بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، أيُّها الإخوة الأحباب، أيُّها الإخوة المؤمنون: أرجو الله عزَّ وجل أن تكون كلمتي فيما كنتم تتوقعونه وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل.
من شمائل وصفات النبي صلى الله عليه وسلم:
يقع على رأس الهرم البشري زمرتان، الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، ملكوا الرقاب، عاش الناس لهم يُمدحون في حضرتهم، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، ملكوا القلوب، وعاشوا للناس، ويُمدحون في غيبتهم، وها نحن نتوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين:
يا سيدي يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا مَن قدَّست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان، يا مَن زكيَّت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع، يا مَن هيأك تفوقك لتكون سيداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا مَن أعطيت القدوة وضربت المثل وعبدَّتَ الطريق، يا مَن كانت الرحمة مُهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسموُّ حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك، ألا إنَّ الذين بهرَتهم عظمتُك لمعذورون، وأنَّ الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون، أي إيمانٍ، وأي عزمٍ، وأي مضاء، وأي صدقٍ، وأي طُهرٍ وأي نقاء، أي تواضعٍ، وأي حبٍ، وأي وفاء.
ما الذي جعل سادة قومك يسارعون إلى كلماتك ودينك، مُتخلِّين بهذا عن كل ما كان يُحيطهم به قومهم، من مجدٍ وجاه، مستقبلين حياةً تمرُّ بالأعباء والصراعات والصعاب، ما الذي جعل ضعفاء قومك يلوذون بحِماك، ويُهرَعون إلى رايتك ودعوتك، وهم يرونك أعزل من المال والسلاح، ما الذي جعل صفوة رجال المدينة ووجهائها يفِدون إليك، ويبايعونك على أن يخوضوا معك البحر والهَول، وهم يعلمون أنَّ المعركة بينهم وبين قريش أكبر من الهَول، ما الذي جعل المؤمنين بك يزيدون ولا ينقصون، وأنت تهتف بهم صباح مساء:
﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(9)﴾
ما الذي جعلهم يصدِّقون أنَّ الدنيا ستُفتح عليهم من أقطارها، وأنَّ أقدامهم ستخوض خوضاً في فيجان الطغاة، وأنَّ هذا القرآن الذي يتلونه في استخفاءٍ ستُردِّده الآفاق، عاليَ الصدع قوي الرنين، لا في جيلهم فحسب، ولا في جزيرتهم فحسب، بل في مشارق الأرض ومغاربها، ما الذي ملأ قلوبهم يقيناً وعزماً، لقد رأوا رأيَ العين كل فضائلك ومزاياك، رأوا طُهرك وعفَّتك، واستقامتك وشجاعتك، رأوا سموُّك وحنانك، رأوا عقلك وبيانك، رأوا كل هذا، وأضعاف هذا، لا من وراء قناعٍ بل مواجهةً وتمرُّساً وبصراً وبصيرةً.
لقد رأوك صلى الله عليك وقد دانت لك الجزيرة العربية كلها، من أقصاها إلى أقصاها، وفُتحت عليك وعلى أصحابك أبواب الرزق والغنائم، حتى تراكمت الأموال بين يديك تلالاً، فإذا أنت أنت، لا تزداد بهذا المال إلا زُهداً وتقشُّفاً وورعاً، حتى إنك لقيت ربك حين لقيته وأنت لا تملك شيئاً من حُطام الدنيا، وحين يسألك أحد أصحابك أن توليه عملاً، من تلك الأعمال التي ظفر بها الآخرون، فتقول له في رفقٍ ولطفٍ:
(( عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلتُ عَلى النَبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَا ورجلاَن مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَال أحدهما: يا رسول الله، امرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك، فقال: إِنَّا وَالله لاَ نُوَلِّي هَذَا العَمَلَ أَحَدًا سَأَلَهُ، أَو أَحَدًا حَرِصَ عَلَيهِ ))
وحين يرونك وأهل بيتك، أول من يجوع إذا جاع الناس، وآخِر من يشبع إذا شبع الناس، دانت لك البلاد كلها لدعوتك، ووقف أكثر ملوك الأرض أمام رسائلك التي دعوتهم بها إلى الإسلام، وجلين ضالعين، فما استطاعت ذرةٌ واحدة من زهوٍ، أو كبرٍ، أن تمرّ بك ولو على بُعد، وحين رأى بعض القادمين عليك يهابونك في اضطرابٍ ووجل، قلت لهم:
(( أن رجلاً كلَّم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فأخذته الرعدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هوِّن عليك، فإنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد ))
[ أخرجه ابن ماجه في السنن ]
ألقى كل أعدائك السلاح ومدّوا إليه أعناقهم، لتحكم في ما ترى، بينما عشرة آلاف سيفٍ تتوهج يوم الفتح فوق رُبا مكة، وفي أيدي المسلمين، فلم تزد على أن قلت:
(( رُوي في الحديث عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال للمشركين يوم فتح مكة: يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ ))
[ الألباني السلسلة الضعيفة ]
عمك أبو طالب، وهو الرجُل الوحيد الذي كان يقف إلى جانبك في المِحنة، يبدو أنه سيتخلى عنك، أو أنه غير مستعدٍ، ولا قادرٍ على مواجهة قريش، قال لك: يا ابن أخي إنَّ قومك قد جاءوني وكلموني في أمرِك، فأبقي عليَّ وعلى نفسك، ولا تُحمّلني من الأمر ما لا أُطيق، فقال قولاً تنّهَدُّ له الجبال:
(( يا عمِّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهِره الله أو أهلِكَ في ما تركتُهُ ))
[ الألباني السلسلة الضعيفة ]
حتى حقك في رؤية النصر الذي أفنيت في سبيله حياتك، حرمت نفسك منه تواضعاً لله.
أيُّها الإخوة الكرام: النبي عليه الصلاة والسلام سيد الأنبياء والمرسلين، ونحن كمسلمين معنا الكتاب والسُنَّة.
(( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وسُنَّتي ))
وأضف كلمة، وما صحَّ من سُنَّتي.
أيُّها الإخوة الكرام: هنيئاً لكم بلدكم الطيِّب، هذا البلد الطيِّب فيه صفاتٍ لعلكم لا تنتبهون إليها، التديُّن في هذا البلد ليس تهمةً تُحاسب عليها، والبلد أطياف، وهناك توافق بين الأطياف، الدولة حكيمة وعاقلة، هذه نعم أُلفت فنُسيَت، ودعاء النبي "اللهم أرِنا نِعمك بدوامها لا بزوالها"
هذه الإيجابيات حافظوا عليها، واشكروا الله عليها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النص مدقق