وضع داكن
30-11-2024
Logo
مختلفة - الجزائر - المحاضرة : 04 - الإنسان هو المخلوق الأول رتبة و المكرم و المكلف عند الله عز وجل.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله عز وجل :

 أيها الأخوة الأحباب، من عرف نفسه عرف ربه، أيها الإنسان من أنت؟ هل تصدق أنك المخلوق الأول رتبة عند الله، الدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل قوله تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 الإنسان الذي قَبِل حمل الأمانة، والأمانة نفسه التي بين جنبيه، سلمها الله لنا:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9-10]

الإنسان هو المخلوق المكرم و المكلف :

 أيها الأخوة الكرام، النجاح شيء والفلاح شيء آخر، قد تنجح في الدنيا بجمع المال، قد تنجح بتسلم منصب رفيع، هذا نجاح، لكن الفلاح أن تنجح في الدنيا والآخرة معاً:

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الأعراف: 157 ]

 لذلك الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، والإنسان هو المخلوق المكرم:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء: 70 ]

 والإنسان هو المخلوق المكلف ثالثاً، مكلف بماذا؟ مكلف أن يعبد الله، بل إن علة وجوده في الدنيا أن يعبد الله، أي إذا أرسل والد ولده إلى باريس لينال الدكتوراه، هذه المدينة العملاقة، الواسعة، المترامية الأطراف، هذا الطالب علة وجوده في هذه المدينة شيء واحد أن ينال هذه الشهادة قياساً، وعلة وجودنا في الدنيا أن نعبد الله.

 

تعريف العبادة :

 لكن ما العبادة؟ الدليل الأول:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

 العبادة طاعة طوعية، أي خضوع لمنهج الله، لكن الله عز وجل ما قبل أن يكرهنا على طاعته قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

 هذا الإله العظيم الذي خلقنا حياتنا بيده، جسمنا بيده، أولادنا بيده، هذا الإله العظيم ما أراد أن نطيعه قسراً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

 أراد أن نأتيه بمبادرة منا، أراد أن نأتيه بحرية كاملة، لذلك أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة: 54 ]

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 165 ]

علاقة العباد بالله علاقة حبّ لا علاقة قسر :

 هذا الإله العظيم أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب، لذلك العبادة طاعة طوعية لكنها ليست قسرية، ممزوجة بمحبة قلبية، لذلك قالوا: "ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، كما أنه ما عبد الله من يحبه ولم يطعه".

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته  إن المحب لـمن يحب مطيع
***

 هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، العبادة علة وجودنا على سطح الأرض، لذلك الفلاح كل الفلاح، والنجاح كل النجاح، والتفوق كل التفوق، والفوز كل الفوز بطاعة الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 71 ]

 إذا كان خالق السموات والأرض يصف طاعته بأنها فوز عظيم فهل بعد هذا الدليل من دليل؟

 

الإنسان يتفوق إذا لبى حاجات عقله وقلبه وجسمه معاً :

 أيها الأخوة الكرام، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، الإنسان- كما قيل - عقل يدرك، و قلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، متى يتفوق الإنسان؟ إذا لبى حاجات عقله وقلبه وجسمه معاً، يلبي حاجة عقله بطلب العلم، ويلبي حاجة قلبه بحب من أوجده من عدم، ويلبي حاجة جسمه بالطعام والشراب، إذاً ينبغي أن يعمل والعمل شرف للإنسان، إذاً الإنسان مخلوق أول، مخلوق مكرم، مخلوق مكلف، هو عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك، يتفوق إذا لبى حاجات عقله وقلبه وجسمه معاً.

السلامة و السعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان على وجه الأرض :

 أيها الأخوة الكرام، هذا الإنسان شاء أم أبى بل إن أي إنسان على وجه الأرض يتحرك نحو شيئين بعقله الباطن أو بعقله الواعي يتحرك نحو سلامته وسعادته، السلامة و السعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان على وجه الأرض، لكن الذي عرف الله وعرف الذي خلقه يعلم علم اليقين أن الذي خلقه هو الجهة الوحيدة التي تعلم ما يسعده وما يشقيه، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14 ]

 الجهة الوحيدة في الكون التي بيدها سلامتك وبيدها سعادتك هي الله عز وجل، لذلك جعل الله هذا المنهج الذي بين أيدينا طريق سلامتنا وسعادتنا، لذلك انطلاقاً من حبنا لذاتنا وحرصنا على سلامتنا وسعادتنا نطبق منهج ربنا، هذه القضية التي ينبغي أن نبدأ بها، الدين منهج، لكن منهج من عند الخالق، لكن أنت بشكل أو بآخر أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، الدماغ يحوي مئة و أربعين مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد حتى الآن، وهناك خلايا قشرية يزيد عددها عن أربعة عشر مليار خلية، فيها المحاكمة، الدماغ يعجز عن فهم ذاته، أنت المخلوق الأول، هذه العين التي ترى بها في الشبكية عشر طبقات، الشبكية مساحتها ميلمتر وثلث، فيها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، قال الله عز وجل:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ*وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ*فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾

[ سورة البلد: 8-11]

أصل الدين معرفة الله :

 أيها الأخوة الكرام، لا بد من هذه الملاحظة الدقيقة، المؤمن إذا قرأ آية فيها أمر يقتضي أن يأتمر، فإذا قرأ آية:

﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

 فيها نهي تقتضي هذه الآية أن ينتهي عما عنه نهى، وإذا قرأ قصة أقوام أهلكهم الله ينبغي أن يتعظ، كتمهيد لكل آية في القرآن الكريم ينبغي أن يكون لك موقف منها، فإذا كان في القرآن الكريم ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، الإنسان ماذا يقتضي منه ذلك؟ أن يتفكر في خلق السموات والأرض.
 إذاً أنطلق من هذا الموقف الطيب من أن أصل الدين معرفة الله، ومعرفة الله من خلال آيات متنوعة، هناك آياته الكونية خلقه، وهناك آياته التكوينية أفعاله، وهناك آياته القرآنية كلامه، فبين يديك الكون، والكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، من أبسط الحقائق في الفلك، أقرب نجم ملتهب يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربع، ابنك الصغير يحسب لك المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب، لو أردنا أن نصل إليه بسيارة لاحتجنا إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام من أجل أن نقطع أربع سنوات ضوئية، فمتى تصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ ومتى تصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ بعد الأرض عن أحدث مجرة مكتشفة أربعة وعشرون ألف مليون سنة، الآن افتح القرآن الكريم واقرأ قوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

 هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا   فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـا   لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل   وأخلص لنا تلقى المسرة والهنــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن   فما القرب والإبعاد إلا بأمرنـــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لي   أيا عبدنــا ما قرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى   أما تختشي من عتبنا يوم جمعنـا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً   وتنظر ما به جـاء وعدنــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـاً   وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننا   الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا   خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــا
ولو ذقت مـن طعم المحبة ذرة   عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة   لمــــت غريباً واشتياقاً لقربنا
فما حبنا سهل وكل من ادعـى  سهولته قلنا له قــــد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قـتله   وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
***

علة وجود الإنسان في الدنيا أن يعبد الله عز وجل :

 أيها الأخوة الأحباب ، الإنسان أكل وشرب وتزوج وأنجب أولاداً، لكن هل ذاق طعم القرب من الله؟ هل ذاق طعم الإقبال على الله؟ هل ذاق طعم أن يحمل رسالة؟ ستة آلاف مليون إنسان أتوا إلى الدنيا وسيغادرونها ولم يعلم بهم أحد، هذا رقم سهل، قد يكون الإنسان رقماً سهلاً جداً، أو قد يكون رقماً سهلاً في خطة العدو، لكن البطولة أن تكون رقماً صعباً، أن تأتي إلى الدنيا وأن تعلم لماذا أنت في الدنيا؟ للتقريب إنسان ذهب إلى باريس متى تصح حركته؟ قالوا: إذا عرف سر وجوده في هذه المدينة، إن جاء هذا الطالب ليدرس فحركته نحو السوربون، وإن جاء سياحة فحركته نحو برج إيفل، وإن جاء للتجارة فحركته نحو الأسواق، هذا المثل لنكبره، لماذا نحن في الدنيا؟ علة وجودك في الدنيا أن تعبد الله، والعبادة كما قلت قبل قليل تطبيق لمنهج الله.

منهج الله منهج تفصيلي على الإنسان أن يطبقه حرصاً على ذاته و سعادته :

 ولعلي لا أبالغ إذا قلت: يتوهم بعض الناس أن منهج الله عز وجل أن تصلي، وتصوم، وأن تحج، وتزكي، وتنطق بالشهادة، هذه أركان الإسلام، أنا أرى أن منهج الله عز وجل كم كبير جداً من تفاصيل المنهج، وقد يصل منهج الله عز وجل إلى مئة ألف بند، هذا المنهج تفصيلي يبدأ مع الإنسان من ولادته وحتى وفاته، يبدأ مع الإنسان من تخطي خصوصياته من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج، لذلك:

(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ))

[سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك ]

 أنت أعقد آلة في الكون، أنت مخلوق للجنة، مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض، ماذا ينبغي أن تفعل في الدنيا؟ هناك أحكام شرعية متعلقة بالزواج، بالعمل، بالسفر، هل طلبت العلم؟ هذا العلم ليس وردة توضع على صدرك، طلب العلم حتم واجب على كل مسلم، هو آلة معقدة جداً ولا بد من تعليمات الصانع، بتعبير أو بآخر حينما تقتني آلة بالغة التعقيد، غالية الثمن، عظيمة النفع، بادئ ذي بدء تبحث عن أوراق المعمل في إرشادك إلى استعمالها، من حرصك على سلامتها و مردودها العالي لا بد من معرفة طريقة الاستعمال، وأنت أعقد آلة في الكون، فانطلاقاً من حرصك على ذاتك، من حرصك على سعادتك، لا بد من أن تعلم تعليمات الصانع.

 

ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب مخالفة لمنهج الله تعالى :

 أقول لكم هذه الكلمة، ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب مخالفة لمنهج الله، القضية مصيرية أنت أعقد آلة في الكون، كيف تتزوج؟ كيف تربي أولادك؟ كيف تعامل جيرانك؟ كيف تختار عملك؟ هذه أشياء مهمة جداً فلذلك لا يكفي أن تؤدي الفرائض الخمسة، منهج الله عز وجل واسع جداً، قضية طلب العلم قضية مصيرية، إما أن تسعد وتسلم، وإما أن يهلك الإنسان إذا لم يطلب العلم:

(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ))

[سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك ]

 على كلٍّ: القرآن الكريم بين أيدينا، والحديث الصحيح بين أيدينا، فلا بد من وقت كل يوم تتفرغ لطلب العلم، تقرأ مقالة، تتابع كتاباً، تتابع برنامجاً معيناً، تلتقي مع عالم، يجب أن يكون طلب العلم يومياً، بشكل أو بآخر كلكم يحمل هاتفاً خلوياً، هذا الهاتف يحتاج دائماً إلى شحن، وأنت أرقى من هذا الهاتف تحتاج إلى شحن، هناك شحن أسبوعي، فالجمعة إلى الجمعة، شحنة الجمعة، شحن يومي الصلوات الخمسة، عندنا شحنة سنوية هي الصيام، والحج شحن مرة في العمر، هذه كلها شحنات يتلقاها الإنسان علمية وروحية، الجسم له حاجات واعلم علم اليقين أن القلب له حاجات، والإنسان حينما يتعرف على الله ويستقيم على أمره هو أسعد إنسان في الأرض، وأقول كلمة: إن لم تقل: أنا أسعد من في الأرض فهناك ضعف في الإيمان، لماذا؟ لأنك عبد لله، من خلقك؟ خالق السموات والأرض حينما تتجه إليه، وتقبل عليه، وتستسلم إليه، وتحب عباده، فأنت من أقرب المقربين إليه، إذاً معرفة الله حتم لازم على كل مسلم، وأنت لك رسالة في الحياة حينما تؤدى هذه الرسالة تكون قد حققت الهدف من وجودك.

 

البشر عند الله صنفان فقط :

 أيها الأخوة الكرام، الآن أنت حينما تعرف الله تكون أباً صالحاً، وتكون زوجاً صالحاً، وتكون ابناً صالحاً، وتكون صديقاً صالحاً، وتكون عاملاً متقناً، وتكون تاجراً أميناً، تقريباً بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية لكن لا يوجد كهرباء ما قيمة هذه الأجهزة؟ لمجرد أن يأتي التيار البراد يبرد، المكيف يبرد، كل هذه الأجهزة تحتاج إلى تيار كهربائي، والتيار هو الإيمان، في الإيمان هناك طعم للزوج، بالإيمان هناك طعم للأبوة، للبنوة، للتجارة، للوظيفة، السبب أن هذا المؤمن يحمل رسالة، هذا الذي يرقى بالمسلم، أنت إنسان معك رسالة، الرسالة أن تعبد الله أولاً، وأن تحسن إلى خلق الله ثانياً، لذلك البشر مصنفون تصنيفات لا تنتهي، دول الشمال الغنية، دول الجنوب، الأغنياء، الفقراء، لكن الحقيقة أن البشر عند الله صنفان فقط، نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، ونموذج غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، والله لن تجد صنفاً ثالثاً، لذلك:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل: 5-6 ]

 لأنه صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، أقسم لك بالله إن لم تنعكس مقاييسك بعد معرفة الله فهناك ضعف بالإيمان، معظم الناس يسعدهم أن يأخذوا لكن المؤمن يسعده أن يعطي، إن لم تنعكس مقاييسك اليومية يعد إيمانك فيه خلل خطير، فالقضية مصيرية، قضية سعادة أو شقاء، قضية سلامة أو مصائب، لأنه ما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، السلامة والسعادة مصلحة كبيرة جداً.

 

العناية بالأولاد أعلى درجة من درجات التوفيق بالحياة :

 أيها الأخوة الكرام، لعل الله عز وجل يرشدنا إلى سبيل سعادتنا وسلامتنا، هذا بالإجمال، أما بالتفاصيل فأنت أمام أسرة، إما أن تسعد بهذه الأسرة أو لا، إما أن تربي أولادك تربية تسعدك أو لا تسعدك.
 دقق في هذا النص: "خير كسب الرجل ولده"، هذا ابنك امتدادك، تسعد به أو تشقى به، الآباء يسعدون بسلامة أولادهم وسعادتهم، ويشقون بشقاء أولادهم، فعندما تسعد وتشقى من خلال هذا الابن ينبغي أن تبدأ بتربية ابنك، التقينا مع عالم نفس كبير قال: يبدأ الأب بتربية ابنه من لحظة ولادته، وأول خمس سنوات هي المعول عليها، وبعد ذلك العوض بسلامتك، أول خمس سنوات العادات، التقاليد، وسائل الحركة، غذاؤه، كل العادات المهمة، فالعناية بالأولاد تعد أعلى درجة من درجات التوفيق بالحياة، لأن هذا الابن يصبح قرة عينك:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان: 74 ]

تربية الأولاد تربية عالية تسعد الإنسان في الدنيا و الآخرة :

 بشكل أو بآخر العالم الإسلامي لم يبقَ بيده ورقة رابحة إلا أولاده، فإذا ربى الإنسان ولده، اعتنى بعقيدته، اعتنى بأخلاقه، بدراسته، يصبح أكبر مسعد له، أن تكون أباً لإنسان متفوق، أنا ألح على تربية الأولاد، هذا البيت الذي تسكنه هذا مجتمع صغير فإما أن يكون البيت جنة، وإما أن يكون جهنم، أقول لكم هذه الكلمة: الأب أحياناً دخوله إلى البيت يجعل البيت جنة، وأحياناً خروجه يجعله جنة، فالبطولة أن تكون الجنة إذا دخلت إلى البيت لا إن خرجت منه، أن تكون أباً صالحاً، أن تكون زوجاً صالحاً، أن تسعد بزوجتك، أن تربي الأولاد تربية عالية، هذا الذي يسعدك في الدنيا.
 لكن ذكرت اليوم في لقاء خاص أن هذا الابن إذا اعتنيت به، واعتنيت بعقيدته ودينه، هل تصدق أن هذا الابن إذا تزوج، واختار زوجة صالحة، وأنجب أولاداً أطهاراً، أولاده في صحيفتك لأنك ربيت أباه، وهؤلاء الأولاد إذا تزوجوا وأنجبوا أولاد أولاد في صحيفتك، ما قولك أن هذا الابن إذا ربيته ذريته إلى يوم القيامة في صحيفتك، أقسم لكم بالله ليس هناك على وجه الأرض من تجارة تفوق أن تربي أولادك ولا سيما البنات، هذه البنت التي أكرمك الله بها النبي عليه الصلاة والسلام حينما أنجب فاطمة، ضمها، وشمها، وقال: "ريحانة أشمها وعلى الله رزقها".
 بعد أن تعرف الله، بعد أن تتصل به، بعد أن تقبل عليه، بعد أن تلتزم بأمره ونهيه، بعد أن تحسن لعباده، اعلم أن أسرتك ينبغي أن تقع في المقام الأول.

 

الأعمال الصالحة سبب هام لدخول الإنسان الجنة :

 الآن عملك ينبغي أن تتقنه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ))

[الجامع الصغير عن عائشة]

 ينبغي أن تتقنه، الاعتناء بالأسرة وإتقان العمل وبعدئذ ينبغي أن تشعر بكل لحظة أنك تحمل رسالة، هذه الرسالة أن تقوم بأعمال صالحة تعد سبباً لدخول الجنة، والجنة فيها:

(( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 أيها الأخوة الكرام، للتقريب، لو أن واحداً وأمامه ثلاثة أصفار تساوي ألفاً، ثلاثة أصفار أخر تساوي مليوناً، ثلاثة ثالثة ألف مليون، ثلاثة رابعة تساوي مليون مليون، لو أن أصفاراً لآخر الصالة، إلى شمال هذا البلد الطيب، للبحر، أصفاراً إلى القطب، إلى الشمس، إذا واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس، مئة و ستة وخمسون كيلو متر من الأرض للشمس، وبين كل صفرين مليمتر واحد، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر، أي الدنيا بكل ما فيها من قصور، من أموال، من مشاريع، من مناصب، إذا نسبت إلى الآخرة قيمتها صفر، فهل يعقل أن نضيع الآخرة:

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾

[ سورة الزمر: 15 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور