وضع داكن
30-11-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة المعارج - تفسير الآيات 1-4 حتمية الحساب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتَنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنِا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الأول من سورة المعارج:

 العذاب الواقع:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿  سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(1)﴾

[  سورة المعارج  ]

 إذا قال الله عزَّ وجل: ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ فلا بدَّ من أن يقع، والإنسان -أيها الإخوة- مُخيَّر، ومعنى مُخيّر؛ أن الشهوات التي أمامه محسوسة، بينما عقابها خبر في القرآن الكريم، وأنّ الطاعات التي أمامه يمكن أن يتحمَّل من أجلها جُهداً، ولكنّ جزاءها خبرٌ في القرآن الكريم، فلو أنّ الشهوات مع نتائجها كانت جميعاً محسوسة لمَا كان الإنسان مُخيَّراً، بل صار مُضطَراً، ولو أن الطاعات مع نتائجها محسوسة لمَا كان الإنسان مخيراً، ولا ثواب له، بل إنه يصبح عندئذ مضطراً، والشيء الدقيق جداً هو أن المؤمن سُمِّيَ مؤمناً؛ لأنه يؤمن بالغيب، ويؤمن بجنةٍ لم يرها، لكن الله أخبره عنها، ويؤمن بنارٍ لم يذُق حرَّها لكن الله أخبره عنها، فلو كانت الجنة والنار محسوستان كالشهوات التي بين أيدي الناس، لمَا اقترف إنسانٌ معصيةً، ولا يرقى بهذه الطاعة لأنه في هذه الحالة يكون مضطراً عليها.
 

مثال:


 أوضح مثلاً على ذلك: ضع على طاولةٍ مبلغاً من المال، وليقف أمامه إنسان، ثم قل له: إن أخذته بغير حقٍ أطلقت عليك النار، فهل يأخذه؟ إطلاقاً، ضعْ على طاولة ثانية صندوقاً، وقل لإنسان: ادفع مائة ليرة وخذ ألفاً، ستجد الناس جميعاً يقفون وراء بعضهم بعضاً ليأخذوا هذه المِيزة، فلو أن نتائج الطاعة كانت محسوسة كمقدِّماتها، ولو أن نتائج المعصية كانت محسوسة (حسِّية) كأسبابها، لمَا عصى إنسانٌ ربَّه إطلاقاً ولمَا ارتقى بهذه الطاعة، إنها طاعةٌ اضطرارية، وأنت لا ترضى ولا ترقى عند الله عزَّ وجل إلا إذا آمنت به غيباً، وأطعته على ثوابٍ أخبرك به، ولا ترقى إطلاقاً إلا إذا اجتنبت معصيته على عقابٍ أخبرك الله عنه، ولذلك كانت مشكلة غير المؤمن أنه يتعامل بحواسِّه، فما دام في صحة وبحبوحة، قادر على أن يمارس كل نشاطات حياته، والشهوات التي بين يديه مستعرة فينغمس فيها، وينسى أن الله أوعَد هؤلاء العصاة بعذابٍ شديد، بينما ربنا عزَّ وجل في هذه السورة يقول: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ طبعاً إن هذه السورة مَكِّيَةٌ بإجماع العلماء.
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ قد يقول الكافر أحياناً -لاستهزائه بحقائق الدين ولعدم تصديقه لكلام الله عزَّ وجل-: أين العذاب؟ فليأتِ، وحينما يقول أحدٌ هذا الكلام يكون كتلة من الجهل، لأنه يقول ذلك لخالق الكون، فأنت لا تقول لإنسانٍ قوي يفعل ما يقول: افعل ما تريد، فهذا كلام فيه تحدٍّ، لكن الإنسان لجهله ولعدم معرفته أحياناً يستعجل عذاب ربِّه، فيقول: أين العذاب؟ أين المرض؟ أين الدمار؟ نحن أقوياء، يقول لك: أنا قوي، وكأنَّه لن يموت، وكأنه لن يمرض، وكأنه يضمن ما هو فيه من شهواتٍ ومَوات.
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ أي: التمسَ ملتمسٌ عذاباً للكافرين، هذا العذاب قال الله عنه:

﴿ لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٌ (2)﴾

[   سورة المعارج  ]

 لو أن أهل الأرض كلَّهم والإنس والجن اجتمعوا على أن يمنعوا عذاباً عن إنسان لا يستطيعون.
 قال عليه السلام:

(( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ. ))

[ من سنن الترمذي: عن ابن عباس  ]

 قال تعالى:

﴿  مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)﴾

[  سورة فاطر  ]

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.))

[ من مسند أحمد: عن أبي الدرداء  ]

 

الخوف دليل العقل:


 أيها الإخوة الأكارم، الله جلَّ جلاله يبيِّن في هذه الآية أنّ العذاب الذي توعَّد به الكافرين واقعٌ لا محالة، وأن القضية هي قضية وقت فقط، فالعذاب واقعٌ بهم لا محالة مع وقف التنفيذ إلى أن يستكملوا أجلهم، إنسان محكوم عليه بأن العذاب سوف يُصبُّ عليه لكن في الوقت الذي يراه الله مناسباً، هذا الإنسان لو عرف هذه الحقيقة لمَا نام الليل.
 يا أيها الإخوة الكرام، كلَّما نما عقل الإنسان نما خوفه، فالخوف متعلِّق بالعقل، مرة قال لي إنسان مستهزئاً: أنا لا أخاف من الله، قلت له: معك الحق، قال لي: كيف؟ قلت: إن بعض الفلّاحين يذهبون ليحصدوا القمح مع أطفالٍ صغار في سن السنتين، فقد يمر جنب هذا الطفل الصغير ثعبانٌ ضخم، لكن هذا الطفل لا يخاف أبداً، بل يضع يده عليه، قلت له: إذا انعدم الإدراك انعدم الخوف، فالذي لا يخاف ليس عنده إدراك أبداً، وهذه قاعدة أيها الإخوة: "إن صحّ الإدراك كان الخوف، وإنْ كان الخوف نقلك إلى السلوك" .
 وأوضح مثل على ذلك أنك إذا كنت في بستان فرأيت أفعى، فحسب خبراتك السابقة، والقصص التي سمعتها، والكتب التي قرأتها، والمشاهدات التي شاهدتها، هذه كلُّها كوَّنت في ذاكرتك مفهومات أن الأفعى قد تكون قاتلة، وسُمّها قاتل، فهذه المفهومات التي أُودِعت فيك؛ من خبرات وتجارب ومطالعات وقراءات شكَّلت لك إدراكاً، فإن رأيت أفعى تتحرك أمامك وكان الإدراك صحيحاً، فلا بدَّ من أن تشعر بالخوف منها، فعلامة الإدراك الصحيح الشعور بالخوف، وإن خِفْتَ منها حقيقةً فلا بدَّ من أن تتصرف، فإما أن تهرب وإما أن تقتلها، فصحة الإدراك تنقلك إلى الشعور، وصدق الشعور ينقلك إلى الحركة، الإدراك أولاً ثم الانفعال ثم الحركة، وإذا لم يكن هناك حركة فلا يوجد انفعال، فعدم وجود الانفعال معناه عدم وجود الإدراك، فالإنسان حينما لا يخاف يكون إدراكه للخطر غير صحيح، فقد تجد إنسانين؛ أحدهما يُمْسِك بالفاكهة ويأكلها والتراب عليها، بينما الطبيب يغسلها كثيراً، لأن إدراك الطبيب بحسب معلوماته ومشاهداته للجراثيم والأمراض والأوبئة والأمراض المُعْدِيَة يدفعه إلى غسل الفاكهة، بينما الذي لا يعلم هذه الحقائق كلها قد يأكلها بترابها ولا يدري ماذا يفعل، فالخوف متعلِّق بالإدراك، فالذي لا يخاف الله إدراكه معدوم، ومن هنا قيل: "أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً".
 فكلما نما إدراك الإنسان نما خوفه من الله، وأذكر أنني زرت بعض المعامل فرأيت صاحب المعمل في وضعٍ صعبٍ جداً، فوجهه مُصْفَر، ونفسه مضطَّربة، فقلت: ما الذي حدث؟ قال: تعال انظر، لقد كان المعمل قائماً والآلات تعمل بانتظام وكل شيء على ما يرام، قال لي: تعال انظر، فنظرت فإذا بجسرٍ مركزيٍّ في السقف فيه خط بسيط، قال: جئنا بدكتور في الهندسة وقال: هناك انزياح في أساسات المعمل، وإصلاح هذا الانزياح يحتاج إلى خمسمائة ألف ليرة، فقلت: لو نظر إنسان عادي لهذا الشِّق في هذا الجسر لقال: إنه يحتاج إلى معجون وطلاء وانتهى الأمر، أما العالم فيقول: هناك انزياح في أساسات المعمل، وهذا آيِلٌ إلى السقوط، فلا بدَّ من إصلاح هذه الأساسات بأقرب وقت.
 فالعلم معه خوف، ويصحبه إدراك للنتائج، والإنسان إذا خاف بعينيه كان في مستوى البهيمة، أما إذا خاف بعقله كان في مستوى الإنسان، وأقرب مثل على ذلك الدُّخان، فالمدخن يدخِّن دون أن يشعر بشيء، ويقول لك: (الدخان ما فيه شيء مضرّ)، أما حينما يُداهمه المرض الخبيث، ولا يسمح له الدخان أن يعيش ولا ساعة أو ولا سنة عندئذ يدرك أنه خاف بعينيه ولم يخف بعقله، أما إذا خاف الإنسان بعقله تصوَّر المستقبل قبل أن يصل إليه، فمن أدق تعريفات العقل: أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه.

نحن عبيد وعباد:


 أيها الإخوة، أردت من هذه المقدمة أن أقول: إننا جميعاً عبيدٌ لله عزَّ وجل، فنحن عَبيد ونحن عِباد، و(عَبيد) جمع عبد القهر، فكلنا عبيدٌ لله؛ بمعنى أننا مقهورون؛ في وجودنا وفي سلامة وجودنا، وفي استمرار وجودنا إلى الله عزَّ وجل، وكلكم يعلم أن أي خللٍ في جسم الإنسان يجعل حياته جحيماً لا يُطاق، وأن أحداً لا يملك أجهزته، ولا خلاياه، ولا سيولة دمه، ولا دماغه، ولا قلبه، ولا رئتيه، ولا أمعاءه، ولا أي غدةٍ في جسمه، إذاً ما دمنا مقهورين، وما دمنا عبيداً لله عزَّ وجل فكيف نعصيه؟ كيف نعصيه وكل مقومات سلامتنا وسعادتنا بيد الله عز وجل!
قال أحدهم لأحد العلماء: أريد أن أعصي الله، فقال له: لا شيء عليك، اعصِه إذا شئت، ولكن احتَط لخمس نقاط، قال له: ما هي؟ قال: إن أردت أن تعصيه فاعصِه في مكانٍ لا يراك فيه، وإن أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه، فقال: أين أسكن إذاً؟ قال: تسكن أرضه وتعصيه؟ هذا ليس معقول، قال له: هاتِ الثانية، قال: إن أردت أن تعصيه فلا تأكل من رزقه، قال: وماذا آكل إذاً؟ قال: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه؟ قال: هاتِ الثالثة، قال: إن أردت أن تعصيه فاجهد أن تعصيه في مكانٍ لا يراك فيه، قال: هو معنا دائماً، قال: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه وهو يراك! قال: هاتِ الرابعة، قال: إن أردت أن تعصيه وجاءك ملك الموت فلا تذهب معه، ارفض، قل لا أريد أن أموت، قال له: لا أستطيع ذلك، قال له: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه وهو يراك ولا تستطيع أن تتفلَّت من ملك الموت! قال له: هاتِ الخامسة، قال له: إذا جاءك الزبانية ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم، قال له: لا أستطيع، قال له: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه وهو يراك ولا تستطيع أن تتفلَّت من ملك الموت ولا من زبانية جهنم! فكيف تعصيه إذاً؟
أيها الإخوة، إن الإمام الغزالي لمَّا خاطب نفسه قال: "يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلةٍ تحبِّينها فلا شك أنك تمتنعين" ، فأنت تطبِّق تعليمات الطبيب بحذافيرها من أجل صحتك وقلبك، "أيكون الطبيب أصدق عندك من الله"، إنك تصدِّق الطبيب، وقد تبيع بيتك الذي في الطابق الرابع في اليوم التالي، وقد تعبت في شرائه، وتزيينه، وهندسته، وتأثيثه، قد تبيعه فوراً لأن الطبيب أمرك بهذا، فأنت تصدِّقه دون أن تصدق الله عزَّ وجل! "إن منعك طبيبٌ من أكلةٍ تحبينها فلا شك أنكِ تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ فإن كان كذلك فما أكفرك، أيكون وعيد الطبيب أشدّ عندك من وعيد الله" ، فالطبيب يقول لك: هذا الدَّرج قد يؤثِّر على قلبك، وهذا الطعام قد يرفع ضغط الدم عندك، والوعيد هو ضعف في القلب أو ارتفاع في الضغط، "أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله! إذاً فما أجهلكِ" .
 إخواننا الكرام، إن أي إنسانٍ يعصي الله مدموغٌ بالكفر والغباء والجهل؛ لأننا بيد الله، وفي قبضة الله؛ حياتنا، وأجهزتنا، وأعضاؤنا، وأنسجتنا، فنمو الخلايا إما أن ينمو نمواً نظامياً فالوضع سليم، وإما أن تنمو هذه الخلايا نمواً عشوائياً فالوضع مميت، فمن منا يملك قلبه ورئتيه ومعدته وأمعاءه وكبده، وكليتيه، وحركته، ودمه السائل إنْ أصبح لزجاً، من منا يملك ذلك؟ إذا كنا في قبضة الله عزَّ وجل فكيف نعصيه؟ ماذا تقول له إذا قال لك: يا عبدي لمَ عصيتني؟ لديك جواب؟

لا تدع الدنيا تستهلكك:


﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ العذاب الذي أوعدَ به الكافرين واقعٌ لا محالة، لكن الإنسان أحياناً يكون كالنعامة تماماً؛ يَتْبَعُها عدوٌ لها ليفترسها، فتجد أن أفضل شيء أن تغمس رأسها في الرمل، عندئذٍ لا ترى عدوها فالمشكلة في نظرها قد حلّت؟ فتسهل بذلك لعدوها أن يفترسها بلقمةٍ سائغة، فالحقيقة هي أن هناك مشكلة، وهي أن الإنسان أحياناً الحياة تستهلكه؛ فمن يوم إلى يوم، ومن فصل إلى فصل، ومن سنة إلى سنة، ومن عمل إلى عمل، ومن مشروع إلى مشروع، تستهلكه الحياة ويغفل عن ساعة لقاء الله عزَّ وجل، فيُؤسس مشروعاً، ويحضِّر دكتوراه، ويفكر في الزواج، منهمِك إلى قمة رأسه في الأمور الدنيوية، ويغيب عنه أنه في لحظةٍ واحدةٍ قد يكون من أهل القبور، في لحظة واحدة يغدو خبراً بعد أن كان رجلاً، لقد كان رجلاً له وزن وله حجم وله فكر وله عاطفة، وله نشاطه وله حركته، وله مكانة في بيته، وله مركز تجاري، وله سمعة، لكنه فجأةً يصبح خبراً على الجدران.
 فيا أيها الإخوة الكرام، وقفتي عند قوله تعالى: ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ إنه واقع لا محالة، ولا نستطيع أن ننجو من عذاب الله إلا بطاعة الله، ولا نستطيع أن ننجو من هذا العذاب الواقع إلا بالصُّلح مع الله.

الوهم المريح والحقيقة المُرّة:


 إخواننا الكرام، أخطر شيء في الحياة الوهم المريح، وأصعب شيء الحقيقة المرة، فالإنسان إذا كان رجلاً بالمعنى الصحيح، لا يأبه للوهم المريح بل يبحث عن حقيقةٍ مرة تقلقه، وقد ذكرت الوهم المريح في درسٍ سابق، فقد يسمع طالب في أول العام الدراسي كلمةً غير صحيحة تقول: أنك إن قدَّمت هديةً للأستاذ قبيل الامتحان فإنه يعطيك الأسئلة، فالطالب هنا يرتاح راحة كبيرة جداً، لأن الدراسة قد انتهت، فلن يحضر، ولن يدرس، ولن يذاكر، ولن يلخِّص، ولن يؤدِّي واجباته على إطلاقاً اعتماداً على هذا الوهم المريح، قبل الامتحان بيوم طرق باب الأستاذ ليقدِّم له الهدية ويأخذ الأسئلة مكانها، فصفعه الأستاذ على وجهه وطرده وركله بقدمه، وهذه هي الحقيقة المُرة، فالأستاذ لا يفعل هذا أبداً، ولو أنه علم هذه الحقيقة في أول العام لدرس ونال الشهادة، لكنه علمها بعد فوات الأوان، علمها قبل الامتحان بيوم، فالأمر انتهى، فيجب على الإنسان ألا يكون ضحية وهمٍ كاذبٍ، ألا يكون ضحية انهماك في الدنيا، ألا يجعل الدنيا تستهلكه، قال تعالى:

﴿ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمًا(63)﴾

[  سورةالفرقان ]

 ذكرت من قبل أن العَبيد جمع عبد القَهر، أما العِباد فهو جمع عبد الشُكر قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمًا﴾ ما معنى: ﴿هَوْنًا﴾ ؟ أي بِتُؤَدة، فهذا الذي يمشي على الأرض هوناً لا يسمح لعمله أن يستهلكه، وما أكثر الذين استهلكتهم أعمالُهم، فهو مُنْغَمِس في علمه إلى قمَّة رأسه؛ لا يفقه شيئاً ولا يعي شيئاً ولا يهتم بشيء، فقد استهلكه عمله وأنهاه، لا يسمح لأسرته أن تستهلكه، ولا يسمح لبيته أن يستهلكه، ولا يسمح لمشكلةٍ أن تستهلكه، يمشي هوناً، ويسأل دائماً من أنا؟ أين كنت؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ أما هذا الذي يعيش لحظته فهو إنسانٌ تافه، يعيش لأنه يعيش، ويعيش لأن قلبه ينبض، لا يعرف من أين؟ ولا إلى أين؟ ولا لماذا؟

السلامة والسعادة مطلبان أساسيان:


 فيا أيها الإخوة الكرام، كلنا لا نحتمل العذاب أبداً، فلو أنَّك سألت خمسة مليارات إنسان يعيشون على سطح الأرض في القارات الخمس: هل هناك مطلبان ثابتان دائمان أساسيان؟ لقيل لك: نعم هما السلامة والسعادة، اذهب إلى أي إنسان في العالم؛ فمن منا يحب المرض؟ مَن منا يحب أن يصيبه مرضاً عضالاً؟ -لا سمح الله ولا قدر- من منا يحب الفقر المُدقِع؟ من منا يحب الذل؟ من منا يحب أن يكون مُهاناً؟ أن يكون شقياً في بيته؟ أن يكون دنيئاً أمام الناس؟ كلنا نحب السلامة، فباستقامتك على أمر الله تسلم، وكلنا نحب السعادة، وباتصالك بالله تسعد، فالسلامة ثمنها الاستقامة، والسعادة ثمنها العمل الصالح، فإن استقمت على أمره سلِمت، وإن عملت الأعمال الصالحة سعدت، والذي يطلب السلامة والسعادة عليه أن يصطلح مع الله، وأن يطيع الله عزَّ وجل، وأن يتقرّب إليه بالأعمال الصالحة ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ*لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾

الحساب على الله:


﴿  لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٌ مِّنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ يَحْفَظُونَهُۥ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ(11)﴾

[  سورة الرعد ]

 علاقتك مع الله عز وجل، فهناك أُناس يتوهمون أن فلاناً رجل صالح، فإذا كنت معه أنجو، فهو يحاول أن يغطِّي أشياء بأشياء، وقد ذكرت اليوم في الخطبة: أن الإنسان إذا كان في أعلى درجة من الذكاء وطلاقة اللسان وقوة الحُجة، والتقى مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان في خصومة مع أحد أصدقائه، وعرض أمره على النبي، واستطاع بطلاقة لسانه، وقوة حجته، وحِنكته أن ينتزع من فم النبي فتوى لصالحه، وأيّ فتوى أهم من فتوى النبي وهو سَيِّد الأمة، وسيد ولد آدم، المعصوم الذي يُوحى إليه! لو أنَّك انتزعت من فم النبي عليه الصلاة والسلام فتوى لمصلحتك بقوة حجتك وبطلاقة لسانك ولم تكن محقاً فإنك لن تنجو من عذاب الله، فـعلاقتك مع من إذاً؟ إنها مع الله، قال عليه الصلاة والسلام:

((  لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. ))

[  من صحيح البخاري: عن أم سلمة  ]

 هذا الحديث وحده أيها الإخوة يكفي لئلا نعتمد إلا على الله، وألّا نرجو إلا الله، وألّا نخاف إلا من الله، وألّا نضع آمالنا إلا على الله، فلو أفتى لك النبي عليه الصلاة والسلام، ولو سمح لك ولو قضى لك ولو حكم لك، ولم تكن محقاً فإنك لن تنجو من عذاب الله، وهذا الحديث صحيح (لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) فالإنسان كلما زاد عقله زادت طاعته لله، وزاد حرصه على القرب من الله.

معاني ( العذاب الواقع ):


﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ*لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ وقال بعضهم: هذه الباء زائدة، أي: سأل سائلٌ عذاباً واقعاً للكافرين، فإمّا أن نفهم هذه الآية على أنّ الكافر لجهله وبعده وتكذيبه واستهزائه يستعجل عذاب الله عزَّ وجل، فيقول: أين العذاب؟ ليُنزِل بنا العذاب، وإما أنّ المؤمنين ينتظرون أن يُنزِل الله عقابه بالكافرين، وإمّا أنّ المسلمين سألوا عن عذاب الله: بمن يقع عذاب الله؟ ومتى؟ فهذا من علم الله عزَّ وجل، أي إمّا أنْ يسألَ مسلمٌ اللهَ عزَّ وجل أن يدمِّر الكافرين، والله عزَّ وجل يقول:

﴿ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)﴾

[  سورة يونس ]

 أي: إنك يا محمد قد لا تستطيع أن ترى نتائج أو عقاب الكافرين، فقد ترى وقد لا ترى، فإذا كان النبي وهو أكرم الخلق على الله عزَّ وجل يرى أو لا يرى، فنحن ليس هذا من شأننا، فأنت عليك أن تطيع الله عزَّ وجل، والإنسان حينما يستقيم على أمر الله ويصل إلى هدفه مع الله، فلا علاقة له بالطرف الآخر، عُذِّب أو لم يُعَذَّب، "كفاك على عدوِّك نصراً أنه في معصية الله" ، فالإنسان لا يعلِّق أهمية فيقول: لم لا يدمِّر الله هؤلاء الكُفَّار الذين أخرجوا الشعوب من بلادهم وتغطرسوا، وافتخروا، وتحدَّوا، وهدموا بيوت الناس؟ أين الله؟ لمَ لا يدمِّرهم؟ إن هذا استعجال، وهذا ليس من شأنك، بل هو من شأن الله عزَّ وجل، وأنت عليك أن تطيع الله وانتهى الأمر.

﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ(66)﴾

[ سورة الزمر  ]

 تنتهي مهمة الإنسان المؤمن حينما يلتزم أمر الله ونهيه، وحينما يرجو الله عزَّ وجل أن ينصر المؤمنين، وهو يفرح حينما يُنْزِل الله عقابه للكافرين، لكن لا ينبغي أن ينتظر وأن يسأل وأن يتعجَّب، إذاً: إما أنّ السائل هو مسلم ينتظر أن يُنزِل الله عقابه بالكافرين، وإما أنّ السائل مستهزئ كافر يقول: متى وعد الله؟ وإما أنّ السائل يسأل متى وأين؟ فالجواب عند الله عزَّ وجل.
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ*لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ وقد قال الله تعالى:

﴿  وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44)﴾

[  سورة الحاقة  ]

 آيات الدرس الماضي.

﴿ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾

[  سورة الحاقة  ]

 فلا تعتمد -أيها الأخ الكريم- على مالك، لقد قال شخص هذه الكلمة: إن المال يحل كل مشكلة، قالها وهو يجهل أن هناك مشكلات لا يحلها المال، فوقع في ورطةٍ، فدامت ثلاثة وستين يوماً، وكانت في محلٍ لا يُحْتَمَل أن تبقى فيه ساعة، وكان يأتيه هذا الخاطر كل يومٍ.
 وهناك رجل توفِّي، وقبل أن يتوفَّاه الله عزَّ وجل خرج من معمله في جهة الجنوب، وكان بيته في المهاجرين، فبقي ساعاتٍ طويلة يبحث عن بيته، فقد ضاع من ذاكرته مكان بيته، قيل: هذا فقْدٌ جزئي للذاكرة، وهناك فقدٌ كلّي، فأصبح لا يعرف أبناءه، فمن اعتمد على ماله فإن المال يذهب بأدنى سبب، ومن اعتمد على عقله وذكائه فالعقل يذهب بأدنى سبب، ومن اعتمد على من حوله فقد يتخلَّى الذين حوله عنه في أحرج المواقف، لذلك:

(( لو كنتُ متخِذًا مِنْ أمتِّي خليلًا دونَ ربِّي لاتخذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكنْ أخي وصاحِبي. ))

[ صحيح الجامع ]

 إخواننا الكرام، هذه كلمةٌ من القلب: من اعتمد على غير الله فقد أشرك؛ فلا تعتمد على زوجة، ولا على ولد، ولا على أقرب الناس إليك، ولا على قوةٍ في جسمك، ولا على ذكاءٍ في عقلك، ولا على مالٍ بين يديك، ولا على مكانةٍ تتمتع بها بين الناس، ولا على رصيدٍ من أيّ نوع، اعتمِدْ على الله، فحينما توحِّد تجد أن الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك، وحينما لا توحِّد تجد أن الله سبحانه وتعالى قد يتخلَّى عنك، وإذا تخلَّى الله عنك لا تجد حولك أحداً.
 سمعت عن رجل له ولدٌ وحيد، وقد قدّم لهذا الولد كل شيء، فكسِب مالاً حراماً لينفق عليه في دراسته، وكان يعلِّق آمالاً عريضةً على هذا الابن، فأرسله ليدرس وليأتي بالدكتوراه، فتزوَّج هناك وتجَنَّس هناك، واستقر هناك، وقطع عن أبيه كل صِلة، فكل مَن يعتمد على غير الله يلقى تأديباً من الله عزَّ وجل، فقُم بكل واجباتك تجاه أولادك، وتجاه زوجتك، وتجاه إخوانك، وتجاه جيرانك، ولا تعتمد إلا على الله، قُمْ بواجباتك ولا تعلِّق أملاً إلا على الله، افعلْ كلّ عملٍ طيب ولا تجعل لعملك سنداً لك في حياتك الدنيا.
 لذلك أيها الإخوة، إن الشرك الخفي تأديبه قاسٍ، لأن الله عزَّ وجل يغار أن تتّكِل على غيره وأن تضع ثقتك في غيره، فلذلك تُفاجأ بأن كل جهةٍ تضع ثقتك عليها تتخلَّى عنك في أحرج المواقف.

معاني ( المعارج ):


﴿ مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلۡمَعَارِجِ(3)﴾  

[ سورة المعارج  ]

 قال العلماء: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أي: ذي العلوّ والدرجات الفواضل والنِّعَمْ.
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ ذي الدرجات العالية الرفيعة، وهذا ثناءٌ على الله عزَّ وجل، وقال بعضهم:
﴿ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ مراتب إنعامِه على الخلق.
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ ذي الدرجات العُلا، وهذا ثناءٌ على الله. 
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ مراتب إنعامه على الخلق، فقد أنعم عليك بنعمة الإيجاد، وأنعم عليك بنعمة الإمداد، وأنعم عليك بنعمة الهدى والرشاد، فجعلك إنساناً بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، وأعطاك أسرةً، ومنحك زوجةً، منحك أولاداً، وأعطاك عقلاً، أعطاك حواسَّ، أعطاك أعضاء تتحرك، فهناك نعمٌ كثيرة.
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أي: ذي المراتب في إنعامه على الخلق، وقيل: 
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ ذي العظمة والعلاء. وقال بعض العلماء:
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ معارج السماء، أي طبقات السماء.
إما الدرجات العُلا وهذا ثناءٌ على الله. 
أو درجات الإنعام على الخلق، وهذا نوعٌ آخر. 
أو ذي العظمة والعلاء. 
أو ذي معارج السماء، الذي خلق السماء على هذه الطبقات. 
أو: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ معارج الملائكة.
وقالوا: ﴿الْمَعَارِجِ﴾ الغُرَفْ التي جعلها لأوليائه في الجنَّة، وكل هذه المعاني تَصْدُق على كلمة:

﴿  مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ(3) تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٍ(4)﴾

[ سورة المعارج ]

 

الملائكة والروح:


 الملائكة هذه الأجسام النورانية التي تُسَبِّح الله عزَّ وجل.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾

[  سورة التحريم  ]

 والروح هو جبريل، وهذا من عطف الخاص على العام، فالملائكة وعلى رأسهم جبريل، أو الروح اسم جنس لكلّ نفوس البشر حينما تموت، فالإنسان حينما يموت تَعْرُجُ روحه إلى السماء لتلقى حسابها عند الله، فإما أنه جبريل، وإما أنّ الروحَ اسم جنسٍ لأرواحِ بني آدم.

 (يوم مقداره خمسين ألف سنة ):


 ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ لهذه الآية وقفةٌ متأنِّية، قال بعض العلماء: هو يوم القيامة، فهو يومٌ طويل على أهل الكفر، قصيرٌ على أهل الإيمان، فربنا عزَّ وجل عَبَّرَ عن طول هذا اليوم بخمسين ألف سنة. 
أيها الإخوة، لقد جعل الله يوم القيامة على الكافرين مقدارَ خمسين ألف سنة، ثم يدخلون بعدها النار للاستقرار فيها، أي أنّ يوم الحساب يطول ويطول حتى يصل إلى خمسين ألف سنة، والقاعدة تقول: إن دقيقة الألم ساعة، وإن ساعة اللذَّة دقيقة، والزمن يطول ويَقْصُر، فهو يطول على المُعذَّبين ويقصر على المحبِّين:

إن يطل بعدك ليلي فلَكَم      بِتُّ أشكو قِصَرِ الليل معك

[ ابن زيدون ]

 وقد أراد الله جلَّ جلاله أن يبيِّن أن هذا اليوم، يوم القيامة هو على الكافرين عسير، وهو عليهم طويلٌ طويل، ومقداره خمسون ألف سنة، وإمّا ليكون هذا الرقم معبراً عن طول هذا اليوم، أو أن طوله خمسين ألف سنة من سنيّ الدنيا، فهو إمّا رقم للتكثير، أو رقم للتحديد، فإما أنّ هذا اليوم مقداره خمسون ألف سنة من سنوات الدنيا، أو أنّ هذا اليوم طويلٌ طويل طويل فهو يزيد على خمسين ألف سنة ليُكَثِّر الله هذا اليوم، ويجعل هذا اليوم نخافه جميعاً في الدنيا، ومما يؤكِّد معنى أن هذا اليوم يوم القيامة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( والَّذي نفسي بيدِه إنَّه لَيُخفَّفُ على المُؤمِنِ حتَّى يكونَ أخَفَّ عليه مِن صلاةٍ مكتوبةٍ يُصلِّيها في الدُّنيا. ))

[  تخريج ابن حبان بسند ضعيف ]

 أي أن هذا اليوم الذي هو خمسون ألف سنة على الكافرين يَقْصُر ويَقْصُر على المؤمنين ليصبح مقدار صلاةٍ مكتوبةٍ في الدنيا؛ أي: ربع ساعة، ويطول على أهل الكفر ويقصر على أهل الإيمان، فهذا الذي يؤكِّد معنى أنّ هذا اليوم يوم القيامة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 

(( ما من رجلٍ لا يُؤدِّي زكاةَ مالِه إلَّا جاء يومَ القيامةِ شُجاعًا من نارٍ، فيُكْوَى بِها جبهتُه وجنبُه وظهرُه في يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقضَى بينَ النَّاسِ. ))

[ صحيح الترغيب ]

 هذا الحديث أيضاً يؤكِّد أن هذا اليوم هو يوم القيامة.
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ﴾ فكلمة الروح تعني اسم جنسٍ لأرواح البشر، أي: إن كل إنسان ستصعد روحه إلى السماء لتحاسَبْ عن كل أعمالها، فإن كانت هذه النفس كافرةً طال عليها اليوم طولاً لا حدود له، أو كان مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة، وقال إبراهيم التَيْميّ: "قدْر ذلك اليوم على المؤمن لا يزيد على ما بين الظهر والعصر" ، وهذا قول آخر.
 

تقريب للأذهان:


 بالمناسبة: إن الله عزَّ وجل قال تقريباً لإفهام الناس قال هذا اليوم في الآخرة للمؤمن ربع ساعة مقدار صلاة مكتوبة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا تقريب، وربنا عزَّ وجل سريع الحساب: 

﴿ ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلَىٰهُمُ ٱلْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَٰسِبِينَ (62)﴾

[  سورة الأنعام ]

فإذا فهمنا هذه الآية فهماً علمياً قلنا: الآن هناك بعض الأجهزة في أمريكا تقرأ أربعمائة وخمسين مليون حرف في الثانية، والذي يمتلك الحاسوب يعرف ما معنى هذا الكلام، فقد تطرح سؤالاً: أن ابحث لي في الأحاديث عن حديث في هذه الكلمة، فيقرأ لك ستين أو سبعين ألف حديث خلال ثوان، فإذا وصل الإنسان إلى سرعة الحساب بهذه الطريقة، فكيف الله سبحانه وتعالى ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَٰسِبِينَ﴾ ! فالوقت عنده معدوم، والحساب فوري، وكل إنسان معه نتائج عمله، لكن ربنا عزّ وجل يقول كما قال عليه الصلاة والسلام: (أخَفَّ عليه مِن صلاةٍ مكتوبةٍ) وهذا تقريب للأذهان، حتى إن قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ(82)﴾

[  سورة يس  ]

 فكلمة: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ تحتاج إلى وقت، فهي تحتاج إلى ثوانٍ، وهذه أيضاً للتقريب، وأحياناً ربنا عزَّ وجل يقول:

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54)﴾

[  سورة الأنعام ]

 الله لا يكتب، لكننا نحن إذا كان الشيء مكتوباً نثق به أكثر، يقول لك: أنا معي عقد، أنا معي سند، معي تصريح، معي تنازُل، فالإنسان يرتاح للشيء المكتوب، فربنا عزَّ وجل حينما قال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ إنما قال ذلك ليطمئننا، أو لنفهم ما معنى أن وعد الله حق، فحتى كلمة: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَٰسِبِينَ﴾ فلا يوجد وقت على الإطلاق، فالإنسان كاد أن يلغي الوقت، والإنسان بحساباته على الحاسوب كاد أن يلغي الوقت بحساباته، فكيف الله عزَّ وجل؟ والله تعالى يقول:

﴿ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا(24)﴾

[  سورة الفرقان  ]


الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن:


 لذلك قال العلماء عن ربهم: إنه لا يشغله شأنٌ عن شأن، فأنت قد تكون مشغولاً بقضية، وحينما تنتهي تلتفت إلى قضية ثانية، فهذا شأن العباد، لكن شأن رب العباد أنه لا يشغله شيءٌ عن شيء، فلو كنت محاسِباً وأردت أن تعطي عشرة موظفين الرواتب، فإنهم يقفون أمامك واحداً تلو الآخر، فتبحث عن اسم كل واحد منهم، كما تبحث عن مبلغه، وتنقده راتبه، ويوقع لك، ثم يمشي، ويأتي الثاني، فأنت لا تستطيع أن تدفع للعشرة في ثانية واحدة، لأن هذا ليس من شأن البشر، فأنت مشغول بالأول عن الثاني، وبالثاني عن الثالث، وبالثالث عن الرابع، لكن الله جلَّ جلاله لا يشغله شيءٌ عن شيء.
﴿إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾ قال بعض العلماء: كما يرزقهم في ساعةٍ واحدة يُحاسبهم في لحظةٍ واحدة، فالحساب فوري، ويؤكِّد هذا قوله تعالى:

﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍۢ وَٰحِدَةٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ(28)﴾

[  سورة لقمان  ]

 وعن ابن عباس:

﴿ يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥٓ أَلْفَ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾

[ سورة السجدة ]

 هذه الآية في سورة السجدة، قال: "أيامٌ سمَّاها الله عزَّ وجل هو أعلم بها كيف تكون" .

الآيات المتشابهة:


 أحياناً قد يوجد بعض الآيات -وهي قليلة جداً - متعلقة بذات الله، منها قوله تعالى:

﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22)﴾

[  سورة الفجر ]

 فأين كان؟ وإلى أين أتى؟

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10)﴾

[  سورة الفتح ]

 هل لله يد؟

﴿ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُۥ فَقَدْ عَلِمْتَهُۥ ۚ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلْغُيُوبِ(116)﴾

[  سورة المائدة ]

 هل له نفس الله عزَّ وجل؟

﴿  كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(27)﴾

[  سورة الرحمن  ]

 الله له وجه؟ له نفس؟ له يد؟ له سمع؟ له بصر؟ هل يأتي؟ ينتقل؟

﴿ ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ(16)﴾

[  سورة الملك  ]

 هو في السماء؟ في الأرض؟ وهذه آياتٌ قليلةٌ جداً جداً، ولا تزيد على أصابع اليد وهي تتعلَّق بذات الله عزَّ وجل، وإنّ أسلمُ وأكملُ موقفٍ هو أن تفوِّض معناها إلى الله، فآيات التكليف واضحة، وآيات الأمر والنهي واضحة، وآيات افعل ولا تفعل واضحة، لا تحتاج إلى مفسِّر.

﴿ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(78)﴾

[  سورة الإسراء  ]

﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)﴾

[  سورة النساء ]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾

[  سورة البقرة  ]

 آيات الأمر والنهي واضحة، وهناك آيات لا تزيد على أصابع اليد تتعلق بذات الله، وأكمل فهمٍ لها أن تفوِّضَ لله عزَّ وجل أمر معناها، والموقف الثاني هو أن تُؤَوِّلَها تأويلاً يليق بجلال الله، فيده قوته، وسمعه وبصره عِلمه، ومجيئه مجيء أمره، ووجهه هو ذاته، ونفسه هي ذاته، أما أن تُعَطِّل هذه الصفات، فهذا انحرافٌ في العقيدة، أو أن تجسد هذه الصفات فهو انحرافٌ آخر في العقيدة.

الآيات المتعلقة بذات الله:


أيها الإخوة، دققوا في هذا القول: ابن عباس رضي الله عنه، الذي دعا له النبي بأن يفهّمه الله كتاب الله وأن يعلمه التأويل، ماذا قال عن هذه الآية: ﴿فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥٓ أَلْفَ سَنَةٍۢ﴾
قال: "أيام سماها الله عز وجل، هو أعلم بها كيف تكون، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم" ، سيدنا ابن عباس، فهي آيات قليلة جداً متعلقة بذات الله وأفعاله، إن أوّلتها وفق ما يتناسب مع كمال الله فلا بأس، وإن لم تفعل فوّض أمرها إلى الله لا تجسِّد ولا تعطِّل. 
وقيل: معنى ذكر خمسين ألف سنة تمثيل؛ أي تعريف بطول هذا اليوم يوم القيامة على الكافرين، فهو يوم طويل جداً، وما يلقى الناس فيه من الشدائد، والعرب تصف أيام الشدة بالطول، وأيام الفرح بالقِصَر.
الملخص؛ أوجه تفسير أنّ هذا اليوم يوم القيامة وهو طويل جداً على الكافرين، قصير جداً على المؤمنين، قال:

﴿ فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا(5)﴾

[ سورة المعارج ]

الصبر الجميل: هو الصبر الذي لا جزع فيه، ولا شكوى لغير الله، وقال: الصبر الجميل: أن ترى صاحب المصيبة بين الناس وكأنه واحد منهم، لا يمتاز بشيء غير غيره، يجلس بشكل متوازن وعادي، وما دام هو كذلك ولديه مصيبة معنى ذلك أنه صبر عليها صبراً جميلاً؛ إمّا ألا تشكو ذلك إلى الله، وإما أن تصبر على هذه المصيبة وكأنها لم تقع.

﴿ إِنَّهُمۡ يَرَوۡنَهُۥ بَعِيدًا(6)﴾

[ سورة المعارج ]

 لتكذيبهم بهذا اليوم ﴿يَرَوۡنَهُۥ بَعِيدًا﴾ يعني بعيد الوقوع، يعني لا يقع، لا أنه طويل الأمد، يقول لك: هذه الفكرة بعيدة عن الواقع، أي لا أعتقد بها، ﴿إِنَّهُمۡ﴾ لتكذيبهم بهذا اليوم ﴿يَرَوۡنَهُۥ بَعِيدًا﴾ .

﴿ وَنَرَىٰهُ قَرِيبًا (7)﴾

[ سورة المعارج ]

يعني كل متوقعٍ آتٍ، وكلّ آتٍ قريبٌ، وليسأل الإنسان نفسه هذا السؤال: هل بقي بقدر ما مضى؟ أكثر من تجاوز الأربعين أغلب الظن أن الذي بقي أقل مما مضى، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينَ والسَّبعينَ وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ. ))

[ أخرجه الترمذي ]

فالذي تجاوز الأربعين ما بقي من عمره أقل مما مضى، وهذه حقيقة، وعلى كلٍّ:

﴿ كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ(185)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿إِنَّهُمۡ يَرَوۡنَهُۥ بَعِيدًا* وَنَرَىٰهُ قَرِيبًا﴾ لِيسألِ الإنسان نفسه هذا السؤال مهما كان عمره: كيف مضت هذه السنوات؟ يقول: كلمح البصر، فإذا كانت كل تلك السنوات التي مضت كلمح البصر، فالسنوات المتبقية القادمة سواء كانت عشرين سنة أو أقل أو أكثر ستمضي أقل مما مضت سابقاتها.
وفي درس قادم إن شاء الله نتابع الحديث عن هذه الآيات:

﴿ يَوۡمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلۡمُهۡلِ(8) وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ9)) وَلَا يَسۡـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمٗا (10)﴾

[ سورة المعارج ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور