وضع داكن
01-12-2024
Logo
الإعجاز العلمي - الندوة : 04 - مواقع النجوم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، آمين يا أرحم الراحمين.أخوة الإيمان والإسلام، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حلقة جديدة مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، مع كتاب الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، لقد كانت رحلة المعراج معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام، فشاهد الأنبياء، وكلّمهم، وكان ذلك في السماء، إلا أننا حينما يذهب رواد الفضاء بعد ألف وأربعمئة سنة من ذلك التاريخ، وبمركبات فضائية مجهزة نرى العجب العجاب، فتزداد معجزة النبي e بهاء، ويزداد المتأمل إعجاباً، تكلمت فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في كتابك هذا عن ظلمات في الفضاء، وتكلم عنها الشارع الحكيم في كتابه، فماذا رأيتم؟

الحق دائرة يتقاطع فيها أربعة خطوط :

الأستاذ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
قبل أن أجيب عن هذا السؤال لا بد من مقدمة هي أن الحق دائرة يتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، العقل الصريح أداة معرفة الله، والنقل الصحيح الوحيان- الكتاب والسنة- والواقع الموضوعي خلقه، والفطرة جِبِلَّة أودعت فينا، إذاً كل هذه البنود من أصل واحد، إنه الله عز وجل، والقاعدة أن الأصل إذا اتحد فالفروع متساوية فيما بينها.
فالحق لا بد من أن يتطابق مع ما في القرآن الكريم وهو كلامه، مع قوانين خلقه، مع جبلة الإنسان، مع الواقع الموضوعي، هذا المنطلق يبيّن أن العلم كلما تقدم كشف عن جانب في القرآن الكريم.

ظاهرة انتثار الضوء :

كان هناك عالم من علماء الفلك في زيارة مركز من مراكز إطلاق المراكب الفضائية في بعض الدول المتقدمة، وهو في زيارة هذا المركز الذي ظلّ على اتصال مستمر بمركبة فضائية أُطلقت قبل زيارته، فإذا برائد الفضاء الذي على المركبة يتصل بمركز انطلاق المركبة، ويخبرها أنه أصبح لا يرى شيئاً! لقد أصبحنا عمياً!! لا نرى شيئاً، والغريب أن المركبة قد انطلقت في وضح النهار، وبعد وقت قليل تجاوزت هذه المركبة الغلاف الجوي، ودخلت في منطقة لا هواء فيها، وأصبح الجو مظلماً ظلاماً كلياً، فصاح هذا الرائد: لقد أبحنا عمياً، لا نرى شيئاً، ما الذي حصل؟ مركبة انطلقت في وضح النهار، وضح النهار في الأرض معروف، كل شيء مكشوف وواضح بأشعة الشمس، أو من دون أشعة الشمس، لكن هناك أصبح الظلام مسيطراً، ولا يرى هذا الرائد شيئاً! الذي حصل أن أشعة الشمس إذا وصلت إلى الغلاف الجوي تتناثر، بمعنى أن كل ذرة في الهواء تعكس على أختها بعض أشعة الشمس! فانتثار الضوء ظاهرة علمية، أساسها أن أشعة الشمس تنعكس على ذرات الهواء، وكل ذرة تعكس على أختها من أشعة الشمس شيئاً، في الأرض يوجد ظاهرة، أن هناك منطقة فيها ضياء وليس فيها أشعة شمس، فنقول فيها: الجو نهار، ونرى كل شيء، والشمس في بعض الأماكن نرى أشعتها، بينما في الفضاء الجوي لا هواء، أي لا انتثار للضوء، فالجو ظلام تام دامس، لا يرى في الفضاء الخارجي إلا قرص الشمس فقط، فحينما نظر هذا الرائد من نافذة المركبة رأى ظلاماً دامساً مطبقاً فصاح: أصبحنا عمياً، لا نرى شيئاً، هذه الحقيقة، أن الفضاء الخارجي ليس فيه هواء، وبالتالي ليس فيه انتثار ضوء.
المذيع:
هنا نريد أن نفسر حقيقة علمية، أنه لولا الغلاف الجوي لما كان هناك ضياء.
الأستاذ:
نعم هذا كلام دقيق، الآية الكريمة:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 14-15]

المذيع:
هنا أتينا إلى القرآن الكريم الذي يفسر هذه الظاهرة العلمية.

القرآن كلام الله عز وجل و إعجازه 

الأستاذ:
نعلم إن الطيران اكتشف أخيراً، وما من أحد في عهد النبي e صعد إلى الفضاء، فهذه الحقيقة لا يمكن أن تُكتشف وقتها، فجاءت بها آية كريمة، الآن حينما سافر الإنسان إلى الفضاء، ورأى كيف أن الفضاء الخارجي فيه ظلام دامس مطبِق، تطابقت رؤية رائد الفضاء مع الآية الكريمة، هذا الكلام ليس كلام النبي عليه الصلاة والسلام، إنما هو كلام الله، ولعل أقوى دليل على أن القرآن كلام الله و إعجازه، فلذلك يقول الله عز وجل: 

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

[ سورة فصلت: 53 ]

وكأن هذه الآيات شهادة الله للناس أن هذا الإنسان الذي جاء بالقرآن إنما هو رسوله.
الشيء الدقيق أيضاً هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما لم يشرح هذه الآيات، وحينما تركت للتطور العلمي إذاً أصبحت آيات القرآن الكريم معجزات مستمرة إلى نهاية الدوران.
المذيع:
الآن سننتقل إلى موضوع آخر، وما دمنا مع الفضاء، وهذه الأمور التي نراها في السماء.
في الليل نرى نجوماً، وفي النهار لا نراها، وذلك لكثرة الضياء، ذُكِرت النجوم في آيات الله وكتابه العزيز:

 

﴿ فلا أقسم بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾

[ سورة الواقعة: 75 ]

فما هي هذه المواقع؟ ذُكِرت مواقع النجوم، ولم يذكر: لا أقسم بالنجوم مثلاً، لماذا؟

آيات الله في الكون :

الأستاذ:
أنا أعتقد أن هذه الآية لو قرأها عالم فلك لخرّ ساجداً لله من كلمة واحدة فيها، ألا وهي كلمة مواقع، ولكن قبل شرحها لا بد من تمهيد.
بين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة، أي إن الضوء يقطع المسافة بين الأرض والقمر والتي تصل إلى ثلاثمئة ألف كيلو متر في ثانية واحدة، لأن أعلى سرعة في الكون هي سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في ثانية واحدة، فبين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة، والإنسان عنده غرور شديد، فحينما وصل بمركبته للقمر قال: غزونا الفضاء، بين الأرض والشمس ثماني دقائق ضوئية، يوجد مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، بين الأرض وأقرب نجم ملتهب للأرض أربع سنوات ضوئية!

طبعاً طالب ثانوي بإمكانه أن يحسب المسافة، لأن الضوء يقطع ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، ضرب ستين بالدقيقة، ضرب ستين بالساعة، ضرب أربعة وعشرين، باليوم ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين بالسنة، ضرب أربع بأربع سنوات، هذا الرقم كم يقطع الضوء، وأقرب نجم إلى الأرض.لو أننا نركب مركبة أرضية بسرعة مئة، قسمنا هذا الرقم على مئة كم ساعة؟ على أربع وعشرين كم يومًا؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين، كم سنة؟ يتضح أننا نحتاج لنصل لأقرب نجم ملتهب إلى الأرض إلى خمسين مليون سنة، لو أردت أن تصل لأقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية تحتاج إلى خمسين مليون سنة.
الآن نجم القطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، كم سنة نحتاج؟ الأربع سنوات يحتاجون إلى خمسين مليون سنة! الأربعة آلاف مليون سنة، شيء مخيف، المرأة المسلسلة هذه المجرة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، أحدث مجرة اكتشفت تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية!.

 

فلا أقسم بِمَوَاقِعِ النُّجُوم آية من آيات الله الدالة على عظمته و إعجازه :

هذه المجرة، ولو فرضناها كوكباً كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة، وأرسل أشعته للأرض،وبقي ضوء هذا النجم العملاق يمشي عشرين مليار سنة حتى وصل إلى الأرض، فرأيناه نحن، لكنه ينطلق بسرعة مذهلة، سرعة المجرات البعيدة مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية، فإذا كان من عشرين مليار سنة في هذا المكان، وسرعته مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية، أين هو الآن؟ ما الكلمة التي تعبر عن هذا المكان و ليس فيه صاحب المكان؟ الموقع، لو أن الله قال مثلاً: فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ليس قرآناً، وليس كلام خالق الكون، لكن لأنه قال:

﴿ فلا أقسم بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾

[ سورة الواقعة: 75 ]

النجم متحرك، تغير موقعه من موقع إلى آخر، انتقل لمكان آخر، أما حينما أطلق أشعته فكان في هذا الموقع وتركه، هذا الموقع انطلقت منه الأشعة نحو الأرض، وهذا ما رأيناه، من كلمة موقع وحدها يخر عالم الفلك ساجداً لله عز وجل:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

إذا كان خلق الله غير متناهٍ، فكيف بالذات الإلهية؟ الكون نظرياً له حدود، لأنه ما سوى الله، تعلمون أن الله عز وجل واجب الوجود، وأن ما سواه محتمل الوجود، يمكن أن يوجد على ما هو عليه، أو على غير ما هو عليه، أو ألاّ يكون موجوداً، هذا خلق الله يبدو لنا لا نهائياً.

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ آية أخرى من آيات الله الدالة على عظمته :


يوجد آية ثانية، أن الله عز وجل حينما قال:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج: 1 ]

هناك بروج في السماء، برج الجوزة، برج العقرب، وفي هذه البروج نجوم كثيرة، أحد هذه البروج برج العقرب، وفيه نجم صغير، اسمه قلب العقرب، هذا النجم أحمر متألق، شيء لا يصدق! بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو مكتر، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي إن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض! الآن هذا النجم الصغير قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما!!! هذا معنى قوله تعالى:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

[ سورة فصلت: 53 ]

المذيع:
شيء مذهل، فضيلة الدكتور هذه المسافات وهذا الحجم الهائل.

 

علم الله وخبرته لا نهاية لهما :


الأستاذ:
لذلك نقول نحن اصطلاحاً: مسافات فلكية، أرقام فلكية، إن أردنا أن نبالغ في شيء في الأرض نقول: رقم فلكي، شيء لا يصدق، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ هل يستغنى عن منهجه؟ هل يتهم كتابه بالمبالغات وأن هذا الحكم لا يتناسب مع هذا العصر؟ إن علم الله وخبرته لا نهاية لهما، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

لو تعلمون، لذلك قال تعالى:

﴿ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[ سورة فاطر: 28 ]

وليس أحد غيرهم يخشى الله عز وجل، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، و يظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
والإنسان من دون علم يقترب من حياة البهائم، وفضل الله على هذا الإنسان أنه كرمه بالقوة الإدراكية، لولا هذه القوة الإدراكية لكنا أمثال مخلوقات لا تليق بنا.

خاتمة و توديع :

المذيع:
في نهاية هذه الحلقة لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لهذا الإيضاح، ولهذه العين المتأملة في هذا الكون العجيب، وفي السماء، والنجوم التي حدثتنا عنها، إلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى، ورؤية علمية وقرآنية جديدة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور