وضع داكن
01-12-2024
Logo
الدرس : 79 - سورة البقرة - تفسيرالآيات 231-237 أحكام الطلاق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

لا يجوز أن يكون هناك قطيعةٌ بين الزوج وزوجته أكثر من أربعة أشهر:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع والسبعين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الواحدة والثلاثين بعد المئتين، وقبل أن نبدأ بشرح هذه الآيات لابدّ من استعراض آيات الدرس السابق لأنها على اتصالٍ شديدٍ بالدرس الحالي، لكن سأقرؤها وأقف وقفاتٍ سريعة عند بعض أحكامها: 

﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)﴾

[ سورة البقرة ]

لا يجوز أن تكون قطيعةٌ بين الزوج وزوجته أكثر من أربعة أشهر، فإن فاء إلى رشده، وعاملها كزوجة، وعاشرها كزوجة، عليه كفَّارة اليمين، وإلا فيجب أن يُطَلقها، أما أن يبقيها كالمعلقة، لا هي زوجة ولا هي مُطَلقة، هذا مما يرفضه الشرع الإسلامي الحنيف. 

﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)﴾

[ سورة البقرة ]

سميعٌ لما تقولون، عليمٌ بواقعكم، قد يأتي إنسان لحلّ مشكلةٍ زوجية، كلّ يقول على مزاجه، يُلْصق بالطرف الآخر التهم التي يريد، ويُبَرِّئُ نفسه من تهم كثيرة، فالله سميع لما يقول هؤلاء وهؤلاء، لكن فوق أنه سميع هو عليمٌ بالحقيقة، عليم بالواقع، عليم بكذب بعض الأطراف، ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾ والطلاق يحتاج إلى عزم، إلى مراجعة، إلى نية، جمع، طرح، قسَم، ضرب، وازن، حقَّق، محَّص، دقَّق ثم اتخذ قراراً، هذا هو الطلاق، مبنيٌّ على دراسة، أمّا لأتفه سببٍ، لصحنٍ كُسِر، لتأخرٍ في إعداد الطعام، لمشكلة طارئةٍ، يحلف يمين الطلاق، يقول: أيرتكب أحدكم أحموقته، ويقول: يا بن عباس يا بن عباس، وهذا ما يحصل في معظم بلاد المسلمين.
 

الزوج ينبغي أن يتِّقي الله في تطليقه والمرأة ينبغي أن تتقي الله في عدتها:


قال تعالى: 

﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)﴾

[ سورة البقرة ]

أي المرأة حينما تُطلَّق تقتضي السنَّة أن تطلَّق طلاقاً رجعياً، طلقة واحدة في طهرٍ ما مسَّها فيه، هذه الطلقة تتيح لها أن تبقى في بيت الزوجية، وأن تأكل معه، وأن تطبخ له، وأن تتزيَّن له، وهي في متناول يده، وتحت سمعه وبصره، فما من مشكلةٍ بين زوجين تافهة إلا وتتلاشى بعد أيامٍ معدودة، الشرع الحنيف قال: ثلاثة قروء، تسعون يوماً، لو طُبِّق الشرع الحنيف، لو طلَّق الرجال الطلاق السُّني، ما وقع طلاق من مئة ألف طلاق، ولكن مباشرةً طلقات ثلاثة دفعة واحدة، ولأتفه سبب، ويطردها إلى بيت أهلها.
ذكرت لكم، وفي الإعادة إفادة، أن أي مشكلة والزوجة إلى بيت أهلها تتفاقم إلى أن تنتهي بالطلاق، إن أصغر مشكلةٍ وقد خرجت المرأة من بيتها، أو أخرجها زوجها، هذه المشكلة الصغيرة في الأعمّ الأغلب تتفاقم حتى تنتهي إلى الطلاق، وإن أكبر مشكلةٍ، والزوجة في بيت زوجها، لا هي خرجت، ولا زوجها أخرجها، هذه المشكلة الكبيرة تتلاشى بعد أيام.
إذاً ينبغي أن تُطلِّق طلقةً واحدة في طهرٍ ما مسسْتها فيه، وأن تبقَى عندك في البيت تحت سمعك وبصرك، وفي متناول يدك، وتتزين لك، ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ في العالم الإسلامي، وفي عالم الإيمان، لابد من مراقبة الواحد الدّيّان، لابد من أن يخشى الإنسانُ ربَّه فيما بينه وبينه، فهناك في الزوجية أسرار لا يمكن أن نضبطها إلا باعتراف الزوجة، وهناك في الطلاق أسرارٌ لا يمكن أن نضبطها إلا باعتراف الزوج، فالزوج ينبغي أن يتِّقي الله في تطليقه، والمرأة ينبغي أن تتقي الله في عدتها.
 

إذا مضت ثلاثة قروء ولم يُرْجع الزوج زوجته فقد ملكت نفسها:


مضت ثلاثة قروء، تسعون يوماً وهي في بيته، تتزين له، في متناول يده، تحت سمعه وبصره، ولم يراجعها لا بالقول ولا بالفعل، ولو راجعها بالقول أو بالفعل ليس لها خيارٌ في ذلك، يجب أن ترجع إليه، لا تُخيّر لأنها زوجته، أما إذا مضت التسعون يوماً، ثلاثة القروء، ثلاث الحيضات، أو ثلاثة الأطهار ملكت نفسها، هذه أول مشكلة، هذه الزوجة الآن بإمكانها أن ترفض أن تعود إليه، وهذا من حقها، لكن إذا وافقت بإمكانك أن تعيدها إليك بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولا شيء عليك، ولو كان المهر رمزياً.
ثم لك أن تُطلّقها طلقةً ثانية، وأن تتربص في بيتك، وأن تبقى في بيتك، تحت سمعك وبصرك، وفي متناول يدك، تتزين لك، تصنع لك الطعام، تسعون يوماً ثانية، ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار، فإن لم تُرَاجعها لا بالقول ولا بالفعل في هذه المدة ملكت نفسها، قال تعالى:

﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ أزواجه، ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً﴾ أي هو يرجعها لا ليضرها، يرجعها لا ليغيظها، يرجعها لا لتبقى تحت سيطرته، لا، هذا إرجاعٌ فيه ضرر، ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً﴾ .

القانون الذي يضبط العلاقة الزوجية:


الآن، القانون الذي يضبط العلاقة الزوجية: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ كما تُحبّ أن تتزين لك ينبغي أن تتزين لها، كما تحب أن تحترم أمك لأنها أمك ينبغي أن تحترم أمها، إن تكلَّمت كلمة على أمك تُقيم عليها الدنيا ولا تقعدها، أما أنت فتمضي سهرةً طويلة في السخرية من أمها، لا، هذا خلاف الواقع، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ كما تحب إذا أتى أهلك إلى البيت أن تنهض وتصنع العشاء لأهلك ينبغي إن أتى أهلها أن تحتفل بهم كما تأمرها أن تحتفل بأهلك، انظر إلى هذا القانون، أبداً، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ كما أنه إذا مرضت أمك، تغيب عن البيت أياماً طويلة لخدمة أمك وأبيك، كذلك إذا مرض أبوها أو أمها ينبغي أن تسمح لها بالذهاب إليهما، فالإنسان المؤمن المستقيم بالتعبير المعاصر الحضاري: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي كل إنسان يعرف ما ينبغي أن يفعله.
 

الرجل يزيد عن المرأة بدرجة واحدة هي درجة القيادة:


لكن لابدّ في هذه المؤسسة من مدير، من قائد، من صاحب قرار، ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ درجة واحدة، هي درجة القرار، لابد من إنسان واحد يقول: لا أو نعم، الابن يريد أن يسافر وحده إلى بلد غربي، وهو مراهق، وأغلب الظن أنه يسقط في الفاحشة، الأم بدافع من عاطفتها العمياء تحبه أن يسافر، الأب صاحب قرار، لا، انتهى الأمر، لأن بُعْد نظره كبير، وقراره حاسم، وإدراكه أعمق، ومعرفته بالحياة أدق، وخبرته بالمشكلات أعمق، فلابد من صاحب قرار هي هذه الدرجة، درجة القيادة، ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ تسعون يوماً ثم تسعون يوماً، بعد هاتين المرتين: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ أي تُعَاشرها كزوجة، تحترمها كزوجة، شريكة حياتك، لها مثل ما لك، عليها مثل ما عليك، ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ لا تهجر، لا تضرب، لا تُقبِّح، لا تُوبِّخ.
 

معنى التسريح بالإحسان:


﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ ما هو التسريح بالإحسان؟ أنك إذا سرَّحتها وطلقتها ينبغي أن تكف عنها، أما أن تفضحها، أما ألا تدع عليها ستراً، أما أن تُبَالغ في أخطائها، هذا خلاف الآية الكريمة، ﴿تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ لماذا طلقتها؟ والله سبحان الله ما صار نصيب، ما صار انسجام، هل تشكو من أخلاقها؟ أنت لا تشكو من أخلاقها؟ لا والله، إنسانة عفيفة، هل تشكو من رقَّة دينها؟ لا والله، هذا الزوج المؤمن، ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ إما أن تُعَاملها كزوجة معاملة طيبة، ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾ قدَّمت لها مهراً من حقها، الطلاق يُوجب المهر، المُعَجَّل والمؤجَّل، قدمت لها هدايا من حقها، إلا أن هذه المرأة إذا كرهت زوجها كراهيةً ربما أوقعتها في الحرام ممكن، أهل جهلة يزوجون بنتاً في السابعة عشرة إلى رجل في الستين، في الخامسة والستين طمعاً في ماله، فهذه البنت إن لم تُطِق هذا الزوج لهذا الفارق الكبير في السن، لم تُطِق مرضه، ولا متاعبه، ولا شيخوخته، وهي في ريعان الصبا، فربما زلَّت قدمها، ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ .

(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً. ))

[ صحيح البخاري ]

 

معنى الخلع ومعنى الإيلاء:


المرأة إذا كرهت زوجها كراهية لا تُحتمل يمكن أن تفتدي نفسها بحدود المهر، أن تسامحه بالمهر، وربما ردَّت له الهدايا، هذا هو الخُلع، ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ صار عندنا (الإيلاء) حلف ألّا يقرب امرأتَه، دون أربعة أشهر مسموح، إذا حلف ألا يقربها ثلاثة أشهر، ثم وجد الأمر لا يستدعي ذلك، هي مظلومة، فإذا حنث بيمينه عليه كفارة، مسموح أن تُقَاطعها، أو أن تهجرها دون أربعة أشهر، أما أربعة أشهر إما أن تُمسكها زوجة، أو أن تسرحها سراحاً جميلاً.
 

الزواج من زوج ثان يجب أن يكون زواجاً طبيعياً مع الدخول على التأبيد:


الآن الطلقة السُّنية أن تطلق في طهر ما مسستها فيه تطليقة واحدة، ثلاث حيضات بثلاث حيضات، ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ قال: 

﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)﴾

[ سورة البقرة ]

المرة الثالثة، الآن اشتدّ الأمر، ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ زواجٌ طبيعي مع الدخول على التأبيد، فإن كانت العلَّة من الزوجة، في الأعمّ الأغلب سيطلِّقها الثاني، فإن طلَّقها الثاني اقتنعت الزوجة أنها هي السبب، يمكن أن ترجع إلى الأول، وتغيِّر سياستها معه، وإن كان الزوج هو السبب، الثاني لا يتخلى عنها، وقد فقدها الزوج كليةً، أما هذا الذي يتزوج المرأة ليلةً واحدة ليحللها إلى زوجها!! فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( عن علي رضي الله عنه: لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ. ))

[ صحيح أبو داود ]

وسُمِّي هذا في الفقه التيس المستعار، وحينما أراد الله عز وجل أن يقول: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ أراد بهذا أن يردع الأزواج عن أن يجعلوا الطلاق ديدنهم، طلق وأرجع، طلق وأرجع، مرتان، ليس هناك أكثر، هذه امرأة لها كرامتها، ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ إذا طلقها الزوج الذي تزوجها زواجاً طبيعياً ودخل بها وعلى نية التأبيد، إن طلقها لعلةٍ فيها ظهرت له، قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ هذا ملخص الدرس الماضي.
 

الطلاق البدعي:


صدقوني أيها الإخوة، لو طبَّق المسلمون أحكام الطلاق كما أرادها الله عز وجل، لا يثبت طلاقٌ في المئة ألف طلاق، لكن مشكلة المسلم أنه يطلق تطليقات ثلاثة في وقت واحد، عطَّل بذلك القرآن، ماذا قال الله عز وجل؟ قال الله عز وجل: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ جعله مرة واحدة، قال: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾ لم يعزم الطلاق، كان ارتجاليّاً، هذه اثنتان، قال: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)﴾

[ سورة الطلاق ]

عطَّل هذه الآية، هذا الذي يُطلّق طلاقاً ارتجالياً تطليقاتٍ ثلاثة في مجلس واحد، وفي قضيةٍ واحدة، فقد عطَّل ثلاث آيات، وهذا هو الطلاق البدعي، مثلاً: 
* أن تطلقها في طهر مسستها فيه، طلاق بدعي.
* أن تطلقها في حيضة، طلاق بدعي.
* أن تطلقها وأنت في أشدّ حالات الغضب، هذا الطلاق له شروط كثيرة، قد لا يقع عند الذي يغضب غضباً شديداً، لا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض.
* أو إذا طلقها لقضيةٍ لا علاقة لها بها، مثلاً اختلف مع شريكه في العمل، فحلف يمين طلاق، والشريك حنث باليمين، طَلُقَت زوجته. 
إذاً الطلاق البدعي ألا تكون طرفاً في الموضوع، الطلاق البدعي أن تُطَلق تطليقات ثلاثة في جلسة واحدة، الطلاق البدعي أن تُطلق في طهر مسّها فيه، أو في حيضة.
 

يجب أن تراجع الزوجة لا إضراراً بها بل رحمةً بها:


إلى درس اليوم، يقول الله عز وجل:

﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)﴾

[ سورة البقرة ]

طلَّق المرأة مضت أول حيضة، وثاني حيضةٍ، وثالث حيضةٍ، وكادت المرأة أن تطهر من حيضها، أي اقترب الأجل، أول واحدة، ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ تسعون يوماً إلا ثلاثة أيام، ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ يجب أن تُرَاجعها لا إضراراً بها بل رحمةً بها، أمسِكها بمعروف، أي ادخُل إلى البيت هاشّاً وباشّاً، أطعمها مما تأكل، ألبسها مما تلبس، لا توبِّخ، لا تضرب، لا تسفِّه، عاشرها كزوجة، أعطها حقها، قال: هذا هو الحكم الشرعي، ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ لكن هناك من يريد أن يضرّ بزوجته، واللهِ أيها الإخوة كل أسبوع تأتيني قضايا من هذا النوع، قبل أسبوع لا يطلقها، يراجعها لئلا يدفع مهرها، كلما اقترب انقضاءُ العدة راجعها، لا بقصد أن يُعيدها زوجةً، لا، بقصد أن يضرها، قال: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .
 

إياك أن تظلم من لا ناصر له إلا الله:


الآن إذا اقترب انقضاءُ العدة، إما أن تمسكها، أن تُرَاجعها، وإما أن تسرحها، الإمساك بقصد إصلاح العلاقة الزوجية، والتسريح بقصد الطلاق الذي أمر الله به، سراحاً جميلاً من دون فضائح، أخي تقع بالساعة، لم يقولوا لي أهلها، يفتري عليهم، ممكن أن تخترع ألف علة دون أن تُطَالب بإثباتها لكن الله كبير.
والله سمعت عن رجل مهرُ زوجته عالٍ جداً، ضايقها لينجو من هذا المهر، وأهانها، وضربها، وأجاعها، وجعلها خادمة في بيت أهله، إلى أن افتدت نفسها بكل شيء، فلما طلقها صار يتندر بطلاقها، وقد أعانته أمه على ذلك، في لحظة واحدة ارتكب حادث سير هو وأمه أصبحا قطعاً قطعاً، الله كبير، إياك أن تظلم من لا ناصر له إلا الله، إياك ودعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
يقولون إن يحيى البرمكي كان من أقرب الناس إلى هارون الرشيد، كان الرجل الثاني عزّاً، وجاهاً، ومالاً، وقصوراً، أي الشخص الثاني في البلد، والدولة العباسية كانت تحكم ثلث العالم تقريباً، كأمريكا الآن؟ هكذا كانت، فجأة غضب عليه هارون الرشيد وأودعه في السجن، فمرة قال له أحدهم: انظر إلى ما كنت فيه وما أنت فيه!! فقال هذا الإنسان: لعل دعوة من مظلوم غفلنا عنها، وربنا عز وجل يقول: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً﴾ يقول: نعم نراجعها، هذا استهزاء بالآية، نراجعها حتى نغيظها، راجعتكِ، ويُبعدها عن نفسه.
 

نعمة الزواج:


﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ربما لا يتاح لشخص أن يتزوَّج، لا يملك بيتاً، لا يوجد عنده دخل، ويتمنى الزواج!! أما هذا المتزوج الذي عنده زوجة فهذه نعمةٌ كبرى، فالذي يؤذي زوجته، ويُبعدها عنه، ويبالغ في إهانتها، هذا يَكْفر نعمة الزواج، ماذا فعل الزوج المسيء لزوجته؟ كفر نعمة الزواج، والزوجة المسيئة لزوجها كفرت نعمة الزوج، فعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( عن ثوبان: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقاً مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

من غير بأس، تسكن في بيت، تأكل وتشرب، لها مكانة، طلقني، هناك زوجات حمْقاوات، تطلب الطلاق لأتفه سبب، هذه امرأة تَكْفر نعمة الزوج، والزوج الذي عنده زوجة جيدة ويعاملها بإساءةٍ بالغة، أيضاً هذا الزوج يكفر نعمة الزوجة، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ﴾ أنت معك منهج، افعل ولا تفعل، عندك تفاصيل دقيقة جداً في العلاقة الزوجية، ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ قال بعض العلماء: الحكمة هي السنة، الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ . 

على المؤمن أن يمسك بمعروف أو يُسَرِّح بإحسان:


الآن، أول شيء: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ اقترب ميعاد انتهاء العدة، أما الآن: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ هنا الآية الأولى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أي اقترب أجلهن قبل أن تنتهي العدة بأيام، إما أن تمسك، وإما أن تسرِّح، أمسك بمعروف، وسرِّح بإحسان.
 

بعد طلاق الخلع إذا أراد الزوج إرجاع زوجته فعلى الأهل ألا يمانعوا:


أما الآية الثانية: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أي انتهى الأجل، هناك اقتراب الأجل، وهنا انتهاء الأجل، هكذا قال المفسرون، قال: 

﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)﴾

[ سورة البقرة ]

إذا طلقت امرأة خُلْعاً، أي طلقتها تطليقة واحدة، ردت لك الحديقة أو ما أعطيتها إياه، ثم ندمتَ أشدّ الندم على فعلتك، وأردت أن تستعيدها، أهلها أحياناً لا يوافقون، يُصِرون، يتعنَّتون، يحاربون ابنتهم إذا قِبلَتْ أن تعود إليه طبعاً، إذا كان الطلاق خلعاً تطليقة واحدة، تبين منه بتطليقة واحدة، لو أنه ندم وهي ندمت، قال: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ هناك آباء لا يقبلون، ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أرأيتم أيها الإخوة إلى دقَّة الشرع، ما من واحد متزوج أو مُقدم على الزواج إلا وبحاجة لهذه الأحكام، صار هناك خلع، صار هناك ندم، تعنّت الأهل، مادامت ندمت، ومادام راجع الزوجُ نفسَه ورغب في زوجته، فيا أيها الأب، يا أيها العم، يا أيها الأخ لا تكن حجر عثرة في عودة هذا الزواج إلى ما كان عليه، طبعاً: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ لا تمنعوهن، ﴿أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ الإنسان يحب أحياناً أن يروي غليله، يحب أن يوقع الأذى بالآخرين، أما المؤمن فليس عنده هذا الموقف.
 

الحكمة من إرضاع الطفل حولين:


الآن صار هناك طلاق، قال: 

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)﴾

[ سورة البقرة ]

العرب تقول: حَولَين لحولٍ وكسر الحول، لسنة وكسر السنة يقال: حولين، لكن العلماء اكتشفوا أن الطفل في طور الرضاع لا يمكن أن يستقبل الحليب الطبيعي إلا بعد عامين، وقبل هذا التاريخ لا يهضم إلا حليب أمه، وأجهزته لا تستطيع أن تعمل بانتظام إلا بعد عامين، لذلك جاء قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ تأكيداً على تمام الحولين، لأن الذي شرّع هذا التشريع هو الذي خلق الإنسان، حضرت مؤتمراً علمياً عن إعجاز القرآن الكريم في الكتاب والسنة، وقد أُلقيت محاضرة استغرقت ساعتين حول هذه الآية، بأدلة بالغة الدقة، كيف أن الأجهزة في جسم الطفل لا يمكن أن تهضم حليب البقر إلا بعد عامين، أما قبل العامين فكل ما عند الطفل مهيَّأ لهضم حليب أمه، لذلك جاءت الآية الكريمة: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ تأكيداً على تمام الحولين، ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ .
 

يفرض للولد الرضيع رزقاً يتناسب مع دخل والده:


الآن هذا الطفل الذي طُلِّقت أمه، ما مصيره؟ قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ أي على أبيه الذي وُلِدَ له، ومن كلمة وُلِد له يُنسب الابن إلى الأب، ويتحمَّل الأب نفقة ابنه، ﴿رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالمعروف بحسب دخله، كل إنسان له دخل، وله مستوى في الإنفاق، فكسوة هذا الطفل وطعامه وشرابه بمستوى دخل أبيه، والقاضي يقرر كم دخل الأب، يفرض لولده الرضيع رزقاً يتناسب مع دخل أبيه، ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ ولدت، وجاءها خاطب، وعدتها أن تضع حملها، فإذا جاءها خاطب لا ينبغي للأب أن يُلْزِم الأم المطلقة بإرضاع ابنه، إنه إن فعل هذا ألغى زواجها، وجعلها بائرة، إذاً: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ الأم موجودة، وهي أمه، والأب طَلق، يجب أن تُرْضع الأم ابنها، أنتم لاحظتم أن هناك إشارة أنه يوجد حليب القوارير هنا؟! هل الله عز وجل غفل -والعياذ بالله-عن أن هناك طريقة أخرى للإرضاع هي حليب بالقوارير؟ لا نحتاج لمرضعة، ولا نحتاج لأم، القضية الآن محلولة، نغذي هذا الطفل من حليب القوارير، لكن هنا لا نجد ذلك، إما أن تُرضع الأم، وإما أن تأتي بمرضعة، لذلك هذا الذي سأقوله لكم: لا شيء يعدل حليب الأم، أجهزة المولود لا يمكن أن تهضم إلا حليب الأم، فإن سقيته حليب البقر، أو حليب الغنم، أو حليب الماعز، ما الذي يحصل؟ أربعة أخماس الأحماض الأمينية تبقى في الدم، وهذه تصيب المولود حينما يكبُر بآفاتٍ قلبيةٍ ووعائية، بل إن هناك تجربةً أو دراسة رصينة عميقة حول علاقة الذكاء بالإرضاع الطبيعي، جاءت النتيجة أنّ ذكاء أولاد سكان جزر الباسيفيك في الدرجة الأولى، بسبب أن أهل هذه الجزيرة لا يعرفون الإرضاع الصناعي إطلاقاً.

الآية التالية من آيات الإعجاز القرآني:


الشيء الذي لا يُصَدق أن حليب الأم تتبدل نسبه في أثناء الرضعة الواحدة، يبدأ في أول الرضعة بأربعين بالمئة دسماً وستين بالمئة ماء، ينتهي بأربعين بالمئة ماء وستين بالمئة دسماً، تتبدَّل نِسَب الحليب كل يوم بقدرة قادر، حليب معقَّم، يُهضم في ساعة ونصف، فيه مواد مضادة للجراثيم، فيه مواد فيه مناعة الأم بأكملها، بارد صيفاً، دافئ شتاءً، معقم تعقيماً تاماً، يُهضم في أقل وقت، لا يبقى منه أثر في الأوعية، لذلك وهذه آية من آيات الإعجاز القرآني، لا تجد في كل هذه الآيات ما يسمَّى بالإرضاع الصناعي، الحليب البديل، إما أن ترضعه أمه، أو أن ترضعه مرضع، ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ مات الأب، طلَّق ومات، على الوريث أن يؤمن نفقة إرضاع ولد وريثه، ومن هذه الآية استُنبط باب النفقة في الفقه أن الغُرم بالغُنم، الذي يرث بعد الموت يُنفق في الحياة.
 

اختلاف العدة باختلاف حالة الزوجة:


﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا﴾ أرادا أن يفطما هذا الولد، ﴿عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ إن أردتم لسببٍ قاهر طلق زوجته، وجاء من يخطبها، ولم يجد مرضعة، ومضى على إرضاعه سنة وثمانية أشهر، فاتّخذ الأب والزوجة المطلقة قراراً بإنهاء الإرضاع، قال: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ تعطيها الأجرة الكافية، تعطيها مالاً يكفي أن تأكل كي يُصنَّع الحليب من طعامها، تعطيها مالاً مقابل ضياع وقتها، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ الله عز وجل سميعٌ إذا قلتم، بصيرٌ إذا تحركتم، عليمٌ بطواياكم، سميعٌ بصير عليم، بالكلام يسمع كلامكم، بالحركة يرى تحرككم، بالنوايا يعلم نواياكم.
أما هذه المرأة التي يتوفى عنها زوجها، هذه ليست مطلَّقة، هناك ودّ بين الزوجين، توفي عنها زوجها، فعدتها ليست عدة براءة للرحم كالمخلوعة، ولا عدة احتمال صُلحٍ كالمطلقة، طبعاً براءة الرحم تكفي حيضةٌ واحدة، فالتي تطلب الطلاق خلعاً هذه لا تحتاج إلى ثلاث حيضات، حيضة واحدة، يبرأ بهذه الحيضة رحِمُها، أما التي تُطلّق طلاقاً رجعياً لعل الأمر يصلح فيما بعد، جاءت السنة فجعلت عدتها ثلاث حيضات، أما هذه التي توفي عنها زوجها، انفصم عقدٌ من أقدس العقود، عقد الزوجية، هذه عدتها أربعة أشهرٍ وعشرة، ليست قضية براءة رحم، ولا احتمال صلح، توفى الزوج، قضية حِداد على الزوج، ولو أن امرأة بلغت الثمانين، لا يوجد الحيض، ومات زوجها، عدة موت الزوج أربعة أشهرٍ وعشرة.
 

من رحمة الله أن من توفي عنها زوجها فلا مانع من أن تتزوج ثانية:


﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ امرأة توفي عنها زوجها، وأتمت العدة عدة الوفاة، ثم تشوَّفت إلى زواجٍ آخر، لا يوجد مانع، من حقها، من حقها كزوجة، أما في الهند إذا توفي الزوج ينبغي أن تُحرق معه، أبداً، أي إلى سنوات حتى في الريف الآن يموت الزوج هناك يُحرق الزوج، تستلقي زوجته إلى جنبه فيحرقان معاً، هذا تشريع أهل الأرض، أما تشريع خالق الكون: 

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)﴾

[ سورة البقرة ]

دقق في رحمة الله عز وجل، توفي عنها زوجها، لم تكن تنجب، ليس لها أحد، هي في سن مقبول بالثلاثين أو الأربعين، تشوفت إلى زوج، وجاء الزوج، لا مانع، ما فعلت شيئاً، أما هذا الحزن المديد هذا غير شرعي، والله أعرف امرأة مات عنها زوجها في الثانية والعشرين، وهي على جانب كبير من الجمال، وخطبها رجالٌ قِمَم من عِلْيَة القوم، وعندها ولدٌ واحد، فعكفت على تربيته التربية المُثلى، تربية علمية وأخلاقية، وتربية جسمية، حتى صار علماً من أعلام البلد، فهذه امرأةٌ ضحَّت بحظها من الزواج في سبيل تربية ولدها، لها عند الله أجر كبير، لكن لا نُلزم أية امرأة توفي عنها زوجها وهي في ريعان الشباب أن تمتنع عن الزواج، هذا من حقها، أما في الهند فيجب أن تحرق معه، يكون حارقاً قلبها بحياته، وعندما مات حرقها، ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ . 

لا يمكن أن ينعقد زواجٌ في عدَّة المتوفى عنها زوجها أبداً:


ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)﴾

[ سورة البقرة ]

امرأة مات عنها زوجها، أنت قلت كلمة لإنسان قريب لها، أو لإنسانة من محارمك قريبة لها: واللهِ أنا معجب بأخلاق هذه الإنسانة، أي هناك احتمال أن أتزوجها عندما تنتهي عدتها، ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً﴾ لا لقاء، ولا خلوة إلّا أن تنتهي عدة وفاة الزوج، بعدئذٍ تخطبها خطبةً رسميةً كأية امرأة، ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ لا يمكن أن ينعقد زواجٌ في عدَّة المتوفى عنها زوجها أبداً، ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ أي حتى تنقضي عدة الوفاة، أربعة أشهر وعشرة، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ أي لا تخفى على الله خافية، إن أسررت أو أعلنت، أخفيت أو أظهرت، نطقت أو سكت، فأنت عند الله سواء.
 

العقد الباطل والعقد الفاسد:


ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)﴾

[ سورة البقرة ]

صار هناك عقد زواج شرعي بإيجابٍ وقبولٍ وشاهدين ومهر ولم يكن الدخول، ما صار دخول: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ قال: 

﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)﴾

[ سورة البقرة ]

أي إذا تزوج ولم يسمِّ المهر، نحن عندنا قاعدة في الشرع: إذا تزوَّجت ولم تُسمِّ المهر فالعقد ناقص، والعقد فاسد، لكن العقد الناقص أو الفاسد يُصحح بمهر المثل، أما إذا كانت هناك رضاعة بين الزوجين فالعقد باطل، العقد الباطل لا ينعقد أصلاً، أما العقد الفاسد فيُصَحح، فإنسان تزوَّج امرأة لم يسمِّ المهر، قال: لابدّ من أن يعطيها شيئاً تتمتع به من المال لأنها خُدِشت، صار هناك عقد، وعند الناس جميعاً هذه المرأة تزوَّجت، وبارك الناس لها زواجها.
 

حكم الطلاق إن لم يكن هناك دخول:


طبعاً بالمناسبة هكذا يقول بعضهم: زواج الرجل أحد فصول حياته، لكن زواج المرأة كل فصول حياتها، فإذا تزوجت، وبارك الناس لها هو الزواج، وفرحوا بزواجها، وفرحت هي بزواجها، ثم فُوجِئت أن الزوج لا يريدها، هذه مشكلة، شيء انثلم، إناء انكسر، مشكلة ظهرت، قال: لابد من أن تُكرمها إكراماً ينسيها هذا الإخفاق، ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ لم يكن هناك دخول، ولكن الفقهاء احتاطوا: أيّة خلوةٍ تُعَدّ كالدخول، ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ كل زوج له دخل معيَّن، فالموسع يجب أن يكون المبلغ كبيراً، والمُقتر مبلغه بحسب دخله الشهري، ﴿مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ لأنه لا يوجد مهر، قَدِّم لها مبلغاً من المال، قطعة ذهبية ثمينة، شيئاً يُرَمم هذا الثُّلْم الذي جرحها، هذا الكسر الذي أصابها.
 

يترتب على الزوج قبل الدخول نصف المهر إلا أن يعفو ولي الفتاة:


أما: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ عقَدَ عقداً، بعد يومين أراد أن يُطَلق، المهر خمسمئة ألف، ترتَّب عليه مئتان وخمسون ألف ليرة، هل هذا معقول؟ نعم معقول، لأنك جرحت هذه المرأة، أي أقدس عقد بحياتها أخفق، تحطَّمت، فلذلك: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ سهر عندهم سهرة، وتعشى، كلفه هذا العشاء ربع مليون ليرة، هذا ليس معقولاً والله، قال: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ أي إذا كان هؤلاء الأهل وجدوا أن هذا الخاطب الذي عقد عقده على ابنتهم جدَّت معه معلومات، أراد أن يُسافر إلى بلد بعيد، وتمنى أنه ما تزوج حتى يرجع مثلاً، فصار هناك مشكلة، قال: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ إما أنّ الأهل يعفون عن هذا الخاطب الزوج، أو أن يعفو ولي الفتاة، قال: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ حرام أن يدفع ربع مليون على عشاء واحد، انظر لتوجيه ربنا عز وجل، فالأهل عفوك، أخي أنت مسامَح لا نريد شيئاً، أنت لا تُطنش، ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ قدم هدية، انظر إلى دقة التشريع؛ إن تعفو أفضل، وأنت أيها الزوج إن عفوا عنك ينبغي أن تُقدِّم هدية ثمينة، ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ .
 

تذكير بآيات درس اليوم:


أيها الإخوة؛ إذاً هذه الآية: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ* لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ* وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
وفي الدرس القادم ننتقل إلى قوله تعالى: 

﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)﴾

[ سورة البقرة ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور