وضع داكن
30-11-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الأعراف - تفسير الآية 94 ، القانون الإلهي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

التمسك بالقوانين الإلهية وجعلها منهجاً في حياتنا :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في سورة الأعراف قصص عدة عن أنبياء الله الكرام الذين أرسلهم إلى أقوامهم ، الشيء الذي يلفت النظر بعد أن حدثنا ربنا جلّ جلاله عن قصص الأنبياء جميعاً قال لنا :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾

 وما أرسلنا في قرية من نبي ، هذه الآيات تأخذ طابع القانون ، المؤمن إذا قرأ القرآن الكريم ، ومرّ بآيةٍ فيها معنى القانون ، عليه أن يستمسك بها ، وعليه أن يجعلها منهجاً في حياته، مثلاً :

﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[ سورة يونس : 33 ]

 قانون . مثل آخر :

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[ سورة النحل : 97 ]

 قانون .

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

[ سورة طه : 134 ]

 قانون .

﴿أَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾

[ سورة يوسف : 52 ]

 قانون .

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء : 88 ]

 قانون . إذا أكرمك الله عز وجل ، وقرأت القرآن ، ومررت بآية فيها معنى القانون ، هذه الآية اكتبها واجعلها في جيبك ، واجعلها قانوناً في حياتك .

سياسة الله مع عباده :

 ذكرت هذه الآيات كي نستأنس بهذا القانون الجديد ، بعد أن حدثنا ربنا جلّ جلاله عن أقوامٍ كثيرين أرسل إليهم الأنبياء ، وأنزل معهم الكتب ، هؤلاء الأقوام كفروا واستهزؤوا وكذبوا فحاط بهم عذاب الله عز وجل .
 من كل هذه القصص يستنبط القانون التالي :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾

 معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى أول شيءٍ يفعله يبلغ الإنسان ، يبلغه عن طريق نبي ، أو عن طريق رسول ، أو عن طريق عالم ، أو عن طريق داعية ، وقد يبلغ الحق عن طريق فاجر ، الإنسان في طريق خاطئ ، في معصية ، في انحراف ، يقال له : هذا حرام ، وهذا لا يرضي الله ،

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا﴾

 هذا فيه قصر ، أي ما من قرية إلا أرسلنا إليها نبياً ، فإذا رفض الإنسان دعوة النبي ، إذا كذبها ، إذا سخر منها ، انتقل هذا الإنسان إلى مرحلة أخرى ، مرحلة العلاج .
 أول مرحلة : التبليغ بالحسنى ، كلام ، دعوة . المرحلة الثانية : بالعقاب :

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾

 هؤلاء الذين أصابهم البأساء والضراء ماذا ينبغي أن يفعلوا ؟ ينبغي أن يتضرعوا ، فإذا تضرعوا توقف العلاج ، هؤلاء الذين جاءهم الأنبياء والمرسلون ، أو العلماء العاملون ، أو الدعاة الصادقون ماذا ينبغي أن يفعلوا ؟ ينبغي أن يستجيبوا ، فإذا استجابوا انتهى كل شيء ، وإن لم يستجيبوا انتقلوا إلى مرحلة أخرى ، مرحلة الشدة ،

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾

 لماذا :

﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾

 إنسان يأتي ربه بالدعوة الحسنة ، و إنسان يأتي ربه بعد الشدة ، كلاهما على العين والرأس ، واحد يأتي بالحسنى ، بالكلام ، لم يستجب بالكلام ، لم يصغ ، لم يهتم ، لم يعبأ ، هناك طريقة ثانية ، بالحمية ، ما احتمى ، هناك عملية ، تطبق الحمية أهلاً وسهلاً ، تحب بالعملية يوجد عملية ، فلما لم يستجيبوا، لما لم يؤمنوا ، لما لم يصدقوا ، لم يصطلحوا ، لم يعودوا ، لم ينيبوا ،

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾

 وهم في البأساء والضراء إذا تضرعوا انتهى البأساء والضراء .
 مثلاً طبيب قرر استئصال كلية ، وقبل أن يجري العملية عمل صورة أخيرة فإذا بها تعمل ، هل يعمل العملية ؟ مستحيل ، فإذا

﴿أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾

 فإذا تضرعوا رفع الله عنهم البأساء والضراء .
 المرحلة الثالثة : دعوا بالحسنى فلم يستجيبوا ، ساق الله لهم الشدائد فلم يتضرعوا ، المرحلة الثالثة كي يقطع الله عليهم الحجة يعطيهم ، يمدهم ، كانوا في فقر هذا مال ، كانوا في قحط هذه أمطار ، كان كل شيء مغلقاً الآن كل شيء مفتوحاً ،

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾

المرحلة الثالثة مرحلة التبليغ القولي ، ثم مرحلة سوق الشدة ، والبأساء ، والضراء ، بالتبليغ القولي عليهم أن يستجيبوا فإذا استجابوا انتهى كل شيء ، ما استجابوا جاءت الشدة والبأساء والضراء ، عليهم أن يتضرعوا ، ما تضرعوا هناك مرحلة ثالثة ، الثالثة الإكرام الاستدراجي ، إكرام استدراجي ، يوجد فقر هذا غنى ، يوجد شدة هذا رخاء ، يوجد مرض هذه صحة ، ليقطع الله عليهم الحجة ،

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا﴾

 الحسنة أنستهم السيئة ، الرخاء أنساهم الفقر ، الصحة أنستهم المرض ، يقول لك : أصبحت ذكرى ،

﴿حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا﴾

 هي الحياة هكذا ، يوم لك ويوم عليك ، نسي الله نهائياً ، يقول لك : الحياة مد وجزر ، دولاب ، مرة لك ومرة عليك ، يوم أبيض ويوم أسود ، يوم حلو ويوم حامض ، نسي الله ، نسي القرآن ، نسي المعالجة ، جعل هذا من الدهر .

﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾

[ سورة الجاثية : 24 ]

 يسب ابن آدم الدهر ، يسبني ابن آدم حينما يسب الدهر ، وأنا الدهر أقلبه كيف أشاء ، المرحلة الثالثة : جاءهم الرخاء ، فنسوا بالرخاء الشدة ، وقالوا : هذه أحوال الناس ،

﴿حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾

.
 المرحلة الرابعة : صاروا جاهزين للضربة القاصمة :

﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

  هذا قانون . أربع مراحل : أول مرحلة الدعوة بالكلام ، الثانية بالبأساء والضراء ، الثالثة الرخاء الاستدراجي ، الرابعة القصم ، هذا القانون يطبق على الأمم والشعوب والأفراد، إنسان الله عز وجل يسوقه لك كي يبلغك الحق ، ليتك استجبت ، ليتك أنبت ، ليتك أصغيت ، ليتك اهتممت ، لا . يوجد بأساء وضراء ، ليتك تضرعت ، انتهت البأساء ، ما تضرعت يوجد استدراج إكرامي ، إكرام استدراجي ، خذ ، ليتك تأثرت ، ليتك شكرت ، لا ، نسيت وقلت : هكذا الحياة ، مدٌ وجزر ، أخذٌ وعطاء ، غنى وفقر ، صحةٌ ومرض ، يوم لك ويوم عليك، حتى قالوا :

﴿مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ﴾

 القضية طبيعية جداً ، شيء مألوف ، سنة محل وسنة خير ، سنة شدة وسنة فقر ، هذه المرحلة الثالثة ، الرابعة : وضعوا في خانة الإهلاك .

﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾

.

ميت القلب من ضاقت به الدنيا ولم يتأثر :

 أخواننا الكرام ؛ هذه سياسة الله مع عباده ، وهذه سنة الله في خلقه ، وهذا قانونٌ مستنبطٌ من قصص الأنبياء ، أنا أرى أن أسعد إنسانٍ هو الذي يستجيب إذا سمع الحق ، هذا أرقى إنسان ، أعمل عقله ، هناك مرتبة أدنى ، حينما تأتي الشدة يستجيب ، أيضاً على العين والرأس ، لعلهم يتضرعون ، لكن الثالث جاءه الرخاء ، كان بضيق صار برخاء ، كان بفقر صار بغنى ، كان مريضاً خطط فإذا به لا يعاني من شيء ، بهذا المكان شخص ركب سيارته ، أصيب بجلطة فاصطدم رأسه بالمقود ، أخذ إلى المستشفى كان صديقه قريباً منه ، أخذه إلى المستشفى ، بالعناية المشددة صحا فطلب مسجلة ، وشريط كاسيت ، المحل الفلاني لأخواتي أنا اغتصبته ، البيت الفلاني ، الأرض الفلانية ، صرح بكل الحقوق ، معنى هذا أنه تاب ، بعد يومين تعافى أحضر الشريط وكسره ، بعد ثمانية أشهر جاءت القاضية ، كان هذا إنذاراً مبكراً ، مات فجأةً موتاً نهائياً .
 أخواننا قانون دقيق ، أول مرحلة إعلام ، كلام ، إن كنت ذكياً جداً على الكلام ابدأ ، استفد ، لم يستفد بالكلام ، يوجد شدة ، إن كنت أقل ذكاء تضرع يتوقف البلاء ، ما تضرعت ، يوجد رخاء استدراجي ، بالرخاء اشكر ، يا رب لك الحمد ، بدلت فقرنا غنى ، بالرخاء ما استفدت، المؤمن يفهم على الله ، المؤمن عنده حساسية بالغة ، المؤمن لأدنى ضيق يقول لك : معنى هذا أنا مرتكب شيئاً سيئاً ، هذه الآية أخواننا الكرام قانون ، سنة الله في خلقه .

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا﴾

 تركيب قصري .

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾

  ما تضرعوا

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا ﴾

 نسوا .

﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

 هنيئاً لمن يستجيبوا بالدعوة القولية . هنيئاً لمن يستجيبوا بعد البأساء والضراء . هنيئاً لمن يأتي بالرخاء . الويل لمن لم يستفد لا من الدعوة السلمية ، ولا من البأساء والضراء ، ولا من الرخاء ، هذا عندئذٍ يتعرض لإهلاك الله عز وجل له .
 لذلك دققوا في هذه الكلمة: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، هو المصبية ، إذا الإنسان ضاقت به الدنيا وما تأثر ، ولا استجاب ، ولا صحح ، ولا أناب ، ولا تاب ، هذا ميت القلب ، الله سبحانه وتعالى قال :

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾

[ سورة النحل : 21 ]

 كم مرحلة ؟ أربع ؛ الأولى دعوة قولية ، والثانية دعوة عن طريق الشدة ، والثالثة عن طريق الرخاء ، والرابعة القصم .

نص الزوار

إخفاء الصور