وضع داكن
30-11-2024
Logo
الدرس : 13 - سورة المائدة - تفسير الآية ، 15-17 حفظ القرآن الكريم وملكية الله المطلقة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين. 
اللّهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث عشر من دروس سورة المائدة، ومع الآية الخامسة عشرة، وهي قوله تعالى: 

﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ (15)﴾

[ سورة المائدة ]


من دلائل نبوة النبي القطعية مجيء القرآن بأسرار وخفايا ما في الكتب السابقة:


أيها الإخوة؛ من دلائل نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- القطعية أنه جاء في القرآن أسرار وخفايا ما في الكتب السابقة لهذا القرآن كالتوراة والإنجيل. 

﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾

[ سورة آل عمران ]

من أين جئت يا محمد بهذه الأخبار الدقيقة التي وردت في الكتب السابقة لولا أنه يوحى إليك؟! لذلك ما جاء به النبي-صلى الله عليه وسلم- من أخبار الأمم السابقة، ومن دقائق الحوادث وتفاصيلها يُعدّ دليلاً قطعياً على نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم- ﴿يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ﴾ ،أهل الكتاب أخفوا بشارة عيسى بن مريم لسيدنا محمد.  

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَمُبَشِّرًۢا بِرَسُولٍۢ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِى ٱسْمُهُۥٓ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)﴾

[ سورة الصف ]

طبعاً هذا أخفاه أهل الكتاب، فجاء القرآن الكريم وبيّن هذا الذي أخفوه، الشيء الثاني كتمهيد لهذا الموضوع؛ لو أن وزارةً قائمة وهناك عدة مؤسسات، كل مؤسسة تابعة لوزير، لو أن مدير مؤسسة وهو تابع لوزير معين يتلقى منه التوجيهات، ثم غُيّرت الوزارة، أُلفت وزارة جديدة، وتبدل الوزير الذي يعطي مدير المؤسسة التوجيهات، فقال مدير المؤسسة: أنا لا أتلقى توجيهاتي إلا من الوزير السابق، ولم يعترف بالوزير الجديد، أليس هذا عصياناً للملك الذي بدل الوزارة؟ هذا عصيان واضح جداً، فالله -عزَّ وجلَّ-حينما ينزّل كتاباً، ويبعث رسولاً بعد رسول سابق، وبعد كتاب سابق، فالذي يعبد الله يأتمر بأمر النبي الجديد، ويأتمر بأمر الكتاب الجديد، فهذا فضلاً عن أن الكتاب الجديد فيه أدلة قاطعة على أن الذي جاء به نبي من عند الله -عزَّ وجلَّ-، فالله -عزَّ وجلَّ-يقول: ﴿يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا﴾

القرآن الكريم هو أضخم معجزة للنبي محمد-عليه الصلاة والسلام-:


الله -عزَّ وجلَّ- حينما يرسل رسولاً يجعل معه برهاناً، البرهان هو المعجزة، كيف يصدق الناس أن هذا الإنسان رسول الله؟ لا بد من أن يشهد الله لهم أنه رسوله عن طريق المعجزة، فأي رسول جاء بالمعجزة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معه معجزة، أضخم معجزة له القرآن الكريم الذي جاء به، وفيه إعجاز إخباري، وإعجاز تشريعي، وإعجاز بلاغي، وإعجاز علمي، موضوع الإعجاز ككل هو أكبر دليل قطعي على أن هذا القرآن كلام الله، وإذا كان هذا القرآن كلام الله فالذي جاء به قطعاً هو رسول الله، وكنت أقول دائماً: إنك تؤمن بالله عن طريق العقل من خلال الكون الذي هو تجسيد لأسماء الله الحسنى، وتؤمن بالقرآن من خلال إعجازه بعقلك، وتؤمن بالنبي من خلال كتابه، فإذا آمنت بالله من خلال الكون، وبالقرآن من خلال الإعجاز، وبالنبي من خلال القرآن، أدى العقل أعلى مهمة كُلّف بها أنه حملك على الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، وانتهى دور العقل وجاء دور النقل؛ التلقي.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[ سورة البقرة  ]

تلقّي؛ أمرٌ بالصيام، أمرٌ بالحج، أمرٌ بأداء الزكاة، أمرٌ بالصلاة، أمرٌ بضبط اللسان، أمرٌ بالصدق، أمرٌ بالأمانة، الآن نتلقّى عن الله كل ما أمر به في الكتاب والسنة، فالله -عزَّ وجلَّ-يخاطب أهل الكتاب أنه قد جاءكم رسولنا، نحن أرسلناه، أعطيناه الدليل، لكن الشيء الذي لا يُصدق، ودققوا فيما سأقول: أنت عندك معارف في حياتك، ما هي أقوى معرفة؟ ما الشيء الذي تعرفه بداهةً من أول نظرة؛ من صوته، من حركته؟ هو ابنك، قال تعالى: 

﴿ يَعْرِفُونَهُۥ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)﴾

[ سورة البقرة ]

أي يعرفون رسول الله، هل هناك من معرفة سريعة يقينية قطعية؟ هل هناك أب في الأرض يرى ابنه ويقول له: ما اسمك أنت؟ أنت متى ولدت؟ مستحيل، ﴿يَعْرِفُونَهُۥ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ﴾ ومع ذلك أخفوا كل الدلائل والبشارات التي جاءت في كتبهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والإخفاء بدافع المصالح الدنيوية والزعامات الدينية والكبر، إذًا ﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾ هذا الذي أخفوه ذكر الله بعضه، وعفا عن بعض حفاظاً لهم على ماء وجوههم، لكن أي شيء أخفوه، وأي شيء حرّفوه هو بعلم الله -عزَّ وجلَّ-، إلا أن هناك فرقاً بين الكتب السابقة وبين القرآن الكريم، فالكتب السابقة لم يتكفّل الله بحفظها؛ ذلك لأن المعجزة شيء والكتاب شيء آخر، أما القرآن فتكفل بحفظه بنص القرآن الكريم، إذ يقول:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ (9)﴾

[ سورة الحجر  ]

لماذا؟ لأن المعجزة التي جاء بها النبي الكريم هي القرآن، فإن لم يحفظها ضاعت المعجزة، ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء وليس بعده نبي، ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكل الأمم والشعوب إلى يوم القيامة، فلا بد من معجزة مستمرة، فإن لم يتولّ الله حفظ هذه المعجزة ضاعت البيّنة؛ لذلك الله -عزَّ وجلَّ-بالذات القرآن الكريم تولى حفظه، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ ومن لوازم حفظ القرآن الكريم حفظ سنة النبي-عليه الصلاة والسلام- لأنها بيان لهذا الكتاب؛ لذلك هيّأ الله لهذه السُّنة رجالاً عندهم من المَلكات ما لا يُصدق، وعندهم من الدأب والإصرار والجهد الذي بُذل ما لا يصدق حتى حفظوا لنا هذه السُّنة، وفرزوها بين حديث مختلق موضوع لا أصل له، وبين حديث حسن، وبين حديث صحيح، وبين حديث متواتر، فالجهد الذي قاموا به قاموا به بمعونة الله -عزَّ وجلَّ-، وهي من بنود حفظ كتاب الله، إذاً ﴿يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ﴾ كل شيء أخفاه أهل الكتاب ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- نقلاً عن القرآن الكريم، ﴿وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾ أي عرّف بعضه وأعرض عن بعض، ذكر النبي شيئاً ولم يذكر أشياء، ذكر كذبةً وترك كذبات.

مصدر العلم والحقائق عند المسلمين:


﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ﴾ العلم نور أيها الإخوة، أنت في نعمة قد لا تعرفها، تعلم أن هذا الكون له خالق، وأن هذا الخالق واحد، وأن هذا الخالق الواحد كامل، وأن أسماء الله -عزَّ وجلَّ-حسنى، وأنه خلق الإنسان في الحياة الدنيا ليُعِدّ لحياة أبدية، وأن هذه الدنيا تنقطع بالموت ولكن الحياة الأبدية لا تنتهي؛ حياة مستمرة، فهذه الحقائق التي تعلمتها من كتاب الله، هذه تُحدث عندك توازناً، تُحدث عندك صورة منسقة كاملة واضحة عميقة للكون والحياة والإنسان، هذه نعمة لا يعرفها إلا المسلمون لأنهم يعتقدون اعتقادات من عند خالق السماوات والأرض، خالق الأرض والسماوات أعطاهم صورةً كاملةً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة، ولحقيقة الإنسان، ولحقيقة الماضي والحاضر والمستقبل، ﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ والشيء الذي يلفت النظر أن الله علم مسبقاً أنه سيكون هناك تواصل في الأرض، فمثلاً -والله لا أتمنى أن أقول هذا افتخاراً- الدرس الذي يُلقى بعد التراويح هذا بعد ساعة يكون بالإنترنت، يستطيع أن يسمعه بالصوت كل إنسان في القارات الخمس، الأرض أصبحت غرفة واحدة، أنا أذهب إلى البيت، أفتح الإنترنت وأستمع إلى درسي بعد ساعة في كل أنحاء الأرض، الآن الأرض كلها غرفة واحدة، أينما ذهبت تجد العلم الإسلامي منتشراً هناك، مرة زرت أستراليا، ودُعيت لألقي محاضرة في جامعة سيدني، وجدت أمين المكتبة استقبلني استقبالاً عجيباً وحاراً، ثم علمت أنه يستقي كل معلوماته الدينية من موقعي في الإنترنت، قلت: يا سبحان الله! إنسان قابع في الشام، وكل شيء قاله في الدروس يصل إلى أقصى أطراف الدنيا؛ لأن الله علم أن سيكون هناك تواصل في الأرض، ومن أجل أن نصل من المدينة إلى البصرة نحتاج أشهرًا، الآن يمكن أن ترسل رسالة عبر الفاكس بثانية لأقصى أنحاء المعمورة، يمكن أن ترسل رسالة بهذا إلى أقصى مكان في الأرض بثانية، شيء لا يصدق، علِم الله أنه سيكون هناك تواصل، لذلك كان النبي آخر الأنبياء؛ لأن دقائق رسالته وتفاصيل بعثته سوف تنتقل عبر هذه الوسائل إلى كل أهل الأرض، ولا أدل على ذلك من نقل الصورة عبر الأقمار فما يحدث في طرف الدنيا تراه بعد دقيقة بحقيقته مصوراً بشكل دقيق، هذا التواصل من الثورة التي يسميها الآن بعضهم ثورة المعلومات، فلأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعثته خاتمة البعثات، وكتابه آخر الكتب، هذا لعلم الله مسبقاً أنه سيكون هناك تواصل بين أطراف الأرض.
﴿يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ﴾ إخواننا الكرام، الأمور واضحة كالشمس، لن يبقى أمامنا إلا التطبيق فالقرآن واضح، وكل الحوادث التي تقع كل يوم تؤكد ما في القرآن الكريم، فالقرآن نور، به تعلم ما كان وما يكون وما سيكون، وأنت حينما ترى شيئاً منكراً قد أصبح مألوفاً تَعجب، يقول عليه الصلاة والسلام: 

(( كيف بكمْ أيُّها النَّاسُ إذا طَغى نِساؤُكم، وفسَقَ فِتيانُكم؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا تَركتُمُ الأمْرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا رأيتُمُ المُنكَرَ مَعروفًا والمعروفَ مُنكَرًا؟ ))

[     أخرجه أبو يعلى واللفظ له، والطبراني عن أبي هريرة (سنده ضعيف) ]

واللهِ وصلنا إلى هذا الزمان، الشيء الذي لا يُقبل مألوف عند الناس وطبيعي جداً، والشيء الذي ينبغي أن نفعله لا نفعله، ﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ﴾ الله -عزَّ وجلَّ- نوّر بالشمس الأكوان، ونوّر الحياة بالقرآن الكريم، يوجد في القرآن شيء اسمه حرام، وحلال، وواجب، ومندوب، ومباح، ومستحب، ومكروه، ما من شيء على وجه الأرض إلا ويعتوره حكم شرعي؛ حلال أو حرام، واجب أو فرض، مكروه أو محرم، مباح أو مستحب، ﴿وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾ أي تبدلات وتغييرات وتزويرات في الكتب السابقة يعلمها الله، لكن الله -عزَّ وجلَّ- ذكر بعضها وترك بعضها الآخر.
اتباع منهج الله يهديك سبل السلام:
﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ﴾

﴿ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ (16)﴾

[ سورة المائدة ]

فأنت حينما تطبق تعليمات الخالق و ما في القرآن الكريم يهديك سبل السلام مع نفسك، فأنت في راحة، وأنت في توازن، وأنت في سعادة لأنك تطبق منهج الله -عزَّ وجلَّ-، نفسك مرتاحة ذلك أن منهج الله -عزَّ وجلَّ-هو عين فطرتك، فالذي يستقيم على منهج الله يجد نفسه ترتاح؛ لأنه يطبق مبادئ فطرته، وأنت حينما تفتح كتيباً لمركبة حديثة، يقول لك الكتيب: لا تمش إلا على طريق معبد، الآن تمشي بهذه المركبة على طريق وعر فتسمع أصواتاً، وتسمع اضطرابات، وحركة بطيئة، وعقبات كأداء، فلما سرت بها على طريق معبد انسابت السيارة، وانطلقت بصوت خفيض، وسرعة عالية، فالكتيب فيه تعليمات و هناك ممارسة واقعية، تطابق ما في الكتيب مع الممارسة هذا دليل أن هذا الكتاب من عند صانع هذه المركبة، فسواء أخَرجت عن أوامر الله وعن نواهيه أو خرجت عن مبادئ فطرتك فالمحصلة واحدة، فأنت تشعر بكآبة إذا عصيت الله، وتشعر بكآبة إذا خالفت مبادئ فطرتك، إذاً أنت حينما تتبع منهج الله يهديك الله إلى سبل السلام، السُّبل جمع، هناك سبيل للسلام مع نفسك، وسبيل للسلام مع أسرتك، أنت حينما تطبق منهج الله في بيتك ترى الزوجة صالحة ومطواعة ومحبة لأنك تعاملها وفق منهج الله، وتجد الأولاد تحبهم وتحرص على سعادتهم؛ لأنك ربيتهم تربيةً إسلامية، فإذا بسبيل سلام آخر مع أولادك، ومع زوجتك، الآن هناك سبيل سلام آخر مع عملك مادام لا غش فيه، ولا كذب، ولا تدليس، ولا احتيال، ولا احتكار... تاجر محترم جداً     ومحبوب، ولك مكانتك إذًا هناك سبيل للسلام بتجارتك، وسبيل للسلام بوظيفتك؛ تؤدي واجبك بالتمام والكمال من دون رقيب، فلك مكانة في هذه الدائرة، الآن أنت كزوج مطبق لمنهج الله، محترم جداً في بيتك، لا لأنك في الأصل محترم بل لأنك اكتسبت هذا الاحترام من تطبيق منهج الله، فالأب يقطف ثمار أبوته إذا طبق تعليمات الصانع مع أولاده، والزوج يقطف ثمار أنه زوج صالح إذا طبق تعليمات القرآن الكريم، والتاجر يقطف ثمار تجارته إذا طبق التعليمات، فكأن الله يهديك سُبل السلام، مع صحتك لا تأكل حتى تجوع، وإذا أكلت لا تشبع، يكفي ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، لو طبق هذه النصيحة النبوية لعاش في سلام مع صحته، قضية السلام قضية رائعة جداً، أنت في سلام مع جسمك، في سلام مع نفسك، في سلام مع عقلك، إذا استقيت العقيدة الصحيحة الإسلامية فسَّرت لك كل شيء تفسيراً متوازناً عميقاً، لا تقع في حيرة، فأنت تضمن السلام مع عقلك، ومع نفسك، ومع جسمك، ومع زوجتك، ومع والديك، ومع أولادك، ومع أحفادك، ومع زبائنك في التجارة، ومع رؤسائك في العمل، ومع كل الخلق.

الحق لا يتعدد، أما الباطل فمتعدد:


﴿وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ﴾ الحق لا يتعدد، الحق جاء مفرداً، أما الباطل فمتعدد، ظُلمة الكفر، ظُلمة الشرك، ظُلمة الإلحاد، ظُلمة المعصية، ظُلمة الفسق، ظُلمة الفجور، ظُلمة الظلم، هذه كلها ظلمات، أما النور فواحد، أنت مستقيم تؤدي ما عليك، تكسب مالك بالحلال، تنام مطمئناً.
﴿يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي هذا الصراط ينتهي إلى الجنة، قد تقول: أين طريق الجامعة؟ حسنًا فأين طريق الجنة؟ الله -عزَّ وجلَّ-يهديك طريقاً مستقيماً، ومعنى مستقيم هو: أقصر طريق، بين نقطتين أقصر خط هو المستقيم؛ لذلك إذا طبقت منهج الله -عزَّ وجلَّ-فأنت على طريق مستقيم ينتهي بك إلى الجنة، ثم يقول الله -عزَّ وجلَّ-: 

﴿ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (17)﴾

[ سورة المائدة ]


لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله:


لو كانوا آلهة لما أمكنه أن يهلكهم، لو كانوا آلهة لكانوا أنداده، لكن من يملك من الله شيئاً  ﴿ إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾ ليس إلا الله، ولا إله إلا الله، ولا يُعبد غير الله، وهو الذي يستحق العبادة وحده، ولا معبود بحق إلا الله، هو الذات الكاملة، هو وحده الإله وما سواه مخلوقون، عاجزون، ضعفاء، مفتقرون في وجودهم وفي استمرار حياتهم إلى الله، لذلك الأنبياء وُصفوا بأنهم كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي بالأسواق للعمل، نعمل فنكسب المال، فنأكل، فنبقى أحياء، هذا ملخص الملخص؛ نعمل، نكسب المال، نشتري به الطعام والشراب، نأكل، نبقى أحياء، فنحن مفتقرون في وجودنا إلى تناول الطعام والشراب، ومفتقرون إلى الطعام والشراب عن طريق العمل والسعي والكد والتعب، إذاً ما في إنسان إله، والدليل أن الله قادر على أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً.

الملكية مطلقة لله-عزَّ وجلَّ-:


﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ﴾ الملكية لله ملكية مطلقة، يملك ما في السماوات وما في الأرض خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، فأنت في الدنيا قد تملك بيتاً ولا تنتفع به، وقد تنتفع ببيت ولا تملكه، المالك المؤجر على النظام القديم يملك ولا ينتفع، والمستأجر ينتفع ولا يملك، لكن لو أنك تملك وتنتفع وصدر قرار تنظيم فأُلغي البيت، الآن تملك وتنتفع ولكن المصير ليس لك، لكن ملكية الله   -عزَّ وجلَّ- ولله المثل الأعلى يملك خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً.
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ﴾ السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، الله واجب الوجود ما سواه ممكن الوجود، فكلمة السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾ تعلقت قدرته بكل ممكن، ﴿عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾ يفعل ما يريد وعلى كل شيء قدير.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور