الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثامن والسبعين من دروس سورة البقرة، ومع الآيات السادسة والعشرين بعد المئتين والتي بعدها، يقول الله عز وجل:
﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)﴾
أيها الإخوة الكرام؛ لأن الله هو العليم الخبير بهذا الإنسان فهذا حكمٌ أساسي فيما بين الزوجين، ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الإيلاء في اللغة الامتناع باليمين، أن تمتنع عن شيءٍ وقد حلفت عليه اليمين، هذا معنى الإيلاء في اللغة، وأما في عُرْفِ الشرع فالامتناع باليمين عن وطء الزوجة، الامتناع باليمين عن اللقاء الزوجي، هذا يحدث بين الأزواج كثيراً، العليم الخبير أعطانا حُكْماً في هذه الحالة؛ أولاً: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ هذه ﴿مِن﴾ أُلحِقت بالفعل ﴿يُؤْلُونَ﴾ ليتضمّن الفعل معنى يمتنعون، أي أن الذين يمتنعون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر، طبعاً جعل الله للأزواج مدةَ أربعة أشهر يمتنعون فيها مِنْ نسائِهم بالإيلاء فإن مضت لابدّ مِن حسم، هذه لا حرب ولا سلم، قطيعة مديدة لا تنتهي!! هذا يتناقض مع حكمة الزواج، لابدّ من حسمٍ بعدَ هذا الوقت، إما أن تبقى كزوجة، وتعامل كزوجة، وتُعَاشر كزوجة، ويُحسَن إليها كزوجة، وإما الفراق، أما هذا الذي يدع زوجته أشهراً طويلة بلا حساب، وبلا اهتمام، وبلا مسؤولية، هذا له حكمٌ في الشرع سوف نراه بعد قليل.
الحكمة من جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر:
جعل الله سبحانه وتعالى مدة أربعة أشهرٍ للأزواج يمتنعون فيها من نسائهم بالإيلاء، فإن مضت فإما أن يفيء الزوج، وإما أن يطلِّق، أيْ إما أن يصحوَ، ويُعَاشر زوجته، ويُعَاملها كزوجة، ويُحسن إليها، أو أن يطلقها، هذه أنْ تبقى المرأة معلَّقة؛ لا هي زوجةٌ يعطيها زوجها حقها، ولا هي مطلقة تبحث عن زوج، هذا وضعٌ خطيرٌ ومَرَضِيّ وقد يفضي إلى الخيانات والانحرافات.
وقبل أن أُتَابع الحديث عن هذا الموضوع، لا ينبغي للإنسان أن يقبل عملاً يبتعد فيه عن زوجته سنةً فأكثر، هذا يُدَمِّر حياته الزوجية، يُدَمره أو يُدمر زوجته، لأن الخالق الكريم، الحكيم، الخبير، جعل مدة أربعة أشهر أطول مدةٍ يمتنع فيها الزوج عن زوجته، وأطول مدةٍ تتحمَّل الزوجة البُعْدَ عن زوجها، وبعد هذا التاريخ لابدّ من عودةٍ أو فصلٍ.
أيها الإخوة؛ اتفق الأئمة على أن المُولي -المولي اسم فاعل من لفعل يؤلون- على أن المولي إذا فاء إلى المُوَاصَلة مع زوجته لزمته كفارة اليمين، شيءٌ بديهي؛ حلف يمين إيلاء ألا يقربها، فإن مضت أربعة أشهرٍ ثم صالحها، وقرَّبها، وعاشرها كزوجة، عليه كفارة يمين تُفْهَم من آياتٍ كثيرة.
أيها الإخوة؛ جعل الله مدة الإيلاء أربعة أشهر، لأن هذه المدة هي المدة التي يمكن كما قلت قبل قليل للزوجة أن تتحمَّل بُعْدَهَا عن زوجها، إن رجع هؤلاء الأزواج إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح فإن الله غفورٌ رحيم، لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل عليهم أن يُكَفِّروا عنها، إذاً كل إنسان يحلف على امرأته يميناً ألا يقربها، هناك أربعة أشهر، إن مضت وقارَبها، عليه كفارة اليمين، ولا شيء عليه بعد ذلك، وتعود الأمور إلى مجاريها، أما إذا امتنع عن ذلك لابدّ أن يطلِّقها.
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)﴾
أي قول الله عز وجل: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي لا يؤاخذكم بتلك اليمين، بل يغفر لكم ويرحمكم.
﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)﴾
الآن دقق، عزم الطلاق، الطلاق قرار مصيري، فكَّر، فكَّر، دقَّق، تريَّث، راجع نفسه، وازن، وضع الإيجابيات على اليمين، والسلبيات على اليسار، ثم اتّخذ قراراً بتطليق زوجته، هكذا الطلاق، أما ساعة غضب بلا مبرر يُطِيح بزوجته، ويشرد أولاده، ويهدم أسرته، فهذا ليس من حقيقة الشرع في شيء، وليس من قصد الشريعة في شيء، قال:
﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾ أي وقع العزم منهم عليه،
﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الله عز وجل يعلم نيَّتك، يعلم مَن هو الظالم، وكلمة:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فيها تهديد، أنت قُلْ ما شئت، ولكن الله يعلم الخفايا، يعلم البواعث، يعلم المبررات، يعلم الأهداف التي عقدت من أجلها الطلاق.
تأديب الزوجة يجب أن يكون من أيام إلى أربعة أشهر:
أيها الإخوة؛ مَن حلف ألا يطأ امرأته ولم يقيِّد ذلك بمدة، أو قيد المدة بزيادة مِن أربعة أشهر، إنسان حلف يميناً مُطْلَقاً ألا يُقَارب زوجته، أو حلف يميناً ألا يُقَارب زوجته سنةً، ما حكمه؟ قال: هذا يمهل أربعة أشهر، فإن مضت فهو بالخيار إما أن يرجع إلى زوجته، وتعود زوجته كما كانت مع كفَّارة اليمين، وإما أن يُطَلِّقها، وعندئذٍ له حكم المُطَلِّق ابتداءً، أما إذا وقَّت يمين الإيلاء دون أربعة أشهر، قال: لشهر، لشهرين، لثلاثة أشهر فعليه أن يبرَّ في يمينه، ويعتزل امرأته التي حلف أن يبتعد عنها، حتى تنقضي المدة، أي مسموح أن يَحلف الإنسان يمين إيلاء يبتعد فيها عن زوجته مدةً تَقِل عن أربعة أشهر، هذا كلام الخبير، أما أربعة أشهر لابد من حسم؛ إما أن تكون زوجة، تُعامل كزوجة، تُعاشر كزوجة، وإما أن يُطْلَقَ سراحها، فتبحث عن زوجٍ آخر، أما وضع المُعَلَّقة لا هي زوجة ولا هي مطلَّقة، هذا وضعٌ شاذٌ قد يُسِيء إساءةً بالغة جداً، وفي بعض البلاد التي تُحرِّم الطلاق أصلاً وقد ينشأ خلافٌ بين الزوجين فيتباعدان، ما الذي يحصل؟ لكل طرفٍ خُلّان، فزواجٌ شكل صوري، والزوج يمين، والزوجة يسار، هذا وضع في الإسلام ليس له وجود إطلاقاً، ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ أي إن أردت تأديب الزوجة يجب أن تؤدِّبها دون أربعة أشهر، من أيام إلى أربعة أشهر، بعد هذه المدة سواءً حَلَفت أن تبتعد عنها سنةً أو سنتين، هذا الوقت لا قيمة له إلا بأربعة أشهر، ما دون هذه المدة لك أن تؤدِّبها بمدة دون أربعة أشهر، هذا ممكن، إذاً يجب أن تَبَرَّ بيمينك، وأن تبتعد عنها المدة التي حلفت عليها يمين الإيلاء.
أراد النبيُّ عليه الصلاة والسلام أن يؤدِّب بعض زوجاته، فحلف أن يبتعد عنهن شهراً، والإنسان قد يجد من المناسب أي هذا الإنسان الزوج إن لم يكن على علمٍ وعلى حكمةٍ فإنه يهدمُ بيتَه لسببٍ تافهٍ، ولسببٍ تافهٍ يشرِّد أولاده، ولسبب تافه يخسر زوجته، أما إذا كان عاقلاً فلابدّ من التأديب، الخلافات الزوجية حقيقةٌ واقعة، الزوجة لها هدف، والزوج له هدف، قد يتناقضان، قد يتحاوران، قد يتشاددان، لابدّ من حسم، الزوج له أن يؤدِّب زوجته بأن يمتنع عنها، يعظها أولاً، يأمرها بالمعروف، ينهاها عن المنكر، قد يبتعد عنها تأديباً.
على الإنسان ألا يجعل اليمين حاجزاً بينه وبين العمل الصالح:
النبي عليه الصلاة والسلام آلى من نسائه شهراً، أما إن أراد أن يُلغي هذا اليمين، إن أراد أن يُقارب زوجته قبل مُضِي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر، حنث في يمينه، ولزمته الكفارة، على كل يمين الإيلاء إذا مضى عليه أربعة أشهر لابد من كفارة، أولاً: تقديراً للزوجة، وثانياً: تأديباً للزوج، أما إذا حلف أن يبتعد عنها شهراً، ثم رأى أن هذا الأمر لا يستدعي هذه العقوبة، فأراد أن يحنث بيمينه لزمته كفارةٌ إذا قاربها قبل هذا الشهر، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديثِ:
(( عن أبي هريرة: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ. ))
وهذه قاعدة أساسية، أكثر الناس في ساعات الغضب يحلف يميناً ألا يزور أخته، ألّا يُقرض إنساناً مبلغاً، ألا يفعل معروفاً، ألا كذا، ساعة غضب، فلأنك مخلوق للعمل الصالح، فالله جلّ جلاله من خلال النبي عليه الصلاة السلام سمح لك أن تحنث بيمينك، وأن تفعل الذي هو خير، أي لا تجعل هذا اليمين حاجزاً بينك وبين العمل الصالح، أنت مخلوقٌ للعمل الصالح.
معنا مثل قريب؛ قرأ إنسانٌ كتاباً في كلية الطب مثلاً، رآه معقداً جداً، ضاقت نفسُه، لم يفهم منه شيئاً، فحلف يميناً ألا يقرأ كتاباً في هذه الكلية!!! مستقبله، مصيره، مرتبته العلميّة، زواجه مبنيٌ على التخرُّج، هل يُعْقَل أن يَبَر بيمينه؟ لا، نقول له: احنث بيمينك، وكفِّر عنه، وافعل الذي هو خير.
قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قال: هذا أيضاً تهديد ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ بما يقع في الأنفس والبواطن من المُضارّة والمضاجرة بين الأزواج.
الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال:
إخواننا الكرام؛ هناك أشياء تزعج الزوج، وهناك أشياء تزعج الزوجة، لكن القضاء لا يطالها، القضاء لا يمكن أن يُثبتها، قد تُظْهر أمام الناس أنك تحبها، وأنك تكرمها، وأنك تُقدِّم لها كل شيء، وأنت في الحقيقة تبالغ في الإساءة إليها، دون أن يطالك القانون أو الأحكام القضائية،
إنسان يُهين زوجته فيما بينه وبينها، لا يوجد شاهد، يمتنع منها إضراراً بها، يعاملها لا كزوجة، بل أقل من زوجة، هناك أساليب كثيرة يفعلها الأزواج ولا يحاسبون عليها لا بالقضاء ولا بالقانون، بل هناك أشياء قد يفعلها الزوج لا تستطيع الزوجة أن تبوح به أمام أهلها، وتخاف أن تبوح به، وهناك زوجاتٌ تَفعلن شيئاً مع أزواجهن ولا يطالُهنَّ القضاء، فالله عز وجل يقول:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي هو عليمٌ بهذه الأعمال التي تُسِيء إلى الطرف الآخر، تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المُضارّة والمُضاجرة بين الأزواج في أمورٍ لا تأخذها الأحكام، ولا يمكن أن يصل إليها علمُها للحُكَّام، فجعل هذه الأشياء مكشوفةً عند الله عز وجل والله يحاسب عليها فقال:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ولذلك رأى العلماء أن الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال، ممكن يدّعي إنسانٌ أنه رأى في بيته رجلاً ويطلق امرأته، وهو مُصَدَّق، مَن يُحاسبه إذا كان مخطئاً؟ أحياناً يريد إنسانٌ أن يخرج من مهر زوجته فيتهمها بالزنا، وهذا شيء يقع، مَن الذي سيحاسبه؟ مَن الذي سيبطش به؟ إنه الله عز وجل:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)﴾
الدين يقوم على المسؤولية أمام الله عز وجل:
قد يصطلح الزوج مع زوجته، وتهبه بيتها إكراماً لهذا الصلح، يأخذ البيت ثم يُطلَّقها، هناك من يفعل ذلك، أي هذه المرأة التي تكيد للزوج، وهذا الزوج الذي يكيد للمرأة، مَن سيحاسبهما؟ هناك أشياء ظاهرة بين الزوجين يمكن أن تصل إلى علم الحُكَّام، أما هناك أشياء لا يعلمها إلا الله، فإذا قال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ هذا تهديدٌ من الله عز وجل، لذلك الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال، كما أن العِدَدَ والاستبراء أمانة في أيدي النساء، قضايا الرحم، ودم الحيض، والاستبراء، هذه مَن يعلمها؟ متروكة أمانة بيد الزوجة، والطلاق أمانة بيد الزوج، أي الدين يقوم على المسؤولية أمام الله عز وجل.
لآتيكم بمثل آخر: لو أن إنساناً ذهب إلى بلدٍ غربي، وتزوّج امرأةً في مركز إسلامي، شيخ، إيجاب، قبول، مهر، شاهدان، كل شروط العقد الصحيح متوافرة في هذا العقد، فلو نوى التوقيت، مَن يعلم هذه النية؟ الله وحده، الله جلّ جلاله يعلم هذه النية التي تتناقض مع حِكمة الزواج، لذلك عندنا أحكام ظاهرية، وعندنا خبايا داخلية، الخبايا الداخلية الله جلّ جلاله مُطّلعٌ عليها.
هناك شيء آخر: أمَر اللهُ عز وجل الأزواجَ أنْ يتربَّصن أربعة أشهر، وأمر النساء أن تتربَّصن مدة الإقراء الذي ذكره الله في آيةٍ أخرى.
يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه سمع امرأةً تُنشد شعراً وهي وحيدةٌ في البيت، فسأل ابنته حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة على زوجها؟ قالت: أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك.
أحياناً تجد بلداً يحتاج إلى مهندس بلا زوجة، والإجازة بعد سنة، هذا مخالف للشرع، يرفضون أن يأتي مع زوجته، يريدونه وحده بلا زوجة، وله زوجة، هي بحاجة إليه، وهو بحاجة إليها، فهذا الذي يفعله بعض مَن يطالبون بموظفين بلا زوجاتهم يقع فساد كبير، لذلك أي شيءٍ يخالف منهج الله عز وجل ينشأ عنه فسادٌ وأي فساد.
من طُلِّقت طلاقاً رجعياً تتربص بنفسها ثلاثة قروء:
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)﴾
طبعاً آيات الفقه تحتاج إلى دقَّة، وتحتاج إلى صبر، لأنها أحكام دقيقة جداً يُبْنَى عليها الشرع، قال: هذا أمر للمطلقات بأن يتربصنّ بأنفسهن ثلاثة قروء، نشأ خلاف بين الزوجين، والخلاف شيء طبيعي، الزوج في ساعة غضب، غضب طبيعي أيضاً، طلق امرأته، لعل هذا الطلاق ظهر في وقت غضب، وفي حالة غضب، لعله يندم بعد حين، لعله يتمنَّى بعد حين لو لم يكن هذا الطلاق منه، اللهُ عز وجل خبيرٌ بهذا الإنسان، فقال: المطلقة التي طُلِّقت طلاقاً رجعياً تتربص بنفسها ثلاثة قروء، طبعاً القرء هو الحيض أو الطهر على اختلاف بين العلماء، المرأة تنتظر الحيضة الأولى يمرُّ شهر، إن كلَّمها ووضع يده على يدها، فقد راجعها، وانتهى الأمر، لكن حُسِبت طلقة.
تصور إنساناً بساعة غضب حلف يميناً، بعد يوم ضعف هذا الموضوع، برد، بعد يومين لم يبقَ شيء، نَدِم على هذا اليمين، بكل بساطة، بكل يُسر بإمكانه أن يسترجع زوجته، يكفي أن يقول لها: راجعتك، يكفي أن يضع يده على يدها، وانتهى الأمر، فقد راجعها، لكن حُسِبت طلقة، الله عز وجل لما سمح لك بالطلاق سمح لك بالطلاق الذي جاء به النبي وفق سنة عليه الصلاة والسلام، حلفت يمينَ طلاقٍ في ساعة غضب، ثم وجدَت بعد حين أن هذا الأمر لا يستدعي هذا اليمين، القضية محلولة، تُرَاجعها لفظاً أو عملاً، وانتهى الأمر، لكن حُسِبت طلقة.
عقد الزواج هو أقدس عقد وهذا هو الميثاق الغليظ:
لو تصورنا أن هذه المرأة مضى شهرٌ لم يراجعها فيه، القضية أكبر، فجاءتها الدورة، القرء، ثم جاء الطهر، دخلت في مرحلة ثانية، شهر ثانٍ، في بيته تتزين له، تُعِدُّ له الطعام، هي في البيت عنده، وتحت سمعه وبصره، وفي متناول يده، فلعل هذا اليمين كان ظالماً، لعله كان في ساعة غضب، لعله كان في ساعة طَيْش، لعله كان مضغوطاً خارج المنزل، الشرع حكيم، حفاظاً على هذه العلاقة المُقدَّسة التي هي أقدس علاقة على الإطلاق، عقد الزواج أقدس عقد على الإطلاق،
هذا الميثاق الغليظ، فمن أجل المحافظة عليه، ذلك أن الزواج وُجِد ليبقى لم يوجد لينهار، فلها أن تتربَّص بنفسها شهراً آخر، لمجرد أن يُرَاجعها قولاً أو عملاً أصبحت زوجته لكن حُسِبَت طلقة، أعطاه أول فرصة، أول قرء، شهر، ثم حاضت وطهرت وبدأ القرء الثاني، شهر ثانٍ، ثم حاضت وطهرت وبدأ القرء الثالث، شهر ثالث، في القرء الثالث عندما ينتهي القرء الثالث أي الطهر الثالث، وتأتي الدورة، وتمضي، وتتطهر هذه المرأة، ملكت نفسها، أعطينا الزوج ثلاثة قروء، ثلاثة أطهار مع ثلاثِ حيضات، أي أعطينا الزوج تسعين يوماً، فإذا كان الأمر لا يُحتمل ولا يُقْبَل ولا يستساغ لا يستمر في البعد عن زوجته هذه المدة!! أرأيت إلى حكمة الشرع، طلق تطليقة، هذه التطليقة مع تسعين يوماً فرصة كي يُرَاجعها وكي يستعديها وكي تعود زوجته كما كانت، لذلك قال تعالى:
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)﴾
مَن يتق الله في تطليق زوجته يطلقها طلاقاً سنياً، يجعل الله له مخرجاً إلى استعادتها، أغلب الظن الإنسان يحب زوجته، أغلب الظن يُطلِّق في ساعة غضب، أغلب الظن الأمر الذي رآه كبيراً يتضاءل.
بالمناسبة، إذا كانت الزوجةُ في بيت الزوجية، أكبر مشكلة بين الزوجين تتضاءل مع مرور الأيام، أما إذا خرجت من بيت زوجها، هي خرجت، أو طردها زوجها، فأصغر مشكلة بين الزوجين تتفاقم، وقد تنتهي بالطلاق، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)﴾
بعد مرور ثلاثة قروء لا يمكن للزوج أن يسترجع زوجته إلا بعقد ومهرٍ جديدين:
ما دامت الزوجة في البيت أكبر مشكلةٍ بينك وبينها تتضاءل حتى تنتهي، أحياناً يمين طلاق ينتهي بعد يومين، بعد أسبوع، بعد عشرة أيام، بعد عشرين يوماً، بعد شهرٍ، بعد شهرين، يملك الزوج مهلةُ تسعين يوماً، لعله أخطأ، لعله كان غاضباً، لعله بالغ، لعل هذا الأمر لا يستدعي هذا الطلاق، أعطاه الشرع تسعين يوماً، أما حينما تتطهَّر من الحيض الثالث فقد ملكت نفسها.
الآن كيف يُرجعها؟ عملية بسيطة بمهرٍ وعقدٍ جديد، عقد بسيط جداً، لأنها ملكت نفسها، انتظرت تسعين يوماً، وكانت مع زوجها كل يوم معه، تحت سمعه وبصره، وفي متناول يده، وهي تتزيَّن له كل يوم، وهو بحاجة إليها، وهي بحاجة إليه، ومع ذلك لم يُقَاربها، ولم يُراجعها، ملكت نفسها، الآن لابد من أن تسترجعها بعقدٍ ومهر جديدين، لم يسترجعها، الآن ملكت نفسها، الآن هي مخيرة.
بالمناسبة، في أثناء التسعين يوماً هي ليست مخيَّرة، ليس لها الخيار، يكفي أن يقول لها: راجعتك، فقد رجعت إليه زوجةً، يكفي أن يُرَاجعها عملياً فقد رجعت إليه زوجة، أما حينما تمضي القروء الثلاث، الأطهار الثلاث، أو الحيضات الثلاثة، وتغتسل، ملكت نفسها، الآن لا يمكن أن يسترجعها إلا بعقد ومهرٍ جديدين.
الآن نشأ خلاف ثانٍ، هذه طلقة أولى، استرجعها بعقد، حُسِبَت عليه طلقة، في الحالين سواء استرجعها أو لم يسترجعها حُسِبت عليه طلقة، أما إذا استرجعها ضمن التسعين يوماً استرجعها بلا مهر ولا عقد، أما إذا استرجعها بعد تسعين يوماً استرجعها بمهر وعقد، رجعت إليه، ورجعت حليمة لعادتها القديمة وطلقها مرة ثانية، أيضاً قرء حيض أو طهر مضى ثلاثون يوماً بثلاثين يوماً بثلاثين يوماً، تسعون يوماً مرة ثانية، ما هذه القضية الكبيرة؟ إذا لم تكن القضية محتملة، ولا تُقْبل، ولا تُستساغ، إن لم تكن القضية التي بين الزوجين أخرجته من جلده لا يستمر الزواج، انظر الضمانات بالشرع، ضمانات مذهلة، أي الطلاق حالة قد لا يُلْجَأ إليه إلا في حالات نادرة جداً، لأن الله يرضى عن الزوجين إذا تعاونا، ويغضب عليهما إذا تفرَّقا، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكن وعاء بخاري قد ينفجر له صمام أمان هو الطلاق، له صمام أمان هذا الصمام في كل وعاء بخاري لئلا ينفجر له صمام من مادة بلاستيكية، فإذا ارتفع الضغط إلى درجة غير محتملة، بدل أن ينفجر هذا الوعاء، هذه المادة البلاستيكية تسيخ ويخرج البخار من هذا الوعاء دون أن ينفجر، هذا هو الطلاق.
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إذاً بيدها أمانة، لعل هناك حملاً تحرك في بطنها، لها عدة خاصة، ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ الآن أنواع العِدَد؛ المدخول بهن من ذوات الأقراء، أي امرأة تحيض وقد دُخِل بها عدّتُها ثلاثة قروء، أما غير المدخول بها فلا عِدَة عليها لقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)﴾
المرأة التي لم يُدْخل بها ليس لها عِدَّة، المرأة التي دُخِل بها، ومن ذوات الأقراء تحيض وتطهر، عدتها ثلاثة قروء، وأما اللاتي لم تحض بعد فعدّتُها ثلاثة أشهر، إن لم تحض ثلاثة أشهر، إن كانت تحيض عدّتها ثلاثة قروء، إن لم يدخل بها ليس لها عدة.
الطلاق أمانة بيد الزوج وقضية ما خلق الله في أرحام النساء أمانة بيد النساء:
قال تعالى:
﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)﴾
التي لم تحض بعد عدتها ثلاثة أشهر، ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ أما الحامل فعدتها وضع الحمل، ﴿وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ فهذه الآية عامةٌ، حامل عدتها أن تضع حملها، لم تحض بعد، أو يئست من المحيض عدتها ثلاثة أشهر، امرأة دُخِل بها وهي تحيض عدتها ثلاثة قروء، امرأة لم يدخل بها ليس لها عدة.
أيها الإخوة؛ قال: القُرء من ألفاظ الأضداد يُطلق على الحيض والطهر معاً، أية امرأةٍ لها أن تحسب على أساس الحيض أو على أساس الطهر معاً، قال: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ خلق اللهُ في الرحم ولداً، قطع الحيض، وصار هناك حمل، ينبغي أن تصرِّح بذلك وإلا فهي عند الله آثمة، أحياناً تدَّعي أنها حامل لشيءٍ تريده، أو تدّعي أنها لا تزال في الحيض لعلّةٍ تريدها، هذه مسؤوليتها، وهي وحدها مُحاسبةٌ عن ذلك، وقد ردَّ اللهُ عز وجل الأمرَ إليهنّ، وتوعَّدنّ فيه لئلا يُخبرنَ بغير بالحق، الطلاق أمانة بيد الزوج، وقضية ما خلق الله في أرحام النساء أمانة بيد النساء.
السنة بينت متى تُضرَب الزوجة:
قال تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ أي بإرجاعهن، زوج يحب زوجته، نشأ خلاف، طلقها طلاقاً رجعياً، هناك مَن يعترض، هناك من يُسهم في إحداث شرخ في هذه الأسرة، الله عز وجل يقول: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ أي بإرجاعهن، يقول تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً﴾ الإنسان أحياناً يسترجع زوجته ليؤذيها، يُطلقها، تحيض وتطهر، يتركها تسعين يوماً، قبل بيوم يسترجعها، ثم يطلقها ثانيةً، يمهلها تسعين يوماً، ثم يُراجعها، عملية مئة وثمانين يوماً، القصد هو الإيذاء، فقال: الزوج يسترجع زوجته إن أراد الخير، أما أن يجعل هذا من أجل إيذائها، هذا محاسب عليه حساباً شديداً، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عن جابر في حديث حجة الوداع: اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. ))
يقول بعضُهم: الله أمر بضرب النساء، مَن قال لك ذلك؟ قال تعالى:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾
جاءت السنة فبينت متى تضربها؟ أي إن أدخلت على بيتك رجلاً تكرهه، رجلاً أجنبياً، هذا عمل كبير جداً، فأنت بين أن تضربها وتؤدبها وأن تبقيها زوجةً لك وبين أن تطلقها، وقد تنحرف، فأيهما أفضل لها أن تؤدبها وأن تبقيها زوجة أم أن تُسَرّحها فتنحرف؟ جاءت السنة فبينت متى تُضْرَب المرأة، ((وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) .
في آية أخرى يقول الله عز وجل:
﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)﴾
[ سورة البقرة ]
أحياناً يراجع الإنسانُ زوجتَه لا حبّاً لها، ولا تنفيذاً لأمر الله، ولكن ليؤذيها، بلغها أن هناك إنساناً لو أنه طلقها لتزوجها، فصار يُراجعها ويغيظها ويؤذيها، هذا الذي لا يريده الله عز وجل.
(( عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ. ))
هذا حقّ الزوجة على زوجها.
(( وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ. ))
هذه قواعد عامة في تنظيم العلاقة بين الزوجين.
أمثلة من الكتاب والسُّنة تبين ضوابط العلاقة بين الزوجين:
(( وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.))
(( ثم يقول عليه الصلاة والسلام: عن طلق بن عليّ: إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ. ))
(( وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ. ))
(( عن ابن عباس قال: إني أحبّ أن أتزين للمرأة كما أحبّ أن تتزين لي المرأة، لأن الله تعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ـ وما أحب أن أستنطف حقي عليها، لأن الله تعالى يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.))
[ سنن البيهقي الكبرى، ومصنف ابن أبي شيبة عن عكرمة ]
لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ هذه ضوابط العلاقة بين الزوجين وردت في هذه الآية.
المعروف هو ما قبله العقل ووافق كرم النفس وأقرَّه الشرع:
الآن ما هو المعروف؟ الآية الكريمة وهي دقيقة جداً: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ما هو المعروف؟ قال: المعروف ما عرفته الطباع السليمة ولم تنكره، أو ما قَبِلَه العقل ووافق كرم النفس وأقرَّه الشرع.
لكن كيف تُنَسَّق العلاقة بين الزوجين؟ هناك مَن يدّعي أن الزوجة ليست مطالبة بخدمة زوجها، هذا كلام لا أصل له، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، ولو لم يكن هذا صحيحاً لما فعل ذلك، قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت إذاً هناك من يقول: ليس عليها خدمة البيت، مثيلاتها الزوج يعمل خارج البيت، وعليها أن تطبخ، وأن تنظف، وأن تُربي الأولاد، وأن تُرضع، طبعاً لهذا بحث طويل عالجته مرة في خطبة، هناك مَن يدّعي أن للرجل أن يستمتع بها فقط، هذا الذي عليها، ما سوى ذلك ليست مكلفةً به، بل إن بعضهم بالغ في ذلك وقال: ليس عليها إرضاع أولادها، عليه أن يأتي بمرضعة!! أي طفل يموت من الجوع، وأمه ليست مكلفةً أن ترضعه، هذا كلام غير مقبول إطلاقاً، إلا إذا أنت خطبت ابنة ملك، وهي مخدومة في قصر أبيها، يجب أن تأتي لها بمن يخدمها، هذه حالة نادرة جداً، من دخل مثل هذا المدخل فليهيِّئ نفسه لذلك، ما سوى ذلك أنت غير مكلف إلا أن تعاملها بالمعروف كما هو معروف بين الناس، الآن كل الزوجات يطبخن، وينظفن، ويغسلن، ويربين أولادهن، ويرضعن أولادهن، هذا الشيء المعروف، الطباع تقبله، والعقول تقبله، والشرع يؤكده.
أنا أستغرب كيف أن هناك مَن يخطب، ويقول العكس، ليس لها لا أن تخدم، ولا أن تطبخ، ولا أن تُنظف، ولا أن تُرضع، عقد الزواج قضية استمتاع فقط، هذا كلام لا يقبله العقل السليم، ولا الفِطَر السليمة، ولا الشرع، ولا فِعْل النبي عليه الصلاة والسلام، إذ قضى على ابنته فاطمة، وهي فلذة كبده، أن تخدم سيدنا علياً في البيت، قال العلماء: على أن المرأة عليها أن تخدم زوجها، أما إذا كانت مِمَّن تُخدَم فينبغي أن تأتي لها بمن يخدمها، هذه القاعدة.
الرجل قوّام على المرأة بدرجة واحدة وهي درجة القيادة:
ثم يقول الله عز وجل: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ درجة واحدة، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ هذه درجة القيادة، لابدّ لهذه المؤسسة من قائد، لابد لهذه الأسرة من رجل صاحب قرار، يوجد في كل مكان بالعالم، بكل مجتمع، بكل مؤسسة، بكل مستشفى، بكل مدرسة، بكل معمل، يوجد إنسانٌ صاحب قرار يقول: نعم أو لا، وهذا البيت لا ينجح إلا بقائد، هذا القائد صاحب قرار، هذا معنى قول الله عز وجل: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ أي زيادة، أحياناً يكون ضابطان كبيران في ثَكنة، لابد أن يكون أحدهما قائداً آمراً للثاني، ولو كان الفرق أياماً بالتخرج، يقول لك: متقدم، وهكذا في البيت لابد من صاحب قرار إنه الزوج، طبعاً قال الله عز وجل:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾
متى تملكُ القِوامة على زوجتك؟ إن كنت أعلم منها، وإن كنت أفضل منها، وأكثر منها تديّناً، وأكرم منها أخلاقاً، وتنفق عليها طبعاً، أما إذا كان يعيش على معاشها، وأخلاقه شرسة جداً أمام أخلاقها، هي لها القِوامة، هذا معنى قول الله عز وجل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا. ))
[ صحيحٌ حسن رواه الترمذي ]
لِعِظم حقه عليها، حديث صحيح حسن رواه الترمذي.
الحكمة من تحريم استعادة الزوجة إلا بعد أن تتزوَّج زواجاً حقيقياً طبيعياً على التأبيد:
أيها الإخوة؛ قال الله عز وجل بعد ذلك: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ أي ليس لك أن تعيدها كل مرة، مسموح لك مرة، تسعون يوماً، لك أن تراجعها في هذه الأيام التسعين، وإن مضت لك أن تعقد عليها عقداً جديداً، أما ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ الثالثة طلاق بينونة كبرى، انتهت، ملكت نفسها، ولن تستطيع أن تستعيدها إلا أن تتزوَّج زواجاً حقيقياً طبيعياً على التأبيد، ثم يطلقها زوجها، ما حكمة ذلك؟ إنسان أساء لزوجته، طلقها التطليقة الأولى، ولم يراجعها، ومضت الأيام التسعون، ثم طلقها ثانية، وأساء إليها ولم يرجعها، ومضت التسعون الثانية، الآن انتبه إن كنت تحبها، وإن كانت مصلحتك تنعقد معها، إن طلَّقتها مرة ثالثة لن تستطيع أن تراها ثانية إلا في حالة تعجيزية، أن يأتيها خاطب فيخطبها على أنها زوجة على التأبيد، زواج طبيعي على التأبيد، ثم يُطلقها، فإن طلقها لزوجها الأول أن يستعيدها، ما الذي يحصل؟ إن كانت هي المسيئة، أغلب الظن أنّ الزوج الثاني سوف يُطلِّقها، لأن العلة نفسها، عندئذٍ تدرك أنها هي السبب، لعلها إن رجعت إلى زوجها الأول تُغيِّر من خطتها، وإن كان الزوج الأول هو المسيء، تزوجها الثاني لا يمكن أن يطلقها، فعلاً حلٌّ حاسم، إن كان الزوج مسيئاً فالزوج الثاني لن يطلقها استقرّت عنده، وإذا كانت العلَّة منها، هي المسيئة، الزوج الثاني سوف يطلقها، عندئذٍ تعود إلى نفسها هي الآثمة تعود إليه، أمَّا ما يجري قلت لكم: زواج حقيقي، مع الدخول، مع نية التأبيد، هذا هو الشرع، ما سوى ذلك انحرافٌ بالدين.
لعن الله الزوج الذي يدخل بالمرأة ليلةً واحدة كي يحللها لزوجها:
هذا الزوج الذي يدخل بالمرأة ليلةً واحدة كي يحللها لزوجها، قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن عليِّ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ. ))
دخول ليومٍ واحدٍ منْ أجل تحليلِها هذا عمل من أعظم الآثام، والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام لعنه، زواجُ إغلاق باب دون دخول، لا يصح، يجب أن يدخل بها، هذا الزوج الشرس يجب أن يعلم أنه لن يستعيدها إلا إذا التقى بها رجل، ألا تغار؟!! إلا إذا جاءها زوجٌ آخر، فلذلك هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً التيس المستعار لليلةٍ واحدة، هذا تزويرٌ في الدين والدين منه بريء، زواجٌ آخر عادي، طبيعي، مبني على رغبة أبدية، نِية التأبيد منعقدة، لو أنه طلقها يستعيدها الزوج الأول، أي: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ وبعدها: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ زوجة، يطعمها مما يأكل، يلبسها مما يلبس، لا يحتقرها، لا يضربها، لا يهينها، لا يحرمها ما تشتهي، زوجة عادية.
الطلاق يجب أن يكون من دون فضائح ومن دون كشف للعيوب:
﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ بربكم هل وجدتم طلاقاً بين المسلمين إلا ومعه فضائح؟! الله عز وجل يقول: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ طلَّقها، ما السبب؟ والله لا يوجد تفاهم فقط، تنافر طباع، والله هي ممتازة، ولكني أريد شيئاً آخر، أما لا يبقي عليها ستراً مغطًّى، بعيوبها الجسدية، نفَّر الناس منها، فضحها، هذا مجرم.
ما معنى قول الله عز وجل: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ تطلِّقها فقط، من دون فضائح، من دون أن تكشف كل عيوبها للناس، ما قولك بإنسان يختلق عيوباً ليست موجودة؟!! والله هناك من يفعل ذلك، يخترق عيوباً ليست موجودة، يتَّهمها بأشياء لم تقع إطلاقاً، يُشوِّه سمعتها بين الناس، هذا سوف ينتقم ربُّنا عز وجل منه أشدَّ الانتقام.
سمعت قصة أن رجلاً تزوج امرأة على جانب من الجمال، لكن هي ملتزمة التزاماً شديداً، ولها أب ربَّاها تربية عالية، هو يريدها نموذجاً آخر؛ يريدها أنْ تختلط مع أصدقائه، تذهب إلى الملاهي، إلى الفنادق، إلى البحر، هذا نمطه، صار هناك عدم تثبت، رفضت، رفضت، رفضت، ومهرها غالٍ جداً، دبَّرت أمُّه مكيدةً كي تطلب الخُلع من دون شيء، أمرته أن يسيء معاملتها، أن يأتي بعد نصف الليل كل يوم، أن يضربها، أن يشتمها، أن يُجيعها، أن يهين أهلها، مارس معها هذا العمل أشهراً عديدة، ولها مهر كبير جداً، حتى طلبت هي الخلع، دون أن تأخذ شيئاً، وهذا الذي كان، بعد حين تزوج فتاة أخرى تروق له وتقبل نمطه في الحياة، وأصبح يتندَّر لخلاصه مِن مهر الأولى، كلما وقع في أزمة ونجاه الله منها يقول: نجونا كما نجونا من مهر فلانة، مرة من المرات راكب بسيارته هو يقود السيارة، وزوجته الجديدة عن اليمين، وأمه خلفه، وأبوه خلف زوجته الجديدة، أربعة ركاب، صار حادث مُروّع، مات فوراً وماتت أمه معه، ونجا أبوه الذي كان يُنْكِر على زوجته ما تفعله مع زوجة ابنها، الله عز وجل حينما يبطش يكون بطشُه شديداً، الشيء الذي يهتز له عرش الرحمن أن تظلم امرأة ضعيفة، أن تتهمها بشيء هي بريئة منه، أو أن تُحَمِّلها ما لا تطيق، أو أن تُسيء معاملتها، أو تبتزَّ مالها، هذا الشيء له ثمن باهظ عند الله عز وجل، ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ .
الآية التالية أصلٌ في الخلع:
الآن قدَّمت لها حليّاً، قدمت لها مهراً، تطلقها وتستحق المهر المُعجّل والمُقدَم والحلي، ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ أي هو لا تحبه، ويمكن أن تنحرف إذا بقيت عنده، فافتدت نفسها منه بمهرها، أُسامحك بالمهر على أن تطلقني، هذا هو الخلع، هذه الآية أصلٌ في الخلع، ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ .
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ -أي أخلاقه عالية، ودينه جيد-وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ –لا أحبه-فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً. ))
الزواج لا ينعقد إلا إذا وافقت الزوجة وهذا من تقدير الدين للمرأة، النبي عليه الصلاة والسلام حينما خطَّب ابنته استأذنها: ألكِ اعتراض؟ وأي أبٍ يُجبر ابنته على الزواج من إنسان لا تحبه يخالف الشرع بهذا.
((قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)) هذا هو الخلع ((اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)) أي إذا رفضت الزوجةُ زوجَها لعلّة فيه، هو تَكلَّف، ودفع مهراً، له أن يستردّ كل شيء، فالمخالعة تفتدي المرأة نفسها من زوجها بمهرها كله أو بعضه.
لا ينعقد الزواج إلا بموافقة الأب والبنت معاً وهذا هو شرع الله عز وجل:
إذاً يقول الله عز وجل: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ .
أيها الإخوة؛ الفتاة لها طموح، كيف هناك صندوق له مفتاحان، لا يُفتح إلا بالمفتاحين معاً، وعقد الزواج يحتاج إلى موافقتين؛ موافقة الأب لأنه خبير بالرجال؛ يعلم أخلاق الرجال, يعلم انحراف الرجال، الأب هو الضمانة، الأب أعجبه الخاطب، لكن شكله لا يُرضي الفتاة، يجب أن توافق هي، لا ينعقد الزواج الا بموافقة الاب والبنت معاً، وهذا هو شرع الله عز وجل، جميعاً أنتم حينما تكونون في عقد قران المأذون يتوجه إلى مكان ليستمع بأذنه من البنت هل أنت موافقة على فلان وعلى المهر الفلاني؟ إن قالت: نعم، انعقد الزواج، إن قالت: لا، الزواج لا ينعقد، والزواج باطل.
الملف مدقق