وضع داكن
30-11-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 013 - الرؤى الصالحة - علم الغيب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الرؤيا الصالحة :

 أيها الأخوة الكرام؛ إنني في هذا الدرس أسعى جاهداً أن تكون الموضوعات مما تلبي حاجات الأخوة المؤمنين، فالإنسان حينما يلقي السمع إلى موضوع يعاني منه يكون تأثره وتفاعله واستجابته أشدّ مما لو لم يكن الموضوع مقترباً من حاجاته اليومية.
 ما منا أحد على الإطلاق إلا إذا ألقى رأسه على الوسادة تمنّى أن يرى رؤيا صالحة سارّة، و يستيقظ صبيحة تلك الليلة ويتساءل ماذا تعني هذه الرؤيا؟
 فمحور الدرس اليوم الرؤيا الصالحة، و قد وردت في القرآن الكريم رؤيا سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، قال تعالى:

﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾

[ سورة يوسف : 4]

 كما وردت في السورة نفسها سورة يوسف رؤيا للملك الذي ضمّ سيدنا يوسف إليه، قال تعالى:

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 43]

 وقد وردت في الأحاديث الشريفة نصوص كثيرة تتحدث عن الرؤيا، و في الحقيقة أن الرؤيا من خصائص الإنسان، وإذا أردت أن تفهم حكمتها الكبرى فهي دليل على الحياة النفسية التي يحياها الإنسان بعد الموت.
 فلو أن رجلاً أو رجلين، أو فتاة أو فتاتين، ناما على سرير واحد، الجو واحد، الفراش واحد، الدفء واحد، الرطوبة واحدة، الموقع واحد، كل الظروف واحدة، قد يرى أحد الشابين رؤيا يشعر أنه قارب السماء من الغبطة والسرور، وقد يرى الثاني رؤيا يكاد ينسحق منها، بينما الظروف المادية واحدة. إذاً لك حياة نفسية تتجاوز الشروط المادية، و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))

أنواع الغيب :

1 ـ غيب لا يعلمه إلا الله :

 النبوة من أخصّ خصائصها أنها صادقة، صدقُ النبي من أخص خصائصه، وحينما قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث المعنى أنها صادقة كصدق النبوة لا كما يفهم بعضهم أن الذي يرى رؤيا صالحة هو على مشارف النبوة، لا، علاقة الحديث بالنبوة أنها صادقة كصدق النبوة، ولذلك سميت هذه الرؤيا الصالحة بشارة، هي في الحقيقة غيب، أي إطلالة على الغيب، لذلك لا بد من التمهيد لهذا الموضوع بالحديث عن الغيب، حينما ننهي الحديث عن الغيب نصل إلى الرؤيا.
 أولاً: هناك غيـب أيها الأخوة استأثر الله به، لا يُطْلع عليه أحداً من خلقه كائناً من كان، حتى ولا الأنبياء، أجل، هناك نوع من الغيب استأثر الله به لا يطلع أحداً عليه، من هذا قيام الساعة الكبرى، أي قيام القيامة، ومن هذا الغيب الذي استأثر الله به قيام الساعة الصغرى، الساعة الصغرى موت الإنسان، الإنسان له ساعة صغرى يموت فيها، وساعة كبرى يبعث و يحاسب فيها، يوم القيامة ساعة كبرى، وموت الإنسان ساعة صغرى، الدليل قال تعالى:

﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾

[ سورة النمل : 65]

 و هذه الساعة الكبرى، قال تعالى:

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة الأعراف : 187]

 فهذا النوع من الغيب الساعة الكبرى والساعة الصغرى علم استأثر الله به، لا يَطّلع أحد عليه حتى ولا الأنبياء، آية ثالثة قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾

[سورة لقمان : 34]

 الإمام مالك فيما تروي الأخبار، رأى ملك الموت في المنام، قال: يا ملك الموت كم بقي لي من عمري؟ فأشار بيده خمسة، فلما استيقظ قال: أخمس سنوات، أم خمسة أشهر، أم خمسة أيام، أم خمس ساعات، أم خمس دقائق؟ فلما سأل الإمام ابن سيرين عن تأويل هذه الرؤيا قال: يا إمام يقول لك ملك الموت: إن هذا السؤال من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله، فهذا هو التأويل، لكن لو بحثنا عن حكمة إخفاء ساعة الموت لوجدنا خيراً كثيراً، فلو أن الله سبحانه وتعالى أطلع إنساناً على ساعة موته، فمثلاً أنت أيها الإنسان تعيش ستاً وسبعين سنة وستة أشهر وسبعة أيام وخمس ساعات وثلاث دقائق وثلاث ثوان، فماذا يكون من هذا الإنسان؟ يتوقف نشاطه و سعيه و هذه مشكلة كبيرة، لو أن الإنسان عرف أجله لانتهى العمل كله، لأنّ من المستحيل أن يتحرك الإنسان حركة وهو يعلم نتائجها.
 أخواننا الكرام أدق ما في الأمر الآية الكريمة:

﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

[ سورة البقرة : 132]

 والله آية محيرة، يا رب الموت بيدنا حتى تأمرنا ألّا نموت إلا ونحن مسلمون، الموت بيدك يا رب لا بيدنا، فما معنى هذه الآية؟ أي لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون.
 مرة ضُرب مثلٌ مضحك؛ شركة طيران إلى أمريكا، ثمن البطاقة إلى أمريكا خمسمئة ألف، فإن لم تسافر تخسر قيمتها افتراضاً، والشركة هي التي تأخذك من البيت، ولا تقف على الباب إلا دقيقة واحدة، وموعد مجيئها من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، فماذا تفعل؟ خمسمئة ألف لن ترد لك، وهم يقفون على الباب دقيقة واحدة، فأنا أعتقد أننا لو عرضنا الأمر على ألف شخص، سيقف الألف شخص وراء الباب مع المحفظة والحقيبة من الساعة الثامنة صباحاً. هذا معنى قوله تعالى:

﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

[ سورة البقرة : 132]

 إذاً فالموت لا تعلم موعده، فيجب أن تكون جاهزاً لاستقباله، جاهزاً بالتوبة، والصلح مع الله، وأداء الحقوق، وأداء كل ما عليك من التزامات، حتى إذا جاء ملك الموت تكون جاهزاً للذهاب معه.
 العامة تقول: تؤلف ولا تؤلفان على أنه حديث نبوي، هذا الكلام لا أصل له إطلاقاً، كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار.
هذا الغيب الأول.

2 ـ غيب يعلمه الله و يُعلّمه لرسوله :

 أما الغيب الثاني فغيب يعلمه الله و يُعلمه لرسوله، هذا شيء آخر تأييداً للأنبياء وتصديقاً لما جاؤوا به، أي يأتي إنسان و يَدّعي قائلاً: " أنا رسول الله " شيء جميل، فهل نحن ملزمون أن نصدق كل إنسان ادّعى هذا الادعاء؟ لا. فالذي يقول: أنا رسول الله، لا بد من أن يأتي بشيء لا يستطيع أن يفعله أحد، فإن فعله الرسول كان مؤيداً من الله، ولذلك من لوازم الرسول أن تكون معه معجزة، فمن معجزات الرسل أنهم يعلمون الغيب الذي سمح الله لهم به أن يعلموه فقط، يؤخذ هذا من قوله تعالى:

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾

[ سورة الجن : 26-27]

 فهذا الغيب أيها الأخوة أنواع ثلاثة، غيب الماضي، وغيب المستقبل؛ بعدان زمانيان، وغيب الحاضر بعد مكاني، فمن غيب الماضي مثلاً قال تعالى:

﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾

[ سورة آل عمران : 44]

 من أين جئت بهذه الأخبار؟ لولا أنك رسول يوحى إليك لما جئت بهذه الأخبار، هذا غيب الماضي، أما غيب المستقبل فقد قال تعالى:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾

[ سورة الروم : 2]

 فعلاً بعد سبع سنوات انتصر الروم على الفرس، هذا من غيب المستقبل، وهناك آيات كثيرة جداً، وهناك أحاديث كثيرة جداً، والحديث عن علامات الساعة الكبرى من هذا القبيل، غيب أطلع الله نبيه عليه، تأييداً له، ودعماً له في صدق دعوته، قال تعالى:

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

[ سورة النحل : 8]

 الطائرة دخلت في مفهوم الآية، والمركبة الفضائية دخلت في الآية، والمركبة والقطار دخلا كذلك، أما غيب الحاضر فبعد مكاني، قال تعالى:

﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾

[ سورة التوبة : 78]

 إنسان كتب إلى قريش أنّ محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، الله عز وجل أطلع النبي عليه، إنسان آخر قال لصفوان بن أمية: يا صفوان والله لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، قال له صفوان: يا عمير أما ديونك فهي عليّ، بلغت ما بلغت، وأما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، فامضِ لما أردت، وصل عمير إلى المدينة، رآه عمر رضي الله عنه وعلى عاتقه سيف، قيده بحمالة سيفه وساقه إلى النبي، قال: يا رسول الله هذا عمير عدو الله جاء يريد شراً، فقال له النبي: أطلقه يا عمر و ابتعد عنه فأطلقه، و ابتعد عنه، أُدنُ مني يا عمير، ما الذي جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لأفك ابني من الأسر، قال: وهذا السيف الذي على عاتقك؟ قال: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر؟ فقال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، لقتلت محمداً وأرحتكم منه، فقال لك صفوان كذا وكذا..، وقف وقال: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله.
 مرة أخرى كان النبي عند اليهود في موضوع معين، فائتمروا عليه وهو عندهم أن يصعد أحدهم إلى ظهر البيت الذي يجلس في ظله ويلقي عليه صخرةً ويقتله، فجاءه الوحي وأخبره، فقام النبي وقام أصحابه وفسدت خطتهم.
 هناك غيب الحاضر وغيب الماضي وغيب المستقبل.

3 ـ غيب الواقع :

 يوجد عندنا غيب آخر يسمى غيباً مجازاً، أي في السماء الآن تهب رياح، تستمع في النشرة الجوية إلى أن هناك موجة حر آتية من المنطقة الشمالية، ترتفع الحرارة فوق معدلها وتهب رياح حارة، و في الشتاء رياح باردة، و غداً مثلاً تكون الحرارة دون معدلها، فكيف علموا الغيب؟ هذا مرتفع أو منخفض مرصود في أوربا مثلاً، أوضح من ذلك أخبار المنخفض الجوي، يقولون: منخفض جوي متمركز فوق أوربا سرعته ثلاثمئة كيلو متر في الساعة مثلاً، بيننا وبين أوربا ثلاثة آلاف كيلو متر، تحسب المسافة وتقسم على السرعة، يقولون بعد ثلاثة أيام سيكون عندنا منخفض جوي، ومعه أمطار غزيرة، هذا العلم يسمى علم غيب مجازاً، لكن هناك وسائل تكشفه، كذلك الجنين في بطن الأم، يأخذ الأطباء السائل الأمينوسي و بالتحليل يُعرف الجنين أهو ذكر أم أنثى، أو بالتصوير، فهذا الذي يتوهمه العوام غيباً ليس غيباً، هو حاضر. يقولون: هناك منخفض متمركز فوق أوربا، و لديهم اتصالات سريعة جداً، فبحساب المسافة والسرعة والاتجاه نحكم على وجود أمطار بعد أربعة أيام، فهذا يسميه الناس غيباً مجازاً وهو ليس بغيب إنما هو غيب الواقع، والله سمح به، كل شيء سمح الله به لم يعد غيباً، قال تعالى:

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾

[ سورة البقرة : 255]

 إلا أن أكثر الناس المشككين يقولون: ماذا نفعل بقوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾

[ سورة لقمان :34]

 وقد علم الإنسان الجنين ما إن كان ذكراً أو أنثى؟ الجواب بسيط جداً الله جل جلاله لم يقل ويعلم من في الأرحام، أي ذكراً أو أنثى قال:

﴿ وَيَعْلَمُ مَا﴾

 فمن يستطيع أن يعلم أن هذا الجنين عالم، شقي أو سعيد، مديد العمر أو قصير العمر، مصلح كبير أو مجرم خطير، ما لونه؟ ما لون عينيه؟ ما صفاته؟ من سيتزوج؟ كم سينجب؟ ما رزقه؟ إلى الآن يوجد حوالي مليون مورث، مليون معلومة مبرمجة متوضعة في خلية الحوين المنوي لم يستطع البشر أن يعرفوا إلا ثمانمئة نقطة منها، فهذا ليس علم غيب، علم الغيب أن تعلم شيئاً ليس له وجود الحاضر.

