- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبنور وجهه تشرق الظلمات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله دنا من ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، اللهم إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى .
الإسراء والمعراج و مكانة النبي :
أيها المؤمنون ؛ بهذه الكلمات المأثورات كان رسول الله صَلَّوات اللَّهُ عَلَيْهِ يستقبل بها المحن والشدائد ، وبها كان يواجه المصاعب والعقبات ، لأن جهاد الدعوة الذي حمله سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرضه وأصحابه للأذى والضر ، فما ذاق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ بدء الدعوة راحة الركون إلى الأهل والولد ، ولولا هذا الجهاد وذاك الصبر ما عبد الله في الأرض ولا انتشر الإسلام في الخافقين ولا قمنا في هذا المكان نوحد الله ونسبحه وندعو إليه .
أيها الإخوة ؛ إن الإسراء والمعراج وقد مرت قبل أيام ذكراهما العزيزة على كل مسلم الأثيرة عند كل مؤمن .
إن الإسراء والمعراج إكرام إلهي لنبيه المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومسح لمتاعب الماضي ، ورسم لملامح المستقبل المشرقة ، إنه اطمئنان الله لرسوله ، وتأكيد له بعين الله منذ قام يعبده ويوحده ويدعو إليه ، وأنه معه وناصره على الرغم من تقلب قوى الشر والشرك وتجهم الأقارب والأباعد حتى مس فؤاده المعني برد الراحة والقرب .
أيها الاخوة ؛ في هذه الليلة المباركة ليلة الإسراء والمعراج رأى النبي الكريم مكانته السامية عند ربه ، وأدرك أن حظه من رضوان الله جزيل وعرف منزلته العالية بين المصطفين الأخيار .
سريت من حرم ليلاً إلى حرم كما سرى البدر في داج مـن الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلة من قاب قوسين لم تدرك و لم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها والرسل تقديم مجذوم على حـذم
حتى إذا لم تدع شاءاً لمستبق من الدنو ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقام بالإضافة إذ نوديت بالرفع مثل المغرد العلم
وجل مقدار ما وليت من رتب وعـز إدراك مـا وليت مـن نعم
حقاً - أيها المؤمنون - لقد دنا سيدنا محمد من ربه وسعد بقربه ورأى من آياته وللمؤمنين عند ربهم جنات النعيم وأعلاها جنة المأوى التي فاز بها رسولنا الكريم .
قال تعالى :
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى * ﴾
الصلاة نور للمؤمن و أساس الاستقامة :
يا إخوة الإيمان ؛ إذا كان الإسراء والمعراج للنبي المصطفى إكراماً إلهياً وإراءة ربانية ومسحاً لجراح الماضي و تطميناً للمستقبل ، والنبي أهل لهذا الإكرام والتطمين ، ولكن ما نصيبنا منه نحن المؤمنين ، وما علاقتنا به ، وما الحكمة من الإشارة إليه في القرآن الكريم ، وما جدوى إحياء هذه الذكرى كل عام .
أيها المؤمنون ؛ إن معراجنا نحن المؤمنين في صلاتنا ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب الإسراء والمعراج :
(( الصلاة معراج المؤمن ))
إنها معراج إلى ربه وفيها يرقي من حال إلى حال ، ومن منزلة إلى منزلة ، ومن رؤية إلى رؤية ، إنها ترقي به من عالم المادة إلى عالم الروح ، ومن عالم الأوهام إلى عالم الحقائق ، ومن سفاسف الأمور إلى معاليها .
فمن خرجت نفسه إلى ربه وسبحت في ملكوته ورأت من آياته وخلدت إلى قربه وزهدت في غيره ، يعرف معنى التنقل من الضياع إلى الوعي ومن التشتت إلى التجمع ومن وحول إلى قمم القربات .
ولكن قبل أن تكون الصلاة معراجاً للمؤمن فهي وسيلة فعالة لتطهير نفسه من النزوات الشريرة إن النفس التي تشتهي الحرمات وتستهوي البدع لهي نفس مريضة والصلاة دوائها وشفائها
وقبل أن تكون الصلاة معراجاً للمؤمن فهي نور له يريد الحق حقاً فيتبعه والباطل باطلاً فيجتنبه .
أيها الاخوة ؛ إن وراء كل عمل رؤية فالذي يقدم على إزهاق روح بريئة يرى في هذا العمل مغنماً له ، ولو رأى أن مصيره التأرجح على حبل المشنقة ، أو الانزواء في قاع السجن ، لما أقدم على جريمته النكراء لذلك أكد القرآن الكريم فقال تعالى :
﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾
وقال أيضاً :
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
وقد جاء في الحديث :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ ))
وقبل أن تكون الصلاة معراجاً للمؤمن فهي مسعدة لقلبه مطمئنة لنفسه قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي يرويه النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
(( جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة ))
وكان يقول لسيدنا بلال : أرحنا بها أي بالصلاة ، وكان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة .
أما إذا كان لسان الحال أرحنا منها ليسقط الوجوب ، وإن لم يحصل المطلوب فهذه ليست بصلاة مثمرة ولكنها أقوال وأفعال تبتدئ بالتكبير وتنهي بالتسليم والله عز وجل غني عن هذه العبادة الجوفاء .
أيها المؤمنون ؛ ولا تكون الصلاة للمؤمن طهوراً ونوراً وسعادة إلا إذا أقيمت على أساس من استقامة على أمر الله واتباع لسنة رسوله لذلك تعد الصلاة ميزاناً لاستقامة المؤمن ومؤشراً على اقتفائه لسنة نبيه .
جاء في الحديث الشريف :
(( الصلاة ميزان فمن وفى استوفى ))
فالمعاصي صغرت أو كبرت حجب كثيفة وتحول بين العبد وربه ، ولا تتمزق هذه الحجب ، ولا تخترق إلا بالتوبة النصوح والاستقامة عن الجنوح ، وعندما توفي أيها المؤمن الاستقامة حقها تستوفي من الصلاة ثمراتها طهارة ونورانية وسعادة وهذا معنى الحديث :
(( الصلاة ميزان فمن وفى استوفى ))
وقد أكد الرسول الكريم في حديث آخر فقال :
(( ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
والمخلط من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً وقد قال الله تعالى في حديث قدسي فيما رواه الديلمي:
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم علي فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها ))
وكما أن المركبة لا تبلغ أقصى سرعتها إلا بعد سرعة أقل منها كذلك الصلوات الخمس لا تغدو محكمة إلا إذا حافظنا على سننها وآدابها .
وكما أن المصباح الكهربائي لا يتألق حينما نريد له التألق إلا إذا كان اتصاله بالتيار مستمراً كذلك لا تكون الصلوات الخمس مضمونة النتائج إلا إذا حرصنا فيما بينها على صلة هادئة تكون بالتفات القلب إلى ربه فحينما يكون صمت العبد فكراً ونطقه ذكراً ونظره عبرة فهو في صلة دائمة قال تعالى :
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِم دَائِمُونَ ﴾
وقال أيضاً :
﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾
والصلاة الوسطى أيها المؤمنون كما ذكر بعض المفسرين هي توجه العبد إلى ربه فيما بين الصلوات المفروضة فالصلاة عماد الدين وعصام اليقين وسيدة القربات وغرة الطاعات ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صاحب الإسراء والمعراج .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .