وضع داكن
30-11-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 17 - أمراض القلوب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين، الذاكرين، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صلّ وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين، أما بعد؛ أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستأذنكم أن نرحب سوياً بعالمنا الجليل ومربينا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم مولانا..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نشرف بصحبتكم، والجلوس معكم، والاقتباس منكم..
الدكتور راتب :
 هذا من تواضعكم..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 فضيلة الشيخ نريد أن نحدث أبناءنا وبناتنا والمشاهدين والمشاهدات عن موضوع خطير نبتلى به جميعاً ألا وهو أمراض القلوب، لا نستطيع أن نحصي أمراض القلوب كلها، ولكن نستطيع أن نضع عناوين؛ ما الذي يسبب أمراض القلوب؟ والقلب هذا هو الحصن الذي إذا رأى الشيطان فيه ثغرة معينة يمنة أو يسرة دخل بها، وإذا استوطن العدو أرضاً قلّما يخرج منها إلا بجهاد شديد، نريد بما فتح الله لك دائماً أن تنير لنا الطريق وتضع لنا على الشاشة بعض هذه الأمراض.

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 بعض ما عندكم، سيدي كان الله عز وجل ولم يكن معه شيء، ففي عالم الأزل خلق الخلائق كلها، هذا العالم عالم النفوس، عالم الذر، هنا عالم الصور، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ﴾

[ سورة الأحزاب: 72]

 والسموات والأرض مصطلحٌ قرآني، أي الكون، والكون ما سوى الله، قال تعالى: 

﴿ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

 

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 قال: أنا لها يا رب، فلما قَبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لكن ربنا وصفه بأنه كان ظلوماً جهولاً؟
الدكتور راتب :
 إن لم يحملها لها تفسيران، إنه كان ظلوماً جهولاً حينما حملها وكان طموحاً، الأب قال لأولاده: من يأتي بدكتوراه من أمريكا أعطيه نصف المعمل، قال له أحدهم: أنا، هذا طموح، فلما أخلّ بحمل الأمانة إنه كان ظلوماً جهولاً، تقرأ قراءة استفهامية وقراءة تقريرية، قال تعالى:

﴿ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 وكأن السموات والأرض والجبال أشفقن لأنهن نظرن إلى عظم الأمانة وكبرها، الإنسان يبدو أنه نظر إلى لطف اللطيف الذي سوف يقدره على حملها.

 

الإنسان عندما قبِل حمل الأمانة ارتقى عند الله :

الدكتور راتب :
  الملائكة اختاروا العقل من دون تكليف، والحيوانات اختاروا الشهوة من دون تكليف

لكن الإنسان قبِل حمل الأمانة، أودع الله فيه الشهوات، والعقل، والتكليف، والحرية، فالحقيقة الإنسان إذا قبِل حمل الأمانة في عالم الأزل، ونفذ وعده في عالم الدنيا، ارتقى عند الله وفاق الملائكة، رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، جاء إلى الدنيا، لعله أخلّ بحمل الأمانة، لعله غفل، لعله، لعله، الله يتولى معالجته.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الآن قلب الإنسان وهو السلطان والذي عليه مناط كل التركيبة الإنسانية، والتصرفات، والسلوكيات، والملكات، إلى آخره، أحياناً يسقم القلب فإذا طال سقمه واشتد مرضه ربما مات، فإذا مات القلب يعتبر الإنسان شبحاً، يعيش في الحياة لا قيمة له، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾

[ سورة العنكبوت: 69 ]

 كيف نشخص الداء حتى نشخص له الدواء؟

 

أعراض الإعراض عن الله :

الدكتور راتب :
 يا سيدي أستميحكم عذراً كل ما نعاني نحن البشر من أمراض هو تحت مسمى واحد هو: أعراض الإعراض عن الله، المؤمن شجاع، كريم، متواضع، حدث عنه ولا حرج، إذا الإنسان أعرض عن الله اتبع شهوته، والشهوات تؤدي إلى النزاع، وتؤدي إلى السقوط في عالم المادة، وعالم الشهوات التي لا يريدها الله عز وجل، إذاً الإنسان قبِل حمل الأمانة، فإما أن يكون فوق الملائكة، أو دون أحقر حيوان، الخيار صعب جداً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحن الآن أمام إما حياة وإما عيش، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 يعيش كما تعيش الدواب، والآخر قال تعالى:

﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 هذه الحياة لا تكون حياة طيبة إلا بقلب سليم، وهو القلب الوحيد الأوحد القابل للعرض على الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:89]

 كيف يسلم القلب؟

 

القلب السليم أكبر عطاء إلهي :

الدكتور راتب :
 القلب السليم كما تفضلتم قبل قليل هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، و لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، و لا يعبد إلا الله، أبداً قال تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

أكبر عطاء إلهي، أكبر إنجاز بشري يحقق أن يلقى الله الإنسان بقلب سليم، سلم من الشهوات التي لا ترضي الله، إذا كان مع حاضنة إيمانية، قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 الإنسان يحتاج إلى حاضنة إيمانية، قال تعالى:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

 إذاً الإنسان إذا عقد العزم على معرفة الله من خلال الكون، وعاش مع المؤمنين بصحبة صالحة، الآن استمد من الله النور والسعادة بآن واحد، بالنور يرى الحق حقاً، والباطل باطلاً، والسعادة لا تقدر بثمن.

 

الفرق بين اللّذة و السعادة :

 اللذة غير السعادة، اللّذة تحتاجُ إلى عناصر ثلاثة، وقتٌ وصحّةٌ ومال، ولحكمة بالغة بالغة الإنسان دائماً تنقصه إحدى مقوماتها، في الطّور الأوّل من حياته يتوافر له الوقت والصحّة ويفتقد المال، وفي الطور الثاني من حياته يتوافر المال والصحّة ويفتقد الوقت، وفي الطور الثالث من حياته يتوافر الوقت والمال ويفتقد الصحّة، بينما السعادة حينما تنعقد الصلة مع الله حقيقة، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ولذلك الأعرابي الذي قيل له: لم آمنت بمحمد؟ قال: ما قال لي محمد افعل وقال قلبي لا تفعل، وما قال لي محمد لا تفعل فقال قلبي: افعل، هو منضبط مع أمر الله عز وجل، حتى في قضية الإدراك عند المخلوقات الأدنى؛ الهرة إذا وضعت لها قطعة اللحم أكلتها آمنة مطمئنة بجوارك، أما إذا خطفتها فتهرب، وهكذا البشر الذي يخطفون حياة الشعوب ودماءهم وأموالهم يعيشون في قلق وفي توتر.
الدكتور راتب :
 الذي يبني مجده على أنقاض الآخرين، ويبني حياته على موتهم، أو صحته على مرضهم، أو أمنه على خوفهم، هذا كان غبياً جداً، لأنه نسي محاسبة الله عز وجل.

 

الكبر أكبر مرض يصيب الإنسان :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 وللأسف مولانا أحياناً نزور أناساً محبين في بيوتهم نجد في مدخل البيت وضع كرسيين؛ كرسي هزاز دليل على توتره، هل نحن ينقصنا التوتر؟ يا بني اثبت قليلاً، هذا التوتر يأتي من فساد القلب، أو بعضاً من أمراضه، أكبر مرض والله أعلم الكبر، هذا مرض خطير، هذا الإنسان الذي لا يرى إلا نفسه، ويرى أنه فوق البشر، ويرى أنه سبحان الله قوله هو الحق المطلق، وآراء الآخرين هي الباطل المطلق، قول زوجته هذه كيف نستشير النساء وأنا مستواي الأكاديمي عال جداً، الإنسان المتكبر كيف يعالج كبره؟
الدكتور راتب :
سيدي الإنسان الله عز وجل أعطاه فكراً، أعطاه منهجاً، ما لم يعمل عقله بهذا الكون فيتعرف إلى وجود إله عظيم، كامل، رحيم، صاحب أسماء حسنى، وصفات فضلى، إذا غفل عن الله تفلت من منهج الله، شيء طبيعي جداً معرفة الله لها منهج.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هو يحتقر الناس، يحتقر آراءهم، ما أريكم إلا ما أرى، هذا الإنسان..
الدكتور راتب :
 هذا سلوك شيطاني، دائماً الإنسان حينما يغفل عن الله ينقلب إلى كائن شهواني همه بطنه، همه شهوته، همه جمع المال والدرهم، هذا الهم اختلف، همنا غير هموم الآخرين، المؤمن همه أن يرضي الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هل باستكشاف الأمر نفسه وهو طبيب لنفسه في أمراض قلبه، هو لو ضاق الشريان يذهب إلى الطبيب سريعاً، ما جلس مع أطباء القلوب من العلماء، ويقول: يا شيخ أنا أشكو إليك قساوة قلبي، أشكو إلى الله أنني لا أبكي كثيراً عندما أسمع القرآن الكريم، هذا القلب القاسي قال تعالى:

﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الزمر: 22]

من ذاق طعم القرب من الله عرف الألم عندما يبتعد عنه :

الدكتور راتب :
 يوجد جواب دقيق؛ الإنسان إذا ذاق طعم القرب من الله عرف حينما يبتعد عنه الألم الذي يعانيه، أما إذا في الأصل ما ذاق طعم القرب، إذا إنسان ما أكل إلا الدبس في حياته، لو وصفت له العسل لا يصدق، إذا ذاق العسل يميز بينه وبين الدبس.

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، أصلح الله فساد قلوبنا، وشفى أمراض قلوبنا، وقلوب المشاهدين والمشاهدات، وأنت تدعو لهم دائماً بالخير أن يوفقهم رب العباد، بارك الله بك يا مولانا، شكر الله لك.
الدكتور راتب :
 أنا شاكر لك، أنا أخاف أن أكون قد استأثرت بكلام أكثر من كلامك، أريد أن ينتفع الناس بعلمك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 والله أنا أستمتع وأتعلم.
الدكتور راتب :
 نحن تلاميذ لك والله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الله يرضى عليك، جزاك الله خيراً، بوركتم، بارك الله فيكم، وشكر الله لكم، نلقاكم في حلقة قادمة إن شاء الله، لا تنسونا من دعائكم ودعواتكم الخالصة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

إخفاء الصور