الجن لا يعلمون الغيب إطلاقاً :

 شيء آخر يجب أن نعلمه جميعاً، ما يشيع بين العامة من أَنَّ الجن يعلمون الغيب، كذلك كل ما يفعله الناس ولو كان لعباً، أن غداً سيكون كذا عن طريق البرج، عن طريق الكُهّان، عن طريق السحرة، نقرأ في فنجان القهوة، هذا كله كذب ودجل لا أصل له، ومن يفعله يأثم.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

 الجن لا يعلمون الغيب إطلاقاً، والدليل قال تعالى:

﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾

[ سورة سبأ : 14]

 سيدنا سليمان كلف الجن بعمل شاق ومات، وما دلهم على موته إلا حينما انكسرت عصاه التي كان متكئاً عليها فوقع.
 إذاً أنواع الغيب هي: غيب استأثر الله بعلمه، و هو النوع الأول، وغيب أطْلعَ الله أنبياءه عليه تأييداً لهم، و هو أنواع ثلاثة: غيب الماضي و غيب الحاضر و غيب المستقبل، و هذا هو النوع الثاني، و غيب يتوهمه الناس غيباً و هو النوع الثالث يسمى غيباً مجازاً، كالتنبؤات الجوية أحياناً، و الأشياء التي لها دلائل، فهذه أيضاً ليست غيباً إلا أن العوام يسمونها غيباً، و أما الجن فلا تعلم الغيب إطلاقاً قال تعالى:

﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾

[ سورة سبأ : 14]

 هذا التمهيد لموضوع الرؤيا.

 

البشارة :

 الآن عندنا غيب يسمى بشارة، و هو ما يراه المؤمن الصالح في منامه ثم يتحقق بعد ذلك، و في الحديث الشريف:

((عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ))

 في صدقها و في دلالتها، و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن جرير:

((عن مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تفسير هَذِهِ الآيَةِ

﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾

 قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ ))

 

هذا محور الدرس، والتمهيد انتهى، أي بشكل أو بآخر، الرؤيا إعلام من الله مباشر لهذا المؤمن، الأنبياء يأتيهم الوحي أما المؤمنون فلهم الرؤيا الصالحة، أي طريقة من طرق الاتصال المباشر، الله جل جلاله يوحي لأنبيائه، إن الله يقرئك السلام يا محمد ويقول لك. فهذا اتصال مباشر عن طريق سيدنا جبريل، أما المؤمن فكيف السبيل إلى أن يكون هناك اتصال مباشر بينه وبين الله؟ عن طريق الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له.

 

أصدق أوقات الرؤيا :

 قال العلماء: أصدق أوقات الرؤيا تكون في أواخر الليل، قبل صلاة الفجر أو بعده، أو بالقيلولة، النوم بعد الظهر. أما النوم بعد العصر فاسمه العيلولة، لأنها تسبب علة للإنسان فلا تكون رؤيا بعد العصر، و إنما هو حلم.
 إليكم هذه الطرفة، رجل في وزارة الأوقاف قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي: قل لفلان أن يجعلك في وظيفة كذا، فقال له المسؤول: متى رأيت هذه الرؤيا؟ قال له: البارحة الساعة الثانية عشرة، فقال له: أنا رأيت رسول الله فجراً وقال لي: إنه كاذب لا تصدقه.
 الرؤيا الصالحة جزء من المبشرات، أحياناً الإنسان يرى رؤيا ليس فيها ترتيب، ولا انسجام، ولا تناقض، وكلها اضطرابات، قال العلماء: هذه لا تفسر إطلاقاً فهي أضغاث أحلام، تناول طعاماً ثقيلاً ونام، غضبان ونائم، أو نام بمجرى رياح مثلاً، فهناك أحوال معينة، أو نام على أثر مناقشة حادة، فهذه رؤيا لا يُعبأ بها إطلاقاً. إنها أضغاث أحلام، قالوا من طريف ما روت كتب الأدب أن أحدهم كان شاعراً، و رأى رؤيا أنه دخل على أمير وأنشده طامعاً في عطائه قال: أيها الأمير رأيت في النوم أني مالك فرساً، ولي وصيف، وفي كفي دنانير، فقال قوم لهم علم ومعرفة رأيت خيراً وللأحلام تفسير، اقصص منامك في بيـت الأمير تجد تفسير ذلك، التفسير أن يعطيك فرساً ودنانير وخادماً، فقال له الأمير: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.

 

الرؤيا الصادقة الصالحة هي رؤيا المؤمن :

 أخواننا الكرام؛ الرؤيا الصادقة الصالحة هي رؤيا المؤمن كما ورد في الحديث الشريف

(( عَــنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))

 أي صادقة كصدق النبوة، أمّا الأنبياء فرؤياهم حق، قال تعالى:

﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾

[ سورة الصافات : 102]

 رؤيا الأنبياء شيء، ورؤيا المؤمنين شيء آخر، رؤيا الأنبياء أمر من الله، العلماء قالوا: إذا رأى النبي قبل البعثة رؤيا فهي من إرهاصات النبوة، أما إن رآها بعد البعثة فهي من أنواع الوحي، و هي لِلأنبياء وحدهم. تقول السيدة عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم:

((عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مـِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ))

 وبصراحة أيها الأخوة المؤمن الصالح له رؤيا من هذا القبيل، الله عز وجل يبشره أو يحذره، يقيم اتصالاً مباشراً، الله عز وجل أحياناً ينصحك عن طريق عالم، يحذرك عن طريق داعية، ينبهك عن طريق كتاب، أو عن طريق صاحب، لكن أحياناً لو شاءت حكمة الله، أن يعطيك معلومة مباشرةً كيف؟ أنت مؤمن لا يوحى إليك فتأتيك عن طريق رؤيا صالحة.
 هناك تحليل لا أعلم مبلغ صحته، النبي عاش ثلاثاً وعشرين سنة وستة أشهر بالتمام والكمال يدعو إلى الله، فهذه الثلاثة والعشرون ضرب اثنين، حاصلها ستة وأربعون، الرؤيا الصالحة تكون جزءاً من الستة و الأربعين جزءاً من النبوة، أي مدة الوحي، هي صادقة كصدق الوحي، وهذا تطمين لنا، إلا أن الله عز وجل يقول:

﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[ سورة البقرة :112]

 البشرى هي الرؤيا الصالحة.

 

الرؤيا الصالحة من البشرى في الحياة الدنيا :

 وهناك حديث كذلك يقول:

(( عــن عَبْد ُاللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قـَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الرُّؤْيَا الصَّالِحـــَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَـمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ))

 أحلام مضطربة، مشوشة، غير واضحة، متداخلة، متناقضة، هذه أضغاث أحلام أما الرؤيا فمن الله، دقق في هذا الكلام الحلم شيء، الحلم من الشيطان والرؤيا من الرحمن، كما أن التثاؤب من الشيطان والعطاس من الرحمن، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان.
 ورد أيضاً من البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة، قال عليه الصلاة والسلام: " من البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له" أما الحديث الدقيق الذي سبق تخريجه يقول عليه الصلاة والسلام:

((عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ))

 أخرجه البخاري في كتاب التعبير، وبموت النبي عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي وانتهى كل شيء، بقيت المبشرات.

 

الرؤيا السّارة من الله و هي تبشير والمزعجة من الشيطان وهي تخويف :

 أخواننا الكرام؛ انتبهوا لهذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري ومسلم:

(( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قــَالَ: إِنْ كُنْتُ لأرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحـَةُ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكــُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا مَنْ يُحِبُ،ّ وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَتَعـَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ))

 لأنه لا يصدقك، ولا يوجد دليل، إعلان شخصي وليست صالحة للتحدي، لا يوجد فيها دليل، والباب واسع، كل إنسان يدّعي أنه رأى رسول الله، فبشكل مختصر تقول له: أنت مستقيم رأيت رؤيا سارة، و هي بشارة من الله، مستقيم رأيت رؤيا غير سارة هي تخويف من الشيطان لا سمح الله، أما إن كنت لست مستقيماً و رأيت رؤيا سارة فهي تغرير من الشيطان، و إن كانت رؤيا سيئة فتنبيه من الرحمن، أربع حالات، الأصل أن تكون مستقيماً فالسار من الله و هو تبشير، والمزعج من الشيطان و هو تخويف.

 

سعادة الإنسان اللا محدودة عند رؤيته للنبي في منامه :

 أخواننا الكرام؛ كثيـــرون هم الذين يقولون: رأينا رسول الله، طبعاً يقول عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّـى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي ))

 أنا أنقل لكـم شيئاً سمعته من بعض أخواننا، يقول لك: لمدة شهر وأنا مغموس بسعادة لا توصف، لأنه رأى النبي مرة واحدة، كيف الذين عاشوا معه؟ كيف الذين رأوه بأمّ أعينهم؟ كيف الذين استمعوا إلى حديثه؟ كيف الذين جاهدوا معه؟ كيف الذين فدوه بأرواحهم؟ هذا في المنام تراه مرةً فتسعد، والله أيها الأخوة هذا إن لم تغب عن وجودك، فالشيء الدقيق جداً إن رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام تغب عن وجودك.
 مرة أخ من أخواننا و هو الآن مسافر، كنت في العمرة في إحدى السنوات، وحينما عدت من العمرة جعلت أحد دروس الأحد عن العمرة، هذا الأخ صادق ومنيب ذهب إلى البيت ألقى رأسه على الوسادة فرأى في الرؤيا أنه في المدينة المنورة، وقف أمام قبر النبي، رأى النبي واقفاً خلف الشبك فسأله عن أحواله وعن اسمه، وأين يحضر، وأثنى عليه، وبارك له، يقول هذا الأخ شهر بكامله وهو ذائب في محبة الله وفي سعادة لا توصف. الحقيقة إذا الإنسان رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام أو في الرؤيا:

((... مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي))

 أنت لم يتح لك أن تراه في اليقظة، لو أنك مشتاق له الاشتياق الكافي لرأيته في المنام، ولسألته وسألك، ولسعدت بقربه، ولغمرك بتجلّ لا يقدر بثمن، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يتيح لنا أن نرى النبي عليه الصلاة والسلام.

 

رؤيا النبي ليست أضغاث أحلام ولا تخيلات شيطان :

 لكن دققوا في لكن، أولاً رؤيا النبي ليست أضغاث أحلام، ولا تخيلات شيطان، بشرط أن تراه كما وردت أوصافه في كتب الصحاح، إذا كانت الرؤيا بلون غير لونه، بقوام غير قوامه، بشكل غير شكله، بطول غير طوله، فهذا ليس هو النبي ولو توهمت أنه النبي.
 العلماء قالوا: لا تعد الرؤيا رؤية النبي إلا إذا كانت صورته كما وردت في كتب الصحاح" بَاب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا" وعند مسلم:

(( عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيــْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ ))

 قال أنس:

(( عنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْــهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا وَلا مَسَسْتُ خَزًّا قَطُّ وَلا حَرِيرًا ولا شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا شَمَمْتُ مِسْكًا قَطُّ وَلا عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

 وقال أحد أصحابه:

((عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كـَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ وَلا مَسِسْتُ دِيبَاجَـةً ولا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

 سيدنا علي يصفه فيقول:

((عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللــَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ضَخْمُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيــَةِ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ مُشْرَبٌ وَجْهُهُ حُمْرَةً طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

 وسيدنا حسان يقول:

وأجمل منك لم تر قط عيني  وأفضل منك لم تلد النساء
خلقت مبرَّأً من كل عـيــــــــــب  كأنك قد خلقت كما تشـاء
***

رؤيا المؤمن لرسول الله لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً :

 و بعد فأخطر ما في الدرس أيها الأخوة أنّ رؤيا المؤمن لرسول الله لا تحل حراماً، ولا تحرم حلالاً، ولا تغير شيئاً فيما ثبت بالشرع، ولا تزيد عليه، ولا تنقص منه، إنْ رأيته ألف مرة فالشرع لا يتغير.
 قالوا: كان رجل صالح فقيراً في زمن العلّامة الكبير الشيخ عز الدين بن عبد السلام فرأى النبي في منامه يقول له في أرض كذا ركاز، أي مال دفين، ابحث عنه وخذه ولا تُؤَدِّ زكاته، ومعلوم أن زكاة الركاز الخُمس، إذا رجل وجد صحيفة ذهب عليه أن يؤدي خُمسَهُ زكاةً وليس اثنان ونصف بالمئة، فبحث هذا الرجل على الكنز الذي دله عليه النبي فوجده، فسأل العز بن عبد السلام فقال له: ماذا أفعل النبي قال لي: لا تؤدّ زكاته؟ قال له: بل أدِّ خُمسه للزكاة، ففتوى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويقظته مقدمة على فتواه في منامك، وأظنك لفقرك وفرحك بما وجدت نسيت أو توهمت، والراجح عندي أنه قال لك: أدِّ زكاته.
 لذلك أخواننا الكرام موضوع الرؤيا لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً، ولا تزيد في الشرع ولا تنقص منه، ولا يقيّم منها الأشخاص، انتبهوا هذه تتخذ ذريعة أحياناً، العالم الفلاني شاهد في منامه الرجلَ الذي خاصمه في حالة يرثى لها، هذه لا تتخذ قاعدة، الإنسان لا يقيّم من منام إطلاقاً، يقيّم بعمله، أحواله، بورعه، بطاعته إلى الله، فكل تقييم للأشخاص منطلق من رؤيا فهو باطل، لو أنك رأيت النبي عليه الصلاة والسلام وقال لك بخلاف الشرع ترد الرؤيا ويثبت الشرع. هذا هو ديننا، ديننا دين علم، أما الرؤيا فإشارة لك لا يبنى عليها حكم شرعي، تطمين، تحذير، اتصال من الله مباشر، لأن الله عز وجل قال:

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[ سورة الحجر : 99]

 أنت مكلف أن تعبد الله إلى أن تموت، و كل شيء تراه في المنام لا يقدم ولا يؤخر، هو بشرى لك، أما أن تبني عليه حقيقة فلا ثم لا.
 بلغنا أن بعض الأشخاص يصحح الحديث الشريف من رؤيا رسول الله يقول: صححه على مسؤوليتي لأني رأيت النبي، هذه ليس معقولة، نحن ديننا ليس دين منامات، كان رجل يدعي أنَّه كلما عرض عليه حديث يرى النبي فيخبره ما إن كان الحديث صحيحاً أم كاذباً، فجاء إنسان وقدم له حديثاً صحيحاً طبعاً هو كاذب، ادعى أنه رأى النبي وقال له: أنا قلته، فتح الكتب ورآه صحيحاً، و في اليوم التالي أعطاه حديثاً موضوعاً، فقال له: ما قاله النبي، هكذا قال لي، ثالث يوم أعطاه حديثاً ضعيفاً، فتح الكتب فرآه ضعيفاً، قال: سألته فقال هو ضعيف، هنا ظهر كذبه لأن النبي يقول عن الحديث إما قلته أو لم أقله.
 بصراحة إذا كان الدرس مبنياً على المنامات وعلى الكرامات وعلى السحبات فهذا ليس درساً، هذا حكواتي، يوجد درس علم ودرس حكواتي، و إذا كان الدرس أساسه منامات وسحبات فهذا الدرس للتسلية و ليس درس علم بأية حال.

 

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور