- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
إليكم مغزى هذه الظاهرة :
أيها الأخوة الكرام, من آيات الله الدالة على عظمته، وقد بيَّنت لكم كثيراً، أن التفكُّر في آيات الله في كونه، أقصر طريقٍ إلى الله, وأوسع بابٍ ندخل منه إلى معاينة عظمة الله عزَّ وجل .
فهناك فنونٌ حربيةٌ تتقنها الأسماك، فالحرب كما تعلمون كرٌ وفر، وما من حروبٍ تدور، إلا وفيها قتلى وجرحى، وكذلك الأمر لدى سكَّان البحار .
فكم من سمكةٍ فرَّت وهي تحمل جراحاً؟ من عضةٍ، أو نهشةٍ أصابتها من عدوِّها، ولكنَّ الشيء الذي يلفت النظر، هو أن جراح الأسماك، سريعاً ما تشفى، سريعاً ما تلتئم، في وقتٍ قياسيٍ لا يصدَّق، هذا السؤال حيَّر العلماء، عزى بعض علماء الحيوان هذه الظاهرة، سرعة التئام جروح الأسماك بوقتٍ قياسيٍ، وقصيرٍ جداً، بالقياس إلى التئام جروح الإنسان، عزاه إلى ملوحة المياه، لكنَّ هذا التفسير سقط أمام ظواهر كثيرة، شاهدها علماء البحار بأمِّ أعينهم .
فعلماء البحار، وعلماء الأسماك، وجدوا من خلال الملاحظة الدقيقة: أن بعض الأسماك إذا ما جُرح، يلجأ إلى أسماك من نوعه، يتناوب بعضها خلف بعض، على الالتصاق بأماكن الجروح، أسماكٌ تلتصق مع السمكة الجريحة، تأتي الأولى، والثانية، والثالثة، إلى أن يلتئم الجرح .
اعتقد العلماء، أن هذه الأسماك، تفرز مواد تعين على شفاء الجروح والتئامها، فما كان من علماء الأسماك، إلا أن جاؤوا ببعض هذه الأسماك إلى مختبرات، ووضعوها في مياهٍ مالحة، ووضعوها في الشروط نفسها، وأحدثوا جرحاً في بعض هذه الأسماك، الشيء الذي يلفت النظر ثانيةً، أن هذه الأسماك امتنعت عن معالجة زميلاتها، وهي تحت سمع وبصر العلماء، وبقي هذا السرُّ دفيناً سنواتٍ طويلةً، إلى أن استطاع عالمٌ قضى سنواتٍ طويلة في تحليل هذه المواد التي تفرزها الأسماك، حينما تلتصق بزميلاتها الجرحى، فإذا هذه المواد سامةٌ، وضارةٌ ظاهراً، لكنَّ بعضها متخصصٌ بتخثير الدم، وبعضها يعين على انقباض الجلد، والعضلات، وفي بعضها مادةٌ لاصقة، يخثَّر الدم أولاً، تشدُّ العضلات والجلد ثانياً، تأتي المادة اللاصقة ثالثاً، لتنهي هذا الجرح نهائياً .
جيء ببعض هذه المواد، ووضعت على جرح الإنسان، فإذا هو يلتئم، في ثلث الوقت الذي من عادته أن يلتئم به، أي من عشرة أيام، إلى ثلاثة أيام، بتأثير هذه المواد، دون أن يكون لهذه المواد، أية أعراضٍ جانبية .
قال العلماء: وكأن هذه المواد المتنوعة، بعضها للتخثير، وبعضها لشدِّ الجلد والعضلات ، وبعضها كمادةٍ لاصقة، كأن هذه المواد تتعاون فيما بينها، وتنسِّق وظائفها، وكأنها واعيةٌ هادفةٌ، تتعمد الوصول إلى نتيجةٍ واحدة، ألا وهي سرعة التئام الجروح .
الكون مجسد بالآيات التي تتلألأ فيه وتدل على حكمة الديان ورحمته, ففكر وتأمل أيها الإنسان
أيها الأخوة الكرام, هذه الآية الكونية، مصداق قول الله تعالى:
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾
علمٌ ما بعده علم، قدرةٌ ما بعدها قدرة، لذلك قال بعض العلماء: كلُّ إنسانٍ لا يرى من هذا الكون، قوةً هي أقوى ما تكون، عليمةً هي أعلم ما تكون، حكيمةً هي أحكم ما تكون، رحيمةً هي أرحم ما تكون، هو إنسانٌ حي، ولكنه ميِّت .
يمكن أن تفكِّر في الأسماك، فترى العجب العجاب، يمكن أن تفكِّر في الأطيار التي زوَّدها الله بقوة رؤيةٍ تزيد ثمانية أضعافٍ عن قدرة رؤية الإنسان، يمكن ان ترى طائراً يقطع سبعة عشر ألف كيلو متر من دون توقُّف، ما هذه الرحلة؟! تعجز عنها أكبر الطائرات الأرضية .
أيها الأخوة الكرام, الكون مظهرٌ لأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، يمكن أن تلمس من خلال الكون، أسماء الله الحسنى، قدرته، علمه، رحمته، عدالته، هذا كلُّه, لذلك القرآن الكريم طافحٌ بالآيات التي تدعو إلى التفكر في خلق السموات والأرض، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