَدُ فيه من أجل الدنيا الفانية التي لا تسعد أحداً؟ 

أصحاب النبي الكريم كانوا يُؤْثرون على أنفسهم كل شيء:


لكن هؤلاء السابقين السابقين وهؤلاء المقربون:

﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)﴾

[ سورة الواقعة  ]

قال بعض المفسرين: "إن الأمم التي سبقت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمجموعها هذه هي الثلة، وأما الذين آمنوا برسول الله عليه الصلاة والسلام، واتبعوا منهجه هذه هي القلة" ، لكن جمهور العلماء يقول: "إن الثلة هم أصحاب النبي الذين آمنوا به، والقلة هم المؤمنون الذين أتوا في آخر الزمان وهذا أقرب" ، فالنبي عاش معه أصحاب كثيرون، كل واحد كجبل، كل واحد كألف، شيء يدعو للاستغراب! أي عشرة آلاف صحابي يفتحون العالم كله ونحن مليار ومئتا مليون مقهورون؟ مغلوبون على أمرنا؟ ليست كلمتنا هي العليا؟ فرق كبير جداً بين أصحاب رسول الله، كانوا أبطالاً، كانوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار، يخشون الله ولا يخشون أحداً مع الله، يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة.
سيدنا عثمان جاءت قوافل تجارته ستمئة جمل محمل بأنفس أنواع البضاعة، الآن تقريباً ستمئة شاحنة موثوقة بأفضل أنواع البضاعة، جاء التجار ليشتروها منه دفعوا الضعف والضعفين والثلاثة والأربعة، قال: دُفِعَ لي أكثر، تسعة أمثال؟ دُفع لي أكثر، غير معقول، قال: إن الله عز وجل وعدني بكل حسنة بعشرة أمثالها ، هي للمسلمين، ستمئة شاحنة، بالمفهوم الحديث موثوقة بالبضاعة يقدمها هذا الصحابي الجليل للمسلمين، قال: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)﴾ أي في العصور المتأخرة الصادقون قلة.
 

جزاء المقربين من الله عز وجل:

 

1 ـ يجلسون في الجنة على سرر متقابلين:

هؤلاء المقربون:

﴿ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)﴾

[ سورة الواقعة  ]

هذه السرر فيها معادن ثمينة، تجد أحياناً قطعة أثاث فيها ذهب، فضة:

﴿ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)﴾

[ سورة الواقعة  ]

يوجد راحة نفسية، لا يوجد هموم، وكل من في الجنة بأعلى مستوى، والإنسان يسعد بقرنائه، يسعد بأنداده، فأهل الجنة طيبون طاهرون، كلهم قمم، فجالسون في الجنة على سرر متقابلين. 

2 ـ في الجنة يطوف عليهم ولدان مخلدون:

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)﴾

[ سورة الواقعة  ]

والذي له أولاد يعرف هذه الحقيقة، الطفل الصغير كالمَلَكْ، وجه صبوح، ونفس بريئة، وعفوية، وذاتية، وقرب منك، الطفل الصغير محبب كثيراً، ففي الجنة أطفال صغار، ولدان مخلدون. 

3 ـ عدم إبعادهم عن الطعام:

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)﴾

[ سورة الواقعة  ]

صُدعوا عنها: أي فرقوا عنها، لو فرضنا أن هناك طعاماً نفيساً وجاء أمر: تفرقوا، انتهى، انقطعت المتعة، أو الطعام انتهى، وأصحاب المائدة بِنَفْسِهِمْ أن يأكلوا، انظر إلى الوصف الدقيق: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ﴾ لا الطعام ينتهي ولا هم يبعدون عنه، ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ الولدان لا يكبرون، أحياناً يكون الطفل ليس أجمل منه كلما كبر يصبح غليظاً، يخشن صوته، تصبح أعماله حمقاء، يتجاوز حدوده أحياناً، يتطاول على أهله، يقول الناس عنه: ليته بقي صغيراً، هؤلاء الولدان المخلدون:

﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)﴾

[ سورة الواقعة  ]

4 ـ لهم أجمل أنواع الفاكهة:

﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ(20)﴾

[ سورة الواقعة  ]


أجمل أنواع الفاكهة:


﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)﴾

[ سورة الواقعة  ]

حبة اللؤلؤ وهي في الصدفة لم تجرحها عين، ولم تثقبها إبرة.
 

الأعمال الصالحة جزاؤها الجنة:


﴿ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)﴾

[ سورة الواقعة  ]

المجيء للمساجد، إنفاق المال، كسبته بكدك وعرق جبينك تنفقه للفقراء والمساكين، أن تمشي مع أخ في حاجته، أن تعين ضعيفاً، أن تطعم فقيراً، أن تربي يتيماً، أن ترعى مسكيناً، أن تنصح أميراً، أن تأمر بالمعروف، أن تنهى عن المنكر، أن تقيم الحق، أن تقرأ كتاب الله، أن تذكر الله، أن تعين إخوانك، هذه الأفعال جزاؤها: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) ﴾ . 

5 ـ لهم حور عين كلون اللؤلؤ:

﴿ وَحُورٌ عِينٌ (22)﴾

[ سورة الواقعة ]

الحور العين أي أوصاف المرأة لا سبيل إلى التفاصيل ولكن الحور شدة بياض العين وشدة سوادها، عين واسعة، وهناك مفارقة حادة في شدة بياض العين وسوادها، عِينْ: أي عينها واسعة، حور: بياض عينها ناصع وسواد حدقتها داكنة، وهذا مقياس جمالي عند العرب، من أعلى أنواع الجمال، عين واسعة والحور شدة بياض العين وشدة سوادها، والعين متسعات العيون، ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ لون اللؤلؤ له بياض ناصع، لون ألماسي، ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ هذا أجمل لون.
 

المستوى في الجنة راق جداً للمؤمن بالله:


﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)﴾

[ سورة الواقعة ]

 بالحياة أحياناً تسمع مشادة في الطريق تنزعج، أحدهم يسب الآخر بكلام مقذع تستحي منه أمام أولادك، لكن بالجنة لا يوجد كلمة نابية:

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً (25)﴾

[ سورة الواقعة  ]

حتى الكلام الفارغ غير موجود، لا يوجد كلام فارغ ولا يوجد كلام محرم، أحياناً الغيبة، النميمة، السخرية، التطاول، المزح المنحرف الجنسي يخدش الحياء، قال: في الجنة مستوى راقٍ جداً:

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً (26)﴾

[ سورة الواقعة  ]  

6 ـ لا يسمعون إلا أجمل وألطف الألفاظ:

أجمل الكلمات، وأحلى العبارات، وأعف الألفاظ، وأدق التفاصيل، هذا كلام أهل الجنة، هؤلاء السابقون السابقون هم في أعلى درجات القرب، ومع هذا القرب نعيم مقيم.
 

الدرجة الثانية في الجنة لأصحاب اليمين:


﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)﴾

[ سورة الواقعة  ]

هؤلاء في الدرجة الثانية، هؤلاء فعلوا المباحات، أطاعوا رب الأرض والسماوات، وفعلوا المباحات، أي أعطى جزءاً من وقته للدين، أما تجارته فهي الأصل، أعماله، بيته، نعيمه، نزهاته هي الأصل، لكن يخاف الله، يرجو الدار الآخرة، صلى وصام وحج وزكى، وانضبط لكن ما زاد على ذلك، أي كان مقتصداً، يقول لك: حلها برمة مثلاً، ساعة لك وساعة لربك، هو مقتنع أن يكون وراء الباب بالجنة. 

1 ـ في هذه الجنة سدر منزوع شوكه وموز مصفوف:

﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)﴾

[ سورة الواقعة  ]

الأوصاف الآن من البادية، شجر السدر اسمه النبق له أشواك، أما هذا الشجر في الجنة ليس له شوك، مخضوض منزوع شوكه.

﴿ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)﴾

[ سورة الواقعة  ]

الطلح هو شجر الموز، منضود مصفوف. 

3 ـ ظلّ الجنة ممدود ومستمر:

﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أحياناً يكون الإنسان له ظل في مزرعة ولكن يقول لك: لساعتين فقط، بعدها تأتي الشمس، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا الظل ممدود مستمر، لا يوجد ظلّ مؤقت. 

3 ـ فيها ماء يجري وفاكهة كثيرة:

﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)﴾

[ سورة الواقعة  ]

ماء يجري.

﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أحياناً ينتهي الموسم لو كنت غنياً الفاكهة غير موجودة، أحيانا الفاكهة موجودة ولكن لا تملك ثمنها، في الدنيا الفاكهة إما مقطوعة أو ممنوعة، الآن يوجد عنب حلواني والكيلو بمئة، فوق طاقتك: ﴿لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ﴾ ممنوعة لارتفاع ثمنها، ومقطوعة لانتهاء موسمها، في الجنة الفواكه لا مقطوعة ولا ممنوعة، مستمرة، ومبذولة، ولهم ما يشاؤون فيها. 

4 ـ فيها أماكن للجلوس عالية ومشرفة:

﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أي أماكن الجلوس عالية، مشرفة، وارتفاع المكان ارتفاع شرف له.
 

الحور العين في الجنة نوعان:


﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)﴾

[ سورة الواقعة  ]

الحور العين في الجنة نوعان: نوع يُنشأ إنشاء ابتداء، ونوع من مؤمنات أهل الدنيا يعاد خلقهن على أكمل صورة.
مثلاً: قد تجد المرأة غير الجميلة بنفسها أنني أنا لماذا خلقني الله هكذا؟ أنتِ لو عرفتِ الله وأطعتيه في الجنة بأعلى مستوى بالمقاييس المطلقة، المؤمنة التي عرفت ربها، واستقامت على أمره، الدنيا مؤقتة، أما الآخرة أبدية، إلى أبد الآبدين، فأية امرأة مؤمنة يوجد في قلبها تساؤل: لِمَ لَمْ أكن أنا كهؤلاء المتألقات؟ أحياناً يكون لها وضع معين، أقل من أندادها، قال: أية امرأة عرفت ربها في الدنيا يُعاد خلقها يوم القيامة بأجمل ما تكون؛ فالحور العين نوعان نوع يخلق في الجنة ابتداء ونوع يعاد خلقها حيث كانت في الدنيا امرأة مؤمنة.
 

مكرمة أصحاب اليمين زوجة من نفس سنّ الانسان تحبه وتعينه:


قال:

﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37)﴾

[ سورة الواقعة  ]

معنى عرباً متحببات لأزاوجهن، والحقيقة المرأة التي لا تُقبِل على زوجها، ولا تتحبب إليه، ولا تبذل له ما أراد إذا خلا بها، هذه امرأة لا يحبها رسول الله، من علامات المرأة المؤمنة أنها ستيرة، إذا خلا بها زوجها بذلت له ما أراد منها، أما يوجد نساء مشاكسات، إذاً: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً﴾ متحببات بأزواجهن، ﴿أَتْرَاباً﴾ أي من سنه، بوعي وعقل، أحياناً يتزوج أحدنا فتاة صغيرة يقول لك: المرأة عندما تكبر تهرم بسرعة، عقلها صغير تريد شوكولا، تريد لُعَباً، مشكلة، فإذا أخذها صغيرة يتعب من ضيق أفقها، وعقلها الصغير، وإن كانت كبيرة يقول لك: هي بسن أمي.

﴿ عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أتراب يوجد تماثل وعُرُبٍ يوجد تحبب، عُرباً: متحببات لأزواجهن ، أتراباً: بمستواه ، بوعيه، بإدراكه، وشيء مسعد جداً أن تكون زوجتك في مستواك الفكري والاجتماعي، تعينك على أمر دينك، قال: هذه لأصحاب اليمين.
 

سعادة وإكرام أصحاب اليمين:


إذاً: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ أي ما أسعدهم! هذه ما التعجبية، ما أسعدهم! ما أكرمهم! ما أشرفهم عند الله! ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (37) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)﴾ في شجر منزوع الشوك: ﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)﴾ الموز المصفوف، ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)﴾ جار ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ﴾ .
 

أصحاب اليمين كثر ولكن السابقين قلائل:


لكن أصحاب اليمين:

﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)﴾

[ سورة الواقعة  ]

في آخر الزمان هم كثر ولكن السابقين قلائل، هذا ما يسمونه الخط العريض، الخط العريض الناس كلهم خير وبركة، أما هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لله هؤلاء سابقون سابقون، والإنسان عليه أن يكون طموحاً في الآخرة: 

﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)﴾

[ سورة الواقعة  ]

هؤلاء للأسبوع القادم، لا نريد أن نغير شعورنا مع أهل الجنة. 

الملف مدقق

 والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور