وضع داكن
29-11-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 10 - إقامة القرآن في حياتنا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أصناف البشرية :

أيها الأخوة الكرام، في الأرض الآن مذاهب واعتقادات واتجاهات وأديان وشرائع ونظم، الأرض طافحة بالأفكار والتصورات والفلسفات، أما من حيث السلوك: فالبشر متوزعون بنماذج لا تعد ولا تحصى

ولكن هل تصدقون أن كل هذا التنوع في التفكير، وأن كل هذا التنوع في السلوك يمكن أن ينتظم بنموذجين؟:

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ﴾

[سورة المائدة الآية: 27]

سيدنا آدم أبو البشرية، له ابنان، البشر من آدم إلى يوم القيامة، على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، وخصائصهم، ومذاهبهم, وطوائفهم، هم في النهاية؛ إما إنسان يشبه قابيل، أو إنسان يشبه هابيل، هابيل قدم قرباناً إلى الله من أفضل ماله، وقابيل قدم قرباناً من أسوأ أمواله، إنسان تقرب إلى الله بأطيب أعماله, وإنسان تقرب إلى الله بأسوأ أعماله، قابيل آثر شهوته على حكم الله، وهابيل آثر طاعة الله على حظه من الدنيا، ولن تجد في الأرض إلا أحد هذين النموذجين، هناك لله حكم، وهناك شهوة ومصالح وأهواء، فإذا آثرت حكم الله على مصالحك، وعلى شهواتك، وعلى أهوائك, فأنت كهابيل مؤمن راق, وأنت إذا آثرت مصالحك وشهواتك وأهواءك على حكم الله عز وجل, فأنت كقابيل، ولن تجد في الأرض إنسان ثالث؛ قابيل أو هابيل.

ما محور هذه القصة؟ :

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾

[سورة المائدة الآية: 27]

هذه الآيات شرحت مطولاً بأحد دروس الجمعة، يهمني في هذه العجالة: أن أضع خطوط عريضة للقصة، قال تعالى:

﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا﴾

[سورة المائدة الآية: 27]

لأن هابيل قدم قرباناً من خير أمواله، لأنه ينطلق من محبة الله عز وجل، ولأن قابيل قدم قرباناً من أسوأ أمواله، قال تعالى:

﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾

[سورة المائدة الآية: 27]

الآن ماذا فعل هابيل؟ ما فعل شيئاً، إلا أنه كان مطيعاً لله، إلا أنه قدم قرباناً من أفضل أمواله، قابيل لم يحتمل أن يكون هابيل أفضل منه، اعتدى على حياته وقتله, الآن:

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾

[سورة البروج الآية: 8]

تجد الآن المسلم لا ذنب له، ذنبه أنه مسلم فقط، لأنه استقام على أمر الله ترك الخمر والميسر، ترك الأنصاب والأزلام، ترك شرب الخمر، ترك الزنا، ترك المعصية, ترك السرقة، ترك الكذب والاحتيال، ما فعل شيئاً إلا أنه استقام على أمر الله، فلما استقام على أمر الله كشف المنحرف.
هو الحقيقة: في الحياة في مستقيم ومنحرف، مؤمن وكافر، صادق وكاذب, مخلص وخائن، رحيم وقاسٍ، ظالم ومنصف.
هابيل لأنه قدم قرباناً من أفضل أمواله، وآثر طاعة الله على شهوته، واستحق عند الله مكانة علية كشف قابيل، هابيل كشف انحطاط قابيل، قابيل لم يحتمل فقتله، أرأيتم إلى هذه القصة، قد يحمل المنحرف غيظه من المؤمن على أن ينهي حياته، هذا القتل الذي يجري في العالم للمسلمين في كل بقاع الأرض، هي القصة نفسها، إنسان استقام على أمر الله، وطلب مرضاة الله عز وجل، ونقل اهتماماته إلى الآخرة، وكان عفيفاً.

لماذا أعداؤنا يحقدون علينا؟ :

مثلاً: فتاة ترتدي ثياب الشاذات جنسياً في نيويورك، الشاذات لهن ثياب خاصة، مدير المدرسة رفضها، أقام أبوه دعوى عليه، فربح الحكم، وغرمه بثلاثين ألف دولار، أما فتاة مسلمة ترتدي حجاباً يستر مفاتنها، تريد أن تكون محتشمة، لا تريد أن تؤذي عباد الله, والإسلام يغطي ثلث سكان الأرض، ولأن هذه الثياب ثياب الاحتشام في فطر البشر كلهم: ممنوع أن ترتدي الحجاب في فرنسا، كنت أظن أن الحجاب لا يرتدى فقط، ممنوع أن تدخل المدرسة بالحجاب، يجب أن تأتي إلى المدرسة، وإلا يحاكم أبوها، ويجب أن تبقى في غرفة دون أن تُعلم شيئاً

شيء عجيب، لماذا الحقد على المسلمين؟ لأنهم مسلمون، لماذا أحرقهم الملك الذي أحرق أصحاب الأخدود، لماذا أحرقهم؟ قال تعالى:

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾

[سورة البروج الآية: 8]

فالمسلم أحياناً ذنبه الوحيد أنه مسلم، أنه استقام على أمر الله، أنه خاف من الله كشف الإنسان الآخر، الإنسان الآخر لم يحتمل فأنهى حياته:

﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة المائدة الآية: 27]

أنا اتقيت أن أعصيه، ورضيت بحكمه، وقدمت له أفضل مالي:

﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾

[سورة المائدة الآية: 28-31]

لحكمة بالغةٍ بالغة بدأ البشرية بنبي كريم.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي ...))

[ أخرجه الترمذي وابن ماجه في سننهما]

إذاً: سيدنا آدم يأتي فوق كل الأنبياء والمرسلين، ومن ذريته قابيل وهابيل واحد يمثل الكفار؛ الشهوانيين، المعتدين، القتلة، وواحد يمثل الطائعين، المنضبطين الذين أرادوا الله والدار الآخرة.

متى يخرج العبد عن منهج الله؟ :

أخواننا الكرام، هناك آية:

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾

[سورة المائدة الآية: 68]

نقول فلان على علم، لا يعني أنه عالم كبير، على شيء من العلم، فلان على غنى ، فلان على قوة، أما أقل كلمة يمكن أن يعبر بها عن أقل شيء هي كلمة شيء، فيقول الله عز وجل:

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة الآية: 68]

قس هذه القاعدة على المسلمين، انظر أبنية، مساجد، معاهد، كليات، مصحف مزخرف، يعني في مظاهر إسلامية بالحياة الآن لا تصدق، فن إسلامي، بناء إسلامي, زخرفة إسلامية، فلكلور إسلامي، مؤلفات إسلامية، مؤتمرات إسلامية، مكتبات إسلامية, مكتبات صوتية، مكتبات سمعية، مكتبات صور متحركة.
الله عز وجل كأنه يقول لكل المسلمين للمليار والثلاثة مئة مليون: لستم على شيء حتى تقيموا القرآن، كلها أشياء لا تمد إلى جوهر الدين، لستم على شيء حتى تقيموا القرآن، وهذه الآية ينبغي أن تكون ديدن كل واحد منا، أنا لست على شيء حتى أقيم الإسلام في نفسي، في بيتي، في عملي، وحينما نقيم الإسلام في بيوتنا، وفي أنفسنا، وفي أعمالنا, يكون الله عز وجل له معنا نصر آخر, هناك من يشعر أن الله تخلى عنا، لكن الله لا يتخلَى عن المؤمنين. إذاً:

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة الآية: 68]

يقاس على هذه الآية ونحن المسلمين لسنا على شيء حتى نقيم القرآن الكريم، القرآن بين أيدينا، وكل واحد منا يقرأه صباح مساء، ونستمع إليه طوال هذا الشهر الكريم، فأنت حينما تقرأ القرآن, اسأل نفسك: هل أنت في مستوى هذه الآيات؟ إذا قال الله لك:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾

[سورة النور الآية: 30]

هل تغض بصرك عن محارم الله؟ إذا قال الله لك:

﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾

[سورة البقرة الآية: 83]

هل تفعل ذلك؟ إذا قال الله لك:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾

[سورة النحل الآية: 90 ]

هل تعدل بين أولادك؟ بين أصهارك؟ بين شركائك؟ هذا ملخص ملخص الملخص ، لسنا على شيء حتى نقيم القرآن الكريم:

﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾

[سورة المائدة الآية: 45]

لأنفسهم:

﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾

[سورة المائدة الآية: 44]

أي: لا تعبؤون بعظمة هذا الشرع:

﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 82]

أي خرجوا عن منهج الله، ثلاث آيات.

ملخص الدرس :

القصة البشرية المتمثلة بقابيل وهابيل؛ إنسان عرف الله فأطاعه، وتقرب إليه فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة، وإنسان غفل عن الله وآثر شهوته على طاعته، واعتدى على خلقه ولو بالقتل فشقي في الدنيا والآخرة، هذه قصة البشرية، قابيل يمثل نموذجًا، وهابيل يمثل نموذجًا، وكل واحد من البشر؛ إما أن يكون الأقرب إلى قابيل، أو أقرب إلى هابيل، حينما تؤثر طاعة الله على مصلحتك وهواك وشهوتك, فأنت قريب من هابيل، وحينما تؤثر شهوتك وهواك ومصلحتك على شرع الله عز وجل وعلى حكم الله, فأنت قريب من قابيل، ولسنا على شيء حتى نقيم القرآن الكريم، فإن لم نحكم بما أنزل الله في بيعنا وشرائنا واحتفالاتنا وأفراحنا وأتراحنا وحلنا وترحالنا وزواجنا وسفرنا، فإن لم نحكم بما أنزل الله, فالآيات ثلاثة: ظالمون لأنفسنا، كافرون بعظمة هذا الشرع، فاسقون, خرجنا عن منهج الله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور