وضع داكن
29-11-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 03 - التقديم والتأخير
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

القرآن الكريم معجزة مستمرة :

 أيها الأخوة الكرام: القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو معجزةُ النبي عليه الصلاة والسلام المستمرة، و وصفتها بأنها مستمرة لأن كل معجزات الأنبياء السابقين معجزات حسية وقعت مرة واحدة، وانقلبت إلى خبر يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه.
 لكن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لكرامته على الله، معجزة مستمرة إلى يوم القيامة، فكلما تقدم العلم، كشف عن جانب من إعجاز القرآن الكريم، وكلما زدت القرآن الكريم نظراً زادك معنىً، وكلما قرأته شعرت أنك تقرأه أول مرة.

إعجاز القرآن الكريم :

 مثلاً الله جلّ جلاله يقول:

﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾

[ سورة النور: 2 ]

 بدأ بالزانية، في آية ثانية:

﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾

[ سورة المائدة: 38 ]

 بدأ بالسارق، قد يسأل إنسان هل هناك معنى يستفاد من تقديم الزانية على الزاني؟ ومن تقديم السارق على السارقة؟ الجواب: الرجل أقدر على السرقة من الأنثى، وأما الموضوع الأول فالمرأة أقدر على إغراء الرجل بالزنى من أن يكون العكس.
 لذلك الله عز وجل بدأ بالزانية فقال: الزانية والزاني، وبدأ بالسارق فقال: والسارق والسارقة. قال:

﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان﴾

[ سورة الرحمن: 33 ]

 بدأ بالجن. قال تعالى:

﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ﴾

[ سورة الإسراء: 88 ]

 مرة بدأ بالجن، مرة بدأ بالإنس، والتفسير واضح، لأن الجن أقدر على خرق السموات والأرض من الإنس، والإنس أقدر على النظم البلاغي من الجن. قال تعالى:

﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 بدأ بالأب.

﴿ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ﴾

[ سورة آل عمران: 14 ]

 بدأ بالنساء.

﴿ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه﴾

[ سورة عبس: 34 ]

 بدأ بالأخ.

﴿ يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه﴾

[ سورة المعراج: 11]

 بدأ بالابن شيء عجيب، مرة بدأ بالأب، مرة بدأ بالزوجة، مرة بدأ بالابن، مرة بدأ بالأخ. هذا الكلام من عند خالق السموات والأرض. لأن الآية الأولى مناسبتها الاعتزاز الاجتماعي، بدأ بالأب تقول: أنا ابن فلان، في موطن الاعتزاز الاجتماعي الأب رقم واحد.
 وفي موطن الشهوة المرأة، زين للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين. وفي موطن الاستعانة الأب كبير السن هرم ضعيف والابن صغير، فتأتي المعونة من الأخ القوي، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، وفي موطن الفدية، الابن أغلى شي يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه.
مرة بدأ بالأب، مرة بدأ بالزوجة، مرة بدأ بالأخ، مرة بدأ بالابن، في حكمة بالغة.

﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً﴾

[ سورة الجمعة: 11]

 تجارة، ولهو، بدأ بالتجارة ثم ثنى باللهو، لماذا لم يقل وإذا رأوا لهواً أو تجارةً؟ لأنه لا لهو بلا تجارة، قال:

﴿ قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة﴾

[ سورة الجمعة: 11]

 عكسها لأن الإنسان عندما يترك صلاة الجمعة لعلة اللهو إثمه أشد، أما لو ترك صلاة الجمعة لعلة عمل تجاري مرهق فإثمه أقل مما لو تركها للهو. قال:

﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها﴾

[ سورة فصلت: 46 ]

 قلم ثمنه خمسة آلاف ليرة، تقول: هذا القلم لي، لام الملك، هذا المبلغ لي، هذا البيت لي، هذه الحديقة لي، هذه المركبة لي، اللام تفيد التملك، والإنسان لا يتملك إلا الشيء الثمين، أما على؟ لو أن نملة تسير هنا، وأمسكت هذا الكأس ووضعته عليها تنسحق، فالسيئة تسحق، من عمل صالحا فلنفسه- لام التملك - ومن أساء فعليها تأتي إساءته كأنها صخرةُ تسحقه.

﴿ أولئك على هدى من ربهم﴾

[ سورة البقرة: 5 ]

 على تفيد العلو، الهدى يرفعك، نجار صار عالماً كبيراً، لا يذكر أحد أنه نجار، يقولون: هذا قارئ قرآن، هذا شيخ القراء، هذا أحد أعلام دمشق بالقرآن، الإنسان إذا استقام على أمر الله، حياته كلها قيود، ومع ذلك هذه القيود في الظاهر، لكن الهدى يرفعه، ويرفعه، ويرفعه حتى يبلغ القمة، أما الضلال، الضال بحسب الظاهر حر، يفعل ما يشاء، يأكل ما يشاء، يذهب إلى حيث يشاء، لكن يقع في شر عمله. لذلك قال الله:

﴿ أولئك في ضلال مبين﴾

[ سورة الزمر: 22]

 في تفيد أن شيئاً ضمن شيء، هو مقيد، قيده مرض نفسي من شدة انحرافه، كالكآبة، أو قيد سجن، سببه انحراف أخلاقه. فالإنسان الفاسق، الفاجر، بسبب بعده عن الشرع، ينتهي إلى أن يكون ضمن شيء:

﴿ أولئك على هدى من ربهم﴾

[ سورة البقرة: 5 ]

 لِمَ لمْ يقل: وأولئك على ضلال مبين؟ أولئك على هدى من ربهم، وأولئك في ضلال مبين، الضلال في، أما الهدى فعلى. لو قرأت القرآن كله، لوجدت كل حرف، وكل كلمة، وكل جملة، وكل سورة فيها تعبير بليغ، لكن يجب أن تعلم أن القرآن الكريم معجز، الله عز وجل قال :

﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾

[ سورة هود: 6 ]

 ولم يقل الدواب على الله رزقها، لأن الدواب مقصودة دواب معينة أما دابة فهذه تفيد التنكير، تفيد الشمول، نكر والتنكير يفيد الشمول، أي كل دواب الأرض على الله رزقها، من هنا تفيد استغراق أفراد النوع، مثلاً: لو قال لك: أتحب أن نشترك بمشروع مستشفى؟ كلفته خمسة ملايين، تقول له: لا يوجد عندي مال، ما عندي مال يكفي لهذا المشروع، أنت معك مئة ألف، معك خمسمئة ألف، ولكن لا تملك المليونين والنصف و لو قلت له: ما عندي من مال، أي ما معك ولا ليرة، فأفادت من استغراق أفراد النوع. فربنا عز وجل قال: وما من دابة، أي نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء، هذه على الله رزقها، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، ما، إلا، هذا التركيب تركيب قصر، إذا قلت مثلاً: للإنسان ما سعى، هذه الآية جميلة، للإنسان ما سعى، وقد يعني هذا التركيب أن له ما لم يسع. إذا قلنا: له ما سعى، أي له ما سعى وله ما لم يسع، أما إذا قلنا: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، صار هناك قصر وحصر: وما من دابة في الأرض إلا على الله، أي يرزقهم، أي رزقهم محصور في الله، وليس المعنى أن الله يرزق وغيره يرزق.
 أولاً : الدابة نكرة تفيد الشمول، ومن تفيد استغراق أفراد النوع، والنفي والاستثناء يفيد الحصر والقصر، أي رزق العباد محصور في الله، وليس في جهة أخرى، لا كما يزعم بعض الناس أن الله رزاق، وفلان يده طيبة، فلان يده خضراء يعطينا، هذا شرك، وما من دابة في الأرض إلا على الله، أتى بـ على لأن على تفيد الإلزام:

﴿وعلى الله قصد السبيل﴾

[ سورة النحل: 9 ]

﴿ إن علينا للهدى﴾

[ سورة الليل: 12 ]

﴿ كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾

[ سورة الإنعام: 54 ]

﴿ إن ربي على صراط مستقيم﴾

[ سورة هود: 56 ]

 وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، تفيد الإلزام، إذاً على تفيد الإلزام، والنكرة تفيد الشمول، ومن تفيد استغراق أفراد النوع، والنفي والاستثناء يفيدان أن الرزق محصور في الله عز جل، هذا القرآن، وليس القرآن أن تقول: الدواب على الله رزقها، ولا قولك: ما من دابة إلا الله يرزقها، ولا قولك: ما دابة إلا على الله رزقها، القرآن فيه إعجاز لو بدلت حرفاً أو كلمة لبطل القرآن. لذلك هذا القرآن بين أيدينا، فيه إعجاز لغوي، و إعجاز بياني، و إعجاز تاريخي، و إعجاز إخباري، و إعجاز علمي، و إعجاز تربوي، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.

 

نص الزوار

إخفاء الصور