- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (032)سورة السجدة
الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأول من سورة السجدة.
فضل سورة السجدة:
كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ سورة السجدة، وسورة الدهر في فجر الجمعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ الم(1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)﴾
أقوال المفسرين في الحروف المقطعة:
مرَّ بنا من قبل أن هذه الحروف التي بُدِئتْ بها بعض السور للمفسرين اتجاهاتٌ عديدة في تفسيرها، فمن هذه الاتجاهات:
• الله أعلم بمرادها.
• ومن هذه الاتجاهات أنها أوائل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• ومن هذه الاتجاهات أنها أوائل أسماء الله عزَّ وجل.
• ومن هذه الاتجاهات أن القرآن الكريم إنما أُنْزِلَ بلغة العرب، وهذه الحروف هي الأساس في هذه اللغة، والحروف بين أيدي هؤلاء العرب، فهناك إعجازٌ في نظم القرآن، من هذه الحروف نُظِمَ القرآن، ومن هذه الحروف أُنزِل هذا القرآن، والقرآن تحدَّى العربَ أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله، وتحدَّاهم بسورة، وتحدَّاهم بأقل من ذلك، معنى ذلك أن المادة الأولية لهذا القرآن بين أيدي الأُمَّة العربية، والقرآن تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
خَلق الله فيه إعجاز:
نوضح هذا بمثلٍ آخر: الإنسان مؤلفٌ من ماء، ومن حديد، يصنع مسماراً واحدا، ومن فسفور، ومن كِلس، المواد التي يتألَّف منها جسم الإنسان أصبحت محددةً ومُقنَّنة، هل بإمكان الإنسان أن يصنع إنساناً من هذه المواد التي بين أيدي البشر؟ الطعام الذي تأكله بعض الأنعام بين أيدينا هل بإمكاننا أن نصنع الحليب من هذا الطعام الذي تأكله بعض الأنعام؟ المواد التي تأْكُلها بعض الحيوانات الأهلية بين أيدينا، هل بإمكان الإنسان أن يصنع بيضةً واحدة؟ هل بإمكان الإنسان أن يصنع لتر حليبٍ واحداً؟ هل بإمكان الإنسان أن يصنع خليةً؟ لا أقول: بشراً سوياً، خليةً، شرياناً، قطعةً من كبد، إذاً لحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل، الموادُ الأولية التي خلق الله منها الإنسان، وخلق الحيوان، وخلق النبات متوافرةٌ بين أيدي الناس، ومع ذلك كلُّ الخلق لو اجتمعوا لا يستطيعون أن يصنعوا ذبابةً واحدة، ولو اجتمعوا.
من هذا القبيل، وهذا كلام الله، خلقه فيه إعجاز، لا تزال الحياة سراً حتى الآن، فهذا الكبد الذي يقوم بخمسة آلاف وظيفة، إذا خرجت الروح من الإنسان لماذا يصبح قطعةً من اللحم الفاسد؟ وكذا الشأن عند الحيوان، وهو ما يقال له عند اللحام: سودة، أريد نصف كيلو من السودة، كان قبل أن يذبح الحيوان كبداً، كان يقوم بأدوار خطيرة جداً، ما هذا السر؟ فأي شيءٍ فيه حياة لا يزال سراً..
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً(85)﴾
بذرة التين أدقُّ من رأس دبوس، هذه إذا زُرِعَت في ظروفٍ صحيحة تُنتج شجرة تينٍ كبيرة، هذه التفصيلات، هذه الخصائص، هذه الطعوم هل هي كامنة في هذه البذرة؟ لهذه الشجرة آلاف الخصائص، آلاف الجُزئيات، كلها مبرمجةٌ في هذه البذرة، لا يزال سرُّ الحياة مجهولاً
أردت أن أنقلكم من ألف لام ميم إلى طبيعة الخلق، المواد التي تأكلها البقرة بين أيدينا، فهل بإمكان البشر جميعاً أن يصنعوا كأس حليب؟ المواد التي تأكلها الدجاجة بين أيدينا فهل بإمكان البشر جميعاً أن يصنعوا بيضةً واحدة؟ المواد التي يأكلها الإنسان بين أيدينا، فهل بإمكان أعظم الدول تقدماً أن يصنعوا خليةً واحدةً حية؟ ليس في الإمكان، سرُّ الحياة بيد الله عزَّ وجل، هناك إعجاز.
عجز البشر جميعا عن إتيان بآية من مثل القرآن:
والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، بلسانٍ عربيٍ مبين، وأصل هذه اللغة من هذه الحروف، فهل بإمكان البشر لو اجتمعوا أن يأتوا بسورةٍ من مثل هذا القرآن؟ إذاً الوحي الذي جاء به النبي فيه دليلٌ على أنه وحي، حينما تحدى الله عزَّ وجل العرب كافةً عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وبعضهم قال: "إذا تحدَّاك إنسان، وأنت بالإمكان أن تَرُدَّ عليه التحدي ماذا تفعل؟" أغلب الظن أنك ترد عليه التحدي، فإذا كان الذي تحداك من طبقتك، وقد استعلى عليك، وتحداك، فهل تسكت؟ إذا كان الذي تحداك من طبقتك، ولم يُعرَف قبل هذا التحدي بهذا التفوُّق، هذا يدفعك أكثر إلى أن تقبل التحدي، إذا كان الذي تحدَّاك من طبقتك، ومن بلدتك، ومن مستواك، ولم يُعرَف قبل هذا التحدي بالتفوق، وفي تحديه لك منعك من حظوظ نفسك، وقَيَّدك بقيودٍ كثيرة، هل ترفض هذا التحدي؟ لا شك أنك تندفع كثيراً إلى قبول هذا التحدي، والقرآن تحدَّى العرب جميعاً على لسان النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله، أن يأتوا بسورةٍ واحدة، أن يأتوا بآيات، ومع ذلك وقف العرب عاجزين عن أن يُعارضوا هذا القرآن، أو عن يأتوا بمثله، لذلك ربنا عزَّ وجل لفت النظر إلى أن:
تنزيل الكتاب من رب العالمين:
الحقيقة في هذه السورة قضيةٌ دقيقة جداً، هذه القضية متعلقةٌ بالعقيدة وهي: يقول الله عزَّ وجل: ﴿الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أصل التركيب: تنزيل الكتاب من رب العالمين، التنزيل مصدر بمعنى مُنَزَّل، أيْ كتابٌ مُنزَّلٌ من رب العالمين، كلام البشرِ قاطبةً في كَفَّة، وهذا الكلام في كفةٍ أخرى، هو كلام الخالق، وذاك كلام المخلوق، والفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق كالفرق بين الخالق والمخلوق.
مَن ربُّ العالَمين ؟
ومَن ربُّ العالمين؟ رَبُّ العالمين الخالق، المُسَيِّر، الرب، أي الذي خلقكم، والذي يتعهدكم بحياتكم المادية والمعنوية، والنفسية والعقلية والروحية، هو الرب يُمِدُّ ويربّي، فأقرب اسمٍ من أسماء الله تعالى للإنسان كلمة (رب)، اسم الرب، لأنه الذي يُربي، لأنه الذي يرحم، لأنه الذي يداوي، لأنه الذي يعطي، لأنه الذي يمنع في الوقت المناسب، لأنه الذي يرفع لحكمةٍ أرادها، والذي يخفض، والذي يبسط، والذي يقبض، والذي يُمدّ، والذي يُحيي، والذي يميت، والذي يُلقي الخوف أحياناً، أو يلقي الطمأنينة أحياناً أخرى، هو رب العالمين.
لاَ رَيْبَ فِيهِ
لكن في قوله تعالى:
كلما تقدّم العلم أيّد آيات القرآن:
الظلام في الغلاف الخارجي بين سبق القرآن وإثبات العلم:
قلت اليوم في الخطبة: إن أحد العلماء العرب المتفوقين في علم الفضاء كان في قاعدة إطلاق الصواريخ في بلد غربي، طبعاً هذه القاعدة على اتصال مع روَّاد الفضاء في مركبتهم، أحد روَّاد الفضاء بعد أن تجاوزت مركبته الغلاف الجوي الأرضي، صاح بأعلى صوته عبر جهاز اللاسلكي: لقد أصبحنا عُمْياً لا نَرى، ما الذي حصل؟ كان في جو الأرض، وكان في جو الهواء، والهواء يُحَقق ظاهرة في علم الفيزياء اسمها تناثر الضوء، فأشعة الشمس تنعكس على ذرات الهواء، وعلى ذرات الغبار فيتألَّق الجو، ويصبح مضيئاً، فلما خرجت المركبة من غلاف الأرض الجوي إلى أعماق الفضاء فجأةً انتقل رواد الفضاء بمركبتهم إلى ظلامٍ دامس، والصور الملونة التي يلتقطها روَّاد الفضاء من مركباتهم تؤكِّد ذلك، لونٌ أسودٌ داكن، وفي هذا اللون الأسود تألُّقٌ لبعض النجوم، ومنها الشمس، هذا ما يراه روَّاد الفضاء في مركبتهم، ربنا عزَّ وجل قال:
﴿
هذه آية قرآنية أُنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة عام، ولم يكن يخطر في بال أحد أن الإنسان سيستطيع أن يصعد إلى القمر، أو أن يتجاوز الغلاف الجوي.
﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ
أما كتاب خالق البشر لو امتد بنا الزمان آلاف السنوات فلا يمكن أن يظهر اكتشافٌ علميٌ حقيقيٌ، أن تظهر حقيقةٌ علمية تناقض كلام الله، لأن الله هو خالق الكون، الكون خلقه والقرآن كلامه، ولا يُعقل أن يتناقض كلامه مع خلقه، إذاً كلمة:
لابد من أن تعلم أن القرآن كلام الله حتى تستقيم:
والإنسان أيها الإخوة، إذا شعر أن هذا الكلام كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه فإنه يستقيم معه، متى يستقيم على أمر الله؟ قال بعض علماء التوحيد كلمةً رائعةً، قال: "الإنسان لا يستقيم على أمر الله إلا إذا أيقن بوجوده، وأيقن بأنه يعلم، وأيقن بأنه سيُحاسب" موجود، ويعلم، وسيحاسب، لو أيقنت بوجوده، لكن يقينك بعلمه ضعيفٌ فلن تستقيم، لو أيقنت بوجوده وأيقنت بعلمه، لكن يقينك باليوم الآخر ضعيف فلن تستقيم، لاحظْ أنك لا تستقيم على أمره إلا إذا أيقنت بوجوده، وبعلمه، وبحسابه.
أريد أن أوضح لكم هذا المثل، لو فرضنا أن إنساناً ثرياً كبيراً من أثرياء العالم، وله وكيل أعمال يُعطيه راتباً يفوق حدَّ الخيال، يعيش في بحبوحةٍ كبيرة، هذا الثري العظيم أرسل أمراً إلى وكيله: أن ادفع إلى فلان مليون ليرة، فهذا الوكيل، لو علم أن هذا الكتاب، أو أن هذا التوقيع، ليس توقيع هذا الثري، وأعطى هذا الوكيل هذا المبلغ لزيد، والثري لم يعترف على هذا الكتاب، وقال: لا، هذا ليس توقيعي، أنت تسرَّعت، وتورطت، وعليك أن تدفعه، ادفعه من جيبك، إذاً لو لم يكن هذا التوقيع توقيعه لكان هذا المبلغ عليه، ولو أن التوقيع توقيعه، ولم ينفِّذ مضمون هذا الأمر لطرده من عمله، إذاً حينما يأتي هذا الوكيل كتابٌ من هذا الثري يأمره أن يدفع هذا المبلغ لزَيْد، أخطر شيءٍ في هذا الكتاب أن يتأكَّد الوكيل من صحة التوقيع، فلو لم يتأكد، ودفع، ولم يكن التوقيع توقيعه لدفع هذا المبلغ من جيبه، ولو كان التوقيع توقيعَه، ولم يستجب له لطرده من عمله، إذاً أخطر شيءٍ عند الوكيل التحقُق من نسبة هذا الكلام إلى هذا الثري، هذا مثل للتقريب.
فأنت كمسلم أخطر شيء في حياتك أن تتأكَّد أن هذا القرآن كلام الله، إن لم تكن متأكداً فلن تستقيم على أمر الله، لن تعبأ به، إن كان من عند الله، وعصيت أمر الله فقد أهلكت نفسك، وإن لم يكن من عند الله وقيَّدت نفسك في الحياة بقيود لا معنى لها ضيَّعت حياتك، إذاً قبل كل شيء يجب أن تؤمن بأن هذا القرآن كلامه.
أيها الإخوة الأكارم، في العالم الإسلامي لا يُطْرح إطلاقاً أن هذا القرآن ليس كلام الله، ولكن هناك تصديق عفوي، تصديق ساذج، تصديق وراثي، نحن نشأنا في بلاد إسلامية، وبيننا خطباء، ومدرسون يدرسون التربية الإسلامية، وهذا القرآن كلام ربنا، لكن حينما يأتيك إنسان ضال مُضل، حينما يأتيك إنسان يريد أن يُطْفئ نور الله، ويطرح عليك أن هذا القرآن ليس كلام الله، هل عندك حجةٌ قوية على ذلك؟ أنا أرى أنه لا شيء في الحياة أخطر من أن تؤمن بكل جارحةٍ من جوارحك، وبكل خليةٍ من خلاياك أن هذا القرآن كلامُ الله، وأنَّك سوف تُحاسَب في ضوء هذا القرآن، وأنه أمرٌ ونهيٌ، وأن في الأمر سعادةً، وفيما نهى الله عنه شقاءً، من هنا جاء قوله تعالى:
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً(88)﴾
فمن معاني:
من لوازم ربوبية الله أنه جعل لنا منهجا في الحياة:
﴿
الآن دعاة الإلحاد، أو المشككون في الدين، من أين يأتون على الدين؟ يدعون أن هذا القرآن من عند محمد، وأنه كان ذكياً جداً، وكان عبقرياً، وقد جمع العرب حوله بهذا الكتاب، وهذه مرحلة انقضت وانتهت، فبين الإيمان والكُفر أن تعتقد أن هذا القرآن من عند الله، لا ريب فيه، كلام خالق الكون، منهجٌ دقيق..
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ
وبين أن تعتقد أن هذا الكلام من عند محمد عليه الصلاة والسلام، هذا هو الفرق.
الإذعان التام لا الفلكلور والشكليات:
(( مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ ))
هذا الموقف الفلكلوري، أنه كلام الله، وتقبّله، وتعلقه في غرفة النوم ببيت مطَرَّز، وأنت تعصي كلام الله عزَّ وجل، القضية أخطر من ذلك، إلى أن أصبح القرآن عند بعض الناس كتاباً يُتلى على الأموات فقط، فإذا سمعوا القرآن تشاءموا، ظنوا أن هناك ميِّتاً، هذا القرآن كلام الحياة، كلامٌ يُحيي القلب، كلامٌ فيه منهجٌ للحياة.
فلذلك بين الإيمان والكفر، أن تعتقد أن في القرآن ريباً، وفيه شك، وتناقض، وتضارب، هناك موضوعات لم يعالجها، وهناك موضوعات أغفلها، بينما تجد موضوعات سكت عنها، موضوعاتٍ فَصَّل فيها كثيراً وليته لم يُفَصِّل، إذا كنت تملك هذا التفكير في كلام خالق الكون فالشوط أمامك طويلٌ جداً.
إذا قال لك رجل: أنا طبيب.. تقول له: أهلاً وسهلاً، فقال لك: الضغط كلما ارتفع كلما كان أحسن.. فأين أنت من الطب؟! أنت تحتاج لتعلّم الكثير معنا، أيّ طبيب هذا؟ فلان مُمَرِّض، قلها لطالب ابتدائي: كلما ارتفع الضغط كان أحسن؟ إنه يرفضها، قال لك آخر: أنا مهندس، الإسمنت لا يحتاج لحديد، الإسمنت يتحمل قوى الشد، فهذا مهنته أدنى من أن يكون عاملاً، لأن أبسط حقيقة بالبناء أن الإسمنت يتحمل قوى الضغط، ولا يتحمل قوى الشد، يحتاج إلى حديد يدعمه، فإذا قال لك: أنا دكتور في الهندسة فدعه.
ليس لنا شأنٌ في آيات القرآن، أو هناك تناقضات، أو الموضوعات التي عالجها القرآن لا تُغَطِّي حاجات البشر الآن، عندئذٍ نقول له بأدب: لا يزال الطريق أمامك طويلاً جداً، هذه قضية دين، هذا كلام خالق الكون، اقرأه، تدَبَّره، تفهَّمه، احضر مجالس العلم، اعلم أبعاده، اعلم حلاله وحرامه، واعلم وعده ووعيده.
من معاني الحق:
المعنى الأول: الشيء الثابت:
القرآن حق من رب العالمين:
المعنى الثاني: الشيء السامي العظيم:
وهناك معنى آخر للحق؛ الشيء الثابت والشيء السامي العظيم، الهادف ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ﴾ أي مهما تبدَّلت العصور، مهما تبدلت الأزمان، مهما تقدَّم العلم، مهما تنوَّعت الحياة، مهما ارتقى الإنسان، مهما فعل فإن هذا القرآن كلام خالق الكون، الحقائق فيه ثابتة، والأوامر ثابتة، والنواهي ثابتة، والطريق إلى الله ثابت، لا توجد مفاجآت.
إن الإنسان أحياناً يمشي مع الباطل، يقضي حياته في الباطل، يقضي شبابه، يزهق حياته، وبعد ذلك يكتشف بعد سبعين عاماً أن هذا المبدأ باطل، تخلّى عنه أصحابه، هذه مفاجأة كبيرة جداً، هذه مفاجأة ساحقة أن إنساناً نذر نفسه لهذا المبدأ، وضحَّى بشبابه، وقدَّم كل شيء، بعد هذا العُمر المديد إذا بالفكرة لا أصل لها، وهي من صنع الأهواء والمصالح والأنانيَّات، وانتهى الأمر، و:
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ
هذه مفاجأة خطيرة، أما إذا كنت مع الحق فليس هناك مفاجأة أبداً، مهما تقدمت بك السن، مهما قرأت، مهما اطلعت، لو سافرت، أينما شئت فلتسافر، القُرآن شامخٌ كالطود، بالعكس كلما رأيت انحراف البشر تزداد إيماناً بأحقيَّة هذا القرآن.
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(32)﴾
الآن المجتمع الغربي انتهى، ليس في المجتمعات الغربية أسرة بالمعنى الدقيق، هناك تفتت، تشرُّد، تبعثُر، تشرذم، شقاء، لدى الغرب تقدم من جهة وتخلف كبير من جهات أخرى، الإنسان انسحق لأنه ظن أن اللذَّة هي كل شيء، غفل عن القيم، غفل عن سر وجوده، غفلَ عن هذا الانضباط الروحي الرائع، هذا كله غفل عنه الغربيّون، لذلك الدعوة إلى الله في بلاد الغرب، تجد الآن قبولاً مُنقطع النظير، لشقاء الإنسان، لِمَا يعانيه من قسوة المادة، فالأطفال أحياناً يُسرَقون لتُباع دماؤهم في السوق السوداء، في أرقى المجتمعات، فهذا الشيء مخيف جداً، أن الإنسان بلغ درجة أن يسرق طفلاً، ويصفي دمه، ويبيعه في السوق السوداء!! هكذا يكون الإنسان إذا ترك الله عزّ وجل، يصبح وحشاً كاسراً، إذاً هذا المرض الشهير الذي قال عنه أحد المسؤولين الكبار في بلد متقدم قال: "إن القنبلة الذرية التي سوف تصيبنا هي مرض الإيدز".
ما هو الفساد ؟
سنة ألفين وعشرة سيكون ضحايا الإيدز بمئات الملايين، هذا هو الزنا، أقول لكم، وأنا أعني ما أقول: ما من مشكلةٍ تعاني منها البشرية إلا بسبب الخروج عن هذا المنهج، ما هو تعريف الفساد؟ هو حركة إنسان مخيَّر بلا منهج، فلسفة الفساد في الأرض إنسان مُخيَّر يتحرَّك بغير منهج، لأن كُلَّ شيءٍ مضبوطٌ بالحكمة والخير من عند الله، أما الإنسان فمُخيَّر، فإذا عرف الله عزّ وجل، وسار على هذا المنهج سعِد وأَسعد، وأصبحت الأرض صالحة، وأما الفساد إخراج الشيء عن صلاحه.
متى يَفْسُد الملح؟ يفسد إذا وضعته في الحلويات، فإنك أخرجته عن صلاحه، أفسدت المِلح وأفسدت الحلويات، إذا وضعت السكَّر في الطعام، أفسدته وأفسدت الطعام، الشيء الذي تخرجه عن صلاحه هو الفساد، إذاً حركة الإنسان بلا منهج هي الفساد، فلذلك:
لي صديق أطلعني على كتاب عن العسل، مؤلف هذا الكتاب من بلدٍ عقيدته (لا إله) ليس: (لا إله إلا الله) بل (لا إله) عشرة فصول، أو أحدَ عشر فصلاً عن فوائد العسل، الأمراض الجلدية، الأمراض الإنتانية، علاقته بجهاز التنفس، بجهاز القلب والدوران، علاقته بالإنتانات، علاقته بالهضم، علاقته.. شيء يحيِّر العقول، كأن هذا الكتاب كله ترجمةٌ تفصيليةٌ لقوله تعالى:
﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ
والذي ألَّف الكتاب لا يعرف الآية الكريمة إطلاقاً، وإذا عرفها فلن يؤمن بها في الأساس..
ما حار فيه البشر بيّنه ربُّ البشر:
1 ـ مِن أين يتشكل الجنين ؟
البشرية اضطربت، وتساءَلَتْ: يا ترى الجنين يتشكَّل من الحوين المنوي، والرحم عبارة عن أرض للاستنبات؟ هكذا اعتقد الناس لعشرات السنين، أو لخمسين عاماً تقريباً، ثم اعتقدوا العكس أن الجنين ينشأ من البويضة، وما الحوين المنوي إلا مُنَبِّه، لكن الله عزّ وجل قال:
﴿
(من) للتبعيض، من حوين وبويضة، ثم تاه البشر، يا ترى الجنين من الرجل أم من الأنثى، أيْ كونه ذكراً أو أنثى؟ القرآن أشار:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾
الذي يُشَكِّل الذكر والأنثى النطفة لا البويضة، هذا كلام خالق الكون، آيةٌ قرآنيةٌ تاه فيها البشر:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21)﴾
2 ـ أين هو البرزخ بين البحرين ؟
أين هذا البرزخ؟ أين هو البرزخ بين البحر العربي والبحر الأحمر؟ باب المندب فيه الماء متصل، أين هو البرزخ بين المتوسط والأسود في البوسفور؟ أين هو البرزخ بين المتوسط وبين الأطلسي في جبل طارق؟ والناس قالوا: لا يوجد شيء، لكن الله قال:
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
هذا كلام خالق الكون، ولو كان عند الإنسان وقت، أو نفس علمي طويل لعلم الكثير، أَيَّةُ إشارةٍ في القرآن تدعمها حقيقةٌ علميةٌ عمرها أعوامٌ طويلة.
3 ـ لماذا يطير الطائر ويهاجر ؟
ربنا عزّ وجل قال عن الطيور:
﴿
ربنا عزّ وجل عزا طيران الطائر انطلاقا وتسييراً في جو السماء إلى ذاته، وبحثٌ علميٌّ بقي مستمراً عشرين عاماً لماذا يطير الطير؟ لماذا يُهاجر؟
هناك مائة مليار طائر في العالم، لماذا تهاجر، ما السبب؟ يا ترى خارجي أم داخلي؟ خارجي؛ صار الجو حاراً، فوضعوها في أجواء باردة، تحركت نحو الهجرة، يا ترى بسبب طول النهار؟ وضعوها في ضوءٍ قليل قصير تحركت نحو الهجرة، إذاً الدافع داخلي، ولكن هاجرت فما الذي يدلّها على الطريق؟ تنطلق في رحلةٍ طولها سبعة عشر ألف كيلو متراً من جنوب أمريكا إلى شمالها، سبعة عشرَ ألف كيلو متراً، من جنوب أفريقيا إلى الشرق الأوسط، ولكن تعود إلى أعشاشها في الشتاء، لو أنها انحرفت درجة واحدة، كان عشها في دمشق فإذا هي في مصر، كان عِشُّها في دمشق فإذا هي في العراق، درجة واحدة، من يهديها في ظلمات البر والبحر؟ القرآن الكريم قال:
﴿
عزا طيران الطائر إلى ذاته، البحث العلمي يقول: "هناك إيقاعاتٌ خفيةٌ تُلْقى في قلب الطائر من جهةٍ مجهولة"، وبعد عشرين سنة وضَّحوا الآية، هكذا القرآن، أنت مع كلام خالق البشر، فلا أعتقد أن هناك كتاباً آخر يجب أن يستحوذ عليك، أن تهتم به، أن تُعْنَى بدقائقه، أن تُعنى بآياته، أن تُعنى بأمره ونهيه، أن تُعنى بوعده ووعيده، ببشارته وإنذاره.
القرآن نذير لمَن لا نذير له:
هؤلاء العرب الذين ما أتاهم من نذيرٍ من عهد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام إلى محمدٍ عليه الصلاة والسلام.
حُكم أهل الفترة:
﴿
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ(21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(22)﴾
إذاً:
﴿
كيف نخالف القرآن مع أنك تعلم أنه قطعي من رب العالمين ؟
لماذا أنت أيها المؤمن تتساهل أحياناً في هذا الأمر؟ إذا كان بلغ لديك حدَ اليقين أنه كلام الله فكيف تنسجم مع نفسك إذا خالفت أمره؟ ألا تشعر باختلال التوازن؟ أما إذا كان هناك شك عندك من أمره فإن هذا موضوع آخر، لذلك فإنَّ هذا الموضوع يجب أن يكون محسوماً لدى كل إنسان.
في الدرس القادم إن شاء الله تعالى نتابع هذه السورة الكريمة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرؤها كل فجر جمعة، وأغلب الأئمة في العالم الإسلامي يقلِّدون النبي عليه الصلاة والسلام، ويقرؤونها في فجر الجمعة مع سورة الدهر، فمراكز الثقل في الآية هي كلمة:
مخالفة القرآن ثمنها باهظ:
مثلاً: لو أن مهندساً رأى بناءً، وأدرك بعلمه أن هذا البناء خطِر، ولابدّ من أن يقع، وأنه أَلْقى هذه الحقيقة على مسامع أصحاب البيت، وأبلغهم، وأخذ توقيعهم على ذلك، وأصحاب البيت لم يعبؤوا بهذه النصيحة، وبقوا في البيت إلى أن وقع البيت فوق رؤوسهم، فهذا هو العلم، وذاك هو الجهل.
فالإنسان أحياناً يرتكب مخالفات في كتاب الله يدفع الثمن باهظاً، حتى في حياته الزوجية، لأنه لم يعبأ بكلام الله عزّ وجل، الله عزّ وجل قال مثلاً آيات كثيرة جداً في العلاقات الزوجية، فإذا لم يعبأ بها يدفع الثمن باهظاً من سعادته الزوجية، هناك توجيهات كثيرة في كسب المال، إن لم تعبأ بها دفعت الثمن باهظاً من تجارتك، هناك توجيهات كثيرة في إنفاق المال إن لم تعبأ بها دفعت الثمن باهظاً، فإذا كان الإنسان مُحِباً لذاته، إذا كان مُفرِطاً في أنانيته، عليه أن يتفهّم كلام الله، والمرء يجب أن يلاحظ نفسه.
مثلاً: آلة غالية جداً.. كأن يشتري أحياناً كمبيوتراً، أو يشتري مركبة موديل جديد، يقول لك: هذه كلفتني كذا مليون، تجده حريصاً حرصاً بلا حدود على اقتناء الكُتَيِّب الذي تصدره الجهة الصانعة، حريصاً حرصاً بلا حدود على ترجمته لفهمه، حريصاً حرصاً بلا حدود على تنفيذ تعليماته، حرصك على سلامة هذه الآلة دفعك إلى كل هذا الحرص، وكل هذا الجهد، ترجمت، وقرأت، وفهمت، وسألت، ونفَّذت، فحرصك على آلةٍ صغيرة أو على مركبةٍ أيعقل أن يكون أشد من حرصك على نفسك، وعلى مصيرك، وعلى مستقبلك؟! وعلى حياتك بعد موتك؟ هكذا الدنيا؟ الإنسان لو رأى بعينه شيئاً من الخلل في صحته لا ينام الليل، يسأل عن أمهر طبيب، يسأل عن الطبيب الأول، ويقول لنفسه: (هذه عين ليس معها لعب، فهي أداة البصر) ولكن نفسك التي بين جنبيك؟ هي التي سوف تعيش بها إلى الأبد.
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾
أرجو أن تدركوا معي أنَّ هذا الكتاب بعضهم يتلوه، ويقول: تباركنا والحمد لله، شعرنا براحة، كلام الله، بل الموضوع أخطر من ذلك، أخطر بكثير، أخطر من أن تتلوه هكذا، الموضوع أن تقف عند أمره ونهيه، عند حلاله وحرامه، عند آياته الدالة على عظمة ربك، عند الآيات التي تَعِد أو تُوعِد، هذا المطلوب، فالمطلوب أن نتلوه ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساءً، أن نتفهَّمه، أن نتدبَّره، يجب أن تكون في مستوى هذه الآية: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ كنت أقول لكم سابقاً: من السهل جداً أن تقول: ألف مليون ليرة، فالعبارة لا تكلفك شيئاً، ألف مليون ليرة، ثلاث كلمات، يمكن إذا كان الجهد يقاس بوحدات، وحدات لا تُذكَر، فما هذا النفس الطويل.. ألف مليون ليرة.. شتَّان بين أن تلفظها وبين أن تملكها، فرقٌ كبيرٌ جداً بين أن تقول ألف مليون ليرة، وبين أن تملك هذا المبلغ، وكذلك في القرآن شَتَّان بين أن تقرأ آية قراءةً صحيحةً مجوَّدة، وبين أن تكون في مستواها، حينما تخالف كلام الله ما معنى ذلك؟ أنك تشعر من أعماقك أن هذا الكتاب صعب التنفيذ، كأن الله كلَّفك ما لا تطيق مع أن الله تعالى يقول:
﴿
أنت حينما تعتقد هذه العقيدة فقد خالفت كلام الله، فاجهد أن تكون عقيدتك مطابقةً لكلام الله، فاجهد أن تستنبط سر الحياة، سر الكون، وسر الحياة، وسر وجودك من كلام الله، اجهد أن يكون عملك مطابقاً لتوجيهات الله، اجهد أن تكون أهدافك مطابقةً لِمَا في القرآن، لا أن تكون أرضيةً، فالمفاجأة كبيرة جداً..
﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(45)﴾
يُصْعَق.
مثلاً: شخص قلب كل أمواله إلى عملة أجنبية، بيته، معمله، أرضه، سيارته، بيته في المصيف، المبلغ صار مئتي مليون، وذهب إلى بلدٍ أجنبي ليعيش في بحبوحةٍ كبيرة، ليشتري البيوت والقصور، والسيارات، ويعيش بلا عمل، وبدخلٍ من ريع المبلغ في المصارف، ثم يُفاجأ أن هذه العملة التي قبضها مزوَّرة، فبلحظة واحدة يُصعق.
﴿
أحدهم وضع أمواله في شركة استثمارية في الخليج، مبلغ ضخم جداً كل ما يملكه، كان في دمشق يمضي شهراً كعطلة، فلما عاد إلى بلده في الخليج أنبأه شريكه أن هذه الشركة التي وَضَعْت فيها كل أموالك قد فلّست، فوقع مغميّاً عليه، هذه صعقة كبيرة جداً، نحن نقرأ القرآن، يجب أن يُقرأ قراءةً جدية، الأمر، النهي، في كل التوجيهات، في زواجك، ولا يمكن أن يشقى زوج إن طبق كلام الله عزّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ
اقرأ التفاسير كُلَّها، المعاشرة بالمعروف ليس أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها، هكذا توجيه ربنا عزّ وجل، فيجب أن نقرأ القرآن بتدبر، بعناية، يجب أن توقع عملك وفق القرآن، إذا قال لك: غُض بصرك، غض بصرك وإلا صار البيت جحيماً، كلَّ يوم بينك وبين زوجتك مشاجرتان أو ثلاثٌ، إذا قال لك الله عزّ وجل:
﴿
فصدق، لأنك تجمع، ثم تجمع، ثم تجمع، وفي ثانية واحدة يدمِّر مالك كله
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا
لو اغتبت يتمزَّق المجتمع، تجد الأسر كلها ممزقة فما هو السبب؟ من الغيبة، يستقبل استقبالاً مع ترحاب، يغادر منزلهم فيتكلمون عليه، يكون الواحد حاضراً فينقل الكلام إليه: هكذا تكلموا عليك بعد خروجك، فيرد عليه: هم تكلموا بهذا الكلام علي، أعوذ بالله، هم فعلوا معي هكذا؟ تجد الحياة كلها ممزقة من الغيبة، فإذا أردت أن تسعد أنت، وأهلك، وأولادك، ومجتمعك، وجيرانك، وإخوانك فطبق كلام الله، كلمة: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ الدرس كله على كلمة لا ريب فيه، هذا كلام خالق البشر.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.