- ندوات إذاعية
- /
- ٠03برنامج فيه هدى للناس - إذاعة دمشق
مقدمة :
الأستاذ جمال شيخ بكري :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد بن عبد الله، النبي الكريم، وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين.
أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم جميعاً بكل خير، نحييكم مع بداية هذه الحلقة الجديدة:" فيه هدى للناس"، والتي نستضيف فيها صاحب الفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، دكتور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أستاذ جمال جزاكم الله خيراً.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
دكتور من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم، وأول آية نزلت:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
هناك مفاهيم عظيمة ومدلولات عميقة لأهمية العلم في حياتنا، في وجودنا، كيف نوضح هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف؟
الإنسان هو المخلوق المكرم و المكلف و الأول رتبة :
الدكتور راتب:
بارك الله بك أستاذ جمال، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أستاذ جمال يقولون: من عرف نفسه عرف ربه، من الإنسان؟ الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
والإنسان هو المخلوق المكرم، لقوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
والإنسان هو المخلوق المكلف، لقوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادة في أدق معانيها، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، لكن ما من صفة في الإنسان إلا وفي الحيوان صفة تفوقه بها، من حيث الوزن، والسرعة، والطعام، والشراب، إلى آخره، مثلاً الحوت الأزرق الذي يزن مئة وخمسين طناً، ويستخرج منه ما يقدر بخمسين طناً لحماً، وخمسين طناً دهناً، وخمسين طناً عظماً، وتسعين برميل زيت، والإنسان يقف في فمه، وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة طن، يأكل ثلاث وجبات، يرضع صغيره ثلاثمئة كيلو في الرضعة الواحدة، ثلاث رضعات طن من الحليب، فما من صفة في الإنسان إلا في الحيوان صفة تفوقه بها، الكلب شمه مليون ضعف الإنسان، الصقر يرى ثمانية أمثال الإنسان، لكن الإنسان انفرد من بين المخلوقات كلها بقوة إدراكية، أودعها الله فيه، هذه القوة الإدراكية غذاؤها العلم، فالإنسان ما لم يبحث عن الحقيقة، ما لم يطلب العلم، هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
ارتباط القراءة في الإسلام بهدفٍ سامٍ و هو الإيمان بالله عز وجل :
لذلك أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت هي: اقرأ، إلا أن القراءة في الإسلام مربوطة بهدف:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
أي اقرأ من أجل أن تؤمن، اقرأ من أجل أن تعرف الله، اقرأ من أجل أن تعرف المنهج، اقرأ من أجل أن تنضبط، اقرأ من أجل أن تتقرب إلى الله، أي
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾
لكن هناك علم ممتع نافع، قد يحمل طبيب اختصاصاً نادراً، دخله اليومي فلكي، فعلم الطبيب ممتع ونافع، أما أي علم لو قرأ الإنسان الأوديسا والإلياذة شعر قديم ممتع، فكل علم ممتع لكن هناك علم ممتع نافع، إلا أن معرفة الله علم ممتع نافع مسعد في الدنيا والآخرة، لذلك ربط الله عز وجل القراءة بالإيمان، أي
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾
هناك آيات في خلق الإنسان مذهلة، في شبكية العين بالميليمتر المربع مئة مليون مستقبل ضوئي، بينما في أعلى آلة تصوير رقمية احترافية، يوجد بالميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي.
الإنسان لو ذهب إلى فنلندا، والحرارة سبعون تحت الصفر، كل شيء يتجمد وفي عينه ماء إذاً ينبغي أن يفقد الإنسان بصره، لذلك أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد.
برأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة شريان، ووريد، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، آلية الشم، آلية الرؤية، آلية السمع، آلية البصر، آلية الذوق، في الإنسان أجهزة حتى إنه قد قيل:
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
أستاذ جمال للتقريب، إنسان يمشي في الطريق، استمع إلى صوت بوق مركبة، ينحرف يساراً، لمَ انحرف يساراً ولم ينحرف يميناً؟ لأن في دماغ الإنسان جهازاً بالغ التعقيد، يحسب هذا الجهاز التفاضل بين صوت الشيء الذي دخل إلى الأذنين، وبينهما واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، إذاً أنت بالأذنين تعرف جهة الصوت، وبالعينين تدرك البعد الثالث.
آيات الله عز وجل آيات معجزة :
في الإنسان دقائق من خلقه مذهلة، لذلك الله عز وجل قال له:
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي تعلم، لكن أقرب آية إليك نفسك التي بين جنبيك، أقرب آية إليك هذا الجسم بحواسه الخمس، بالأعضاء، والعضلات، والجهاز العظيم، هذا الجسم معجزة قائمة، فلذلك:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾
تعلم من خلال عظمة هذا الخلق، أستاذ جمال قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾
في الآفاق آيات مذهلة، بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب إلى الأرض أربع سنوات ضوئية، وابنك الصغير اليوم بإجراء على الآلة الحاسبة يحسب كم هي المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب.
الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر كم يقطع بالدقيقة؟ ضرب ستين، كم يقطع بالساعة؟ أيضاً ضرب ستين، كم يقطع في اليوم؟ ضرب أربع وعشرين، كم يقطع في السنة؟ ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، كم يقطع في أربع سنوات؟ ضرب أربعة، أي إن أردنا أن نصل إليه بمركبة أرضية سرعتها مئة متى نصل إليه؟ نحتاج إلى خمسين مليون عام، متى نصل إلى نجم القطب بعده عنا أربعة آلاف سنة؟ متى نصل للمرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ متى نصل إلى أحدث نجم اكتشف حديثاً؟ أربع وعشرين مليار سنة ضوئية، أربع سنوات ضوئية تحتاج إلى سير بمركبة أرضية ما يقدر بخمسين مليون سنة إذاً متى نصل إلى هذا النجم الذي يبعد عنا أربع و عشرين مليار سنة ضوئية؟ الآن الآية الكريمة، قال تعالى :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * ﴾
لذلك:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل .
الأستاذ جمال شيخ بكري :
دكتور طالما نتحدث عن العلم، هناك حصيلة علمية يكسبها الإنسان في حياته، لكن ألا يحتاج هذا العلم إلى قيم أخلاقية تعطي النتيجة الحقيقية لأهمية هذا العلم؟
حاجة العلم إلى القيم الأخلاقية ليبتعد عن القتل و التدمير :
الدكتور راتب:
هل تريد أستاذ جمال أن ترى علماً بلا قيم؟ حينما تفوق الغرب، وصنعوا القنابل الفسفورية، والانشطارية، والعنقودية، والقنابل الحارة، والخارقة، والقنابل التي تركب أشعة الليزر، هذا كله علم دقيق جداً لكن هذا العلم من أجل تدمير الإنسان، لذلك في سورة:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾
قال: هناك قراءة بحث وإيمان، وهناك قراءة شكر وعرفان، وهناك قراءة وحي وإذعان، وهناك قراءة طغيان وعدوان، من هؤلاء الذين طغوا وتجاوزوا الحدود ضرب الله عز وجل لنا مثلاً عنهم قوم عاد، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* أرم ذَاتِ الْعِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
أي هؤلاء القوم كانوا أقوياء لدرجة أنه ليس بينهم وبين الله أحد، ما الدليل؟ الدليل أن الله ما أهلك قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة إلا عاداً حينما أهلكها قال تعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
تفوق قوم عاد في شتى المجالات :
إذاً قوم عاد كانوا أقوياء، طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، أي طغوا بأسلحتهم الفتاكة، وأفسدوا بفنونهم الإباحية، و قوم عاد مثال نموذجي، هناك عاد ثانية، وثالثة، ورابعة، إذاً ماذا فعلوا؟
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَاد فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
ما خصائصهم؟ قال تعالى:
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾
التفوق الأول عمراني كبير جداً، وهناك تفوق صناعي:
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
وتفوق عسكري:
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
و تفوق علمي:
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
وكان مع كل هذا التفوق غطرسة:
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
تفوقت علمياً، تفوقت عمرانياً، صناعياً، عسكرياً، بنيانياً، ومع كل هذا التفوق غطرسة، ولم يخلق مثلها في البلاد.
الأمم الطاغية ينتهي أجلها وتنتهي حضارتها وتبقى جرائمها :
بماذا أهلكهم الله عز وجل؟
﴿ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
إذاً الله عز وجل ضرب لنا مثلاً قوم عاد للأمة الطاغية التي تبني مجدها على أنقاض الآخرين، على أنقاض الشعوب، وتبني غناها على إفقار الشعوب، وتبني ثقافتها على محو ثقافات الشعوب، وتبني عزها على إذلال الشعوب، هذه القوة الطاغية ولو أنها لوقت ما ليس بينها وبين الله أحد، إلا أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
وينتهي أجلها، وتنتهي حضارتها، وتبقى جرائمها.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
فعلاً موضوع العلم يستحق أن نتوقف عنده لما له من أهمية في حياتنا، لا يمكن أن تنجح الأمم إلا بالعلم، والتفوق، ومختلف صنوف هذا العلم، تفضلت وتحدثت عن هذا الموضوع، إلى أين وصلنا في محاورنا؟
العلم بحدّ ذاته قيمة مطلقة و قراءاته هي :
الدكتور راتب:
هو أولاً كما تفضلت قالوا في القرآن الكريم المطلق على إطلاقه، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
العلم هنا مطلق، أي العلم بحد ذاته قيمة مطلقة.
1 ـ قراءة البحث و الإيمان :
لذلك الله عز وجل لما قال:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
قراءة البحث والإيمان لكن:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
ما معنى وربك الأكرم؟ الله عز وجل تفضل علينا بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، هذه كلها من فضل الله علينا، أنت موجود وهذه نعمة الإيجاد، وقد أمدك الله بالطعام، والشراب، والهواء، والزوجة، والولد، وبكل الحاجات التي بين يديك، وتفضل علينا بأن بعث الأنبياء والرسل، ليدلنا إلى الطريق إليه وإلى سعادة الآخرة، إذاً نقرأ لنؤمن، ونقرأ لنشكر، لذلك قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
أي لأن هذا الكون مسخر لنا تسخير تعريف وتكريم، ردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، لمجرد أنك آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وإذا حُقق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة، قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
خلقكم ليرحمكم، فالقراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، اقرأ، تعلم، اطلب العلم، من أجل أن تؤمن بالواحد الديان، من أجل أن تعرفه، أن تصل إليه، أن تسعد بقربه.
2 ـ قراءة الشكر والعرفان :
والآن اقرأ قراءة ثانية من أجل أن تشكره، لأنه منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، وكأن علة وجود الإنسان أن يعبده، وبالعبادة يكون شاكراً له، والآية الفيصل في هذا الموضوع:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
فالإيمان والشكر علة وجودنا في الأرض، هذه القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
دكتور قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
تتحقق الخشية وكلما تعلم الإنسان ازداد مخافة من الله، إنه يعلم تماماً حقيقة الخلق، كيف نفسر:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
قضايا الدين تصنف في ثلاث دوائر هي :
الدكتور راتب:
أستاذ جمال جزاك الله خيراً، الله عز وجل قال:
﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ُ﴾
لذلك بحواسنا الخمس لا يمكن أن نرى الله ولكن العقول تصل إليه، فلذلك الإيمان بالله هو إيمان استدلالي، لأن هناك ثلاث دوائر في حياتنا.
1 ـ دائرة المحسوسات :
دائرة اليقين الحسي، الأشياء المادية التي ظهرت عينها وآثارها، وأداة اليقين بها الحواس الخمس، واستطالتها كالميكروسكوب والتليسكوب مثلاً .
2 ـ دائرة المعقولات :
لكن هناك أشياء غابت عينها وبقيت آثارها، كالكهرباء، مثلاً أنت لا ترى الكهرباء ولكن ترى مصباحاً متألقاً، ومروحة تدور، وصوتاً يكبر، هذه آثار الكهرباء، فإذا غابت عينها وبقيت آثارها، أداة اليقين بها العقل، العقل يحتاج إلى شيء ملموس غابت عينه وبقيت آثاره، يكتشف الحقيقة من خلال الآثار، فالتسيير يدل على المُسيّر، والخلق يدل على الخالق، والحكمة تدل على الحكيم، وهكذا.
الحلقة الثانية في المعرفة دائرة المعقولات، أداة اليقين بها العقل، أستاذ جمال أول دائرة المحسوسات، أداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالاتها، أما الدائرة الثانية دائرة المعقولات أداة اليقين بها العقل، لكن لا بد في هذه الدائرة من شيء مادي يستنبط منه الشيء الذي غاب عنا، أوضح مثل وجود الله عز وجل، كل هذا الكون ينطق بوجوده، ووحدانيته، وكماله، الأبصار لا تدركه ولكن العقول تصل إليه، هذه المعرفة الثانية.
3 ـ دائرة الإخباريات :
المعرفة الثالثة شيء غابت عنا عينه وغابت آثاره، ولا سبيل إلى اليقين به إلا الخبر الصادق، فأنت إذا كنت عند صديق لك وهناك خزانة مغلقة، مهما تكن عبقرياً لن تعرف ماذا في الخزانة، لكن الصديق لا يكذب أبداً، سألته عما فيها فقال: دفاتر حسابية قديمة، إذاً عندنا دائرة ثالثة اسمها دائرة الخبر الصادق، فنحن إيماننا جزء منه عقلي، وجزء منه إخباري، يسميها علماء العقيدة المسموعات، الإخباريات، لكنني أنا أنصح أخوتنا المستمعين أنك حينما تحاور إنساناً اهتز عنده الإيمان بالله ألا تلقي على سمعه الإخباريات، لأنه لا دليل لها إلا إخبار الله عنها، فإذا قال لك أحدهم أين الملائكة؟ وما الدليل على وجودهم؟ ليس معك دليل، الدليل أن الله أخبرنا، ما الدليل على وجود الجن؟ لا دليل إلا أن الله أخبرنا.
إذاً بهذه المقدمة أبين أن هناك دائرة المحسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالتها، ودائرة المعقولات وأداة اليقين بها العقل، ولكن يحتاج إلى منطلق مادي، يحتاج إلى شيء ظاهر، والدائرة الثالثة دائرة الإخباريات أداة اليقين بها الخبر الصادق.
التفكر في خلق السماوات والأرض أحد الطرق السالكة لمعرفة الله :
لذلك الله عز وجل أمرنا أن نتفكر في خلق السماوات والأرض، لأن هذا الكون من آثار الله عز وجل، بل هو الثابت الأول في الحياة، إذاً التفكر في خلق السماوات والأرض أحد الطرق السالكة لمعرفة الله، لذلك قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي لْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
إذاً من أجل أن نعرف الله ينبغي أن تفكر في خلق السماوات والأرض.
4 ـ قراءة الوحي والإذعان :
لذلك هناك قراءة البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، وفي النهاية هناك قراءة الوحي والإذعان، فالذي عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله عز وجل به، وأوضح مثل عندك ميزان غال جداً، فيه ذواكر، وفيه حسابات دقيقة، لكن هذا الميزان مصمم لبقالية، أي حدود استعماله من خمس غرامات لخمسة كيلو غرام فقط، إن أردت أن تزين به مركبة حطمته، المركبة كتب وزنها على مكان في هيكلها، إذاً هناك أشياء العقل لا يستوعبها يأتي الخبر الصادق فيبين لنا ذلك.
إذاً هناك قراءة البحث والإيمان، وهناك قراءة الشكر والعرفان، وهناك قراءة الوحي والإذعان.
5 ـ قراءة العدوان و الطغيان :
وهناك قراءة العدوان والطغيان ونعوذ بالله منها.
الأستاذ جمال شيخ بكري :
أيها الأعزاء إذا إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إذاً هذه هي نتيجة الكلام مع الدكتور محمد راتب النابلسي، دكتور كيف نختم حديثنا في هذا الموضوع الشيق الذي هو السبيل الأقوى لمعرفة الله عز وجل ؟
العلم قيمة حيادية قد يكون أداة خير وقد يكون أداة شر :
الدكتور راتب:
أستاذ جمال كما في الآية الكريمة هناك قراءة البحث والإيمان، وقراءة الشكر والعرفان، وقراءة الوحي والإذعان، وقراءة العدوان والطغيان، فالعلم قد يكون أداة خير وقد يكون أداة شر، هو قيمة حيادية، لذلك هناك العدوان والطغيان عن طريق العلم، فالقنابل الفسفورية، والانشطارية، والعنقودية، والقنابل الحارقة والخارقة، هذه الأسلحة التي تكلف البشرية أموالاً طائلة لو أنفقت على خير البشرية لكان الناس في حال آخر، لكن هذه حقيقة الإنسان، الإنسان يؤمن فيسمو ويرقى، يبتعد عن الله فيكون مجرماً بحق البشرية، لذلك قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ* كَلَّا ﴾
كلا أداة ردع:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾
بالعلم، فهذه القنابل المخيفة، هذه الأسلحة الجرثومية الكيماوية، هذه الأسلحة الفتاكة، التي تلغي الاتصالات، تلغي الطاقات، هذه الأسلحة التي جهد بها أعداؤنا لمئات السنين، فلما ملكوها فرضوا على البشرية إباحيتهم، وثقافتهم، هذه نحن قصرنا في تحصيلها، لذلك قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
فالقوي مرهوب الجانب، وقد يمتلك سلاحاً نووياً لا يستخدمه لمئة عام، لكن هذا السلاح لوجوده بين يديه، يغدو مرهوب الجانب.
الحق لا يحصن إلا بالقوة :
لذلك أنا أتمنى أن الحق لا يحصن إلا بالقوة، هم في الغرب يؤمنون أنك إذا كنت قوياً فأنت على حق، هذه مقولة مرفوضة لكن في وحي السماء الحق ما جاء به وحي السماء ولكن يحتاج إلى قوة، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
وأنا أقول: إذا كان طريق القوة، القوة تعني العلم، وتعني المال، وتعني المنصب، فإذا كنت قوياً في مالك فتحت الجامعات، وأنشأت المستشفيات، وفعلت الخيرات، وأطعمت الجياع، وزوجت الشباب، هناك أعمال لا يعلمها إلا الله تكون عن طريق المال، وبالعلم أيضاً تنير العقول، وتضيء السبيل، وتأتي قوة القرار، بجرة قلم تحق حقاً وتبطل باطلاً، وتقر معروفاً وتزيل منكراً، لذلك العلم يحتاج إلى قوة، والإيمان يحتاج إلى قوة، هم يرون أنك إذا كنت قوياً فأنت على حق، لكن نحن نقول: ما دام الوحي من السماء إذا طبقته فأنت على حق، ولكن الحق يحتاج إلى قوة، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
خاتمة و توديع :
الأستاذ جمال شيخ بكري :
إذاً لا يسعني في ختام هذا اللقاء إلا أن نقول: اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.
كل الشكر لفضيلة الشيخ المعلم الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، أسعدنا بهذه المعلومات حول العلم في ديننا الإسلامي الحنيف الذي هو مدعاة للخشية من الله، وإذا خشي الإنسان من ربه عاش سعيداً في مجتمعه، وانعكس ذلك على حياته، وانتقل إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، شكراً فضيلة الشيخ.
الدكتور راتب:
أستاذ جمال بارك الله بك ونفع بك .
الأستاذ جمال شيخ بكري :
أيها الأعزاء لقاؤنا في الأسبوع القادم مع حلقة جديدة إلى اللقاء.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته