وضع داكن
30-11-2024
Logo
القضاء - الدرس : 4 - الدعوى والبيان.
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠5القضاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدعوى و معناها اللغوي :

 أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع القضاء، وقد تحدثنا في دروس سابقة عن مهمة القاضي، وعن شروط القاضي، وعن نزاهة القاضي، وعن بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالقضاء.
 واليوم ننتقل إلى أحد أكبر موضوعات القضاء وهو الدعوى والبينات، يقول لك: أقمت عليه دعوى، أقام عليّ دعوى، هناك ثلاثة آلاف وخمسمئة دعوى بمحكمة النقض، ما معنى كلمة دعوى؟ الدعاوي جمع دعوى ومعناها اللغوي: الطلب.

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾

[سورة الفرقان:77]

 دعانا إلى طاعته: أي طلب منا أن نطيعه، دعانا إلى معرفته: طلب منا أن نعرفه، دعونا إلى الله ورسوله: أي طلبنا من الناس أن يتعرفوا إلى الله ورسوله، فالدعاوي جمع دعوى، والدعوى الطلب وقد قال تعالى:

﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

 أي ما تطلبون.

 

الدنيا مبنية على السعي والكدح و الآخرة على الطلب :

 هذا يقودنا إلى حقيقة أساسية في الجنة وهي أن الدنيا مبنية على السعي، والكدح، وبذل الجهد، والتعب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾

[ سورة الانشقاق: 6]

 لكن الجنة مبنية على نوع آخر، على نظام آخر، لمجرد الطلب اطلب أي شيء تراه أمامك للتو، خطر في باله صديق قديم له في الدنيا.

﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾

[ سورة الصافات: 51 ـ 55]

 ما من حاجة للسفر، ما من حاجة لبذل الجهد، ما من حاجة لكسب الرزق، لتحمل الحر والقر، والمخاطرات، لا يوجد تعب، لا يوجد إرهاق، لا يوجد سأم، لا يوجد ضجر، لا يوجد شيخوخة، لا يوجد كبر، أنت في أعلى درجات النشاط، أي شيءٍ يخطر في بالك فهو أمامك:

﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

 يدعون يطلبون فالدعوى هي الطلب.

 

معنى الدعوى في الشرع :

 لكن الدعوى في الشرع لها معنى دقيق، وهي إضافة إنسان إلى نفسه استحقاق شيءٍ في يد غيره أو ذمته، أقمت عليه دعوى بمئة ألف ليرة، أي أنني أضفت إلى نفسي هذا المال، وطالبت به، فهو في ذمته، أو في يده، فالدعوى إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيءٍ في يد غيره، أو في ذمته، والمدعي هو الذي يطالب بالحق، وإذا سكت عن المطالبة ترك نقطة دقيقة جداً، أي إذا شخص له عند الآخر دين ولم يطالب به سقط هذا الدين، الآية الكريمة.

﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾

[ سورة آل عمران: 75]

الحياء و الخجل :

 كل حق يحتاج إلى مطالبة، الحق الذي لا يطالب به يترك، وهذا يقودنا إلى حقيقة أساسية، وهي أن الخجل مرض، والجرأة فضيلة، الحياء فضيلة، والخجل مرض، كأنني أرى أنه لا فرق بين الحياء والخجل، لا، فرق كبير، الحياء أن تستحي من الله، الحياء أن تستحي من الفحشاء والمنكر، من شيءٍ شائن، من شيءٍ لا يرضي الله، أما الخجل وهو رذيلة فأن تخجل أن تطالب بحقك.

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾

[ سورة النساء: 148]

 الخجل نقص وليس فضيلة
لك حق تسكت عنه خجلاً، هذا ليس فضيلة، هذا رذيلة، لذلك الحياء فضيلة، الحياء من الإيمان، أما الخجل فمن ضعف الشخصية، تخجل أن تأخذ حقك، تخجل أن تطالب، هذا ليس مقبولاً، قد يكون هذا المال ليس حقك، بل حق أولادك، حق أهلك، أحياناً تجد أخوات- واردة كثير - وهناك عشرات القصص، أخ كبير مسيطر على المال كله، أخ صغير له أولاد على مشارف الزواج، ليس عندهم بيوت، كل شيء مجمد، يقول لك: أستحي لا أستطيع أن أطالب أخي الكبير، هذا حق أولادك، لكن الأولاد ينحرفون، بلا بيوت، بلا زواج، هناك ميراث ضخم بمئات الملايين مجمد، لأن أكبر الأخوة مسافر، أو بعيد عن الحاجة اليومية، أو مسيطر، الذي يخجل من أخذ حقه هذا ليس فضيلة بل نقص في الإنسان، أما الحياء فأن تستحي من الله حق الحياء.

((اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ))

[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ]

 فالمدعي هو الذي يطالب بالحق، وإذا سكت عن المطالبة ترك ذلك الحق.

 

الحق العام و الحق الخاص :

 لذلك يقولون: تحريك الدعوى، إذا الإنسان ما حرك الدعوى فالدعوى ميتة، الحق ميت، الحق منته، ضائع، لكن هناك حق عام، لو أن إنساناً ارتكب جريمة، لو أن المدعى عليه سكت، ولم يطالب، هناك حق عام هذا لا بد منه، لذلك يعد تحرير الرقبة حقاً عاماً، لكن الدية حق خاص، فالذي يقتل مؤمناً خطأً عليه حقان، حق عام، وحق خاص، حق عام هو أنه أزهق نفساً مؤمنة، بريئة، بغير ذنب، لا بد من أن يدخل لمجتمع المسلمين نفس مؤمنة.

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

[ سورة النساء: 92]

﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ﴾

 هذا الحق العام، أم الحق الخاص

﴿ ودية مسلمة إلى أهله ﴾

  المدعى عليه هو المطالب بالحق، وإذا سكت لن يترك، اختلف الأمر، المدعي إذا سكت عن المطالبة ترك حقه، أما المدعى عليه فإنسان اقترف ؟إثماً، أكل مالاً ليس له، هو سكت لكن سكوته لا يعني أنه قد سومح، لا، إذاً ترك المدعي المطالبة شيء وترك المدعى عليه المطالبة شيء آخر، ترك المدعي المطالبة يسقط حقه، لكن ترك المدعى عليه المطالبة لا يسقط مسؤوليته، فرق بينهما.
 قال: ممن تصح الدعوى؟ الدعوى لا تصح إلا من الحر، العاقل، البالغ، الراشد، فالعبد، والمجنون، والمعتوه، والصبي، والسفيه لا تقبل دعواهم، بالتعبير القانوني تشطب، وكما تجب هذه الشروط بالنسبة للمدعي فإنها تجب أيضاً بالنسبة للمنكر الدعوى.

 

الدعوى و البينات :

 أول شيء أيها الأخوة: أي أهم ما في هذا الدرس هذا العنوان: لا دعوى إلا ببينة، لولا البينة لقال من شاء ما شاء، لولا البينة لكان هناك مئات ألوف الدعاوي في المحاكم، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، لي معك مئة مليون، رجاء من دون دليل قل: ألف مليون، لابد من بينة، البينة أساس الدعوى، ولا دعوى إلا ببينة، ولا تثبت الدعوى إلا بدليل يستبين به الحق ويظهر.

((عَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ ذَكِّرُوهَا بِاللَّهِ وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ) فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ))

[ البخاري عَنِ ابْن عَبَّاسٍ ]

 لا دعوى إلا ببينة واضحة
أحياناً يتوفى رجل غني، أخي أنا مُدين المرحوم مئة ألف، لكن كان لي ثقة فيه فلم آخذ منه وصلاً، كلام لا فائدة منه، أنا الغرض الفلاني لي لكنني أعرته للمحروم، إذا كل إنسان مات، ونحن مكلفون أن نصدق كل دعاوى الناس، ما بقي شيء للورثة، لذلك لا دعوى إلا بدليل، فانتبه الآن أنت، إذا كان لك عند إنسان شيء، والإنسان مات فجأة، لا شيء لك عنده، لذلك خذ وصلاً، اطلب بينة، إيصالاً، سنداً، شهوداً، تسجيلاً رسمياً، توقيعاً، لأن لو كان لك مع إنسان مئة ألف ومات فجأة بحادث، وتقدمت إلى الورثة، وحلفت لهم أيماناً مغلظة وذكرت لهم قرائن كثيرة، قد يقبلون، والأغلب أنهم يقبلون، وإن لم يقبلوا لا شيء عليهم، لأن المال شقيق الروح، الآن تجد شخصاً الأسعار هبطت فجأة صار معه جلطة ومات، ما تفسير ذلك؟ المال شقيق الروح، يقولون: مرض السكر، إذا كانوا تجاراً للسكر وانخفضت أسعار السكر، وكانوا قد اشتروه بأسعار عالية ارتفع السكر بدمائهم، إذا انخفضت أسعاره في السوق ارتفعت نسب السكر في دمائهم، معنى هذا أنه صار هناك اضطراب شديد، المال شقيق الروح، فالإنسان عندما يدين ماله، يدفع ماله لجهة، يتساهل بالإيصال، يموت فجأة.
 قال لنا أخ من أخواننا: عندما كان مسموح التعامل بالعملات الأجنبية قبل اثنتي عشرة سنة إنسان يريد أن يصرف مبلغاً ضخماً يستبدله بالعملة أجنبية، وقف عند أحد محلات الصرافة أول سوق الحميدية، و أعطاه ستمئة ألف بالسبعينات، هذا المبلغ الآن يعادل ستة ملايين، قال له: الآن أمهلني لبعد الظهر، قال له: أعطيني إيصالاً بهم، بدأ بكتابة الإيصال، فجاء أخوه و قال له: تأخرنا على موعدنا في عين الخضراء، فلم يأخذ الإيصال صار حادث فمات هذا الشخص، عاد الرجل عند العصر فشاهد النعوة، مساء رأى النعوة، ذهب إلى الورثة وتذلل أمامهم، وأقسم الأيمان المغلظة، واضطربت نفسه، كل إنسان مفرط يدفع الثمن باهظاً.
 إذاً لا دعوى بلا بينة، هذه ضعها ببالك، أقرضت إنساناً ، هذا البيت سلمته حتى تتلافى ضريبة معينة، أو عليك حجز جمركي، فقيدت البيت باسم أحدهم، وما أخذت منه تصريحاً معاكساً، ومات الشخص، و الله البيت بيتي، كلام لا معنى له، هذا البيت اشتراه والدنا، أعطاك إياه عيرة، مؤقتاً، نريد حقه، لو تتبعت قضايا القضاء، أو مضامين الدعاوي في قصر العدل لوجدت العجب العجاب، ولا أبالغ تسعة أعشار القضايا لو طبق أصحابها أحكام الشريعة لما دخلوا قصر العدل.
 قال له: يا عمرو ما بلغ من دهائك؟ قال له: و الله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، قال له: لست بداهية، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه.
 إذا الإنسان ذكي يدخل وينظر، أما إذا كان أكثر ذكاء لا أدخل و هذا أفضل، فكل إنسان يمضي من حياته ستين أو سبعين سنة ما دخل قصر العدل معنى هذا أنه إنسان في أعلى درجات الصدق والأدب، لأنه عرف ما له وما عليه.

