بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم.

السلام عليكم، بسم الله الرحمن الرحيم، سورةٌ جامعةٌ مانعة، يحتاجها كل إنسان كل ساعة، أدقّ تعريف للإنسان جاء به الحسن البصري قال:" الإنسان بضعة أيام كلّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه" 

فأنت في الأصل زمن، كل واحد مِنّا له عمر، وكأنه لو مكتوب أنه ستة وثمانون سنة يوجد نهاية، فهذا الإنسان بضعة أيام، أدقّ تعريف جامع مانع، لذلك أَقسم الله له لأنّه زمن أقسم له بمُطلق الزمن، فقال تعالى:

الواو واو القسم، والعصر مُطلق الزمن، جواب القسم مخيف:

لماذا يا رب؟ لماذا نحن خاسرون دائماً؟ يوجد جواب دقيق علمي، لأنَّ مُضيّ الزمن وحده يستهلكك، قبل أن نقول مؤمن، غير مؤمن، صالح، طالح، مُضي الزمن وحده يستهلك الإنسان (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إنَّ الإنسان جواب القسم، والواو واو القسم والمُقسِم هو الله (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) 

لكن رحمة الله، محبة الله، حلم الله، يكمن في (إلا) لولا (إلا) لهلكنا جميعاً.

 إلا قال الإمام الشافعي:" ما بعد إلا أركان النجاة"، أركان النجاة أربعة، وهذا شيء جامع مانع  (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) يوجد جانب معرفي هل عرفت الله؟ هل عرفت كماله؟ هل عرفت سرَّ وجودك، كمال وجودك؟ هل عرفت الآخرة؟ البرزخ، الجنة، النار؟ يعني أنا أقول كلمة دقيقة جداً، نعمة الهدى أكبر نعمة،  أنت تعرف يوجد إله، ويوجدآخرة، ويوجد جنَّة، ويوجد نار، وحرام وحلال، ومنهج، وموت، ودعوة، هذا من بديهيات الدين، فإذا واحد أدرك نعمة الهدى أولاً، و أدرك نعمة الصحة، لا يوجد خثره في الدماغ، ولا فشل كلوي، ولا تشمع كبد، ولا شلّل، ولا مرض بالقلب، نعمة ثانية لا تقُل عن الهدى، نعمة الهدى ثم الصحة، النعمة الثالثة الكفايّة، اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً. 

لا يوجد غنى مُطغي، ولا فقر مُذّل، يوجد دخل يُغطي النفقات، من أدرك نعمة الهدى ونعمة الصحة والكفاية ما فاته شيء، فلذلك (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)  

الذين آمنوا لا بُدَّ من أن تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة الله، طبعاً عندك حواس ويوجد دماغ يفهم الحواس، أما يوجد غيبيّات، لماذا أنت موجود في الدنيا؟ يوجد جنَّة ويوجد نار، هذه غيبيات فلا بُدَّ من أن أعرف  الحقيقة، لذلك" طلب العِلم فرض على كل مسلم"

أيُّ عِلمٍ؟ دقّق العِلم الذي يُعينك على طاعة الله، وأي عِلم لا يُترجم إلى طاعة لا قيمة له إطلاقاً، ازهد به.

 (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ثانياً (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عملوا الصالحات شطران، جانب سلبي، وآمنوا قضية فكرية إيديولوجيّة، مُنطلقات نظريّة، أما الثانية حركية، يوجد حركتان، حركة سلبيّة وحركة إيجابيّة، السلبيّة أنا لم أكذب، أنا لم أغش، أما لم أفتن أحد، أنا لم أُفرّق بين شخصين، الإيجابيّة أنفقت من مالي، من جاهي، من عِلمي، من خبرتي إلى آخره.

الجانب الثاني عَملي قسم سلبي، وقسم إيجابي، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) الدعوة، الدعوة فرض عين على كل مسلم ولكن في حدود ما يعرف ومع من يعرف فقط، حضرت درس، حضرت خطبة، تأثرت بشرح الخطيب، لزوجتك، لأولادك، لجيرانك، لأقربائك فقط، الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) الدعوة فرض عين في حدود ما تعلم، أما فرض كفاية:

التعمُّق، والتبحُّر، والفهم العميق هنا صار دُعاة محترفون، عمله دعوة،(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) صبروا على معرفة الله، وعلى الاستقامة على أمره، وعلى العمل الصالح، هذه السورة فيها أركان النجاة، والصحابة الكرام ما كانوا يفترقون إلا على هذه السورة وهي جامعةٌ مانعة لأركان النجاة أنا أسمّيها أركان النجاة.

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.