وضع داكن
29-11-2024
Logo
درس تلفزيوني قناة سوريا - الدرس : 18 - رحمة الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الرحمة :

 أخوتي المؤمنين أعزائـي المشـاهدين السـلام عليكم ورحمة الله وبركاتـه وبعد :
 فقد ورد في كتاب الترغيب والترهيب ، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( أتاكم رمضان ، شهر بركة ، يغشاكم الله فيه ، فينزل الرحمة ، ويحط الخطايا ، ويستجيب فيه الدعاء ، وينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيرا ، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل ))

[ رواه الطبراني وقال رواته ثقات ]

 أيها الأخوة المشاهدون ؛ أن نصل إلى رحمة الله ، ونحظى بها ، هو سر وجودنا ، وغاية عبادتنا ، فرحمة الله مقصد كل مؤمن ، إليها تشتاق الأنفس ، وبها تطمئن القلوب ، قال تعالى :

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود : 118ـ 119 ]

 بل إن رحمة الله تعالى هي محط الرحال ، ونهاية الآمال ، وغاية الغايات ، قال تعالى :

﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾

[ سورة آل عمران : 106 ]

 ثم يقول الله عز وجل :

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 107 ]

حقيقة الرحمة :

 ولكن يا أخوة الإيمان ؛ ما حقيقة رحمة الله ؟..
 إنها كروح في الجسد ، بها يقف ، وبها يتحرك ، وبها يفكر ، وبها يتكلم ، وبها يستمع ، يسعد بها الإنسان ، ولو فقد كل شيء ويشقى بفقدها ، ولو ملك كل شيء ، رحمة الله ليست ملك أحد فيمسكها أو يرسلها ، ولكنها في متناول كل واحد من البشر ، إذا هو دفع ثمنها .
 قال تعالى :

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر : 2 ]

 وقال تعالى :

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 56 ]

 مشاهدي الأعزاء ؛ ما من نعمة ـ يمسك الله معها رحمته ـ إلا وتنقلب بذاتها نقمة ، وما من محنة تحفها رحمة الله ، إلا وتكون هي بذاتها نعمة ، ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله ، فإذا هو مهاد وثير ، وينام على الحرير ، وقد أمسكت عنه رحمة الله ، فإذا هو شوك القتاد .
 يعالج المرء أعسر الأمور برحمة الله ، فإذا هي هوادة ويسر ، ويعالج أيسر الأمور ، وقد تخلت عنه رحمة الله ، فإذا هي مشقة وعسر ويخوض المخاوف والأخطار ، ومعه رحمة الله ، فإذا هي أمنٌ وسلام ويعبر المناهج والسبل ، وقد أمسكت عنه رحمة الله ، فإذا هي مهلكةٌ وبوار .
 رحمة الله لا تعز على طالب كائناً من كان ، في أي زمان ومكان ، وفي أي حال ومآل .
 وجدها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار ..
 ووجدها يوسف عليه الصلاة والسلام في الجب كما وجدها في السجن ..
 ووجدها يونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث .
 ووجدها موسى عليه الصلاة والسلام في اليم ، وهو طفلٌ مجرد من كل قوة وحراسة .
 ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حينما افتقدوها في الدور والقصور ، فقال بعضهم لبعض :

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾

[ سورة الكهف : 16 ]

 ووجدها عليه الصلاة والسلام وصاحبه في الغار ، والأعداء يتعقبون ويقصون الآثار ..
 ويجدها كل مؤمنٍ أوى إليه ، يائساً ممن سواها ، قاصداً باب الله وحده ، من دون كل الأبواب .
 أيها الأخوة الأحباب ...
 يبسط الله الرزق مع رحمته ، فإذا هو متاع طيبٌ ورخاء ، وإذا هو رغد في الدنيا وزادٌ إلى الآخرة .
 ويمسك رحمته ..
 فإذا هو مثار قلق وخوف ، وإذا هو مثار حسد وبغض ، وقد يكون معه الحرمان ، ببخل أو مرض ، وقد يكون معه التلف بإفراط واستهتار .
 يمنح الله الذرية مع رحمته ، فإذا هي زينة الحياة الدنيا ومصدر فرح واستمتاع ، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح .
 ويمسك رحمته ..
 فإذا الذرية بلاءٌ ، ونكدٌ ، وعنتٌ ، وشقاءٌ ، وسهرٌ بالليل ، وتعب بالنهار .
 يهب الله الصحة والعافية مع رحمته ، فإذا هي نعمة وحياة طيبة .
 ويمسك رحمته ..
 فإذا الصحة والعافية بلاءٌ يسلط الله على الصحيح المعافى ، فينفق الصحة والعافية ، فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ، ويزخر السوء إلى يوم الحساب .
 ويعطي الله الجاه والقوة مع رحمته ، فإذا هي أداة إصلاحٍ ومصدر أمنٍ ، ووسيلةٌ لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر .
 ويمسك رحمته ..
 فإذا الجاه والقوة مصدرا قلق على فوته ، ومصدرا طغيان وبغيٍ ، ومصدرا حقدٍ وكراهية ، لا يقر لصاحبها قرار ، ويدخر بها للآخرة ، رصيداً ضخماً إلى النار .

كيف السبيل إلى رحمة الله ؟

 أيها الأخوة المشاهدون ؛ بعد هذا الوصف الدقيق لآثار رحمة الله ، تطمح كل نفس إلى أن تنال من رحمة الله ما يسعدها في الدنيا والآخرة ، فتسأل النفس كيف السبيل إلى رحمة الله ؟ وهل في القرآن إشارات إلى موجباتها ؟.

1- التقوى .

 نعم أيها الأخوة ؛ في القرآن إشارات كثيرة إلى موجبات الرحمة ، قال تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

[ سورة الحجرات : 10 ]

 أي إذا اتقيت أيها الإنسان ألا تعصي الله عز وجل ، فقد حققت أحد موجبات رحمته .

2- الطاعة .

 وقال تعالى :

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 132 ]

 أي إذا أتبعت المنهج الذي رسمه القرآن للإنسان وتفاصيله التي بينتها سنة النبي العدنان ، فقد حققت أحد موجبات الرحمة .

 

3- الصلاة .

 وقال تعالى :

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

[ سورة النور : 56 ]

 فالصلاة أيها الأخوة ؛ هي العبادة الشعائرية ، التي إن صحت بالتزام أمر الله والإحسان إلى خلقه ، تتعرض نفس صاحبها من خلالها لرحمة الله ، وكان عليه الصلاة والسلام ، إذا دخل المسجد ، يدعو ويقول : اللهم أفتح لي أبواب رحمتك .

4- قراءة القرآن .

 وقال تعالى :

﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

[ سورة الأعراف : 204 ]

 فإذا أردت أن تناجي ربك فادعه ، وإذا أردت أن يناجيك ربك فاقرأ القرآن ، ومن خلالها تجد رحمته .

5- الإحسان .

 وقال تعالى :

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 56 ]

 فإذا أحسنت إلى الخلق كافة ، بكل أنواع الإحسان ، عندئذ تكون الرحمة قريبةً منك ، وفي الحديث القدسي :

(( إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ))

 اللهم يا من وسعت رحمتك كل شيء ، إنا نسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وشكراً لإصغائكم ، وكل عام وأنتم بخير .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

نص الزوار

إخفاء الصور