 

الحكمة من الأحكام الشرعية التي شرعها الله :

 أساساً هناك نقطة مهمة جداً، ما هذه الأحكام الشرعية التي شرعها الله عز وجل إلا من أجل أن تكون متفرغاً لعبادته، قلت لكم سابقاً: دعوى واحدة تهز أعصاب أسرتين ثماني سنوات، ثماني سنوات أعصاب مضطربة، توتر عال، موضوع المجالس كلها، ماذا قال لك المحامي؟ والله قال: هناك أمل لكن ضعيف، هذا لا يعرف شيئاً اذهب إلى غيره، يأتي إلى محام ثان: والله هذه ليست سهلة، هذا بطنه كبير، و هناك أناس من أجل مئة ألف يدفعون خمسمئة ألف، دخل بالغيظ، يريد أن يغيظ خصمه، لم يعد يهمه المبلغ، أسرتان ثماني سنوات دخلوا بمتاهة قصر العدل، والمحاكمات، وابتزاز المحامين أحياناً غير المؤمنين طبعاً من أجل غلطة بسيطة، لم يأخذ إيصالاً، لم يسجله بالطابو، لم يعمل عقد شراكة بمحكمة البداية، لم يعمل تصريحاً بكاتب العدل، لأنك استكسلت، يوم ونصف بقصر العدل أمضيت ثماني سنوات بالمحاكم مع خصمك.
 أيها الأخوة الأكارم: بطولتكم أن الإنسان لا يحتاج أبداً أن يدخل قصر العدل، طبق الشرع.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾

[ سورة البقرة: 282]

 من الحكمة أن توثق حقك لتضمنه
كتبت، تفضل هذا توقيعك، سكت، أنا ألاحظ أحياناً بين الأخوة التجار، سيدي قال: إنه لم يستلم شيئاً، أنت اعمل له إيصالاً، حدد الكمية والوزن، وخذ توقيعه، قال لك: لا، تفضل هذا أفضل بكثير، أنا أعتقد أن هناك مئات ألوف القضايا الشائكة بين التجار أساسها عدم التسجيل، أساسها التسليم، إنسان قال لي كلمة قال: أنا ثماني سنوات ما ربحت حتى ضبطت أموري، أحد أكبر معامل المفروشات، يطلب مثلاً خمسين ثوب قماش، يقول له: بعثتهم، تأتي الشاحنة يقول له، أفرغهم في المستودع، هذا انتبه أنه لا يعد، ولا يكيل، صار كلما يطلب طلبية يفقد ثلثها، سيارة شاحنة فيها قماش كنبات، يقول له: أفرغ ما تحمل في المستودع، لا يربح، دائماً يخسر لأنه لم يستلم، ما أخذ الثوب قرأ متراجه، وسجله، وضعه بالمستودع، كل إنسان لا يسجل لا يوجد عنده رصيد بضاعة، لا يوجد عنده إيصالات، أموره عشوائية، تسليم بلا توقيع، استلام بلا عد، لا يربح، و يصير وراء الناس، لن تربح حتى تضبط أمورك، الله وصف أهل الدنيا غير المؤمنين، قال:

﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 إذاً هذه قضية أساسية، لا دعوى إلا ببينة، دع معك إيصالاً، دع معك صورة العقد، دع معك وثيقة، خذ رقماً، خذ تاريخاً، خذ توقيعاً، اعمل عقد شركة، سجلها بقصر العدل، اعمل كاتب عدل، هذا كله من الشرع، حتى لا تضطر أن تدخل لقصر العدل، ادخله مرة لأخذ توقيع، أو لتصريح، أحسن من أن تدخله ثماني سنوات وأعصابك متوترة، لا تفهموا من كلامي أنه يجب ألا تدخلوا إلى قصر العدل، قد يكون لك صديق قاض، قد تدخل لتشفع لإنسان، هذه لا علاقة لها، لكن لا يدخل مدعياً، ولا مدعى عليه، أما إذا دخلت لأن لك صديقاً فلا يوجد مانع.

 

المدعي يكلف بإقامة الدليل على صدق دعواه وصحتها :

 أحياناً تجد شيئاً مضحكاً جداً، إنسان يأخذ دور القاضي، يطالب المدعى عليه بدليل عكسي، البينة على من ادعى، كل إنسان يدعي يقدم هو الدليل، الوثائق، الوقائع، الشهود، الأدلة، الإيصالات، الحسابات، أما تطالب المدعى عليه بتقديم دليل عكسي فهذا منتهى الحمق، أنت تستطيع أن تثبت أنه لا يوجد له معك شيء، هو يذكر واقعة، أو حادثة، يأتي بشهود، يقدم وصلاً، أما أنا فأريد أن أثبت أنه ليس له معي شيء، بالأصل أنا بريء، فلذلك لا دعوى إلا ببينة، كي تبقى أعصابك مرتاحة، وصلاتك صحيحة، ونفسك مطمئنة، ووقتك مريح، وحتى تأتي بيوت الله عز وجل مرتاحاً، كن دقيقاً في تعاملك، فأي شيء لك على الناس خذ به بينة.
 مرة حدثني أخ، هناك موضوع استثمار بين أخ وأخ، قال له: و الله أريد خمسة آلاف، قال له: تكرم، مرّ الأخ الذي معه مبلغ الاستثمار على دكان الأخ الذي يستثمر عنده، قال له: هذه الخمسة آلاف، وجد ابنه خذ هذا المبلغ وأعطه لوالدك، قال له: أريد وصلاً، هناك ورقة صغيرة كتب عليها الإيصال وخبأه، بعد سنة أثناء الجرد قال له: أنا ما أخذت منك شيئاً، فأجابه: بل أخذت خمسة آلاف، قال: لا أذكر، قال له: انتظر، أحضر له الورقة الصغيرة، قال له: نعم لا تؤاخذني، شيء مريح جداً، سبحان الله الإنسان غريب كل شيء عليه ينساه، الذي يتذكره هو الذي له لا عليه.
 أول حقيقة في هذا الموضوع: أن المدعي هو الذي يكلف بإقامة الدليل على صدق دعواه، وصحتها، لأن الأصل في المدعى عليه البراءة، انظر ما أجمل الدين، هناك أنظمة كل إنسان متهم ما لم يثبت براءته، أما النظام الإلهي فالإنسان بريء في الأصل، ما لم تثبت إدانته، الأصل أنت بريء، الأصل في الأشياء الإباحة، الأصل في الذمم البراءة، ما لم تثبت إدانته.

((البينة على المدعي واليمين على من أنكر ))

[البيقهي والطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما]

 أنا عشرات المرات سمعت أشخاصاً يطالبون المدعي أن يحلف اليمين، أي يعكسون الآية، أو يطالبون المدعى عليه أن يأتي بالأدلة، المدعي يقدم الأدلة، والمدعى عليه يقدم الأدلة المعاكسة، المدعي يدعي والمنكر يحلف اليمين، إذا لم يكن هناك أدلة، الدليل يشترط أن يكون قطعياً لأن الدليل الظني لا يفيد اليقين، قال تعالى:

﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾

[ سورة النجم: 28 ]

 هذا إيصال، هذا المبلغ ليس لك، هذا لفلان، أنا أعطيته إياه، صار هذا دليلاً ظنياً، القطعي أن تقدم إيصالاً باسمك، أنا الموقع فلان الفلاني استقرضت من السيد فلان، اسمك فلان، هناك دليل قطعي، و هناك دليل ظني، الدليل الظني لا قيمة له في الدعاوي والقضاء.

((عن ابن العباس رَضِي اللَّه عَنْهما أن النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لرجل ترى الشمس، قال نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع ))

[الحاكم عن ابن العباس رَضِي اللَّه عَنْهما]

 القضية إذا كانت كالشمس في رابعة النهار اشهد عليها، أو فدع أي نحتاج إلى أدلة قطعية لا أدلة ظنية.

 

الإقرار :

 طرق إثبات الدعوى كثيرة، أحد هذه الطرق الإقرار، قال أحد الولاة لسيدنا عمر: إن أناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم، إلا أن أمسهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، قال: يا سبحان الله، أتستأذنني في تعذيب بشر؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله؟ أقم عليهم البينة فإن قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم فادعوهم إلى الإقرار، فإن أقروا فخذهم بقرارهم، فإن لم يقروا فادعوهم لحلف اليمين، فإن حلفوا أطلق سراحهم، و أيم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم.
 الإقرار سيد الأدلة
يا أخون هناك قضية مهمة الإقرار، مشكلته مشكلة، إذا أقررت بشيء وأصبحت مداناً بموجبه لا تستطيع أن تلغي إقرارك، المرء مأخوذ بإقراره، قال لي أخ بدعوى سير دخل على القاضي اضطرب، قال له: أنت مقر بما جاء بضبط الشرطة العسكرية؟ قال له: نعم، سيدي الضبط جاء عكس الحادثة، كلمة نعم أي مقر، القاضي ما قرأ على المتهم الضبط، القاضي يسأل المتهم: أنت مقر بما جاء بضبط الشرطة العسكرية؟ قال له: نعم سيدي، القاضي ما أسمعه إياه، وهذا الإنسان ما قرأ الضبط، قال له: أقر، اكتب أقر، على السجن رأساً، هذه كبيرة جداً، ما معنى إقرار؟ الإقرار سيد الأدلة، إذا الأدلة سلسلناها أعلى أنواع الأدلة الإقرار، الإقرار نعم أنا فعلت كذا.

﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة يوسف: 51]

 انتهى الأمر، صار سيدنا يوسف بريئاً عليه الصلاة والسلام: " أنا راودته عن نفسه " هذا إقرار، فأحياناً الإنسان يضطرب فيقر، يقر بجريمة أحياناً، يقر بعمل خطير جداً، لا تقل نعم، إياك أن توقع على شيء، على بياض لا يوجد توقيع، عمل وكالة عامة طلق له زوجته، عمل وكالة عامة أخذ له أمواله كلها، أنا إذا رأيت إنساناً على الفطرة إياك أن توقع على شيء، لأن أي توقيع، إنسان وقّع على أجرة بيت، كتب تسلمت من فلان مبلغ كذا، قال له: وقع هنا في الأسفل، كل شهرين نفس الرقم، أقام دعوى إنه لا يدفع، قال له: أنا دافع له سيدي انظر هذه القائمة، وهذا توقيعه في الأسفل، هذا أول شهر، وهذا ثاني شهر، وثالث شهر، لأنه عمل فاصلاً بين توقيعه وبين المبلغ انتبه، لا توقع إلا على سواد لا على بياض، وإياك أن تجعل بين توقيعك وبين المبلغ مسافة فارغة، اعمل خطاً مائلاً ووقع، فلو كتب معنى هذا هناك تزوير، انتبه، أنا قد سمعت قصصاً أساسها الغفلة، والبساطة، التعبير اليومي الدروشة، فالمؤمن كيس فطن حذر.

مشروعية الإقرار بالكتاب و السنة :

 الإقرار خطير جداً، المرء مأخوذ بإقراره، أحياناً تكون هناك مغالطات، أنت مقر على الضبط؟ نعم سيدي، خذه إلى السجن، معنى هذا أنه اعترف بكل شيء، الضبط كله مزور ، اقرأه لي حتى أسمعه ، فالإقرار أخطر شيء، هو سيد الأدلة، الإقرار في اللغة الإثبات، قرّ الشيء يقر، أي استقر، الإقرار بالشرع الاعتراف، اعتراف المدعى عليه بمضمون الدعوى أقوى الأدلة، لإثبات دعوى المدعى عليه، ولهذا يقولون: إنه سيد الأدلة، عندنا سيد الأدلة وعندنا سيد الأحكام، سيد الأدلة الإقرار، وسيد الأحكام الصلح، إذا كنت قاضياً أقنعت الخصمين بالصلح، أنت أعظم قاضي صار هناك مودة و ألفة.
 أجمع العلماء على أن الإقرار مشروع بالكتاب والسنة، لقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾

[ سورة النساء: 135]

 ما معنى أن يشهد الإنسان على نفسه، أي أن يقر، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( يا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَسَلْهَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 يقولون: صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقل الحق ولو كان على نفسك، أحياناً الإنسان يحرج إذا اعترف بخطئه، أو بفعله، أو بذنبه، لكن الاعتراف بالذنب فضيلة، الإنسان لو أخترق جدار الخجل وقال: أنا فعلت هذا، هذا شيء عظيم، فالمؤمن يقر بالحق طواعية من دون ضغط، من دون إحراج.

