وضع داكن
03-12-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 002 - الحب - تزكية النفس وسلامة القلب - 1 الإيمان والحب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تمهيد :

أيها الأخوة الأكارم ؛ الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾

[سورة الزمر الآية: 2]

العبادة تمام الخضوع للهِ عزّ وجل، أما ملخصاً: إعرابها حال , يعني إذا عبدت الله عزّ وجل , يجب أن تكون حالك المرافقة لهذه العبادة هي الإخلاص، إذا عبدت الله عزّ وجل واستسلمت لأمره وتوجهت إليه, ينبغي أن تكون حالك التي ترافق هذه العبادة حالة الإخلاص .
في الإنسان شيءٌ ظاهر هذه الجوارح، وشيءٌ باطن القلب, للجوارح عبادة، وللقلب عبادة .
حينما سأل سيدنا داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، حينما سأل ربه قال:

((يا ربي, أيُ عبادك أحبُ إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحبُ العباد إليّ؛ نقيُ القلبِ, نقيُ اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء, أحبني وأحبَ من أحبني, وحببني إلى خلقي, قالَ: يا ربي, إنك تعلمُ أني أحبك, وأحبُ من يحبك, فكيف أحببك إلى خلقك؟ قالَ: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي, فالآلاء من أجلِ أن يشعر القلب بعظمة الله، والنعماء من أجلِ أن يشعر القلب بمحبة الله، والبلاء من أجلِ أن يشعر القلب بالخوف من الله))

القلب له عبادة، يجب أن يمتلئ القلب تعظيماً للهِ عزّ وجل، إنما يخشى الله من عباده العلماء، يجب أن يمتلئ القلب حباً باللهِ عزّ وجل, قال تعالى:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾

[سورة البقرة الآية: 165]

يجب أن يمتلئ القلب خوفاً من الله تعالى, لا بد من التعظيم، ولا بد من الخوف، ولا بد من المحبة .
هذا الدرس له هوية خاصة, هذا القلب الذي بين جوانحنا، هذه النفس التي هي ذاتنا التي أمرنا الله عزّ وجل أن نزكيّها, أين نحن من تزكيتها؟ أين وصلنا؟ ماذا قطعنا؟ كم بقي أمامنا؟ .

تزكية النفس وسلامة القلب :

محور هذا الدرس إن شاء الله تعالى : تزكية النفس وسلامة القلب , وأن يكون القلب مفعماً بالمشاعر التي أرادها الله عزّ وجل .

الفكرة الأولى : الحب .

الحقيقة : لو استعرضتم كتاب الله عزّ وجل, لوجدتم أنه أكثر من مئة آية أو تزيد, تتحدث عن الحب, الحب مادته في القاموس حَبَبَ, ميلُ القلب, فقلبُ المؤمن لا بد من أن يميل إلى الله عزّ وجل, لا بد من أن يميل إلى الله .
لو أن الإنسان طبّق الأشياء الظاهرة, ولم يجد في قلبه ميلاً إلى الله, لم يجد في قلبه أُنساً بالله, يجب أن يُراجع نفسه, أحياناً تفعل شيء, وترى أن هذا الشيء الذي فعلته لم يحقق الهدف, تُراجع نفسك, فنحن نريد في هذا الدرس أن يُراجع الإنسان قلبه, هل هو سليمٌ كما أراد الله عزّ وجل؟:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

[سورة الشعراء الآية: 88-89]

هل أنا أشدُ حباً لله؟:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية: 24]

كلمة أحبَّ ويحبُّ, مادة الحب في القرآن, تزيد عن مئة آية, فما الحب؟.
أول فكرة في الموضوع , هناك مقولةٌ شهيرة : أن الربَّ ربٌ والعبدَ عبدٌ, الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء, لا يشبه عباده, حاشا وكلا, كلُ ما خَطَرَ في بالك, فالله سبحانه وتعالى خِلاف ذلك .
الربُ ربّ والعبدُ عبد, ولا نسبة بينهما، ليس بمتجزئ, ولا بمتبعضٍ, ولا صورةٍ, ولا متلونٍ, ولا يسألُ عنه بأين هو, لأنه خالقُ المكان، ولا بمتى هو لأنه خالقُ الزمان، وكل ما خَطَرَ ببالك فالله خلاف ذلك، عَلِمَ ما كان, وعَلِمَ ما يكون, وعَلِمَ ما لم يكون لو كان كيف كان يكون, كلام سيدنا علي .
نسبةٍ بين العبد وبين الربّ, قال العلماء: إنه الحب, هناك علاقةٌ بين العبدِ وبين الربّ, العبد يحب الله عزّ وجل, والله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم قال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة المائدة الآية: 54]

والله سبحانه وتعالى يحب المؤمنين والمؤمن أشدُ حباً لله .
هناك علاقةٌ بين العبد وبين الرب, إنها علاقة المحبة .
قال بعض العلماء: إن الكون كله دليل أن الله سبحانه وتعالى قاهرٌ, إرادته هي القاهرة:

﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾

[سورة الرحمن الآية: 33]

فاتجاه الإنسان إلى اللهِ وحبه له, دليلُ أن الله سبحانه وتعالى أسماؤه حسنى, المخلوقات جاءته مقهورة، أما الإنسان جاءه مُحباً، وشتان بين أن يأتي المخلوق مقهوراً وبين أن يأتي محباً, هو الاختيار؛ أنت تأتي ربك طائعاً، مختاراً، مستسلماً، طواعيةً، فتنتسب إليه:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

[سورة الزمر الآية: 53]

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً﴾

[سورة الإسراء الآية: 53]

هذا تشريف, علماء البلاغة يقولون: هذه نِسبةُ تشريف, عبادي, أُضفنا إلى ذاته العظيمة، أُضفنا إلى ذاته إضافة تشريف وتكريم.

﴿قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن﴾

هذه الفكرة الأولى .

 

الفكرة الثانية : العبادة .

العبادة التي من أجلها خُلقنا، الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[سورة الذاريات الآية:56]

العبادة لو فقدت معنى الحب ليست عبادة, لو فقدت العبادة معنى الحب أصبحت طاعة ، وقد تطيع من لا تحبه، قد تحب من لا تطيعه، أما إذا أحببته وأطعته فقد عبدته .
من تعريف العبادة: غاية الخضوع مع غاية الحب, هذه هي الفكرة الثانية في موضوع الحب .

الفكرة الثالثة : مظاهر وروح الإسلام .

الإسلام له مظهر, في صلاة؛ نتوضأ, ونقف, ونقرأ, ونركع, ونسجد، في صيام، في حج، في زكاة، في تعامل تعامل يومي، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، أحكام المواريث، أحكام البيوع، هذا كله أحكام ظاهرة، هذه الأحكام روحها محبة الله عزّ وجل، فإذا خلا الدين من الحب, أصبح الدين جسداً بلا روح

الحب مُحرك والعقل مقود, أنت بالعقل تقود نفسك إلى الطريق الصحيح أو إلى الهدف الصحيح، أو أنت بالعقل تحافظ على بقائك على الطريق ولا تَزِلُ بك القدم, ولكنك بالحب تتحرك، تسير، تنطلق .
المعلومات, ودقائق العلم, والأفكار الدقيقة, واللّفتات العقلية, والثقافات مهما تعمّقت، كان لها شهرةٌ ذائعة، قِوامها الحب, فإذا خلا العلم من الحب, أصبح جسداً بلا روح, المنافقون:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾

[سورة النساء الآية: 142]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الاية: 41-42]

الإيمان والحب :

نحن نتحدث عن موضوع الحب, لأنه أصلٌ في الإيمان.

((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لِما جئت به))

والآية التي قلتها قبل قليل :

﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ﴾

لا بد من أن تُحبَ الله ورسوله قبل كلِ شيء, يا عمر كيف أصبحت؟ قال: واللهِ يا رسول الله, أصبحت أحبك أكثر من أهلي, وولدي, والناسِ أجمعين, إلا نفسي التي بين جنبي , قال: يا عمر لمّا يكمل إيمانك بعد -إلى أن قال له مرةً ثانية-: الآن يا رسول الله أحبك أكثر من أهلي, وولدي, والناسِ أجمعين, حتى نفسي التي بين جنبي, قال: الآن يا عمر .
الآيات, والأحاديث الصحيحة الثابتة, وأقوال أصحاب رسول الله المتعلقة بالحب كثيرةٌ جداً جداً .
بعض الأحاديث الضعيفة:

((ألا لا إيمان لمن لا محبة له))

قال: أهل الحب فازوا بشرف الدنيا والآخرة معاً, الحقيقة: أن الإنسان لا بد من أن يحب, الإنسان عقلٌ يدرك وقلبٌ يحب, والبطل الذي يعرف من يحب .
قد تُحب امرأةً، قد تُحب مسكناً، تُحب مهنةً، تُحب مُتعةً، تُحب لذّةً، تُحب صديقاً، تُحب أخاً، تُحب بلداً، تُحب مكاناً، تُحب زماناً، ولكن المؤمن نَظَرَ, فرأى كلَ من عليها فان, ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام, فأحبَّ الله، إما أن تُحبَ شيئاً فانياً, وإما أن تُحب الباقي على الدوام .
الإنسان لمّا يموت -هكذا جاء في الأحاديث الشريفة- يخاطبه الله عزّ وجل في الليلة الأولى في قبره يقول: عبدي رجعوا وتركوك, أول يوم الحزن شديد، ثم يخف الحزن، الثريات كانت مغطاة بقماش, أزيح القماش، الصور قلبوها أعادوها كما كانت، بعد أسبوع صار يضحك ويبتسم في البيت، بعد أسبوعين أولَمَ وليمة، بعد شهر ذهب يتنزه، أين الميت؟ نسوه, يقول له: عبدي رجعوا وتركوك, وفي التراب دفنوك, ولو بقوا معك ما نفعوك, ولم يبقَ لك إلا أنا, وأنا الحيُّ الذي لا يموت.
أتحبُ الشيء الفاني أم تُحب الباقي؟ قال: أهلُ الحب ذهبوا بخير الدنيا والآخرة, بل ذهبوا بشرف الدنيا والآخرة, لِقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((المرء مع من أحب))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

ألا يكفينا هذا الحديث؟ المرء مع من أحب, المؤمن مع الله .
الله سبحانه وتعالى يرزق عباده جميعاً, قال له: عبدي لي عليك فريضة, ولك عليَّ رزق, فإذا خالفتني في فريضتي, لم أخالفك في رزقك.
فأنت تأكل وتشرب, ليس معنى هذا أن الله يحبك، أن تُوّفقَ في تجارتك, ليس معنى هذا أن الله يحبك، أن تكون صحتك طيبة قوية, ليس معنى هذا أن الله يحبك، أن تكون غنيّاً, ليس معنى هذا أن الله يحبك، قارون آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبةِ أولي القوة، أن تكون قوياً, ليس معنى هذا أن الله يحبك, فرعون قال: أليس لي مُلكُ مِصرَ وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ .
الحب شيء والرحمة شيء آخر، علماء التوحيد قالوا: محبة الله لعباده صِفةٌ زائدة على رحمته, أنت قد ترحم إنساناً سيئاً، قد ترحم إنساناً جاهلاً، قد ترحم إنساناً لئيماً, يعني: الأب يطعم أولاده جميعاً, ولكن الأب أحياناً قلبه يتجه إلى أحدِ أولاده, فاتجاه قلب الأب إلى أحدِ أولاده, هذه صفة زائدة على رحمته بهم, الله سبحانه وتعالى يرزق عباده جميعاً، يرحم عباده جميعاً، يعطي عباده جميعاً :

﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾

[سورة الإسراء الآية: 20]

لكن الله سبحانه وتعالى لا يحب إلا المؤمنين الصادقين .
إذاً: الحب شيء ثمين جداً، الحقيقة: سِلعةُ الله غالية:

أحبابنا اختاروا المحبة مذهـــباً وماخالفوا في مذهب الحب شرعنا
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمّا وليــــت عنّا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حُسنَ خِطابنــا خلعت عنـك ثياب العُجبِ وجئتنا
ولو ذُقـــت من طعمِ المحبةِ ذرّةً عذرت الذي أضـحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمـت من قربنا لك نسمــةٌ لمتَ غريباً واشتيـــاقاً لقربنا
فما حُبنا سهلٌ وكـل من ادعـــى سهولته قلنـــا له: قد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قتلـــه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

فالحب ثمنه باهظ, لذلك قال: ألا إن سِلعةَ الله غالية, لكن المشكلة: أُناس كثيرون يدّعون الحب, خاضوا بحار الهوى وما ابتلوا, قضية سهلة :

كلٌ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تُقرُ لهم بذاكَ

ادّعاء الحب سهلٌ جداً, لذلك لمّا أعرض بعض المدرّسين عن الخوض في موضوعات الحب، موضوعات القلب سببه: أن كل إنسان مما هبَّ ودبّ, يدّعي أنه محبٌ لله عزّ وجل, الدعوة سهلة, يقول لك: أنا أحب الله, فقال: لمّا كَثُرَ مدّعو المحبة, طولِبوا بإقامة البيّنة .
إذا توفي رجل وله أموال, فطرق الباب طارق, وقال: أنا لي عنده مائة ألف, فيعطى المبلغ، وإذا طرق الباب طارق وقال: أنا لي عنده نصف مليون, أيعقل أن يعطي الورثة كلَ من يدّعي أن له عندَ الميتِ مبلغاً؟ لا بد من سؤاله: أمعك إيصال؟ معك سند؟ هل هناك شهود ؟ أمعك بيّنة؟ أمعك دليل؟.
دعوى الحب عريضة جداً وواسعة جداً, لمّا كَثُرَ الأدعياء, طولِبوا بإقامة الدليل والبيّنة, والدليل طبعاً قيل: لو يعطى الناس بدعواهم, لادعى الخليُّ حُرقةَ الشجيّ, لمّا كَثُرَ مدعّو المحبة طالبهم الله بالدليل, قال:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة آل عمران الآية: 31]

تعصي الإله وأنت تُظهر حبه ذاكَ لعمري في المقامِ بديعُ
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحّبَ لمن يحبُ يطيع

أتمنى على كل أخ مؤمن, أن لا يسمح لنفسه، أن لا يسمح لخاطره, أن يقول: أنا أحبُ الله وهو مُقيم على مخالفة أمره, هذه وقاحة، هذه دعوى كاذبة، هذا سوءُ أدب، هذا ذنبٌ يضيفه إلى ذنوبه .
لو أنَّ أباً تناولَ أطيبَ الطعام أمام أولاده, والأولاد ساكتون, وقال لهم: أنا أحبكم يا أولادي, هذه الكلمة ذنبٌ جديد يضافُ إلى ذنوبه, لأن فعله يتناقض مع قوله .
فلذلك لا أحد يدعّي, ولا أحد يقول: أنا أحبُ الله, إذا كانَ مقيماً على معصية, لأنك إذا أقمت على معصية, معنى ذلك: أن اللّذةَ التي تأتيك من هذه المعصية أغلى عليك من الله عزّ وجل، أغلى عليك من رضوان الله .

 

ومعنى :

﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم﴾

إذا أطعت زوجتك وعصيتَ ربك, فإنك محبٌ لزوجتك أكثرَ من حبك لربك، قولاً واحداً بالدليل القطعي: إذا آثرت بيتاً على طاعة الله, في الإقامة, فيه شُبُهة، في اقتنائه شُبُهة، إذا آثرت مسكناً، آثرت تجارةً مشبوهة على طاعة الله عزّ وجل، آثرت طريقة في كِسبِ المال على طاعة الله عزّ وجل، آثرت أن تكون مع ابنك على غير ما يرضي الله، آثرت أن تُرضي جارك, آثرت أن ترضي شريكك على حسابِ طاعتك لربك, بالدليل القطعي: إنك تُحبُ هذا الذي آثرته أكثر مما تُحبُ الله .
أما المؤمنون:

﴿والذين آمنوا أشدُ حباً لله﴾

وكلُّ من يتبّع النبي عليه الصلاة والسلام محبٌ لله .
الله عزّ وجل يقول: يصف المؤمنين بأنهم يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم, أنت قد تطيع الله ومع ذلك تخاف لومة لائم, أما في مستوى أعلى من هذا المستوى: الطاعة محبة, أن لا تخافَ في الله لومةَ لائم هذه محبةٌ أعلى، أن تجاهدَ في سبيل الله نفسكَ وهواك، أن تضع كل شيء في سبيل الله, هذه محبةٌ أعلى، أن تبيع نفسك ووقتك وجهدك وخِبرتك واختصاصك وكُلَ ما تملك هذه محبةٌ أعلى, الطاعة درجة, والجهاد درجة أعلى, والبيع درجة أعلى, لكنك إذا بِعتَ كلَّ شيء, نِلتَ كلَّ شيء, الله سبحانه وتعالى أكرمُ الأكرمين، إذا بِعته كلَّ شيء أعطاكَ كلَّ شيء وزيادة .
والله الذي لاإله إلا هو, لو أردده آلاف المرات لا أشبع منه .
من شَغَلَه ذكري عن مسألتي, أعطيته فوق ما أعطي السائلين .
إذا كنت مشغولاً بذكر الله وطاعته, مشغولاً بالتقرب إلى الله وخدمة خلقه, مشغولاً بإرضاء الله، تأتيك الدنيا وهي راغمة .
هم في مساجدهم والله في حوائجهم.
كنّ لي كما أريد, أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد, ولا تعلمني بما يصلحك.
من أحبّنا أحببناه, ومن طَلَبَ منّا أعطيناه, ومن اكتفى بنا كنّا له وما لّنا .
إذا بعت الله عزّ وجل وقتك وجهدك وخِبرتك وطاقتك وعضلاتك, بعته كلَّ شيء, نِلتً كلَّ شيء.
يا ربي ماذا فَقَدَ من وجدك؟ وماذا وَجَدَ من فقدك؟ واللهِ ما وجد شيئاً .
إذا سلّمت لي في ما أريد, كفيتك ما تريد, وإن لم تُسلّم لي فيما أريد, أتعبتك فيما تُريد, ثمَ لا يكون إلا ما أريد .

الحقيقة: الحديث عن المحبة موضوع شاق, لو قلتُ لك: صفّ لي العسل, ماذا تقول؟ العسل حلوُ الطَعمِ, والسكر حلوُ الطَعم، أنا آتيك بعشرات الأصناف, بمئة صنف, كلها حلوة الطعم, أريد العسل, تقول لي: حلوُ الطَعم, لزج القوام, والقطر لزج القوام, هل تستطيع اللغة أن تصف بدقة بالغة طعم العسل؟ لو أن إنساناً كَتَبَ مجلداً عن طعم العسل, يغني عن هذا المجلّد, أن تلعق لعقة عسلٍ واحدة.
واللهِ أريد أن ألقي عليكم أمثالاً, لا حُباً بطرح الأمثال, لأن لها محاذير بصراحة, ولكن بين ادعّاء الحب وبين أن تكون مُحباً مسافة كبيرة جداً, من قال: خمسمئة مليون ليرة سورية, أيُّ إنسان يستطيع أن يقول: خمسمئة مليون ليرة, وقد لا يملك ثمن رغيف خبز, ولكن شتان بين من يقول هذا الرقم وبين من يملكه, كم هي المسافة كبيرة بين من يقول: خمسمئة مليون وبين من يملك هذه الملايين الخمسمئة؟ .
والله الذي لا إله إلا هو, يكاد الفرق نفسه، بين من يدّعي المحبة وبين من يحب, يعني مثلاً: كل إنسان بإمكانه أن يدعّي الحب, ولكن يدعّي الحب وهو من أشقى الأشقياء، يدعّي الحب وقلبه مقفر، يدعّي الحب وهو خائف، يدعّي الحب وهو قلق، يدعّي الحب وهو ممزق، يدعّي الحب وهو ضائع, ولكنك إذا أحببت الله فعلاً, وألقى الله نوره في قلبك, وأطلقَ لسانك بالحكمة, هذه المشاعر لا تُقدر بثمن .
قلت لكم مرةً: أن أكثر الأمراض أسبابها حالات نفسية صعبة, فالحالة النفسية مهمة جداً, الإنسان يرتفع بحالته النفسية وينخفض بحالته النفسية :

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 139]

لذلك هناك إدارات بكاملها: إدارة التوجية المعنوي لرفع الحالة المعنوية للجنود .
إذا كنت تنطوي على قلبٍ متصلٍ باللهِ, مفعمٍ بالحب, لك حالةٌ معنويةٌ طيبةٌ جداً, هذه لها ثمن .
على كُلٍ؛ كلمة الحب: إذا أردنا أن نبحث في اشتقاقاتها اللغوية, إلى أيّ الأبوابِ تعود؟ قال بعض العلماء: الحب مأخوذٌ من الصفاء والبياض, تقولُ: حَببُ الأسنانِ؛ أيّ بياض الأسنان ، فالحبُ فيه صفاءٌ وفيه بياض, والبياض له معانٍ كثيرة في المجتمعات، والحب بمعنى العلّو, والظهور شيء عالٍ، سامٍ، صارخ، ظاهر، تقول: حبب الماءِ فقاعات الهواء التي تعلو الماء, والحب: اللزومُ والثبات:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الآية:23]

يعني أنت عاهدت الله عزّ وجل في المنشطِ والمكرهِ، في السرّاءِ والضرّاءِ، في الغِنى والفقرِ، في الصحةِ والمرضِ، في إقبال الدنيا وإدبارها، في الراحةِ وفي التعبِ، في كلِ شيء تُعاهدُ خالقَ الكون.
فمن معاني الحب اللزوم والثبات, تقولُ مثلاً: حبَّ البعيرُ؛ أي بَرَكَ ولم يقم .
المعنى الرابع: الحب بمعنى اللبّ, قال بعضهم: الحبُّ لبابُ الدين, وبالدين مظاهر, يجب أن نؤديها كاملةً, ويجب أن نحترمها, ولكن لبَّ الدين هو أن تُحبَ الله عزّ وجل، الإيمان أن تُحبَ الله عزّ وجل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام .
والمعنى الخامس: الحب هو الحِفظُ والإمساك, ومنه حِبُ الماء أي وعاء الماء، الصفاء والبياض، العلو والظهور، اللزوم والثبات, اللباب، الحِفظُ والإمساك, هذه كُلها المعاني المستفادة من كلمة الحب .

تعريف الحب

الحقيقة: الحب شعور داخلي لا يظهر، له مظاهر مادية, كل شيء في داخل النفس له ما يؤكده في خارجها .
العلماء تنوعت تعريفاتهم للحب, قال بعضهم: المحبة هي الميل الدائم للقلب الهائم.
في ميل إلى الله, أما أهل النِفاق ينسون الله، يغرقون في دنياهم، يغرقون في مشكلاتهم، يتيهون في الحياة، لكن أهل الإيمان يذكرون الله كثيراً, لأنهم يحبونه كثيراً, ومن أحبَّ شيئاً أكثرَ من ذكره, قاعدة .
لو فرضنا إنساناً, قدّمَ لكَ خِدمة ثمينة, راقب نفسك؛ بأول لِقاء تحكي عنه، تأتي للبيت تحكي عنه، تلتقي مع صديق تتكلم عنه, راقب نفسك خِلالَ أسبوعين أو أكثر, كلما التقيت بإنسان تحدثتَ عنه, من أحبَ شيئاً أكثرَ من ذِكره .
إذاً: علامة حُبِ الله عزّ وجل أن تُكثر من ذِكره .
وقيلَ في الحب: إيثار المحبوب على جميع المصحوب. جلسةٌ ممتعةٌ, وذِكرٌ للهِ عزّ وجل، نُزهةٌ رائعةٌ, ومجلسُ علمٍ للهِ عزّ وجل, طعامٌ نفيسٌ, وخِدمةٌ لإنسانٍ طيب .
إذا كنت مُحباً لله دائماً وأبداً, تؤثر مرضاة الله عزّ وجل على حظوظ نفسك, حتى المباح, لكن الإنسان إذا أخذَ من الدنيا نصيبه, دون أن تشغله عن طاعةٍ, أو عن أداءِ صلاةٍ, أو عن مجلسِ علمٍ, أو عن قضاء واجبٍ, فهذا ليسَ من الدنيا, لأن الدنيا قِوام الحياة لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته, ولا من ترك آخرته لدنياه, إلا أن يأخذَ منهما معاً, فإن الأولى مطيةٌ للثانية .
وقيلَ الحب: موافقة الحبيب في المشهدِ والمغيب، الإنسان يصلي في المسجد, يتقن صلاته حِفاظاً على مكانته, لكن إذا كانَ وحده خالياً يصليها سريع، إذا كنتَ أمامَ مشهدٍ ممن يعجبون بك لك موقف, فإذا كنتَ وحدك لك موقف، إذا كنت في بلدك لك موقف، إذا كنت في بلدٍ أجنبي لك موقف، إذا كنت في موضعٍ مراقبٍ فيه لك موقف، إذا كنت في موضعٍ لستَ مراقباً فيه لك موقف .
لذلك ورد في بعض الأحاديث:

((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا, لم يعبأ الله بشيء من عمله))

دَخَلَ في النِفاق .

 

من علامات الحب :

1- استكثار القليل من ذنوبك, واستقلال الكثير من طاعتك :

المحبون للهِ عزّ وجل مهما قلت ذنوبهم يخشونه, ومهما كَثُرت طاعاتهم يستقلونها، أما المنافقون: لو فعلَ عملاً صالحاً, يملأ الدنيا صخباً وضجيجاً, وينمُّ به, ويقول: فعلتُ كذا وكذا.
من علاماتِ المُحب: أنه يستكثر القليل من ذنوبه, ويستقلُ الكثير من طاعته, دائماً خائف , لذلك قيلَ: ذنبُ المؤمن كأنه جبلٌ جاثمٌ على صدره, وذنبُ المنافق كأنه ذبابة لا قيمة لها .

2- معانقة الطاعة ومباينة المخالفة :

وقيلَ: الحب: معانقة الطاعة ومباينة المخالفة؛ دائماً مع الطاعة، دائماً مبتعدٌ عن المعصية ، مع الطاعة, مقتربٌ من الطاعة مبتعدٌ من المعصية, هذه من علامات الحب .

3- أن تهب كلك لمن أحببت:

ومن علامات الحب: أن تَهَبَ كُلَكَ لمن أحببت, فلا يبقى لك منه شيء .
سيدنا الصدّيق أعطى ماله كله لسيدنا رسول الله، قالَ: يا أبا بكر ماذا أبقيتَ لنفسك؟ قال: الله ورسوله, هذا ليسَ حكماً شرعياً، هذا موقف, لأن الله سبحانه وتعالى جعل المال قِوامَ الحياة، أما لو إنسان غَلَبَهُ حبه, وأنفقَ جزءاً كبيراً من ماله، الله سبحانه وتعالى يقبل اجتهاده, ويكافئه على هذا الكثير بأكثرَ منه .
بعضهم قالوا: أن تَهَبَ إرادتكَ وعزمكَ وأفعالكَ ونفسكَ ومالكَ ووقتكَ لمن تحب, وتجعلها جميعاً حبساً في مرضاته ومحابه, فلا تأخذُ منها إلا ما أعطاكَ هو، سمح لك بالزواج تزوجت، سمح لك أن تأكل أكلت، لا تأخذ من الدنيا من كلِ هذا الذي تملكه, إلا ماسمح لك هو أن تأخذه فقط, دون زيادة, دون إسراف, دون كِبر .
قال: جرت مساءلة في مكة المكرّمة بين علماءٍ كُثر, وكان الجُنيدُ أصغرهم، الإمام جُنيد هذا الذي قيل له: من وليُّ الله؟ قالَ: الذي تجده عندَ الحلال والحرام, فلما تحاوروا وسألَ بعضهم بعضاً, وكانَ الجُنيدُ أصغرهم سِناً, فقالوا: هاتِ ما عِندكَ يا عراقي, فأطرقَ رأسه ودمعت عيناه, ثم قال: عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه، متصلٌ بربه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إليه بقلبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطقَ فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكنَ فمعَ الله، فهو باللهِ وللهِ ومع الله, قالَ: فبكوا جميعاً, وقالوا: ما على هذا مزيد.
عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه, نفسه تحتَ قدميه, يخضعها لطاعة الله, يحملها على مرضاة الله, لا يثأرُ لها أبداً, ذاهبٌ عن نفسه، متصلٌ بربه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إلى الله بقلبه، إن تكلم فبالله، وإن نطقَ فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكنَ فمعَ الله، فهو باللهِ وللهِ ومع الله .
أهل الحب، أهل الإيمان، أهل الإحسان، أهل التقوى، أهل القرب، بيّنوا أن للحب وسائل, فالله عزّ وجل من رحمته جعل إليه طرائق, أحياناً جهة من الجهات, ليس لك إليها سبيل, الطريق مغلق, مهما حاولت، لكنَ الله سبحانه وتعالى جعلَ الطرائقَ إلى الخالق -كما يقال-: بعدد أنفاس الخلائق .

من الطرائق أن تكون محبوباً عند الله :

فقيل : من الطرائق أن تكون محبوباً عند الله عزّ وجل :

أولاً : قراءة القرآن بالتدبّر والتفهم لمعانيه وما أُريدَ به .

قالوا : تؤخذُ ألفاظه من حفاظه, وتؤخذُ معانيه ممن يعانيه، قراءة القرآن بالتدبر, والتفهم لمعانيه, وما أُريدَ به, يجب أن تقرأه, وأن تفهمه, وأن تُطبقه كما أراد الله عزّ وجل .وقد قالَ العكبري: تؤخذُ ألفاظه من حفاظه, وتؤخذُ معانيه ممن يعانيه .

ثانياً : التقرب إلى الله بالنوافل .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ))

في الصلوات، في الصيام، في الإنفاق، في المال حقٌ سِوى الزكاة، بالأعمال الصالحة ، بخدمة الخلق، بدوام ذِكره .

 

ثالثاً : المداومة على ذكر الله .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 41]

الأمر منصب على الذِكر الكثير، لا على الذِكر فقط، على كلِ حالٍ؛ باللسان والقلب، والعمل والحركة، نصيبك من محبة اللهِ على قدرِ نصيبك من الذِكر .

رابعاً : أن تؤثر محابه على محابك عند غلبات الهوى .

الرابع: أن تؤئر محابه على محابك عند غلبات الهوى, أحياناً ينشأ صِراع، إذا آثرت ما يحب على ما تُحب فأنتَ المحب، أما إذا غَلَبتكَ نفسك, وآثرت ما تُحبُ على ما يحب, فقد ضَعفَ حبك .

 

خامساً : مشاهدة بره وإحسانه وآلائه .

مشاهدة برّه وإحسانه وآلائه، التأمل في الآيات، تذّكر النِعم، تأمل العطايا، يعني النبي الكريم كان إذا أفرغَ ماعنده قال: الحمد لله الذي أذاقني لذّته, وأبقى فيَّ قوته, وأذهبَ عني أذاه.كانت تعظمُ عنده النعمةُ مهما دقت, فهذا من علامات الحب, إذا شربت كأس ماءٍ، إذا استيقظتَ صباحاً نشيطاً: الحمد لله، إذا تمتعتَ بسمعك وبصرك وقوتك: الحمد لله, دائماً أنتَ مع النِعم, وأنتَ شاكرٌ لهذه النِعم .قال أيضاً: من علامات الحب: انكسار القلب بكليّته إلى الله، أبواب الله كثيرة, هناك باب واسع وسريعٌ, ليسَ عليه ازدحام, إنه باب الانكسارِ، الانكسارِ إلى اللهِ عزّ وجل, كلما ازدادَ حبك, جئته منكسراً, معلناً عن فنائكَ في ذاته .
من علامات حبك لله قال: مجالسة المحبين الصادقين, لا تُحبُ إلا المحبين، إذا مالَ قلبكَ إلى أهلُ الدنيا, وأردتَ أن تكون معهم, وأن تُقيم علاقاتٍ وشيجة معهم وهم بعيدون, سرعان ما تعود .
علامة البعد عن الله عزّ وجل: كلما كنتَ محباً, تمنيت أن تكون مع المحبين في مجالسهم، في جلساتهم، في خلواتهم, مجالسة المحبين الصادقين, والتقاط أطيب ثمرات كلامهم, كما تُنتقى أطايبُ الثمر .
كنت محباً للهِ عزّ وجل, فكلُ شيء يقطعك عن الله عزّ وجل تَفرَ منه, فِرارك من وحشٍ كاسر، نظرةٌ تبعدك عن الله, فبالغ في غض البصر، شبهة في لقمة ابتعد عنها .
النبي عليه الصلاة والسلام تأخّر عليه الوحيُ فقالَ:

((يا عائشة, لعلّي أكلتُ تمرةً من تمرِ الصدقةِ وأنا لا أدري))

هذه بعض الأشياء التي إذا فعلتها, كانت هذه الأشياء وسيلةً إلى أن تنالَ حبَّ اللهِ عزّ وجل, وإذا ذقتَ طعمَ الحب, يعني كما قالَ الشاعر :

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور