الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

ما هي الخصائص التي تتمتع بها المرأة في حليبها ؟

1- تغير تركيب الحليب خلال الرضعة الواحدة :

 أيها الأخوة الكرام, في بحر هذا الأسبوع قرأت بحثاً عن حليب الأم وجدت فيه العجب العجاب, حينما تقف أمام آيةٍ من آيات الله يقشعرُّ جلدك، تقف أمام عظمة الله وجهاً لوجه .
 هل تصدِّقون أيها الأخوة, أن حليب الأم يتغيَّر تركيبه خلال الرضعة الواحدة؟ يبدأ حليب الأم بماءٍ كثير، يقلُّ الماء ويزداد الدسم، إلى أن تصبح المواد الدسمة في نهاية الرضعة أربعة أمثال، المواد الدسمة في أول الرضعة مثل، وفي آخرها أربعة أمثال .
 البروتين؛ في نهاية الرضعة يصبح مثلاً ونصف .
 السكَّر؛ لا يتغيَّر من أول الرضعة إلى آخرها .
 الماء؛ يكون أكثره في أول الرضعة .
 هل بالإمكان أن تغذي طفلاً بقارورةٍ, وتتغيَّر نسب الدسم، والمواد السكرية, والمواد البروتينية، في أثناء الرضعة الواحدة؟ .

2- التغيرات التي تطرأ على مقومات لبن الأم :

 شيءٌ آخر؛ تتغيَّر تراكيب مقوّمات لبن الأم، كالأحماض الأمينية، والأملاح المعدنية، والمعادن النادرة، بالكميات المعادلة لنمو الصغير، كلّما نمى الصغير الرضيع، تزداد الأحماض الأمينية، والأملاح المعدنية، والمعادن النادرة، والفيتامين ـ د ـ الذي يمنع الكُساح.
 اكتشف العلماء أن في حليب الأم أجساماً مضادة لكثيرٍ من الأمراض، وأن في حليب الأم حصانةً ومناعةً ضد البكتيريا، وأمراض الحساسية .

3- نظافة الحليب وأقل كلفة :

 شيءٌ آخر؛ حليب الأم اقتصادي، وأقلُّ كلفةً وليس ملوثاً، معقمٌ تعقيماً جاهزاً، ساخنٌ في الشتاء، باردٌ في الصيف، حينما يبكي الطفل الصغير يجد الحليب جاهزاً، أما إلى أن تغلي الحليب حتى تعقِّمه، وإلى أن تبرِّده حتى يستسيغه، يموت الطفل من البكاء, اقتصاديٌ، أقلُّ كلفةً، ليس ملوثاً .
 الطفل الذي يرضع من ثدي أمه لا يعاني من التهابات الأمعاء، ولا من إنتاناتها، بل إن العطف والحنان الذي يتلقّاه الطفل من أمّه في أثناء الرضاعة، هذا يكسبه رحمةً في قلبه إلى يوم يلقى الله عزَّ وجل، لذلك قال الله عزَّ وجل:

﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[سورة البقرة الآية: 233]

 قال العلماء: الحدُّ الأدنى ستّة أشهر، والحدُّ الأتم حولان كاملان .

لماذا يمنع الأطباء المرأة إرضاع ابنها من حليب البقر ؟

 أما الشيء الذي لا يصدَّق, أن هذا الطفل الذي خلقه الله عزَّ وجل، أودع فيه خمائراً بمقادير تتناسب مع حليب الأم، فلو أرضعته حليب البقر، لو كان طازجاً، أو كان مجففاً، ما الذي يحصل؟
 إن خمائر الهضم التي أودعها الله في جسم الرضيع لا تتناسب مع المواد الدسمة التي في حليب البقر، لذلك يعجز الطفل عن هضمه، وتبقى كميّاتٌ كبيرة من المواد الدسمة والبروتينيات والأحماض الأمينية دون هضمٍ, ما الذي يجهد الكُلية؟ طرح هذه المواد .
 لذلك الطفل الذي يرضع حليب البقر تجهد كُليتاه في طرح المواد الدسمة، والأحماض الأمينية، والبروتينات التي لم يستطع هضمها، لأنه مجهّزٌ لهضم حليب الأم، فخمائر الهضم عنده متوافقةٌ مع حليب الأم, وليست مع حليب البقر، فإذا أرضعته حليب البقر عجز عن هضمه, وبقيت هذه المواد في دمه، عندئذٍ تجهد الكلية في طرحها .
 أيها الأخوة الكرام, في حليب البقر أربعة أمثال ما في حليب الأم من الأحماض الأمينية، والنسب فيما بين الأحماض الأمينية في حليب البقر ليست كنسبة الأحماض الأمينية التي في حليب الأم، هذه متوافقةٌ توافقاً تاماً مع تركيبه .
الخمائر التي ينبغي أن تهضم حليب البقر لا توجد عند الطفل الصغير لذلك يعجز عن هضمه, والعلماء قالوا: ارتفاع نسبة الأحماض الأمينية في الدم تسبب للطفل الرضيع القصور العقلي.

ما هو البديل للمرأة إذا منعت من إرضاع ابنها لسسبب ما ؟

 أيها الأخوة, إذا حدث ما يمنع الرضاعة من الأم، يقول العلماء: ينبغي أن تبحث له عن مرضعة، لا أن ترضعه من حليب البقر, وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم, البديل ليس حليب القوارير، بل أن تبحث له عن مرضعة، وهذه المرضعة ينبغي أن تكون صحيحةً، جيدة الصحة، ذات عقلٍ كبير، وخلقٍ قويم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((لا تسترضعوا الحمقى فإن اللبن يعدي))

[ورد في الأثر]

 هذا منهج الله عزَّ وجل، الذي يقوله النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، إنه تعليمات الصانع، لذلك الآن نفسِّر القصور العقلي، والآفات القلبية ، والآفات الوعائية، وأمراض جهاز الهضم والكبد، الأمراض المزمنة التي تلازم الإنسان طوال حياته ربما تفسَّر بأنه لم يرضع من ثدي أمه، ولو سألت أطباء الأورام الخبيثة لأجابوك:
 إن المرأة التي ترضع ابنها من ثديها أقلُّ عرضةٌ للإصابة بورم الثدي من المرأة التي لا ترضع ابنها من ثديها, أي أن نسب أورام الثدي الخبيثة في النساء اللواتي يرضعن أولادهن قليلةٌ جداً، أما نسب الأورام الخبيثة في النساء اللواتي لا يرضعن أولادهن نسبٌ عالية, ألم يقل الله عزَّ وجل:

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾

[سورة البلد الآية: 8-10]

 قال ابن عبّاس: النجدان هما الثديان, وهديناه النجدين, قال تعالى:

﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ﴾

[سورة البلد الآية: 11-13]

 أن تعتق رقبتك من نير الشهوات، وأن تتحرر من نير الشهوات, قال عليه الصلاة والسلام:

((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ, وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ, وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ, إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ, وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ, تَعِسَ وَانْتَكَسَ, وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ))

[أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ في الصحيح]

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ﴾

[سورة البلد الآية: 8-13]