- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالين، والصلاة والسلام سيد المرسلين المبعوث رحمةً للعالمين، اللهم صل وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام... موضوع دقيقٌ جداً سوف أعرضه عليكم، مع أنه موضوعٌ قريبٌ منكم قُرْبَاً شديداً، حينما يقول الله عز وجل متحدثاً عن هذا اللبن السائغ الذي يخرجه الله من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً للشاربين، هذه آيةٌ ذَكَّرنا الله بها، هذا اللبن السائغ طعامه يحتوي على الدَسَم، والسكريات، والبروتينات، والمعادن، والفيتامينات، ويحتوي على غازاتٍ مُنْحَلَّة هو غذاءٌ كاملٌ فيه كل حاجات الإنسان، وكان عليه الصلاة والسلام إذا شرب الحليب يقول:
" اللهم زدنا منه ".
والآية الدقيقة:
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66)﴾
العلماء قالوا أيها الإخوة: أن في البقرة غدةً ثديية، هذه الغدة الثديية مقسمةٌ إلى فصوص، وهذه الفصوص مقسمةٌ إلى فُصَيْفِصات، وهذه الفصيفصات مقسمةٌ إلى أجوافٍ صغيرة هي الأسناخ، وهذه الأسناخ محاطةٌ بغشاءٍ من الخلايا، حول هذه الخلايا شعرياتٌ دمويةٌ، تأخذ الخلايا من الدم ما تحتاج، وتفرز الحليب في جوف هذا التجويف، وينتهي هذا الجوف بقناةٍ إلى حوض الغُدَّة، ثم إلى حوض ثديي البقرة، قم إلى حُلمتها، حتى هذه الساعة لا تعرف طبيعة عمل هذه الخلايا الثديية، محاطةٌ بأوعيةٍ شعريةٍ دمويةٍ دقيقة على شكل قُبَّة، ومجوفةٌ من الداخل فهذه الخلية الصمَّاء، الخلية الثديية تأخذ حاجتها من الدم، وفي الدم حمض اللبن وهو الفرث السائل، هناك فرثٌ صُلب هو البراز، وهناك فرثٌ سائل وهو حمض اللبن نواتج احتراق الخلايا وهناك فرثٌ غازي هو غاز الفحم الذي يلفظه الإنسان من فمه، هذه ثلاثة أصناف.
فالخلية الثديية تأخذ حاجتها من الدم الذي فيه فرث سائل، وتكوِّن حليباً نقياً طاهراً سائغاً للشاربين، هو غذاءٌ أساسيٌ جداً جداً جداً في حياتنا.
أيها الإخوة الكرام... الذي يحيِّر العقول أن أربعمئة حجمٍ من الدم يجول في هذه الغُدَّة الثديية من أجل حجمٍ واحدٍ من الحليب، كل لتر حليبٍ تصنع البقرة في غددها الثديية مُحَصِّلة أربعمئة لترٍ من الدم يجول حول هذه الغُدَدِ الثديية، والذي كما قلت قبل قليل يدهش: أنه حتى الآن لا يعرف أحدٌ كيف تعمل هذه الخلية ؟ وفيها من العقل ما لا يوصف، تقدم لك غذاءً كاملاً يتناسب مع أجهزتك وأعضائك ونسجك وخلاياك، وهي تختار ما تحتاج من معادن وفيتامينات ومواد دسمة، وسكريات، من الدم الذي فيه فرث.
أيها الإخوة الكرام... من يعطي الأوامر ؟ من ينظِّم ؟ من ينسِّق؟ من يعطي هذه الخلية أمراً بأخذ البوتاس والفسفور والكالسيوم والفيتامينات والمعادن وأشباه المعادن والغازات والسكريات والمواد الدسمة ؟ كيف تختلط هذه المواد ؟ وكيف تُمْزَج حتى تصبح حليباً ناصع البياض خالصاً من كل شائبة، لا أثر للدم فيه، لا أثر للفَرْثِ فيه ؟ هذه يد الله تعمل في الخفاء.
أيها الإخوة الكرام... هذا موضوعٌ من موضوعات التفكُّر هذا موضوع من موضوعات وسائل معرفة الله عز وجل، إليكم الآيات القرآنية في هذا الموضوع..
أيها الإخوة الكرام... يقول الله عز وجل:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾
حينما جَنَّتِ البقر في بريطانيا، اضطروا إلى حرق ثلاثة عشر مليون بقرة ثمنها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه استرليني، حينما جَنَّ البقر، حينما غيَّروا خلق الله، حينما أطعموا البقر مسحوق اللحم المُجَفَّف.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾
جعلناها مُذَلَّلة، طفلٌ صغير يحلب ثدي البقرة، طفلٌ صغير يقود بقرةً، فلو توحَّشت لقتلت العَشرات، فالذي يثبت أنه حينما تتوحش بقرةٌ قد تقتل بضعة أشخاص.
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)﴾
يا إخوة الإيمان... إذا كان على مائدتك كأس حليبٍ ينبغي أن تذكر هذه الآية، إذا كان على مائدتك كأس حليبٍ أو قطعة جبنٍ أو سمنٌ أو زبدةٌ أو قشطةٌ، أو أي شيءٍ من مشتقات الحليب، يجب أن تذكر أن كل لتر حليبٍ يصنعه أربعمئة لترٍ من الدم، وأن عمل هذه الخلية معجزة بحد ذاتها، وقد ورد: حسبكم الكون معجزة. الكون بوضعه الراهن كله معجزات، تأكل هذه البقرة حشيشاً وتعطيك الحليب سائغ الطعم من دون صوتٍ، ولا ضجيج، ولا جلبةٍ، وقد جعل الله هذا العمل اقتصادياً فهي تعطي أكثر مما تأخذ، ولو كان العكس لما ربى أحدٌ بقرة، تعطي أكثر ما تأخذ، وهي مذللة..
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾
خصيصاً لكم..
﴿ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)﴾
أيها الإخوة الكرام... لأن الله عز وجل يقول:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
إلى طعامه الذي تأكله، كلما أكلت قطعة جبنٍ، أو احتسيت كأس حليبٍ، أو أكلت لبناً مع أكلتك المُفضلة، أو أكلت زبدةً أو قشطةً أو ما سوى ذلك، يجب أن تعلَم أن هذا من صنع الله تفضلاً ومنةً علينا، ينبغي أن تشكره، فكلما ازدت تفكراً في آيات الله ازدت تعظيماً له.
آيةٌ ثانية:
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)﴾
آيةٌ ثالثة:
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66)﴾
والآية الأولى:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)﴾
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك. اللهمَّ هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارض عنا. أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، واصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين.
اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تؤاخذنا بفعل المسيئين يا رب العالمين. اسق عبادك العطشى يا رب العالمين، اسقنا سُقيا رحمة ولا تجعلها سقيا عذاب يا أكرم الأكرمين.
اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.