وضع داكن
01-12-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 17 - التربية النفسية -3- الحكمة في تربية الأبناء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع عشر من دروس تربية الأولاد في الإسلام ولازلنا في التربية النفسية.

من اتصل بالله عز وجل قُذف في قلبه نور يرى به الحق حقاً والباطل باطلاً:

بادئ ذي بدء: هذه الحكمة التي وعد الله بها المؤمن وحده، في قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

( سورة البقرة الآية: 269 )

لأن الإنسان إذا اتصل بالله عز وجل امتنّ الله عليه الحكمة، الحكمة تؤتى ولا تؤخذ، قد تكون أذكى الأذكياء ترتكب حماقة ما بعدها حماقة، لأن الحكمة حُجبت عنك، فالمؤمن باتصاله بالله عز وجل يقذف الله في قلبه النور، يرى به الحق حقاً، والباطل باطلاً، يرى به الخير خيراً، والشر شراً أضرب مثلاً بسيطاً:
قصة سمعتها، إنسان تزوج امرأة، بعد خمسة أشهر كانت على وشك الولادة إذاً هذا الجنين ليس منه قطعاً، بإمكانه أن يطلقها، والناس جميعاً معه، والشرع معه، وأهلها معه، لكن الله سبحانه وتعالى ألهمه الحكمة، تمنى على الله أن يحملها على توبة نصوح فأخذ هذا الجنين ووضعه تحت عباءته، وانتظر أمام جامع الورد في سوق ساروجة، إلى أن نوى الإمام الفريضة، ودخل وضعه في طرف المسجد، والتحق بالمصلين، بعد انتهاء الصلاة بكى هذا الوليد، فتحلق المصلون حوله، تأخر عنهم كثيراً، إلى أن اجتمع كل من في المسجد حول هذا الوليد الذي ألقي في طرف المسجد، تقدم منهم وسأل ما الخبر ؟ قال: تعال انظر، وليد ! قال: أنا أكفله، أعطوني إياه، فأخذه وردّه إلى أمه وتابت على يده توبة نصوحة.
القصة أولها: هناك إمام مسجد له جار بقال، رأى النبي عليه الصلاة والسلام في رؤيا صالحة، قال له (لهذا الإمام خطيب المسجد): قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، كسب رضاء الله، وأنقذ امرأة من الزلل، وربت ابنها عنده.

 

أسعد الناس من كان حكيماً:

 

أخوانا الكرام، صدقوا ولا أبالغ، أنت حينما تتصل بالله عز وجل، وتتقن صلواتك مع الله يقذف الله في قلبك نوراً، ترى به الحق حقاً، والباطل باطلاً، الخير خيراً، والشر شراً، والجميل جميلاً، والقبيح قبيحاً.
لذلك أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تجعل أبناءك أبراراً، ومن دون حكمة تجعل أولادك عاقين، أنت بالحكمة تعيش بدخل محدود، ومن دون حكمة تبدد الدخل الغير المحدود.
صدقوا ولا أبالغ إذا سمح الله أن تكون حكيماً أنت أسعد الناس في بيتك، أنت أسعد الناس مع زوجتك، أنت أسعد الناس مع أولادك، أنت أسعد الناس في عملك، أنت أسعد الناس في صحتك، أسعد الناس في علاقاتك، أسعد الناس في حلك وفي ترحالك

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

هذه الحكمة تتأتى من الاتصال بالله عز وجل.

أكبر قرار حكيم في تربية أولادك يبدأ من اختيار أمه:

لذلك نحن في تربية الأولاد النفسية، الأب في أمس الحاجة إلى الحكمة، لذلك أكبر قرار حكيم في تربية أولادك، والله ما عرفه العالم أبداً، يبدأ قبل ولادة الطفل، يبدأ من اختيار أمه، النبي عليه الصلاة والسلام يقول لك:

(( خذ ذات الدين والخلق تربت يمينك ))

[ أخرجه أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد الخدري ]

هذه أم أولادك، هذه سوف تربيهم، تربيهم على الصدق، على الأمانة، على العفة.
درسنا سابقاً أن طفلاً صغيراً سرق بيضة وجاء بها إلى أمه، فقبلته، وباركت عمله، ثم بدأ يزداد في انحرافه إلى أن استحق الإعدام، وهو قبل أن يُشنق طلب أن يرى أمه جاؤوا له بأمه، قال: يا أمي مدي لسانك كي أقبله، فلما مدت لسانها قطعه، وقال: لو لم يكن هذا اللسان مشجعاً لي في الجرائم ما فقدت حياتي.
أم أولادك هل أحسنت اختيارها ؟ الآن هناك ظاهرة عجيبة، الشاب يريد جمالاً فقط ويريد صفات قلّما تتوافر في خمسة بالمئة من الفتيات، يريد الزواج للمتعة، وينسى أن هذه التي سيتزوجها هي أم أولاده، هي التي تربيهم، تعلمهم على الصدق والأمانة، والعفة والاستقامة.
لذلك أنا أقول أخاطب الأمهات: أعلى شهادة تحملينها أولادك، أعلى من الدكتوراه، شهادة الأم أولادها، إن ربتهم على الفضيلة والاستقامة دفعت بهؤلاء الأولاد إلى المجتمع.

 

بنود التبية النفسية: 

1 ـ حسن اختيار الأم:

لذلك من أجل أن تحسن تربية أولادك يجب أن تتعامل معك امرأتك، والله أيها الأخوة، كم من أب يبني وزوجته تهدم، يا بني قم فصلِ، تعبان اتركه، كلما وجّه ابنه توجيهاً تأتي الزوجة لتبطل هذا التوجيه، لأنه ما أحسن اختيارها، أما الأم المؤمنة، الطاهرة لذلك أنا أخاطب الشباب:

(( خذ ذات الدين والخلق تربت يمينك ))

[ أخرجه أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد الخدري ]

هي أم أولادك، تعيش معهم، تربيهم، من أجل أن تفلح في تربيتهم لابدّ من أن تتعاون معك امرأتك، وتعاونها معك بسبب دينها، وحرصها على طاعة ربها، وحرصها على تربية أولادها.
لذلك يكاد يكون أول بند من التربية النفسية أن تحسن اختيار الأم.

2 ـ عدم محاسبة الطفل قبل تكليفه:

شيء آخر: يا أخوان عندنا قاعدة، لا محاسبة قبل التكليف، آباء كثيرون يرون من أولادهم تصرفاً يغضبهم فيضربونهم، اسأل نفسك، حاسب نفسك، هل بلغت ابنك مرة أن هذا العمل لا يعجبك ؟ ما بلغته، هو بريء، الطفل لا يعلم، لا تضطر تضربه، ولا توبخه، ولا تشتمه، ولا تحقره أمام أخوته، أنت يا بني أنت لك عندي خمس فرص في هذا العام استنفذت فرصة فقط، وأنت هادئ، ومرتاح، هو ينتبه، اخطأ مرة ثانية، انظر يا بني أصبحوا اثنتان، بقي ثلاث، لأنهم قالوا: من أطاع عصاك فقد عصاك، يده والضرب، يده والسُباب والشتائم، صار البيت مكان موحش.

3 ـ الابتعاد عن العنف في المنزل:

اسمعوا هذا الكلام أعيده كثيراً: لابدّ أن يكون عيد في بيتك، لكن بينما يكون العيد حينما تخرج، وبينما يكون العيد حينما تدخل، بشكل أو بآخر، الأب العنيف يضرب، ويشتم، ويسب، وابنه الأكبر عنيف مع الابن الأصغر، والبنت الكبرى عنيفة مع الصغرى والأصغر عنيف مع الأصغر، وأصغر ولد عنيف مع القطة، بيت كله عنف، كله صياح، كله سُباب، كله تكسير، هذا بيت فيه شيطان.

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾

( سورة طه الآية: 132 )

يا أخوان في بيوت هادئة جداً، فيها روح التعاون، فيها محبة، والله كلما رأيت إنساناً ببيته متماسك، في ود بالغ، والله أُكبر تصرفه، أُكبر حكمته، أُكبر عقله، أُكبر ذكاؤه يجب أن يكون البيت جنة.
إذاً بدل الضرب والشتم، سجل، طرق التربية متعبة، تحتاج إلى نفس طويل أما الضرب أريح، معظم الآباء يرى أنه أخطأ يضربه ضرباً مبرحاً حتى يرتاح، لكن ما أدبه بهذه الطريقة، لم يؤدبه إطلاقاً، بالعكس فصله عنه، انعتق الابن عن أبيه، هذه نقطة ثالثة.

4 ـ عدم محاسبة الأبناء أمام أصدقائهم أو أقربائهم أو أخواتهم:

النقطة الرابعة: أتمنى عليكم جميعاً ألا تحاسبوا أبناءكم أمام أصدقائهم، ولا أمام أقربائهم، ولا أمام أخواتهم، بينك وبينه، بينك وبينه يحتمل ابنك أقسى ملاحظة، لأنه يوقن أن هذه الملاحظة خارجة من محبة، أنت ما فضحته، لكن نصحته، عنفته عن محبة، أما أمام أخواته البنات، أمام أصدقائه، أمام أخوته الذكور أنا لا أنصح بهذا أبداً، وهذا تشهير وفضيحة وليست نصيحة.

على الإنسان أن يُعلم ابنه لا أن يعنفه لأن المعلم خير من المعنف:

تعلموا أيها الأخوة، من رسول الله.

تصور سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، جاءه شاب بكل بساطة، ولعلها بكل وقاحة، قال له: ائذن لي بالزنا، ما ضربه، ولا شتمه، ولا قال له أنت كافر، يا كافر، يا خبيث، لا، الصحابة ضجروا، هاجوا وماجوا، منتهى الوقاحة، قال له: تعال يا عبد الله، انظر المناقشة ! أتحبه لأمك ؟ شاب تصور والدته تزني، فغلى الدم في عروقه، قال له: لا، قال له: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك ؟ قال له: لا، قال له: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، أتحبه لابنتك ؟ قال: لا، يقول هذا الشاب: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شيء أحب إلي من الزنا وخرجت من عنده وما شيء أبغض إلي من الزنا.
يا أخي ناقشه، بيّن له الأخطار، بيّن له مصلحته تتهدم، بيّن له مستقبله، بيّن له مكانته، سمعته، بيّن هذا فيه إغضاب لله عز وجل، ناقشه، لا تعنف، علم ولا تعنف يقول عليه الصلاة والسلام:

(( علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))

[أخرجه الحارث عن أبي هريرة ]

على الكبير استيعاب الصغير و الصبر عليه:

الكبير ينبغي أن يستوعب الصغير، مرة كنا في مؤتمر على المائدة معنا قارئ كبير توفي رحمه الله، و طالب من البوسنة، هذا القارئ له مكانة كبيرة عنده، أراد أن يتقرب إليه، يمكن ضعيف باللغة العربية، فهناك بيت قاله الشافعي:

أحب الصالحين ولـستُ منهم لعلي أن أنال بهم شفــاعة

وأكره من بضاعتـه المعاصي ولو كنا سواء في الـبضاعة 

* * *

من باب التواضع، هذا الطالب البوسني قال له: أحب الصالحين ولستَ منهم يا لطيف هذا القارئ غضب غضباً شديداً، وعنفه تعنيفاً شديداً، مسكين هذا الشاب يكاد يموت خجلاً، هو بحسب تصوره أنه تقرب إليه بهذا البيت، لكن هي فرق حركة واحدة، أُحب الصالحين، هي ولستُ منهم، قال له: ولستَ منهم.
لغتنا دقيقة جداً، نحن لغتنا العربية يا أخوان بحركة واحد ينتقل الإنسان من الجنة إلى النار.
ولستُ أبالي حين أًقتل مسلماً، إلى جهنم، على أي جنب كان في الله مصرعي، أما هو البيت:

ولستُ أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
* * *

الابن يرتكب حماقة عن غير قصد، يجب أن تستوعبه.

العاقل من ربى ابنه تربية قائمة على الثقة:

أنا بصراحة لو أن أباً سألني، أو أم سألتني بالهاتف أنه أخذ مالاً من دون إذننا، يسرق، لا، لا تقول سرقة، لا تقولي يسرق، السرقة موضوع ثانٍ، هذا بيت أبيه وأمه ولا يعرف حدوده، حتى أنا لي رأي ما الذي يمنع أن تربي ابنك تربية قائمة على الثقة ؟ تضع مبلغاً من المال بالدرج ليأخذ كل حاجته، أنت حينما تمنح ثقتك لابنك ينضبط، بابا هناك مبلغ خمسمئة ليرة، ويوجد ورقة وقال، خذ واكتب فقط، والله طبقوها أناس نجحت معهم نجاحاً كبيراً، الطفل يستحي من والده، يأخذ حاجته، المال بين يديه، ما في شيء ممنوع عنه، يأخذ ويسجل، يكتب ماذا اشترى فيه ؟ عود ابنك تتفاهم معه تفاهماً، ابتعد عن القمع، وعن الضرب، وعن السب، وعن الشتم، هذه أساليب بادت ولم تفد إطلاقاً.
اللهم صلِ عليه روى لنا حديثاً: هذا الذي ركب ناقته، وعليها طعامه وشرابه، أراد أن يقطع بها الصحراء، هذا الأعرابي أصابه التعب جلس ليستريح، أخذته سنة من النوم، استيقظ فلم يجد الناقة، فبكى، وبكى، وبكى لأنه أيقن بالموت، ثم أخذته سنة من النوم، فاستيقظ فرأى الناقة أمامه، من شدة الفرح قال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، النبي ما علق، هذه كلمة الكفر، لكن قال بعض العلماء الكبار: ما كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، النبي ما علق أبداً، ما قصد معناها، من شدة الفرح قال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي.

العنف و السباب و الشتائم أساليب بادت ولم تفد إطلاقاً:

أحياناً الابن يتكلم كلمة قاسية، كن أوسع، أبو حنيفة النعمان له جار أقلقه إقلاقاً لا يُحتمل، طوال الليل يغني، (له جار شاب مغنٍّ معه طنبور عود، وأغنيته المفضلة: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا، فمرة فقد هذا الصوت، معنى جاره في مشكلة، سأل عنه، قالوا له: إنه مسجون، أبو حنيفة النعمان بمكانته، ومقامه الكبير، وعلمه الغزير توجه إلى صاحب الشرطة، متوسطاً أن يطلق سراحه، صاحب الشرطة أطلق سراحه، أركبه أبو حنيفة وراءه على الدابة، قال له: يا غلام هل أضعناك ؟ 
فقال: هذا المغنى الشاب قال: عهداً لله ألا أعود للغناء، أبو حنيفة النعمان على علو مقامه استوعب هذا الجار المغني.
استوعبه، ابنك، استوعبه، أما العنف، والضرب، والسُباب، والشتائم هذا لا يربي شاباً.

الرد العنيف والسخرية الكبيرة تقيم بينك وبين المتعلم حاجزاً فعليك الابتعاد عنهما:

يا إخوان، أحياناً الطفل يسأل سؤالاً، أو الابن، وقد يكون السؤال سخيفاً، سخيفاً جداً، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تسخر من سؤاله، إنك إن سخرت من سؤاله لن يسألك بعد اليوم أبداً، وهذه النصيحة أقدمها للمعلمين، سؤال سخيف، اجلس، أنت أحمق، أنت لا تفهم شيئاً، لا، لن يسألك بعد اليوم، لا، أجب عن سؤاله بأدب، رفيقكم معه حق، نقطة غير واضحة بذهنه، أنا سأجيبه عنها، شجع الناس يسألوك، شجع الحوار، شجع التعامل مع الآخر تعاملاً هادئاً.
والله أعرف معلمين إذا أخطأ الطالب، أنت غبي، أنت كذا، أنت كذا، يحمل هذه الفكرة لعشرين سنة قادمة، عقدته، الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، والأطفال أحباب الله، على الفطرة.
فالرد العنيف، السخرية الكبيرة، مرة كنا في الجامعة، وطالبة كان سؤالها سخيفاً، و كان عميد الكلية عندنا قاسياً جداً، سخر منها سخرية حطمتها، فقالت له: دكتور رفقاً بالقوارير، هكذا قال النبي، فهي صحتها مليحة، قال لها: قال رفقاً بالقوارير، ولم يقل رفقاً بالبراميل، أساء إساءة ثانية، إنسان أمامك، احترمه، قالت: رفقاً بالقوارير، قال لها: صح، ولم يقل رفقاً بالبراميل، حطمها، أنا هكذا أقول هذا الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.
لا تحرجه، كان عليه الصلاة والسلام من شمائله أنه كان لا يحمر الوجوه، لا تخجله، لا تضعه بزاوية ضيقة، تغافل، تغافل ولا تكن غافلاً، الرد العنيف يمنع السؤال الرد العنيف يمنع انتشار العلم، الرد العنف يقيم بينك وبين المتعلم حاجزاً.

من أراد أن يملك قلوب الآخرين فليبتعد عن السخرية و التنفير:

أنا أذكر هناك أناس جهلاء، أعتقد جامع في صلاة العصر و هناك سبعة أشخاص بينهم طفل صغير، هذا المصلي متعلم غلط، أن هذا الطفل يجب أن يرجع للصف الخلفي ما في صف خلفي، سبعة، فريضة، فدفعه من صدره إلى الوراء، يقسم بالله العظيم أنه ترك الصلاة خمسة و خمسين عاماً، بعد هذه الدفعة أقام حاجزاً بينه وبين المسجد.
بالمقابل حدثني أخ، قال لي: دخل إلى مسجد عقب أحد الأعياد، فطفل والده اشترى له حذاء جديداً، وهو فرح به، فسُرق، بكى بكاء مُراً، هذا الرجل أخذ هذا الطفل إلى محل أحذية، واشترى له حذاء أغلى، يقسم بالله هذا الطفل قال: على أثر هذا الموقف حافظت على الصلاة طوال حياتي، لا تكن منفراً، كن مقرباً.

(( يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ]

(( سَدِّدُوا وقاربُوا ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]

(( بَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري ]

هناك شخص منفر، الرد العنيف، السخرية، السُباب يقيم حاجزاً بينك وبين ابنك، وبينك أيها المعلم وبين تلميذك.
مرة سمعت عن أحد الملوك دعا رؤساء القبائل ليراهم، واضع فواكه، في وعاء لغسيل العنب، أحد شيوخ القبائل لم يعرف، فظنه للشرب، فشرب هذا الماء من هذا الوعاء، فكل الشيوخ الآخرين ابتسموا سخرية من هذا الشيخ، هو شيخ قبيلة، فالملك بذكائه وحنكته وحكمته تناول الوعاء وشرب منه، كله جمد.
قدر ما تستطيع لا تحرج إنساناً، كن معه، برر عمله، أحياناً هذا الكلام يملك القلوب.

قانون الالتفاف والانفضاض:

 

بالمناسبة: أنا أقول لكل أخ له منصب قيادي، من ؟ الأب، الأب قائد بالبيت المعلم، المدرس، صاحب المحل التجاري عنده ثلاثة موظفين، هو قيادي، رئيس الجامعة، مدير مستشفى، وزير، أي منصب قيادي، من أجل أن ينصاع كل الذي حولك لابدّ من أن يلتفوا حولك، إذا التفوا حولك أعانوك، وكانوا حراساً لك، ونفذوا لوح قراراتك، ما هو قانون الالتفاف والانفضاض ؟ هذه الآية:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

يعني بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، هذه الرحمة انعكست ليناً في المعاملة.

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

ولو كنت منقطعاً عنا، لامتلأ القلب قسوة، و لانعكست القسوة غلظة، فانفضوا من حولك، معادلة رياضية، اتصال، رحمة، لين، التفاف، و انقطاع، قسوة، غلظة، انفضاض، الأب بحاجة إلى هذه الآية، والأم، والأخ الأكبر، والمعلم، وصاحب المتجر، وكل إنسان له منصب قيادي.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

أعرابي، قال للنبي الكريم: أعطني من هذا المال، فهو ليس مالك ولا مال أبيك، قال له: صدقت إنه مال الله.

على الإنسان ألا يكون عنيفاً و لا متساهلاً فابنه أغلى من كل شيء:

أيها الأخوة، أنا أذكر قصة مؤلمة جداً، إنسان اشترى أثاثاً جديداً، غرفة ضيوف، ابنه معه شفرة عمل هكذا، فتح القماش، لعبة جميلة، خلال دقائق، أفسد الطقم كله، أبوه عنيف ما تحمل، وضع يداه على الطاولة وضربه بالمسطرة، حتى ازرقت يداه ضربه بحرف المسطرة، ثم تفاقم الأمر، واسودت كفاه، أخذه إلى الطبيب لابد من قطعهما فقال له: بابا ممكن ألا يقطعوا يداي ؟ فالأب ما تحمل، معه مسدس انتحر.
لا تكن عنيفاً، أنا لا أدعيك للتساهل، لا أبداً، لكن ابنك أغلى من الطقم، فخطأ كبير، لكن هدئ من حالك.

(( علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))

[أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، وابن عدي في الكامل]

أعرابي بال بالمسجد، قال عليه الصلاة والسلام: لا تزرموا عليه بوله دعه يكمل، غير معقول ! بالمسجد، لا تزرموا عليه بوله.
أعرابي أثناء الصلاة عطس، قال له شخص: يرحمك الله، حديث عهد بالإسلام فالصحابة ضربوا على أرجلهم، قام وخاف، أمامه توبيخ بعدما ينتهوا، النبي قال له: اقترب يا عبد الله، إن هذا الكلام لا يكون في الصلاة، قال له: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، من شدة فرحه أنه لا أحد قتله.

الحكيم من كان مصدر أمن و طمأنينة و حب للآخرين:

كن مصدر رحمة، مصدر حب، مصدر طمأنينة، مصدر أمن.

(( إِنَّ اللهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ويُعطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العنفِ ))

[أخرجه مسلم وأبو داود عن عائشة أم المؤمنين ]

ماذا قال سيدنا معاوية ؟ مرة جاءته رسالة من مواطن، هو أمير المؤمنين حاكم بلاد لا يعلمها إلا الله، شرقاً قريب من الصين، وغرباً، قال له هذا المواطن: أما بعد فيا معاوية ( باسمه، لا في أمير مؤمنين، ولا في أحد )، إن رجالك قد دخلوا أرضي فانهاهم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن والسلام، عنده ابنه يزيد، قال له: ماذا نفعل ؟ غلى الدم في عروقه، قال له: أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه، قال له: غير هذا أفضل، جاء بالكاتب قال له: اكتب، أما بعد: فقد وقفت على كتاب ولدي حواري رسول الله، هو عبد الله بن الزبير، ولقد ساءني ما ساءه، والدنيا كلها هينة جنب رضاه، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها، يأتي الجواب، اسمعوا الجواب، أما بعد: فيا أمير المؤمنين، اختلف الوضع، أطال الله بقاؤك، ولا أعدمك الرأي الذي أحلك من قومك هذا المحل، فجاء بابنه يزيد وقال له: اقرأ الجواب، أردت أن تبعث له جيشاً، أوله عنده، وآخره عندي ليأتوا برأسه، قال له: يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظُم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب.
لي صديق وصل والده للثامنة و التسعين، يخدمه خدمة تفوق حدّ الخيال، ينام إلى جانبه طوال الليل، يجلب له كأس العصير، كأس الماء، شيء عجيب، محبته لوالده غير معقولة إطلاقاً سببها، استعار سيارة والده وعمل فيها حادثاً كبيراً، وهرب، توقع أن يقتله والده، الأب ما فعل شيئاً، لما رآه بعد ثلاثة أيام، قال له: أنا بابا السيارة بعتها لا تأكل هم، الحادث وقع ووقع، يقول لي: لا أنسى هذا الموقف، يعني للثامنة و التسعين يخدمه، معقول ! ما فعل شيئاً معه، أنا لا أقول لكم افعلوا هكذا، لا، لكن شيء وقع وانتهى، يتم ابنك ثروة، خليه من طرفك، عاتبه، لكن هذا الموقف العنيف، يقول لي والله لا أنسى هذا الفضل.

بطولة الإنسان أن يكون محبوباً من أولاده:

إخوانا الكرام اسمحوا لي بكلمة دقيقة: الثقافة الإسلامية بثقافة بلادنا، كل أب محترم، لكن ما كل أب يحب، بطولتك لا أن تحترم، أن تحب، فرق دقيق، بالثقافة الدينية ثقافة هذه البلاد الأب مقدس، فلو أساء يسكت الابن، هذه ثقافتنا، لكن بطولتك كأب لا أن تُحترم من قبل أولادك، أن تُحب، أن يحبك أولادك، هذه بطولة.

على الإنسان أن يُعلّم ابنه التواضع ليكسب محبة الآخرين:

هناك ملاحظة أخيرة: النبي قال:

(( اخشوشنوا، وتمعددوا فإن النعم لا تدوم ))

[ من كشف الخفاء عن عمر ]

أنت ميسور بحبوحة، لكن علم أولادك أنه في أُسر ما عندهم فواكه، لا تحضر الفواكه يومين ثلاثة لا يحصل شيئاً، كأس شاي، وطن نفسك أنه في أُسر ما عندها أنه كل يوم يوجد طبخة درجة أولى، اعمل يوماً أكلة بسيطة جداً معكرونة فقط ما في غيرها، خلي ابنك متواضعاً، يعرف أن هناك أسر فقيرة.
والله أنا أعرف شخصاً الحمد لله في بحبوحة، اليوم ما في مصروف بابا، من أجل أن تشعر بشعور رفاقك الفقراء، تأدب، اليوم ما في فواكه، أما كلما طلب تعطيه صار لا يحتمل، يوجد شخص بالتعبير الدمشقي: يَقرف ويُقرف، كل شيء مُؤَمَّن، ما عاد يقبل شيئاً دون طموحه، وبهذا الكبر الناس انفضوا عنه.

 

(( اخشوشنوا ))

ولو كنت غنياً 

(( اخشوشنوا، وتمعددوا فإن النعم لا تدوم ))

أيضاً الأب الحكيم، مرة أكلة درجة أولى، مرة أكلة وسط، مرة أكلة بسيطة جداً، مرة في فواكه، مرة ما في فواكه، وأنت مليونير، دع ابنك يحس أن الحياة فيها فقر، فيها حرمان، ولا تعطي ابنك على المدرسة أكلة غالية كثير، لا، يأكلها في البيت، أما في المدرسة مثل أفقر طالب، تفاحة، أو أشياء خفيفة فقط، أحياناً هناك أكلات ثمنها مئتي ليرة ومعه خمسمئة بالحضانة، لا يصح، تعمل فساداً بالمدرسة.
هذا جزء من التربية النفسية لابنك.
أيها الأخوة، أنت حينما تبيّن، لا تحرمه من البيان، بيّن، اليوم لا يوجد خرجية، أو لا يوجد مبلغ من المال مقابل أن تشعر بشعور صديق لك أبوه ما أعطاه شيئاً، يُُعاش من دون هذا المبلغ من المال يومياً، يعاش من دون فواكه بعد الأكل.

(( اخشوشنوا، وتمعددوا فإن النعم لا تدوم ))

[ من كشف الخفاء عن عمر ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور