- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (054)سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من أشراط الساعة: بعثة النبي الكريم:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة القمر.
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
﴿ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ (1)﴾
(( رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ بإصْبَعَيْهِ هَكَذَا -بالوُسْطَى والَّتي تَلِي الإبْهَامَ-: بُعِثْتُ والسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ. ))
أي أن بعثة النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أحد أشراط الساعة، وقد ذكر النبي -عليه الصّلاة والسّلام- عن أشراط الساعة الشيء الكثير بعضها وقع وبعضها لمَّا يقع.
الإيمان بالله وباليوم الآخر أمر حتمي ؟
أيها الإخوة؛
﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3)﴾
من لوازم وجود الإله -وهو الحقّ- أن يقيم الحق، أن تُسوَّى كل الحسابات، أن تُؤدَّى كل الحقوق، أن تُدفَع كل الغرامات، أن يُحاسَب الإنسان عن كل أعماله؛ هذا يوم الدين.
الإيمان بالحساب يؤدي للاستقامة:
أيها الإخوة ذكرت هذا قبل درسين سابقين، فرقٌ كبير بين أن تؤمن بالحساب وبين أن تتوهم العبثية، إن توهَّمت العبثية فلن تستقيم على أمر الله، أما إن آمنت بالحساب فلابدَّ من أن تستقيم، أي الله -عزَّ وجلَّ- كل أسمائه محقَّقةٌ في الدنيا إلا اسم (العَدل) لا تراه واضحاً جليّاً إلا يوم القيامة، فالله سبحانه وتعالى يبدأ الخلق -وقد بدأه - ثم يعيده، لماذا؟
﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا
مرَّة ركبت مع صديقٍ لي في مركبته، وضع صورةً لها وقد التُقِطَت من جهاز الرادار، وأُرسِلَت له إلى البيت؛ أي أنت في التاريخ والساعة والدقيقة، السرعة كانت كذا، وصورة المركبة ولوحتها، هذا الشيء مُسكِت، لا يستطيع أن يقول كلمة ولا حرفًا: لم أكن أو كنت، الوقت والتاريخ، واليوم، والمكان، والسرعة، وصورة المركبة مع لوحتها، فإذا كانت كل أعمالنا عند الله هكذا، كل أعمالنا مسجَّلة بدقائقها، وتفاصيلها، ووقتها، ومكانها، وزمانها، ويوم القيامة تُعرَض علينا.
﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا
فإذا توهّم الإنسان أن جهازه الهاتفي مراقب فكيف يتكلَّم؟ إذا راقب إنسان إنسانًا، أي مخلوق راقب مخلوقًا فإنه ينضبط أشدَّ الانضباط، فكيف إذا أيقن أن على كتفيه ملكين يسجِّلان عليه كل حركاته وسكناته، وكل أعماله خيرها وشرِّها، صالحها وطالحها؟ فكأن الله -سبحانه وتعالى- حينما قال:
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديـعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَـــهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
أبواب التوبة مفتوحة لكل الناس:
إذاً الآية الكريمة:
(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))
والشيء الذي لا يُصدَّق أن الماضي كلَّه يُلغى بثانية.
(( التَّائبُ من الذَّنبِ كمن لا ذنبَ له ))
إذا ذهب الإنسان إلى بيت الله الحرام تائباً منيباً مخلصاً عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا جاءه رمضان وصام صوماً صحيحاً، صام نهاره وقام ليله وعبد ربَّه خرج من رمضان كيوم ولدته أمَّه وأعتقه الله من النار، إذا تاب العبد، إذا صام العبد، إذا حجَّ العبد، إذا صلَّى الإنسان الجمعة وتاب في أثنائها كفَّر الله له كل السيئات التي كانت قبلها، أبواب التوبة مفتَّحةٌ على مصارعها، والله -سبحانه وتعالى- يريدنا أن نتوب، والدليل:
﴿
وما فتح لكم باب التوبة إلا ليتوب عليكم، ما فتح لكم باب الاستغفار إلا ليغفر لكم، ما فتح لكم باب الدعاء إلا ليستجيب لكم، قال لكم:
﴿ وَقال رَبُّكُمُ
استغفروني أغفر لكم، توبوا إلي أتب عليكم، فماذا بقي؟! هذا معنى:
كأن تقول لطالبٍ في نهاية العام الدراسي: اقترب الامتحان، أي اذهب إلى النزهات؟ أو نم إلى منتصف النهار؟ أو تسلى بأشياء سخيفة؟ هل يُعقَل هذا؟! ماذا نقصد من قولنا لطالبٍ على وشك الامتحان: اقترب الامتحان؟ أي انتبه، استنفر، شَمِّر، اكسب وقتك، إياك أن تضيع وقتك؛ هذا معنى
معجزات الله في الكون والإنسان:
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍۢ فَأَبَىٰٓ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلْأَرْضِ يَنۢبُوعًا(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍۢ وَعِنَبٍۢ فَتُفَجِّرَ ٱلْأَنْهَٰرَ خِلَٰلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ قَبِيلًا(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَٰبًا نَّقْرَؤُهُۥ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)﴾
أي أن كفَّار قريش طالبوا النبي بمعجزاتٍ حسِّية، وهذه الآيات التي تلوتها عليكم تؤكِّد هذه الحقيقة، طالبوه بمعجزاتٍ حسّية، وغاب عنهم أن القمر أعظم من انشقاقه، وأن الشمس أعظم من انطماسها، وأن نظام الكون على ما هو عليه أعظم من خرقه، ولكن الكافر يتعنَّت، لكن الكافر يطلب مالا يوصله إلى الحقيقة، وقد ورد في الأثر: "أن حسبكم الكون معجزة"؛ الكون وحده، أي ابنك الذي أمامك كيف خُلِّق من نطفةٍ لا تُرى بالعين؟! الخمسمئة مليون نطفة تشكِّل اثنين سنتيمتر مكعَّب، أو سنتيمتراً مكعَّبًا، والطفل خُلِّق من نطفةٍ واحدة لقَّحت بويضةً، وانقسمت إلى عشرة آلاف قسم، تشكلَّ الدماغ، مئة وأربعون مليار خلية استنادية لم تُعرَف وظيفتها بعد، أربع عشرة مليار خلية سمراء فيها النشاط الفكري والمحاكمة والتصور والتذكُّر، أعصاب لا يعلم عددها إلا الله، مئة وخمسون ألف كم من الأوعية الدموية في جسم الإنسان، ثلاثمئة ألف شعرة ولكل شعرة وريدٌ، وشريانُ، وعصبٌ، وعضلةٌ، وغدَّةٌ دهنيةٌ، وغدَّةٌ صبغيةٌ، مئة وثلاثون مليون عصيَّة ومخروط في شبكية العين لالتقاط الصور، القلب يضخ ثمانية أمتار مكعَّبة في اليوم الواحد، والأسرة قد تستهلك في السنة بأكملها مترًا مكعبًا وقوداً سائلاً، أما القلب في اليوم الواحد يضخ ثمانية أمتار مكعبة دون كللٍ ولا مللٍ بدسَّامات، ببُطينين، بأُذينين، بشريان أبهر، والشرايين قلوب، الشريان مرن يأخذ دور القلب فإذا نبض القلب اتسع الشريان، لأنه مرن إذا عاد إلى وضعه الطبيعي ضخَّ الدم بالتالي، فكل شريانٍ مضخَّةٌ تعين القلب، وحينما تتصلَّب الشرايين يتعب القلب، وقد قالوا: عمر الإنسان من عمر شرايينه، واكتشفوا الآن أن زيت الزيتون وحده هو الذي يقي من تصلُّب الشرايين، فالإنسان بوضعه الراهن بعضلاته، بأعضائه، بعظامه، بأعصابه، بجهاز الدوران، بجهاز الهضم، بجهاز التصفية والإخراج، الإنسان وحده معجزة، التفَّاحة معجزة، القمح معجزة، نزول هذه الأمطار معجزة، هل يوجد عندنا شيء يتحرَّك بلا صوت، بربكم طائرة تحمل خمسمئة راكب تملأ الدنيا ضجيجاً!
﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾
بلا صوت
﴿ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًا ۖ
حقيقة انشقاق القمر:
﴿
معنى هذا أنه لم يأت، ولكن الإله إذا قرَّر شيئاً فكأنه وقع.
﴿ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُۥ فَقَدْ عَلِمْتَهُۥ ۚ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَآ أَمَرْتَنِى بِهِۦٓ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ (117)﴾
هذا الشيء لم يقع بعد، فلماذا عبَّر الله عنه بالفعل الماضي؟ قالوا: هذا الماضي الذي عبَّر الله به عن المستقبل لتحقُّق الوقوع، والإنسان مهما كان قوياً، ومهما كان متمكِّناً فإنه يقول لك: سأفعل كذا بعد أسبوع، قد يموت قبل أن يفعل، لا توجد جهة في الكون تستطيع أن تجزم بفعل شيءٍ قبل وقوعه إلا الله، ولذلك ربّنا وحده إن عبَّر عن المستقبل يستخدم الفعل الماضي
﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ (82)﴾
فإما أن نفهم الآية على أن القمر انشقَّ حقيقةً، وهو من المعجزات الحسيّة للنبي-عليه الصلاة والسلام- كما قال كفَّار قريش: يجب أن تأتينا بالملائكة قبيلاً، أن تفجر الأرض ينبوعاً.. إلخ، فكانت هذه الآية إجابةً لطلبهم كي يؤمنوا، وبعضهم قال: انشقاق القمر لم يقع بعد لقوله تعالى:
﴿ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ (37)﴾
والقمر من السماء، فإما أن نعتقد أن القمر لم ينشقَّ بعدُ، وإما أن نعتقد كما قال بعض المفسِّرين: إنه انشق، على كلٍّ العبرة فيما يلي:
﴿ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ(1) وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2)﴾
انغماس الكفار في شهواتهم وعدم إصغائهم إلى الحق:
طبعاً هؤلاء الكفَّار الذين انغمسوا في شهواتهم إلى قمَّة رؤوسهم، وأرادوا الدنيا، أرادوا مالها، أرادوا نساءها، أرادوا زينتها، أرادوا مباهجها، أرادوا متعَها الرخيصة، هؤلاء لا يستطيعون أن يصغوا إلى الحق لأنهم إن أصغوا إليه قيّدهم وألجمهم وحدَّد حركتهم، فالذين ينغمسون في ملذَّاتهم إلى قمَّة رؤوسهم فهؤلاء الذين يردّون الحق، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ،
بطر الحقِّ: ردُّ الحق، تأتيه آيةٌ كالشمس في رابعة النهار، يركب رأسه وينكرها، يأتي زلزال واضح جداً فيقول لك: اضطرابٌ في القشرة الأرضية، لا يقبل أن تُفسَّر الأشياء تفسيراً سماوياً، لا يقبل إلا التفسير الأرضي:
﴿
أما إذا فسَّرت الأمور تفسيرًا أرضيًا شركيًا يقبلونه.
الآيات الكونية و التكوينية و القرآنية تدل على الله-عزَّ وجلَّ-:
إذاً:
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)﴾
شيء مخيف، فالآيات تترى، الآيات بين أيدينا نصغي إليها صباحاً ومساءً؛ مركبةٌ فضائية سمَّوها
العلاقة الترابطية بين التكذيب والهوى، وبين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات:
﴿
دقِّقوا:
﴿
قد يسأل سائل ما الوضع؟ نحن أين موقعنا من هذه الآية؟ موقعنا هو قوله تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
لماذا أضاعوا الصلاة؟ لأنهم اتبعوا الشهوات، لماذا اتبعوا الشهوات؟ لأنهم أضاعوا الصلاة، علاقةٌ ترابطية بين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات، وكذلك هذه علاقة ترابطية
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (50)﴾
أما الآية الدقيقة
سنة الله في خلقه:
لأن الله موجود، ولأن الأمر كله بيده، ولأنه الفعَّال لما يريد، ولأنه القاهر فوق عباده، ولأنه على كل شيءٍ وكيل فالبرُّ لا يُبلى، والذنب لا يُنسى، والديَّان لا يموت، المستقيم له معاملة، مستقيم له مصير رسمه الله له، يوجد تأييد ونصر وحفظ، المنحرف له معاملة، ينكشف انحرافه ويلقى جزاء عمله، والغاشّ للمسلمين له معاملة، يفضحه الله ويخسر المال الذي جمعه من غِشِّه، يفضحه الله على رؤوس الخلق ويخسر المال بل أضعاف المال الذي جمعه من الغِشّ، والنصوح يرفع الله اسمه ويدعم عمله
((
فكل أمرٍ مستقر، الغشاش يُكشَف غشّه، المنافق يُكشَف نفاقه، المُحتال يُكشَف احتياله، الأمور لا تستمر على وضعها غير الصحيح؛ هذه سنَّة الله في خلقه، إنسان يحتال على الناس لابدّ من أن يفضحه الله، إنسان يكذب لابدَّ من أن يُكشَف كذبه، الأمور لا تستقر فالحائط لا يستقر إلا إذا بُني على شاقول، فإذا بني من دون شاقول أصبح مائلاً لابدَّ من أن يقع، ووقوع البناء دليل أنه لم يكن صحيحاً، ثبات البناء دليل أنه بني صحيحاً
يوجد معنى آخر لهذه الآية:
قصص الأقوام السابقة زجر للمنحرفين:
﴿ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ(3) وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)﴾
هذا كتاب الله فيه قصص الأقوام السابقين؛ قوم عادٍ وثمود، وقوم تبَّع، وأصحاب الأيكة، وقوم نوح، وقوم لوط، وقوم إبراهيم كيف أنهم كذَّبوا فأهلكهم الله -عزَّ وجلَّ-، هؤلاء.
﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3) أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍۢ (5) يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ(6)﴾
هؤلاء يحاسَبون، فالقرآن فيه قصص الأقوام السابقة، أليست هذه مزدجراً للمنحرفين؟ في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة.
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)﴾
أليست هذه الأنباء كافيةً كي تزجر المنحرفين؟ إن في قصص الأنبياء السابقين، أو أقوامهم المكذّبين، أو في آيات الحلال والحرام، والحقّ والباطل، والخير والشر، أو في مشاهد يوم القيامة وما يتعذَّب فيه الكفَّار في النار، وما يتنعَّم فيه المؤمنون في الجنة.
عدم نفع النذر عند تعطيل العقل:
﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ(4) حِكْمَةٌۢ بَٰلِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ (5)﴾
فالإنسان إذا عطَّل عقله فالنذُر لا تنفعه.
بواعث الإنسان:
الإنسان له باعثان: باعث العقل، أو باعث الشهوة، إن استجاب لباعث الشهوة فإنه يمشي في طريق الهلاك، أما إذا استجاب لباعث العقل فهو في طريق النجاة، إن استجاب لباعث إرضاء الله فهو في طريق السعادة، أما إذا استجاب لباعث إرضاء الذَّات فهو في طريق الشقاء، إن استجاب لباعث العمل للآخرة كسِبَ الدنيا والآخرة، إن استجاب لباعث العمل للدنيا خسِر الدنيا والآخرة، فيوجد باعثان وليس هناك باعثٌ ثالث؛ حتميّة الباعثين.
﴿
لذلك:
الإنسان مخيّر لمعرفة الله:
﴿
دعهم لي-هذا كلام فيه تهديد- دعهم يا محمد لقد أصمَّوا آذانهم، حبهم للدنيا أعماهم وأصمَّهم، دعهم لي، إن لم يستجيبوا لك
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ۘ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْءٍۢ نُّكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ ۖ يَقُولُ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)﴾
خيارنا مع الإيمان خيار وقت فقط:
إخوانا الكرام؛ حقيقة خطيرة جداً، أنت خيارك مع الإيمان خيار وقت، دقّقوا فيما سأقول: إن لم تؤمن الآن وأنت صحيحٌ، قويٌ، شابٌ، غنيٌ، حي، هذا أخذته من قول النبي الكريم:
(( اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ . ))
فإن لم تؤمن وأنت شاب، صحيح، غني، فارغ، حَيّ فلابدَّ من أن تؤمن بعد فوات الأوان، فرعون قال:
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ
قيل له:
﴿
ما نَفْعُ إيمانك الآن؟ فنحن مع الإيمان ليس خيارنا خيار قبول أو رفض، بل خيار وقت فقط، ذكرت هذا في الأسبوع الماضي أن الفرق بين المصاب بالإيدز والحامل لهذا الفيروس ليس فرقاً في النوع لكنه فرقٌ في الوقت فقط، المصاب ظهرت عليه أعراض الإيدز المرعبة، وأما الحامل أعراض الإيدز المرعبة في طريقها إلى الظهور لم تظهر بعد، فقضية وقت بينهما، ليس هناك فرقٌ نوعي بل فرق زمن، ونحن إن لم نؤمن فلابدَّ من أن نؤمن، جميع الحقائق التي يعرضها القرآن الكريم سوف ترونها رأي العين عند مغادرة الحياة.
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ
غير الذي كنت أعمل، غير الذي كنَّا نعمل.
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ۚ
يوجد نذير.
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى ۗ وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰنُ لِلْإِنسَٰنِ خَذُولًا (29)﴾
أهوال يوم القيامة:
((
أي غير مُطهَّرين، فقالت: يا رسول الله هكذا يرى بعضنا بعضاً بلا ثياب؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ(8) فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍۢ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10)﴾
دقِّقوا أيها الإخوة؛ توبوا إلى الله قبل فوات الأوان، اصطلحوا مع الله قبل أن يأتي يومٌ لا نستطيع ذلك، عالجوا أنفسكم، حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، هذه الآيات أيها الإخوة في درسٍ قادمٍ إن شاء الله نتابع تفسيرها مبتدئين بقوله تعالى:
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍۢ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ (9)﴾
والحمد لله رب العالمين.