 

طلب العلو في الدنيا دليل حبها :

 و:

((عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 طلب العلو في الدنيا دليل على حبها
أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، في الآخرة ليس هكذا، هذا في الدنيا فقط، ساكن ببيت، غرفتان وصالون، هناك بيوت غرفة واحدة، هناك بيت الأسيقة فيها مكشوفة، عندك بيت و لكنك لم تستطع أن تدهنه، نعمة الحمد لله، هناك أرض فيها اهتزازات، بيوتنا مستقرة، فالإنسان كلما نظر إلى من هو أدنى منه سعد بدنياه، أما من نظر إلى من هو أعلى منه شقي بدنياه، من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط، عمل عرساً، دعا مئة مدعو، أحضر فرقة منشدين، وألقيت كلمات طيبة، ووزع بوظة، لكن هناك عرساً يكلف خمساً وعشرين مليوناً، من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط، ما القصد؟ القصد أن يفرح الناس، يصبح هناك تعارف بين الأقرباء، الإنسان عندما يطلب العلو في الدنيا دليل حبه للدنيا، ودليل بعده عن الله عز وجل:

((قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي ... ))

[أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

الابتعاد عن الدنيا و زينتها :

 وكان النبي عليه الصلاة والسلام كلما وقعت عينه على مباهج الدنيا يقول:

(( اللهم لا عيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ ... ))

[ من صحيح البخاري عن أنس بن مالك ]

 و الله عز وجل علمنا، لما خرج قارون بزينته:

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القصص: 79]

 تجد شخصاً إذا رأى بيتاً فخماً أو مركبة فخمة يتنهد تنهيدة تطلع من أعماقه، آه ليتني أملك مثل هذه السيارة:

﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

  هنيئاً له، يقول لك: هو فوق الريح، رأى ليلة القدر، فتح الله عليه، كأنه فهم القرآن، راجت تجارته، فتح عليه، يفهمون الفتح فقط بالمال، حتى إذا كتبوا على المحلات التجارية.

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾

[ سورة الفتح: 1]

 يقصدون الغلة فقط، يكون الدرج ممتلئاً، أغلب الظن هكذا هذا الآية يحبها التجار:

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾

[ سورة الفتح: 1]

 هذه الآية موجهة للنبي عليه الصلاة والسلام، كان السلف الصالح يقولون: فتح الله عليك فتوح العارفين، أنار لك قلبك، فأن تتعرف على كلام الله عز وجل، تصبح داعية إلى الله، هذا الفتح، أما الآن فالفتح هو الغلة.

 

من الاستهزاء بالقرآن أن تستخدمه لمعاني بعيدة عنه :

 بالمناسبة من الاستهزاء بالقرآن الكريم أن تستخدمه لمعاني بعيدة عنه، عندما يطالبونه يقولون له:

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 96]

 هذه آية كريمة، لا علاقة لها بالمطالبة بالدين، فحينما تستخدم آيات القرآن الكريم لغير ما وضعت له، أو لغير ما أنزلت من أجله، فهذا سوء أدب مع الله عز وجل.
 لو إنسان اسمه يحيى، قال له: يا يحيى خذ الكتاب، لا يجوز، هو اسمه يحيى ومعك كتاب أنت، أنت الآن استخدمت القرآن الكريم استخداماً آخر:

((عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 علاقتنا بالنص كلمة:

((... أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا... ))

[أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 الصادق عظيم، أحياناً هناك مواقف حرجة، أنا فعلت هذا، هذا الذي حصل، أحياناً هناك إنسان يغلي غلياناً، أحياناً الأب عما يغضب، في غضب شديد يقول: من فعل هذا؟ يقول ابنه: أنا فعلت هذا، أنا أقول لكم هذه الكلمة الصادقة تطفئ غضب الأب، الصدق محترم.

 

شروط صحة الإقرار :

 وكان عليه الصلاة والسلام يقضي بالإقرار، بالدماء، والحدود، والأموال، الإقرار يقضي به النبي بالدماء، والحدود، والأموال، ويشترط لصحة الإقرار العقل، والبلوغ، والرضا، وجواز التصرف، وألا يكون المقر هازلاً، وألا يكون أقرّ بمُحال عقلاً، من وضع الجبل بهذا المكان؟ متى صحت شروط الإقرار كان الإقرار مُلزماً لصاحبه
أنا، أقر هذا العمل مستحيل عقلاً، يجب أن يكون موضوع الإقرار معقولاً، فلا يصح إقرار المجنون، ولا الصغير، ولا المكره، ولا المحجور عليه، ولا الهازل، ولا بما يحيله العقل، يجعله مستحيلاً، أو تحيله العادة، لأن كذبه في هذه الأحوال معلوم، ولا يحل الحكم الكذب.
 أخطر ما في الإقرار، ومتى صح الإقرار كان ملزماً للمقر، بعت ووقعت، أنا لا أريد أن أبيع، لكن أنت وقعت، قلت: أنا بعت، أقررت بالبيع، انتهى الأمر، أيضاً بالمناسبة مشكلات كثيرة أساسها الإقرار السريع، بالمناسبة الإقرار المتعلق بحق من حقوق الناس لا يمكن الرجوع عنه، لا أعرف، لست منتبهاً، لم أفكر، وقعت على بياض، استعجلت، عليّ ضغط، مستعجل عندي موعد، كله كلام غير مقبول، وقعت أنك بعت هذا البيت، هذا إقرار.
 أخ ذكر لي جاء أناس لعنده يخطبون ابنته، رأوا أن البنت مناسبة، قالوا له: هل تقبل أن تزوجنا ابنتك؟ قال: قبلت، على مهر كذا، هذا ليس زواجاً، بلى هذا زواج، زواج شرعي، ما دام هناك إيجاب، وقبول، ومهر، وشاهد، فهذا زواج، لست مقتنعاً بالزواج، لا تتزوج، الآن ابنتك على ذمة زوجها، ولا تستطيع أن تزوجها لآخر، ما لم تحدث مخالعة، إقرار أيها الأخوة، الإقرار خطير، موضوع الزواج صارت زوجته.

المرء مأخوذ بإقراره :

 أقول لكم قصة وقعت لكن لن تصدقوها، في هذه البلدة وقعت، كان هناك أربعة أصدقاء يجلسون في كازية يتسامرون، قال أحدهم للآخر: هل تبيع هذه الكازية؟ قال له: نعم أبيعها، ما الثمن؟ قال له: بستمئة ألف، قال له: اشتريت، ضحكوا وانتهى الأمر، بعد اثنتي عشرة سنة الشخص الذي اشترى الكازية مشافهة قال هذه القصة لقريبه و هو محام، فقال له هذا المحامي: هي لك، قال له: غير معقول، قال له، والله هي لك، أقم دعوى، و أحضر الشهود ففعل هذا لكنه لم يدفع لصاحبها حقها، فقال له: الدفع ليس له قيمة، ثمن الكازية ذمة، صار حقها اثني عشر مليوناً، لأنه قال له: بعت، صار هناك إيجاب و قبول و شهود، و انتهى الأمر، و دعي لحلف اليمين، حلف قال: أنا قلت بعتها، وهناك شهود فلان كان قاعداً، يا أخي ما دفع شيئاً؟ أنت هل قلت له: أريد حقها، ما طالبته.
 كازية تقدر باثني عشر مليوناً راحت بستمئة ألف، كلمة بعت، انتبهوا، الشرع ليس بحاجة إلى الورق، بالزواج والبيع هناك إقرار فقط، أقررت انتهى الأمر، المرء مأخوذ بإقراره، زوج}تك، أي زوجته، البنت له صارت، أغرب من هذا بالشرع هل تشتري هذا البيت؟ نعم أشتري، انتهى كل شيء، سعره كذا وافقت، ما دفعت شيئاً، بعد ساعة احترق البيت لابد من دفع ثمنه مع أنه محروق، احترق على حسابك لأنك قلت اشتريت، انتبهوا بالبيوت، والدكاكين، بالزواج، عندما تقول: نعم بعت، زوجت، اشتريت، المرء مأخوذ بإقراره ما دام إقراره في حق لبني البشر لا يستطيع المرء أن يعود عن إقراره أبداً.

الإقرار المتعلق بحق من حقوق الله يصح الرجوع عنه :

 قال: أما إذا كان الإقرار متعلقاً بحق من حقوق الله تعالى، كما في حد الزنى والخمر، قال: فإنه يصح الرجوع عنه، لقوله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ ))

[الترمذي عَنْ عَائِشَةَ ]

 هذا موضوع خلافي، إذا كان الإقرار متعلقاً بحق من حقوق البشر لا رجوع فيه، والمرء مأخوذ بإقراره، أغلق قلمك، وضعه بجيبك، لا توقع، ولا تقل وافقت، إلا بعد دراسة، اسأل الخبراء صرنا في حياة معقدة جداً، إذا لك أخ محام تثق بدينه وعلمه اسأله قبل أن توقع، قبل أن تقر.
 الآن إنسان يفتح محلاً صغيراً، بالمالية مقطوعة ضريبته ثمانمئة بالسنة، ألف ليرة بالسنة، لأن له محلاً تجارياً له أن يستورد، جاء صديقه استورد على اسمه مثلاً بخمسين ألف دولار، طالبوه بضريبة مليون ليرة، لا تقل له: لابأس استورد نحن أخوان، هل تعرف أبعاد هذه؟ عندما أعطيته اسمك، و سجلك التجاري، واستورد، أنت المكلف أمام المالية، صرت أنت مكلفاً، تنصل منه هداك الله، هناك قصص واقعة، قصص ما أكثرها، أحياناً الضريبة تصل إلى خمسين بالمئة.

 

الإقرار حجة قاصرة :

 عندنا قاعدة أن الإقرار حجة قاصرة، كيف؟ إنسان ادعى على عشرة أن له عندهم أموالاً، اعترف اثنان من عشرة، اعتراف الاثنين أن عليهم هذا المال لفلان لا ينسحب على بقية المدعى عليهم إقرار الإنسان عن نفسه فلا ينسحب إقراره على غيره
الإنسان لا يتمكن أن يقر إلا على نفسه، أما إقراره على نفسه فينسحب على غيره هذا الإقرار مع أنه سيد الأدلة لكنه حجة قاصرة، أما البينة فحجة متعدية، أنا قدمت إيصالاً بعشرة تواقيع، هي بينة، هذه البينة تلزم كل هؤلاء بالمبلغ، الإقرار دليل، والبينة دليل، لكن البينة حجة متعدية أما الإقرار فحجة قاصرة، أنا ادعيت على عشرة أشخاص أن لي عندهم مالاً، اعترف اثنان، اعتراف الاثنين لا ينطبق على البقية، فالإقرار مع أنه أقوى الأدلة، لكنه حجة قاصرة، بينما البينة حجة متعدية، لو أحضر مئة توقيع، المئة صاروا ملزمين بالدفع، معنى هذا أن البينة أقوى للمستقبل.
ثم إن الإقرار كلام واحد لا يتجزأ، إنسان أقرّ أنا أخذت المبلغ ديناً، ويوجد بالإقرار بعته الغرض الفلاني، أخذ كلمة دين، الإقرار لا يتجزأ، أحياناً يكون هناك حقوق متداخلة، فإذا أخذنا فقرة بالإقرار صار هناك ظلم، الإقرار كلام واحد، وحدة لا تتجزأ، لا يجوز أن نأخذ بعض الإقرار وأن ندع بعضه الآخر.

الميراث و مرض الموت :

 الآن عندنا موضوع دقيق جداً موضوع مرض الموت، أكثر المشكلات تحدث بهذا المرض، قال: إذا أقرّ إنسان لأحد ورثته بدين، عنده خمسة أولاد، أقرّ لأحد الأولاد أنه يا بني أنت لك عندي خمسمئة ألف ليرة، فإن كان في مرض موته لا يصح هذا الإقرار، ما لم يصدقه باقي الورثة، إذا كان الإنسان بمرض وفاته، وأقرّ لأحد الورثة بدين هذا الإقرار لا يصح، إلا إذا قبله ووافق عليه باقي الورثة، ذلك لأن احتمال كون المريض قصد بهذا الإقرار حرمان ورثته، أحياناً يكون عنده ثلاث بنات، وثلاثة صبيان، لا أريد أن أعطي الأصهار، يعترف لثلاثة أولاد أن لكل واحد منهم مليون، الإرث ثلاثة ملايين، مات الشخص، ثلاثة ملايين وزعوهم على الأولاد، سند رسمي إقرار، البنات حرموا، قال: لا يصح إقرار إنسان لأحد الورثة بالدين ما لم يصدق باقي الورثة، قال: أما إذا كان الإقرار في حال صحته فإنه جائز، واحتمال الحرمان حرمان سائر الورثة، إذاً مرض الموت له حكم خاص، أما إذا أقرّ لأجنبي وليس لورثته، الإقرار مهما بلغ لا يزيد عن حجم ثلث المال عند الفقهاء، لو أقر بمئة مليون لإنسان غير الورثة ضمن الثلث، والثلثين للورثة، قال: إذا الإنسان بصحته يوجد عليه دين ثم أقر للآخر بهذا الدين في مرضه يجب وفاء الدين، هكذا الحكم الشرعي، بعض العلماء لهم رأي آخر، أن الإنسان إقراره عند الوفاة مقبول حتى لورثته، لأن الإنسان حينما يواجه الموت أغلب الظن يخاف الله عز وجل، ويخاف الحساب، فيغلب على ظننا أنه أراد بهذا الإقرار إيصال الحق لأصحابه.
 على كل الإنسان قال: التقوى أقوى، والعاقبة للمتقين، وسيدنا عمر كان وقافاً عند كتاب الله، والإنسان يتعلم أحكام الشرع حتى يعيش حياة هادئة، وديعة، مطمئنة، وخالية من قصور العدل، من المحاكمات، ومن تشنج الأعصاب وما إلى ذلك، وكل إنسان يعرف بما له وما عليه هو من أسعد الناس، وأبعدهم عن دخول متاهات المحاكم.

نص الزوار

إخفاء الصور