- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (039)سورة الزمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
كلمة بالحق كلمةٌ هادفة لأن الله حقّ:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الثالث من سورة الزمَر، ومع الآية الخامسة.
ربنا جلَّ جلاله يقول:
﴿
كلمة الحق كلمةٌ دقيقة جداً، لو قلت: حَكَمْتُ بالحق، أي حكمت بالعَدل، لو قلت: قلت حقاً، أي قلت صدقاً، لو قلت: خلق الله السماوات والأرض بالحق، أي خلقها لهدفٍ كبير.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)﴾
لو قلت: خلق الله السماوات والأرض بالحق، أي خلقها خلقاً ثابتاً، لأن خلق الله أساسه العِلم فخلقه ثابت، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿
فيتضح لكم من هذه الأمثلة أن كلمة الحق إن جاءت مع القول تعني الصدق، القول المطابق للحقيقة، إن جاءت إخباراً أي مطابقةٌ للواقع، إن جاءت في معرِض الخلق أي خلقٌ له هدفٌ كبير، إن جاءت في معرضٍ آخر أي بعيدٍ عن اللعب والعَبَث، فكلمة بالحق كلمةٌ هادفة لأن الله حقّ، إذا قلت: وفَّقت بينهم بالحق، أي بالحكمة، إذا قلت: فعلت الحق، أي فعلت ما يرضي الحق، لأن الله هو الحق.
كلمة الحق تدور مع السياق حيثما دار:
كلمة (بالحق) دقيقة لأن لها معان كثيرة بحسب السياق، فمن أولى معانيها أن الشيء إما أن يقوم على عِلم، وإما أن يقوم على جهل، فإذا قام شيءٌ على جهلٍ لابد من أن ينهار، إذا قام مذهبٌ على أساسٍ من الجهل، أو على أساسٍ من الهوى، أو من المصلحة فهذا المذهب لا يلبث أن ينهار، لأنه قام على مصلحة، أو قام على جهل، أو قام على هوى، أما إذا قام على الحق، أي قام على أسسِ علميَّة، والعلم علاقاتٌ ثابتة، الشيء الحق هو الشيء الذي بُنيَ على علم، وكل شيءٍ بني على علم يحمل طابع الاستمرار، إذاً الشيء الحق هو المستمر، الباطل هو الذي سينهار، جدارٌ بُنِي على الحق، بُنِي وفق الشاقول، وضِعَت المواد بشكلٍ مدروس وكافٍ هذا الجدار لا يقع، أما إذا بُنِي من غير شاقول، بُنِي مائلاً، والمواد غير جيِّدة فهذا الجدار لابدّ من أن يقع.
فبادئ ذي بدء الشيء الحق الذي بُنِي على أسسٍ علميَّة، ربنا سبحانه وتعالى بكل شيءٍ عليم، لذلك خلقه كامل، خلقه كامل لأنه عليم، عَلِمَ ما كان، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، هذا الشيء أُسِّسَ بالحق، أي أسِّسَ لهدفٍ نبيل، لا تؤسَّس الملاهي لهدفٍ نبيل، لكن الجامعات مثلاً تؤسَّس لترسيخ الحقائق ولترسيخ القيَم، نقول: هذه الجامعة أُنْشِئت بالحق، جامعةٌ أساسها الحقيقة والفضيلة، أما الملهى فقد أُسِّسَ بالباطل لإفساد النفوس، لترويج الباطل، لتزيين المعصية.
كلمة الحق إذاً لها معانٍ كثيرة، إذا وردت مع الخَلق أي أن هذا الكون بُنِي على علم، على علم الله عزَّ وجل، أن هذا الكون خُلِقَ لهدفٍ نبيل، لهدفٍ كبير.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
هذا الكون خُلِقَ ليبقى، لأن الإنسان خُلِق ليبقى بمعنى أنه خُلِقَ لجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، لو أن الإنسان خُلِق لأمدٍ قصير وبعد ذلك ينتهي كل شيء فهناك سؤالٌ كبير، إن هذه السنوات العشرة لا تستأهل كل هذا الكون، لكن الإنسان خُلِق ليبقى في جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض.
كلمة بالحق في اللغة أي لابس الحق خلق السماوات والأرض، وكلمة الحق تعني الله جلَّ جلاله، إذاً إذا فعلت شيئاً بالحق أي فعلته وفق أمر الله، وفعلته بما يُرضي الله، وفعلته لهدفٍ نبيل، وفعلته بعيداً عن اللعب والعبث، وإذا قلت الحق قلت قولاً صادقاً مطابقاً للحقيقة، وإذا قلت: بُنِي هذا الشيء وفق الحق أي على أسسٍ علميَّة، فكلمة الحق تدور مع السياق حيثما دار.
كلّ أسماء الله الحُسنى ظاهرةٌ في خلق الله عزَّ وجل:
ربنا جلَّ جلاله يقول: 
هذا الكون العظيم يُنبئُك أن بعد هذه الحياة الدنيا حياةً أبديَّة تسوَّى فيها الحسابات، هذا معنى بالحق، خُلِق وفق أسسٍ علميَّة، خُلِق لهدفٍ نبيل، خُلِق الكون ليكون للإنسان دليلاً إلى الله عزَّ وجل، وليبقى الإنسان في جنَّة الله إلى أبد الآبدين، خُلق وفق الحكمة، خُلِق وفق الرحمة، خُلِق وفق أسماء الله الحُسنى لأن الله هو الحق.
وذكرت لكم في درسٍ سابق أن كلمة السماوات والأرض هي التعبير القرآني الذي يرادف الكون، الكون ما سوى الله، وفي القرآن تأتي كلمة السماوات والأرض لتعبِّر عن كل شيءٍ سوى الله، والخَلق بالحق، انظر يجب على المرء أن يصل إلى الحق من خلال خلق الله عزَّ وجل، لأن الحق لابس خلق الله، تصل إلى الحق، الذات الكاملة كمالاً مطلقاً، خَلْق هذا الكون يعبِّر عن العَدل، وعن الرحمة، وعن اللطف، وعن القدرة، وعن الجَمَالِ، وعن القهر، كل أسماء الله الحُسنى ظاهرةٌ في خلق الله عزَّ وجل.
الحكمة من عدم تفصيل النبي الكريم للآيات الكونية التي وردت في القرآن الكريم:
الآن:
﴿
الشيء المكوَّر، الشيء المنحني، الشيء المُلْتَف، فالأرض كرة، فإذا قابلت الشمس أصبح نصف سطحها منيراً، وخطّ النور خطٌ منحنٍ، فإذا دارت الأرض انتقل الخط المنحني من النور إلى الظلام، فكأن النور يدخل في الظلام بشكلٍ منحنٍ، وهذه الآية فيها إشارةٌ لطيفةٌ إلى كرويَّة الأرض، قد يسأل سائل: لماذا لم يذكر الله في القرآن الكريم آيةً قطعيَّة الدلالة تشير إلى أن الأرض كرة؟ لأن هذا الأعرابي هذا الذي عاش زمن نزول القرآن الكريم يرى الأرض مُنبسطة، فإذا جاءت آيةٌ قطعيَّة الدلالة تبيِّن أنها كرة قد لا يحتمل هذا عقله، وإذا أغفل القرآن كرويَّة الأرض نهائياً، نأتي نحن وقد رأيناها كرة فنتعجَّب، خالق الكون ألا يعلم أنها كرة؟! لمَ لمْ يخبرنا؟ فهذا الموضوع لأنه موضوعٌ حسَّاسٌ جداً، لذلك جاء التعبير عنه بطريقة الإشارة لا بطريقة العبارة، قال تعالى:
﴿
وليس في الهندسة شكلٌ هندسي يمتدُّ الخطُّ عليه إلى ما لا نهاية إلا الكرة:
﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)﴾
والدُّحية هي الكرة، والتكوير هو الالتفاف والانحناء، فتداخل الليل بالنهار لا يكون إلا في شكل الكرة، لو أن شكل الأرض مكعَّبٌ ودارت حول نفسها يأتي الضوء فجأةً، ويغيب الضوء فجأةً، لأن المكعَّب له حروف، لكن الشكل الكروي شكل متصل ليس له حروف، إذاً إذا دار هذا الشكل الكروي تداخل الليل والنهار، لا يتداخل الضوء والظلام بفعل دوران حجمٍ من الحجوم إلا إذا كان كرةً، فهذه إشارةٌ لطيفة من الله عزَّ وجل إلى أن الأرض كرةٌ كما هي في الحقيقة، وقد يعجب الإنسان أن النبي عليه الصلاة والسلام قد فصَّل آيات التكليف تفصيلاً شديداً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يُفَصِّل في الآيات الكونية، وقد يسأل سائل: ما السبب؟ الجواب: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام بوحي من الله عزَّ وجل امتنع عن بيان تفاصيل هذه الآيات الكونيَّة، لماذا؟ لأنه لو فسَّرها تفسيراً بسيطاً يتناسب مع عقول من كان حوله لتساءلنا نحن: هذا التفسير البسيط لا يرضينا، ولو فسَّرها تفسيراً عميقاً يتناسب مع حقيقتها لعجب أصحابه من هذا التفسير، ولكن الآيات الكونيَّة في القرآن الكريم تركها النبي عليه الصلاة والسلام، ليكون التقدُّم العلمي في كل عصرٍ هو الذي يكشف خبايا هذه الآيات وإعجازها.
القرآن الكريم معجزةٌ مستمرَّة:
لذلك كتاب القرآن الكريم معجزةٌ مستمرَّة، لأنه كلَّما تقدَّم العلم، وكلَّما حلَّق في أجواء المعرفة، وكلَّما خاض في أعماق الأسرار، 
وجد أن القرآن أشار إلى هذا، فإلى أمدٍ قصير كان الكتاب الأول في علم الأجنَّة - الكتاب الأول الذي يُدَرَّس في معظم جامعات العالَم - يبيِّن أن تشكيل العَظم يأتي بعد تشكيل اللحم، لكن القرآن يذكر عكس ذلك.
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا
العظم قبل اللحم، يخرج أستاذٌ في جامعةٍ غربيَّة ليقول لطلابه خبراً كأنه مفاجأة، أو كأنه قنبلة، ويخبرهم أن كل شيءٍ تعلَّمتموه عن تسلسل تشكيل الأنسجة في الجنين غير صحيح، والصواب هو هكذا، يقوم طالب مسلم يقول: يا أستاذ هذه الحقيقة أشار إليها القرآن من قبل، لا يصدِّق ما يسمع، فطلب القرآن، وطلب ترجمته، فإذا الآية تقول:
كلَّما تقدَّم العلم كشف حقيقةً ذكرها القرآن الكريم:
ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾
الآية واضحة، كلمة مَرَج، مرج الشيء أي اضطرب، والبرزخ هو الحاجز، فالآية مفهومة لكن الواقع لا يؤكِّدها، بحران متصلان ولاسيما عند المضائق، البحر الأحمر مع البحر العربي، البحر المتوسِّط مع المحيط الأطلسي، البحر الأبيض المتوسِّط مع البحر الأسود، يوجد مضائق إذاً ما معنى هذه الآية؟ إلى أن اكتُشِفَ من خلال الأقمار الصناعيَّة، ومن خلال تصوير البحار من طبقات الجو العُليا أن هناك ألواناً متباينةً في البحار، تباين الألوان لفت نظر العلماء إلى أن هذا الماء غير هذا الماء، هذا الماء له كثافة، وله مكوِّنات، وله درجة ملوحة، وله درجة حرارة، غير هذا الماء، والدليل تباين الألوان، فلمَّا وصلوا إلى هذه المناطق الحرجة بين البحار وجدوا أن هذا البحر لا يطغى على هذا البحر، وأن هذا البحر لا يطغى على هذا البحر بشكل عجيب، فكلَّما تقدَّم العلم كشف حقيقةً ذكرها القرآن الكريم، وعندما قال ربنا عزَّ وجل:
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ
هذه
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)﴾
فقط،
العلم يصحُّ ويتقدَّم إذا وافق القرآن:
ربنا عزَّ وجل وصف السماء بصفةٍ واحدة قال:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾
معنى هذا أن كل شيء في الكون يدور في مسار مغلق، لو كان المسار حلزونياً لما رجع إلى مكانه، لكن المسار مغلق، فكل نقطةٍ تنطلق منها الأرض لابد من أن تعود إليها بعد عام، فمسار الأرض مُغْلَق، إذاً نحن أمام كتابٍ يُعدُّ إعجازه مستمرَّاً، فكلَّما تقدَّم العلم اقترب من القرآن الكريم، ومن ضعف الإيمان أن تفرح إذا جاء في القرآن آيةٌ تطابق حقيقة علميَّة، هذا من ضعف الإيمان، لكن ينبغي أن تفرح إذا وردت حقيقةٌ علميَّةٌ مطابقةٌ للقرآن، لا العكس، العلم يصحُّ ويتقدَّم إذا وافق القرآن، ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
هذه آية موجزة، فإذا أردنا أن نجري مساواةً مُطلقةً تامةً بين الرجل والمرأة فهذا مخالفٌ للقرآن الكريم، طبيعة المرأة بتفكيرها، ونفسيَّتها، وقدراتها الخاصَّة، ونَمط حياتها، حتى وبنيتها تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل، فربنا عزَّ وجل يقول:
كلَّما تقدَّم العلم اقترب من القرآن الكريم لأنه كتابٌ من عند خالق الكون:
الشيء الثابت أنه كلَّما تقدَّم العلم اقترب من القرآن الكريم، لأنه معك كتابٌ من عند خالق الكون، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الباطل الشيء المتغيِّر، 
أحياناً يكون كاتب عظيم الشأن لكنه ما أحاط بكل العلوم، ما من كتابٍ من صُنع البشر إلا والزمن يكشف بعض أغلاطه، أبداً، اقرأ مقالةً قبل خمس سنوات ترى فيها أشياء غير صحيحة، وقتها بدت لك صحيحة، أما الآن فطبيعة التطوُّر تكشف خطأها، هذا الشيء ثابت، أنا قرأت مرَّة كتاباً لعالِمٍ جليلٍ جليل كبيرٍ كبير، يقول: إن الإنسان إذا أكل فبخار الطعام يصعد إلى الدماغ، وكأن البطن جوف متصل، هذا الشيء مناقض للعلم، لكنه طبعاً لا يؤاخذ لأن معطيات العلم وقتها لم تكن تسمح له أن يعرف الحقيقة، هناك علماء أفتوا بأن التدخين حلال، اليوم ذكرت في الخطبة أن الدخان فيه أشياء خطيرة جداً، أول شيء أن الكريَّة الحمراء عند المدخنين تحب أول أكسيد الكربون أكثر مما تحب الأوكسجين، فإذا دخَّن المرء هذا الغاز السام تعلَّق بالكريَّة الحمراء، وقلَّل من حمل الأوكسجين، فالإنسان الذي يدخِّن يشعر بوهنٍ في قِواه، لياقته البدنيَّة أقل مما سواه، قدرته على بذل الجهد أقل من غيره، هذا أول شيء.
الشيء الثاني: هذه المادَّة التي في التبغ تسبِّب رفع ضربات القلب، من خمس عشرة إلى عشرين ضربة، تسبِّب لزوجة في الدم، هذه تجعل الإنسان معرَّضاً للإصابة بجلطات دمويَّة، الضغط يرتفع خمس عشرَة ضربة بالمئة عن ضغط الإنسان غير المدخِّن بالضبط، فأحياناً الشعيرات التي في الأطراف تُسَد بفعل الدخان، وإذا سُدَّت توقَّفت التروية، فاسودَّ العضو فلابدّ من بتره، يوجد بالقصبة الهوائيَّة أهدابٌ تتحرَّك نحو الأعلى دائماً، فأي شيءٍ غريب دخل إلى القصبة، هذه الأهداب تدفعه نحو الأعلى، لكن إذا دخَّن الإنسان أصيبت هذه الأهداب بالشلل.
ذكرت اليوم بالخطبة أكثر من ثمانية بنود خطيرة؛ بعضها يصيب الدم، بعضها يصيب القلب، بعضها يصيب العضلات، بعضها يصيب الأعصاب، هناك رجل رأى أن الدخَّان مباحٌ وليس في التدخين حرج، حينما قال هذا الكلام لم تكن معطيات العلم بين يديه، إذاً ما من إنسانٍ من بني البشر إلا ويغفُل عن بعض الحقائق، فإذا كُشِفَت له الحقائق عاد إلى الصواب، هذا القرآن الكريم هل رأيتم فيه شيئاً كشف العلم خطأه؟ مستحيل لأنه كلام خالق الكون، تشعر بكل خليَّةٍ في جسمك، وبكل ذرَّةٍ في دماغك أن هذا القرآن كلام الله.
تسخير الشمس للإنسان:
﴿
كلمة سخَّر، الشمس مسخَّرة لمن؟ أنت أيها الإنسان بنصِّ القرآن الكريم الكون مسخَّرٌ لك، فأيهما أعظم شأناً عند الله المُسَخَّر له أم المسخَّر؟ المسخَّر له، إذاً أنت المخلوق الأول، أنت المخلوق المكرَّم الذي سخَّر الله لك ما في السماوات والأرض، إذاً:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾
حجم الشمس يزيد عن حجم الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة، أي أن مليون وثلاثمئة ألف كرة أرضية تدخُل في جوف الشمس، وجوف الشمس تزيد حرارته عن ستة ملايين درجة، بينما سطح الشمس لا يتجاوز العشرين ألف درجة، لو أُلقيت الأرض في جوف الشمس لتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، هذه الشمس تَكبُر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة، لهيب الشمس يخرج عن سطحها إلى أكثر من نصف مليون كيلو متر، 
وفي بعض الحالات مليون كيلو متر، لسان اللهب الذي يخرج من الشمس يزيد طوله عن مليون كيلو متر، وبين الأرض والشمس ما يزيد عن مئة وستَّةٍ وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، الشمس مسخَّرة،
لو أنها انطفأت فجأةً لأصبحت الأرض قبراً متحرِّكاً، لأن الأرض من دون شمس تصل حرارتها إلى درجة الصفر المُطلق، والصفر المطلق مئتان وسبعون درجة تحت الصفر، وفي هذه الدرجة ربَّما توقَّفت الذرَّات عن الحركة، وإذا توقَّفت عن الحركة تلاشى الجسم انتهى، كل جسم له ذرَّات، والذرَّة فيها نواة وكهارب، أساس الحياة هي الحركة الدائمة.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾
في آسيا أقوام عبدوا البقر، أقوام عبدوا الشمس، والأولى أن يعبد الإنسان خالق الشمس والقمر، وأن يعبد خالق هذه الأنعام التي سُخِّرت لنا،
من قواعد التفكير أن يفكِّر الإنسان بالشيء وعدمه:
الإنسان كيف يفكِّر؟ من قواعد التفكير أن يفكِّر بالشيء وعدمه، تصوَّر الأرض بلا شمس، انتهت الحياة، الحياة تنتهي فجأةً، تصوَّر أن الشمس أقرب إلى الأرض مما هي عليه.
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)﴾
هذه المسافة مسافة دقيقة جداً، لو أنها زادت لاحترق كل ما على الأرض، لو أنها ابتعدت لمات كل ما على الأرض من شدَّة البرد، إذاً الحجم مناسب، والمسافة مناسبة، والحرارة مناسبة، والأرض حجمها مناسب، ودورتها مناسبة، ومحورها مناسب، وسطوحها المائيَّة الواسعة جداً مناسبة، لولا هذا المُسَطَّح المائي الضخم لما كانت الأمطار، لو كانت أربعة أخماس الأرض قارَّات يابسة والخمس بحراً، البحر لا يكفي عندئذٍ لإنزال الأمطار، لكن أربعة أخماس سطح الأرض بحر، 
وشمس، وتبخُّر، ورياح من أجل أن تنعقد الأمطار فتبنت الزرع والكلأ، كما قال الله عزَّ وجل:
﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)﴾
الكون نصبه الله عزَّ جل ليكون أداةً للتعريف به:
بدورة الأرض حول نفسها ينشأ النهار والليل، بتنقُّل الأرض على مسارها حول الشمس تنشأ الفصول، فالحركة أساس الزمان، لذلك: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي هذا الكون نَصَبه الله عزَّ جل ليكون أداةً للتعريف به:
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)﴾
انتهت الحياة الدنيا، وبقي يوم الدين.
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)﴾
الكون تنتهي وظيفته مع انتهاء الدنيا ويبدأ الحساب:
هذا الكون تنتهي وظيفته مع انتهاء الدنيا، ويبدأ الحساب، نحن في دار ابتلاء، وهناك أدلَّة عظيمة وكثيرة ومتنوِّعة، قال تعالى:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)﴾
وبعد هذه الأدلَّة، وبعد انقضاء العمر، لابدّ من وقفةٍ بين يدي الله عزَّ وجل ليحَاسَب فيها الإنسان، إذاً:
أدقّ تعريفات العزيز:
من أدقِّ تعريفات العزيز، إذا قلت: هذا الشيء عزيز، أي يحتاجه الناس جميعاً، مادَّة أوليَّة، الخيط مثلاً، يقول لك: هذه مادَّة أوليَّة، السكر في أكثر الصناعات الغذائيَّة، فالشيء العزيز الذي تشتدُّ الحاجة إليه، والشيء العزيز، يقول لك: هذه بضاعة عزيزة أي نادرة، قليلة، والشيء العزيز هو الذي يندُر وجوده، والشيء العزيز المنال هو الذي يصعب الوصول إليه، إذا وصفت الأشياء بأنها عزيزة، فتشتدُّ الحاجة إليها، ويقلُّ وجودها، ويندر وجودها، ويصعب الوصول إليها، أما إذا وصفنا الذات الإلهيَّة، وصفنا الله بأنه عزيز كما وصف نفسه، نقول: يحتاجه كل شيء في كل شيء، هذا الافتقار، يحتاجه كل شيء في كل شيء، أنت أحياناً تحتاج شخصاً لشيء واحد، يعطيك مالاً، شخص يعالجك، الأشخاص تحتاجهم في حاجةٍ واحدة، لكن الله عزَّ وجل تحتاجه في كل شيء، لا أنت وحدك، بل كل شيء، لا المخلوقات، الكائنات كلُّها؛ الجماد، والحيوان، والإنسان، يحتاجه كل شيء في كل شيء.
وإذا قلت: يندر وجوده في الأشياء، الله عزَّ وجل لا ثاني له، لا شريك له، لا نِدَّ له، لا مثيل له.
والمعنى الثالث: أنه يستحيل أن تحيط به، يمكن أن تصل إليه بعقلك، يمكن أن تتصل به بنفسك، أما أن تحيط به فهذا مستحيل، ربنا عزَّ وجل يقول:
التفرقة لا وجود لها عند الله فالبشر جميعاً مدعوّون لفضل الله عزَّ وجل:
﴿
أي التفرقة لا وجود لها عند الله عزَّ وجل، البشر جميعاً مدعوّون لفضل الله عزَّ وجل، لا يوجد طبقيَّة، كل البشر مخلوقون للجنَّة، لو أن الله عزَّ وجل - كما يزعم بعض الجهلة - خلق النار وخلق لها من يدخلها، وخلق الجنَّة وخلق لها من يدخلها، فكان هذا يتناقض مع هذه الآية:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
هذه طبيعته، إذا كان في غفلةٍ عن ربِّه، وشعر بقوَّته، أو بغناه، أو بتفوقه، يطغى، هذه حقيقة بالإنسان، هذه من طبيعة الإنسان.
طبيعة الإنسان أنه مبتلى:
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
طبيعة الحياة الدنيا أنه لن تصل إلى شيء إلا ببذل جهدٍ كبير،
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)﴾
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾
الإنسان خُلِق من عجل، الإنسان خُلق ضعيفاً، الإنسان حادث.
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾
الإنسان مبتلى، الإنسان كادح، الإنسان أوتي القدرة على الإدراك، فيه قوَّة مدرِكة، الإنسان علَّمه الله البيان، الإنسان كما قلت: عجول، يطغى أن رآه استغنى، خُلِقَ البشر جميعاً من طبيعةٍ واحدة، هذه الطبيعة لصالحهم، لصالح إيمانهم، لصالح إقبالهم على الله، لصالح تحقيق الهدف الكبير الذي خُلِقوا له في الدنيا.
الإنسان مبدع ومشرِّع وفرد لا ثاني له والإنسان مريد وهذا كلُّه تكريمٌ للإنسان:
﴿
هذه الآية دقيقة جداً، خذها من الناحية الماديَّة، تجد شركة في شمال كندا تصنع دواء، هذا الدواء يُصدَّر إلى جنوب أستراليا، فيه مادَّة مسكِّنة، يأخذه إنسان في جنوب أستراليا، وبين البلدين بحارٌ شاسعة، وهناك انقطاعٌ بين البلدين، ومع ذلك المادَّة الفعَّالة في شمال كندا تؤثِّر وتفعل فعلها في جنوب أستراليا، معنى هذا أن بنية الإنسان واحدة، بنية جسمه واحدة، وربنا عزَّ وجل في خلقه إشارتان، الإشارة الأولى أنه واحد، الأساس واحد، وفي خلقه تنويع، ربنا عزَّ وجل واحد وواسع في وقت واحد، فكل إنسان له شكل، وله لون، وله نبرة خاصَّة، وله رائحة جلد خاصة، وله قُزحيَّة خاصَّة، وله زمرة دمويَّة خاصة، وله زمرة نسيجيَّة خاصَّة، وله بصمة خاصَّة، هذه هويَّة، رائحة جلده هويَّة، لا يتشابه إنسانان في الأرض برائحة جلدهما، القُزحيَّة توقيع، 
أحدث بحث علمي الآن، شكل القزحيَّة لا يشركك فيه أحد، حتى الآن توجد أجهزة، أقفال لا تُفْتح إلا على شكل قزحيَّتك، تضع عينيك على القفل فيفتح الباب، لأن الإنسان ينفرد بنسيجٍ خاصٍّ في قزحيَّته، وينفرد ببصمةٍ خاصَّة، وينفرد بتركيبٍ دموي خاص، وينفرد برائحةٍ خاصَّة وبنبرةٍ صوتيَّةٍ خاصَّة، هذه كلِّها هويَّات له، فالإنسان فرد تكريماً له، الله جعله فرداً لا شبيه له، وهذا من اسم الله جلَّ جلاله، فتكريماً للإنسان جعله فرداً، وجعله مختاراً، وجعل الإنسان فوق هذا وذاك مشرِّعاً، أي أعطاه آيات احتماليَّة ظنيَّة الدلالة، فالإنسان يجتهد في استنباط الأحكام، إذاً سمح الله له أن يكون مشرِّعاً، حينما كلَّفه أن يجتهد من نصوصٍ ذات طابع كُلِّي جاءت الأحكام التفصيليَّة، وسمح للإنسان أن يُبدع لأن طبيعة الكون فيها إمكان أن تبدع فيها؛ لديه مورِّثات، لديه كروموزومات، عنده أشياء كثيرة، تجد أنهم اخترعوا وردة سوداء، اخترعوا أشجاراً مقزَّمة، اخترعوا أشجاراً مُعَمْلَقَة، أجروا تطويرات كثيرة جداً، هذا ليس سبقاً من الإنسان، لا إنه بعلم الله، ربنا عزَّ وجل صمَّم الكون بطريقةٍ تُمكِّن الإنسان من أن يبدع بها، فالإنسان مبدع، والإنسان مشرِّع، والإنسان فرد لا ثاني له، والإنسان مُريد، هذا كلُّه تكريمٌ للإنسان.
المرأة من حيث التشريف والتكليف مساويةٌ للرجل تماماً لكنها تختلف عنه بالبنية:
﴿
المرأة من طبيعة الرجل، نفسٌ بشريَّةٌ فُطِرَت كفطرته، وكُلِّفَت بما كُلِّف، طولبت بالإسلام والإيمان، مشرَّفةٌ ومكلَّفةٌ، لها مشاعر، لها أحاسيس، كل ما يحسُّ به الرجل تحس به المرأة، إذاً هي مخلوق، والدليل أنَّ الله عزَّ وجل قال:
﴿
﴿
إذاً المرأة من حيث التشريف والتكليف مساويةٌ للرجل تماماً، لكن من حيث البنيَّة الفيزيولوجيَّة والبنية النفسيَّة تختلف عنه لاختلاف مهمَّتها في الحياة، لذلك قال تعالى:
تسخير الأنعام للإنسان:
الله عزَّ وجل قال:
﴿
الضأن، والماعز، والبقر، والإبل، ذكور وإناث صاروا ثمانية، هذه مسخَّرة، أخٌ كريم ذكر لي، في بعض القرى المحيطة بدمشق بقرةٌ جمحت وخرجت عن تذليلها، فقتلت رجلين وجرحت أربعة، فاضطُّر صاحبها - وقد دفع ثمنها سبعين ألف ليرة - أن يمسك مسدَّساً ويطلق عليها الرصاص لتقف عند حدِّها، هذه قصَّة عميقة جداً، لو أن البقر كله أصبح متوحِّشاً، من جعل البقرة مذلَّلة؟ تعطيك الحليب، لحمها تأكله، وجلدها تستعمله، وضَرْعُها تتغذَّى منه، والألبان أساسٌ في قِوام حياة الإنسان؛ السمن، والجبن، واللبن، والحليب، والقشطة، والزبدة، أصناف منوَّعة جداً، تجد على المائدة عشرة أصناف كلّها أساسها اللبن، تحضر عقد قران فيقدِّمون لك بوظة في الصيف، هذا من الحليب، في الشتاء محلاية من الحليب، كثير من الأكلات أساسها الحليب، معظم الحلويات أساسها الحليب، إذاً الله عزَّ وجل سخَّر هذه الأنعام.
الأنعام كلها مذلَّلة وهذه من نعم الله عزَّ وجل:
﴿
التذليل، لو أن الله عزَّ وجل ركَّب طِباع الضبع في الأغنام، هل تستطيع أن تحضرها إلى البيت في العيد يلعب بها الصغار؟ لا يستطيعون، لو أنه لم يذلِّلها لما استفدنا منها، إذاً هي مخلوقةٌ تكريماً لنا، وفيها شيء قد لا تنتبه إليه، هو أنها مذلَّلة، مخلوقة مذلَّلة، قال:
علم الأجنَّة وحده يكفي كي تؤمن بالله عزَّ وجل:
هذا الطفل الصغير، أي إذا أُتيح للإنسان أن يقرأ علم الأجنَّة، علم الأجنَّة وحده يكفي كي تؤمن بالله عزَّ وجل، الطفل الصغير تراه كائناً جميل الصورة، له جمجمة، صندوق عظمي مغلق بمفاصل ثابتة، 
فيه تحرُّك بسيط ليمتص الصدمات، لو لم يكن هناك مفاصل بشكل خطوط منكسرة في الجمجمة لكان الطفل أول ما يقع على الأرض يكسر رأسه، لكن تسمع رنين رأسه على الأرض بشكلٍ صارخ، ومع ذلك ينجو من كسر الرأس، هذا بفضل وجود مفاصل بشكل خطوط منكسرة متداخلة، فإذا تلقى صدمةً تداخلت هذه المفاصل وامتصَّت الصدمة، والآن أحدث الأجهزة تُبنى على هذه الطريقة، تجد فيها شيئاً من المرونة، هذه لامتصاص الصدمات، تصميم من؟ وهذا الدماغ الذي يوجد فيه مئة وأربعون مليار خليَّة سمراء لا تُعرف وظيفتها بعد، وأربعة عشر مليار خليَّة قشريَّة فيها المحاكمة، والتفكُّر، 
والتذكُّر، والتخيُّل، والتصوُّر، فيه مركز السمع، والبصر، والرؤية، والحركة، وتوازن السوائل، والتوازن الحراري، والغدَّة النخاميَّة، موصول بها مئة وخمسون ألف عصب، ملكة الجهاز الهرموني، تفرز اثني عشر هرموناً، ملكة تسيطر على كل الغدد الصمَّاء في الجسم وزنها نصف غرام، مربوطة مع الجهاز العصبي بمئة وخمسين ألف عصب، تُفرز مادَّة واحدة هي هرمون النمو، مؤلَّف من مئة وثمانية وثمانين حمضاً أمينياً،
والحمض الأميني أعقد تركيب كيماوي، ويجب أن يكون بالدم عشرة ميكرو غرام من هذا الهرمون لينمو النمو الطبيعي، وإلا يتعملق الإنسان أو يتقزَّم، هذه النُخاميَّة تفرز اثني عشر هرموناً؛ هرمون النمو، الهرمون الجنسي، هرمون الثدي، إفراز الحليب، هرمون توازن السوائل، هرمون التوازن الحراري، شيء لا يعلمه إلا الله.
الله عزَّ وجل يلفت نظرنا إلى آياته في أجسامنا:
تكون لديه دورة صغرى ثم تصير دورة كبرى، ورئتان، وشُعَب هوائيَّة، ومعدة فيها خمسة وثلاثون مليون عصارة هاضمة، تفرز لتراً ونصف اللتر من حمض كلور الماء، هذا الحمض يتم الهضم به، وحتى الآن السؤال المحيِّر: لماذا لا تهضم المعدة نفسها؟ أنت أحياناً تأكل أبوات، وهي عبارة عن معدة الخروف، فلماذا معدة الخروف هضمتها ومعدتك لم تهضم، هذا سؤال كبير لماذا لا تهضم المعدة نفسها؟ الله عزَّ وجل يُلفت نظرنا إلى آياته في أجسامنا، 
إذا دخل إلى البويضة التصق بها، فيه مادَّة نبيلة لها غشاء رقيق يتمزَّق الغشاء، المادَّة تؤثِّر بجدار البويضة، تثقبه وتدخل، ثم تغلق البويضة الباب، لقد اكتفت بواحد، لا تعدُّد أزواج عند البويضة، دخل أقوى حوين، 
الحوين يوجد عليه مورِّثات، الحوين مجموعها خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة، خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة في الحوين، وخمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة في البويضة:
تنقسم البويضة الملقَّحة إلى عشرة آلاف قسم دون أن يزيد حجمها، تسير داخل أنبوب، والأنبوب رقيق، ودقيق جداً لو زاد حجمها لحبست، وفي الرحم يزداد حجمها؛ من نطفةٍ، إلى علقةٍ، إلى مضغةٍ مخلَّقةٍ، وغير مخلَّقةٍ، إلى عظمٍ، إلى لحمٍ، إلى طفلٍ صغير يبكي، ويبارك الأحبة لبعضهم، رزقوا مولوداً، طفل له عينان، وله أذنان، وله شعر، وله أنف، وله فم، وله لسان، وله يدان، وله أصابع، وله سُلاميَّات، يتحرَّك، يبكي، يضحك، يشرب حليباً، الطريق سالك ومفتوح، يحتاج إلى من ينظفه بعد ذلك، معنى هذا أن الحليب قد هُضِم، هذه كلها الآيات بين أيدينا، بين أيدينا جميعاً.
الظلمات الثلاثة:
﴿
ظلمة غشاء الجنين، الغشاء الذي يحيط بالجنين هذا هو الخلاص، وظلمة الرَحِم، وظلمة بطن المرأة، البطن مظلم، بداخله الرحم، بداخل الرحم الجنين، والرحم هذا العضو في المرأة، حجمه سبعة ونصف سنتيمتراً مكعَّباً، أي كالإجاصة تماماً، بعد الحمل يكبر حجمه ويأخذ كل حيّز البطن، إذاً كيف يخرج الجنين؟ قال تعالى:
﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)﴾
هناك هرمون يأمر عظم الحوض فيتباعد، الولادة عمليَّة في منتهى التعقيد، لو درستم عِلم الأجنَّة وعلم الولادة شيءٌ لا يُصدَّق، الجهاز العظمي، الحوض يتمفصَّل ويتباعد قال:
قلب الأم المؤمنة وحده آيةٌ من آيات الله عز وجل:
قيل: إن الرحم عندما يضغط جراء الطلق فلو أن الطريق مفتوح أمامه لقذف الطفل اثني عشر متراً، أقوى عضلة في النوع البشري هي عضلة الرحم، 
هذا الرحم يتقلَّص تقلُّصاً خفيفاً لطيفاً ليخرجه شيئاً فشيئاً، بعد أن يولد يتقلَّص الرحم تقلُّصاً شديداً، قالوا: هذا التقلُّص الشديد من أجل أن يُغْلق عشرات ألوف الأوعيَّة الدمويَّة التي فُتِحَت، الطبيب أو القابلة تضع يدها على الرحم فتراه كالصخر فتقول: ولادة سليمة، الرحم بعد الولادة يصبح صخرياً، تقلُّصه قبل الولادة تقلُّص لطيف لئلا يموت الطفل، بعد الولادة تقلُّص عنيف، العلماء قالوا: لو تبادل هاتان التقلُّصان لماتت الأم ووليدها، لو كان التقلُّص قبل الولادة تقلُّصاً حادَّاً لمات الطفل، ثم بعد الولادة لو كان التقلُّص لطيفاً لماتت المرأة من النزيف، فتصميم من؟ تصميم الله عزَّ وجل، هذا خلق الله، قال:
﴿
هذا هو الله، هذه أفعاله، هذا خلقه، يتبدَّى من خلال خلقه علمه، وحكمته، وخبرته، ورحمته، ولطفه، ومحبَّته، هناك حيوانات تأكل أطفالها، لكن الإنسان مكرَّم، ربنا عزَّ وجل أودع في قلب الأم رحمةً ما بعدها رحمة، قلب الأم وحده آيةٌ من آيات الله، طبعاً أعني المؤمنة، قلبها وحده آيةٌ من آيات الله عزَّ وجل.
كل الخير والسعادة من طريق الإيمان:
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)﴾
لا إله غيره، إلى أين أنتم ذاهبون؟
وفي آياتٍ أخرى إن شاء الله تعالى يقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)﴾
هذه الآية إن شاء الله نؤخِّرها إلى درسٍ قادم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين
الاستماع للدرس
نص الزوار
إخفاء الصور
