وضع داكن
30-11-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 100 - الخصائص الكبرى للعبادة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخصائص الكبرى للعبادة .


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 


تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس المتم للمئة من دروس مدارج السالكين, في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وهذا الدرس الأخير من سلسلة هذه الدروس، أردت أن أجمع فيه بعض الخصائص الكبرى للعبادة، لأنه خاتمة هذه السلسلة الطويلة. 

هناك حقائق واضحة وضوح الشمس، نحن مخلوقون في هذه الأرض للعبادة، لأن الله عز وجل يقول: 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات ]

أيها الإخوة؛ قبل أشهر وُلد في الهند طفل، أتمَّ عدد سكان الأرض ستة آلاف مليون، وما من واحد من هؤلاء الستة آلاف مليــون، إلا ويتمنى السلامة والسعادة، وأقول: 

السلامة في طاعة الله, والسعادة في العمل الصالح .

أي مخلوق على وجه الأرض من المخلوقات العاقلة يبحث عن سلامته وسعادته، وسلامته في طاعة الله، أو في تطبيق منهج الله، أو في تطبيق تعليمات الصانع, والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتَّبع تعليماتها، وما من سعادة إلا في القرب من هذا الخالق, الذي هو منبع الجمال، منبع الكمال، منبع النوال، وأنت -أيها الإنسان- تحب الجمال والكمال والنوال, فمنبع الجمال هو الله، وكل ما في الكون من جمال، مسحة من جماله، أنت تشعر بلذة حينما تتصل بمخلوق جميل، أنت حينما تأكل طعاماً طيباً، ويلتصق الطعام بأعصاب الذوق، بسقف اللسان، في سقف الفم أثناء البلع، تشعر بطعم هذا الطعام، لأنك اتصلت بعنصر جميل في طعمه، وقد تتصل بعنصر جميل في شكله، تنظر إلى جبل أخضر، وبحر جميل، ووردة متألقة، تشعر بلذة ومتعة، فكيف إذا سُمح لك أن تتصل بأصل الجمال في الكون؟ هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّكُمْ مِثْلِي؟! إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِ ))

[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة  ]

هذا معنى قول النبي: 

(( أرحنا بها يا بلال ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

أحدكم حينما يُحكم اتصاله بالله، أو يعمل عملاً صالحاً كبيراً، يبيض وجهه عند الله، حينما تنهمر دموعه من خشية الله، يشعر بسعادة لا تُوصف، متع الأرض كلها لا يمكن أن تصمد أمام هذه المتعة، متعة الاتصال بالله، هذا الاتصال بالله يجعلك إنسانا آخر, موازينك مختلفة اختلافاً كلياً عن موازين الآخرين، مقاييسك مختلفة، تسعد بالعطاء لا بالأخذ، تسعد بالاندفاع لا بالانسحاب، تسعد بتقديم جهودك للآخرين لا باستغلال جهودهم، هذا هو سر التدين, السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان.

 

لماذا الشقاء؟ 


هناك شقاء في العالم لا يعلمه إلا الله، هناك أناس بحسب القرآن الكريم سوف يكون مصيرهم إلى النار، استمع إليهم ماذا يقولون: 

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾

[ سورة الملك  ]

هي أزمة علم، لأن كل إنسان يُحب وجوده، ويحب سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، فلو أُتيح له أن يعرف أسباب سعادته لثبت فيها، إنسان شقي لو أُتيح له أن يعرف الله، وأن يعرف طريق سعادته كما عرفها المؤمن لكان مثله، إذاً: سبب الشقاء نقص العلم، نقص التوحيد الشرك، تغييب الحقائق الأساسية عن الإنسان، هذا معنى قول الله عز وجل: ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10))

 

العلاقة بين العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية :


في آخر الزمان، العبادات الشعائرية يؤديها الناس جميعاً، ويغيب عنهم أن منهج الله فيه عبادات شعائرية وفيه عبادات تعاملية، وأنا أرى أن العبادات الشعائرية لا يمكن أن تقطف ثمارها، ولا يمكن أن تسعد بها، إلا إذا كنت ملتزماً بالعبادات التعاملية، ومعي ألف دليل ودليل:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا -يَا رَسُولَ اللَّهِ- مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، قـَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي: مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا, وَقَذَفَ هَذَا, وَأَكَلَ مَالَ هَذَا, فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا, أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ, ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

[ أخرجه مسلم  ]

حديث آخر :

(( عَنْ أَبِي هُرَيــْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا, غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا, وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ, وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))

[ رواه أحمد والبزار ]

وقَالَ:

(( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةِ رَبَطَتْهَا، فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا, وَلاَ هِيَ أرْسَلَتْهَا تَأَكلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ, حَتَّى مَاتَتْ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

ويقول: 

(( قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح ]

هذا النمام. 

لو استعرضت الأحاديث الصحيحة المتعلقة بالمعاملات، لوجدتها أكثر من أن تُحصى ، ولوجدت أن العبادات الشعائرية مرتبطة بالعبادات التعاملية.

فقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها, وهذا حديث مشكل، لكن يعنيني منه جانب واحد-، قالت: قولوا لفلان: إنه أبطل جهاده مع رسول الله. 

أنت حينما تأكل المال الحرام، وحينما تعتدي على الأنام، وحينما تُوقع بين اثنين، وحينما ترتكب شيئاً منكراً، كأنك قلت: يا رب, أبطل لي صلاتي، لا تقبل مني صلاتي، لا تقبل مني صيامي، لا تقبل مني حجي. 

 

تعريف العبادة :


أريد أن أضع يدي على بعض الحقائق ؛ الحقيقة الأولى: العبادة ليست شيئا تفعله أو لا تفعله, لا، هي قدرك خُلقت من أجلها، علة وجودك أن تعبد الله، ويجب أن تعلم علم اليقين أنه: من عبد الله ولم يحبه، من أطاع الله ولم يحبَّه ما عبده، ومن أحبه ولم يطعه ما عبده .

إنها طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تؤدي إلى سعادة أبدية.

إن أكثر الفرق التي انحرفت، اعتمدت أحد كليات الإسلام، وركزت عليه، وأهملت الكليتين الباقيتين، جماعات اعتمدوا على القلب وحده، وأهملوا العلم والعمل، وجماعات اعتمدوا على العلـم وحده، وأهملوا القلب والعمل، وجماعات اعتمدوا على العمل وحده، وأهملوا القلب والعلم، كل هؤلاء عرجوا، وكل هؤلاء انحرفوا، وكل هؤلاء تطرفوا, لكن تتفوق إن فهمت العبادة بالتعريف الأصولي: 

طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تؤدي إلى سعادة أبدية.

 

أنواع العبادات :


إذاً أنت مخلوق للعبادة، والعبادات نوعان: 

1-عبادات تعاملية :

فالمسلم صادق، أمين، ومما يُوقع في الحيرة: أننا نجد في العالم الإسلامي مسلم يصلي ويكذب، يصلي ويأكل المال الحرام، يصلي ويخون.

 للإمام علي كرم الله وجهه قول رائع، يقول: قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمه, وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه , فإذا ضيع العلم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله، باع الفقيرآخرته بدنيا غيره.

2- والنوع الثاني من العبادات العبادات الشعائرية .

وهي: ثمـرة للجانب التعاملي، كساعات الامتحان تماماً، لا معنى لها إن لم تدرس، إذا صح أن تكون العبادة التعاملية هي العام الدراسي، فإن العبادة الشعائرية هي ساعات الامتحان الثلاثة, بقدر دراستك تتألق في امتحانك، فلو فرضنا أنك لم تدرس الامتحـــان ليس له معنى إطلاقاً.

الشيء الثاني: حينما يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

فهناك نوافل، وهناك أذكار، وهناك أعمال صالحة، لكن قبل كل هذه الأذكار، وقبل كل هذه النوافل، وكل هذه الأعمال: يجب أن تتقي المحارم كي تكون أعبد الناس، فإن الله لا يقبل نافلة ما لم تُؤد الفريضة، كما أنه لا يقبل عملاً صالحاً إلا إذا بني على استقامة وطاعة.

 

من معالم الطريق الى الله :  

1-أن تعرفه :   


فإذا أردت أن أبرز معالم الطريق إلى الله، أول معلم من معالم الطريق إلى الله: أن تعرفه، مع أن جماعات كثيرة تهمل معرفته، وتركز على معرفة منهجه، مع التقدير اللا متناهي لمعرفة منهجه، ومع التقدير الكبير لضرورة معرفة منهجه، لكن معرفة منهجه وحدها لا تكفي، لا بد من أن تعرف الآمر من أجل أن يكون الأمر عظيماً عندك، قال تعالى: 

﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾

[ سورة الحج ]

أول معلم من معالم الطريق: أن تجتهد في معرفة الله، لأنه آمر، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر، تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تفننت في التفلت من هذا الأمر.

 

من مشكلات العالم الإسلامي :


هذا ما تجده واضحاً في العالم الإسلامي، بلد إسلامي قال: الربا، يجوز أن تضع مالك في المصارف وأن تأخذ فائدة، سنسميها عوائداً لا فوائد، في مكان آخر سُمح بالغناء والتمثيل والموسيقى، في مكان ثالث سُمح بأكل الربا أضعافاً غير مضاعفة، يعني من يشتغل بالعلم الشرعي، يُقرب هذا الدين من انحراف الناس ليغطي انحرافهم، السبب بسيط: لأنهم ما عرفوا الآمر، عرفوا الأمر.

 أنا أضرب مثلاً: قد تأتيك ورقة، تُدعى فيها إلى أن تذهب إلى البريد، لتستلم رسالة مسجلة، ورقة حجمها بحجم الكف، تعالَ الساعة الثانية عشرة من يوم الخميس، وقد تأتيك ورقة بحجم الأولى تماماً وببساطتها, ولكن جهة قوية تقول لك: تعال قابلنا يوم الخميس الساعة الثانية عشرة، الورقة الثانية، لا تنام الليل هماً وغماً، ثلاثة أيام وأنت في خوف شديد، والورقة الأولى لم تعبئها، ولم تذهب إلا بعد شهر لاستلامها, أما الورقة الثانية لم تنم الليل لثلاثة أيام، لأن الجهة الأولى غير قوية، أما الجهة الثانية قوية، تعلم علم اليقين من مرسل الورقة الثانية، وماذا يعني أن تصل إليك؟.

 فأنت ببساطة بالغة: حينما تعرف الآمر ثم تعرف الأمر، تتفانى في طاعة الأمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تتفنن في التفلت من الأمر، تارة بلوى عامة، وتارة في رأي بعض المذاهب تجوز، وتارة الله يغفر لنا، نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان، إذاً: أنت كمسلم يجب أن تعرف الآمر قبل الأمر، كي يكون لهذا الأمر شأن كبير عندك، كي تقبل على هذا الأمر، رغباً ورهباً، خوفاً وطمعاً، ترجو رحمة الله بهذا الأمر، وتخشى عذابه. 

 

كيف أعرف الآمر؟ 


الجواب: الله جل جلاله خلق هذا الكون، فكل شيء في هذا الكون يدل عليه, فالتفكر في خلق السموات والأرض أحد الوسائل الفعالة لمعرفة الآمر، التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب تدخل منه على الله، لا بد من معرفة أمره، حينما تعرف الله تندفع اندفاعاً شديداً لمعرفة أمره، لأنك بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، لا تجد مسلماً وصل إلى حد المعقول من معرفة الله، دفعه إلى طاعته، إلا ويبحث ويدقق، ويسأل عن حكم الله في كذا وكذا، شيء طبيعي جداً، حينما تتعرف إلى الله، تبحث عن شيء يُوصلك به، ويقربك منه، إنه تنفيذ أمره، هناك محرمات، هناك مكروهات، هناك مباحات، هناك مندوبات، هناك واجبات، وهناك فروض ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ))

2-أن تستقيم على أمره :

المعلم الثاني من معالم الطريق: الاستقامة على أمر الله.

لا تفكر أن تسعد بهذا الدين، ولا أن تقطف ثماره، ولا أن تكون من المتدينين عند الله، إلا أن تستقيم على أمر الله.

 في عالم التجارة: هناك نشاطات لا تُعد ولا تُحصى, من هذه النشاطات: شراء محل تجاري، شراء مستودع، شراء مكتب استيراد، تعيين مندوبي مبيعات، تعيين هيئة محاسبة، مخاطبة الشركات، تعيين مترجم، ثم عرض هذه البضائع، ثم بيعها وجمع ثمنها، هناك آلاف النشاطات في التجارة، لكن التجارة كلها مبنية على كلمة واحدة هي الربح، فإن لم تربح، فلا معنى لكل ذلك، كل ما تقرأ, وكل ما تسمع من خطب، أو شريط درس علم، أو كتاب من أندر الكتب، وكل شيء تُعجب به، وكل مؤتمر تحضره، وكل كتاب تؤلفه، وكل درس تلقيه، ما لم ينتهِ بك إلى الاستقامة على أمر الله لا معنى له، وبالتجارة ما لم تربح لا معنى لكل نشاطاتك.

المعلم الأول: أن تعرف الآمر قبل الأمر، ما قلت: أن تعرف الآمر دون الأمر، أن تعرف الآمر والأمر معاً، إنني لا أقلل من قيمة معرفة الأمر، ولكن معرفة الأمر من دون أن تعرف الآمر لا تنفع كثيراً، ثم لا بد من أن تتحرك لتستقيم على أمر الله. 

3-لا بد من أن تأخذ موقفاً :

لا بد من أن تأخذ موقفاً، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) ﴾

[ سورة الأنفال ]

 ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ) ما لم تتخذ موقفاً عملياً، ما لم تعط لله، ما لم تمنــع لله، ما لم تصل لله، ما لم تقطع لله، ما لم تغضب لله، ما لم ترض لله، ما لم تقم علاقة مع زيد لله، ما لم تقطع هذه العلاقة لله، فكل شيء نظري, كل شيء تعتقد به لا جدوى منه، مثلاً:

 إنسان معه مرض جلدي، بحاجة إلى أشعة الشمس والشمس ساطعة، فلو قال الشمس ساطعة لا يستفيد، أو لأنه ما فعل شيئاً هي ساطعة، فلو قال هي ساطعة ما زاد شيئاً، ما أضاف شيئاً، وإن أنكر سطوعها يُتهم عقله، وما لم يخرج هذا الإنسان المريض بجلده ليتعرض لأشعة الشمس، فتصريحه، واعتقاده، ويقينه لا قيمة له أبداً.

المعلم الثاني الاستقامة على أمر الله: 

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142)﴾

[ سورة النساء ]

أحياناً الإنسان يتوهم أنه يُرضي الله بسماع درس العلم، الله عز وجل لا يرضى إلا إذا طبقت العلم, قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ﴾

[ سورة الصف ]

يتعرف إلى الله من خلال خلقه، ومن خلال أفعاله، ومن خلال كلامه، ثم تتعرف إلى منهجه, ثم تستقيم على أمره، المعرفة والاستقامة.

قلت: بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، فأول معلم معرفة الله، المعلم الثاني معرفة أمره. 

4-أن تعمل عملاً صالحاً :

أن تعمل صالحاً، أن تبذل مما آتاك الله من علم، من مال، من قوة، من جاه، من خبرة، من وقت، لا بد من أن تبذل، لأن حجمك عند الله كحجم عملك الصالح، نعرفه ، ونعرف أمره، ونتقرب إليه. 

5-لا بد من الاتصال به :

هذه المعالم الأساسية للطريق إلى الله عز وجل، الآن: نعرفه وهو أصل الدين، ونعرف منهجه كي نتقرب إليه, نطيعه كي نسلم، نعمل الصالحات كي نسعد، لا بد من الاتصال به، الصلاة مناسبة كي تتصل به, والزكاة من أجل أن تتصل به، أن يكون هذا المال الذي دفعته سبباً للإقبال على الله، والحج من أجل أن تتصل به، والصيام من أجل أن تتصل به ، والأذكار من أجل أن تتصل به، والدعاء من أجل أن تتصل به، وكل أنواع العبادات التعاملية والشعائرية من أجل أن تتصل به، بل إن كل شيء يقربك من الله عز وجل ينبغي أن تفعله، وكل شيء يبعدك عن الله عز وجل ينبغي أن تبتعد عنه، هذه معالم الطريق إلى الله عز وجل.

ديننا بسيط، وأنا أتمنى أن تفهم هذا الدين فهماً مبسطاً، لأنه كالهواء، يحتاجه كل إنسان، هذا الهواء قاسم مشترك للناس جميعاً، والدين كذلك، أينما ذهبت, الإنسان بحاجة إلى تدين صحيح، بحاجة إلى أن يعرف الله، أن يتصل به، أن يلوذ بحماه، أن يفهم أن الجهة القوية تحبه. 

فيا أيها الإخوة؛ من أجل أن نكسب الوقت، من أجل أن نتحرك دون أن نتقدم، من أجل أن نكسب أعمارنا الثمينة والقصيرة، العمر ثمين، ما دام العمر ثميناً، والوقت قصيراً، والمهمة كبيرة، ينبغي أن تصطفي الشيء النافع. 

فينبغي أن نعمل الصالحات من أجل أن نسعد، ثم ينبغي أن نذكره من خلال صلواتنا, وصيامنا, وحجنا، وزكاتنا، ودعائنا، واستغفارنا، وبذلنا، وخدمتنا لبعضنا بعضاً، هذا هو الطريق، معرفة واستقامة، وعمل صالح، وذكر، لو أردت أن تضغط مؤلفات كثيرة جداً, تجدها لا تزيد عن هذه المعالم الأساسية التي أرادها الله لتكون طريقاً إليه.

أتمنى أن يُبسط الدين لا أن يُعقّد، وأتمنى أن يتوافق مع العقل, لأن العقل أصل من أصول معرفة الله عز وجل. 

 

لماذا يقول الله عز وجل: أفلا تعقلون، أفلا ينظرون, أفلا يتفكرون؟ :


طُبع مرة قبل خمسين عاماً، طُبع خمسون ألف مصحف، حُذفت منه كلمة واحدة، قوله تعالى: 

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) ﴾

[ سورة آل عمران ]

مصحف بخط عثماني، وفيه تقرير، وفيه مراجعة، وفيه وفيه .....، حُذفت منه لن, هذه الكلمة، من الذي يكشف لك أن هذا المصحف مزور؟ هو العقل السليم الذي أودعه الله فيك، لا يمكن للعقل الصريح أن يتناقض مع النقل الصحيح، لأن العقل مقياس أودعه الله فينا، ولأن النقل كلامه، والأصل واحد, أضيف على ذلك، كما أنه لا يمكن أن تتعارض الفطرة السليمة مع النقل الصحيح، كما أنه لا يمكن أن يتعارض الواقع الموضوعي مع النقل الصحيح، الواقع الموضوعي خلقه، والفكرة السليمة جبلَّته، والعقل مقياسه، والنقل كلامه، وسنة النبي بيان لكلامه، الواقع الموضوعي خلقه، الهاء تعود على من؟ على الله، والفطرة السليمة جبلته، هو جبلنا عليها، تعود على الله، والنقل الصحيح كلامه، والعقل الصريح مقياسه، هذا هو الحق، فحينما ننطلق في حياتنا عمرنا قصير:

كم من صحيح مات من غير علة     وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر؟

هناك ظاهرة جديدة، أزمات قلبية بالثلاثين، أزمات قلبية قاتلة بالخامسة والعشرين، ضغوط الحياة قاسية جداً، الإنسان له أجل، لكن هذا الوهم المريح، يقول له: لن أموت حتى الستين.

لي صديق في التاسعة والأربعين، طبيب، لا يشكو من شيء، غادر الدنيا في دقائق، ظاهرة منتشرة، لذلك:

تزود من الدنيــا فإنك لا تدري    

إذا جنّ ليــل هل تعيش إلى الفجر؟

فكم من عروس زينـوها لزوجها  

وقد قبضـــت أرواحهم ليلة القدر

وكم من صحيح مات من غير علة  

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر؟

مفهوم الزمن: هو أخطر مفهوم في حياة الإنسان.

إنك بضعة أيام, كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.

وهذا الوقت الذي هو أنت، أو هو رأس مالك، أو هو أثمن شيء تملكه على الإطلاق ، إما أن تُنفقه إنفاقاً استهلاكياً، أو أن تنفقه إنفاقاً استثمارياً، أن تسترخي، وأن تستمتع بالحياة، هذا إنفاق استهلاكي، أما أن تُوظفه في معرفة الله، ومعرفة منهجه، وطاعته، وفي معالم الطريق، والعمل الصالح، والاتصال به، فهذا استثمار للوقت، لذلك قال تعالى: 

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور